ستجد من كلام النبي صلي الله عليه وسلم ووصفه للدجال ان خلق الدجال خلقا مُهجَّنا بين الادمي والشيطاني "آدمي-جني"" وقد تناولنا تحقيق ذلك في صفحة من هذه المدونة بالتفصيل فراجعها
صفات الدّجال الخلقية:
لقد ذكر النبي عليه
الصلاة والسلام كثيراً من أوصاف الدّجال وأحواله، حتى يتعرف الناس عليه إذا ظهر
فيهم، ويحذرون شرّه، لكن مع شديد الأسف تجد أن كثيراً من الجهّال يفتنون به،
ويتبعونه، لكن المؤمن يعرف تماماً أن هذا هو الدّجّال الذي وصفه النبي عليه الصلاة
والسلام، فتعال أنا وأنت لنتعرف على صفات الدّجال.
هو رجلٌ من بني آدم،
يهودي، عقيم لا يولد له ولد:
أخرج الإمام مسلم عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:” صَحبت ابن صياد إلى مكة، فقال لي: أما قد لقيت
من الناس؟ يزعمون أني الدّجّال ألستُ سمعت رسول الله عليه عليه وسلم يقول: إنه لا
يولد له، قال: قلتُ: بلى.. ” أخرجه مسلم.
= وفي رواية عند الترمذي: ” ما لكم ولي يا أصحاب محمد عليه الصلاة
والسلام ألم يقل نبي الله : إنه يهودي وقد أسلمت؟ وقال: لا يولد له، وقد ولد لي؟.
= وعند الترمذي أيضاً:
أو ليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هو عقيم لا يولد له ولد؟ وقد تركتُ
ولدي بالمدينة.
== ولم يرد في اسم
الدّجال، واسم أبيه، ونسبه ومولده حديث صحيح، وكل ما ورد في هذا الشأن ضعيف مثل
الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود الطيالسي عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي
عليه الصلاة والسلام قال: يمكث أبو الدّجال وأمه ثلاثين عاماً، لا يولد لهما ولد،
ثم يولد لهما غلام أعور، أضر شيء وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه، ثم نعت
لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أبويه، فقال: أبوه طُوال ضرب اللحم، كأن أنفه
منقار، وأمه فِرضاخية، طويلة الثديين…” الحديث لا يصح.
= وهو شاب عظيم الخلقة
ضخم الجسم:
أخرج الإمام مسلم عن
فاطمة بنت قيس رضي الله عنه في قصة الجساسة، وفيه قال تميم رضي الله عنه:” فانطلقا
سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه، وأشد وثاقاً.
عظيم الرأس عريض
النحر:
أخرج الإمام أحمد عن
أبن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الدجال. كأن رأسه
أصلة، أشبه بعبد العزى بن قطن.”
=وأخرج البزار عن
الفلتان بن عاصم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” أريت ليلة
القدر، ثم أنسيتها، ورأيت مسيح الضلالة، وأما مسيح الضلالة، فرجل أجلى الجبهة،
ممسوح العين اليسرى، عريض النحر، كأنه عبد العزى بن قطن.
: أفحج الرجلين
فقد أخرج أبو داود عن
عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم” إنِّي قد
حدَّثتُكم عن الدَّجَّالِ ، حتَّى خشيتُ ألَّا تعقِلوا ، إنَّ مسيحَ الدَّجَّال
رجلٌ قصيرٌ أفحج جعدٌ أعور مطموسُ العينِ ليس بناتئة ولا حجراءَ ، فإن ألبس عليكم
فاعلَموا أن ربَّكم ليس بأعورَ” صحيح أبي داود.
إن بشرته سمراء
صافية، ووجنتهُ محمرة:
أخرج البخاري ومسلم
عن أبي عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:”فذهبتُ ألتفتُ،
فإذا رجلٌ احمرُ جسيمٌ، جعدُ الرأس، أعورُ، عينه عنبةٌ طافيةٌ، قلتُ: من هذا،
قالوا: هذا الدّجال، وأقربُ الناس به، شبهاً ابن قطن. قال الزهري: رجلٌ من خُزاعة،
هلك في الجاهلية”. صحيح البخاري.
شعرهُ كثيفٌ أجعَد:
أخرج الإمام مسلم عن
النواس بن سمعان رضي الله عنه في حديث:”نَّهُ شابٌّ قطَطٌ، عينُهُ قائمةٌ، كأنِّي
أشبِّهُهُ بَعبدِ العزَّى بنِ قَطنٍ، فمَن رآهُ منكُم، فليقرَأْ علَيهِ فواتحَ
سورةِ الكَهْفِ، إنَّهُ يخرُجُ مِن خلَّةٍ بينَ الشَّامِ، والعراقِ، فعاثَ يمينًا،
وعاثَ شمالًا، يا عبادَ اللَّهِ اثبُتوا، قلنا: يا رسولَ اللَّهِ وما لبثُهُ في
الأرضِ؟ قالَ أربعونَ يوماً، يومٌ كَسنةٍ، ويومٌ كَشَهرٍ، ويومٌ كَجُمعةٍ، وسائرُ
أيَّامِهِ كأيامِكُم، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ فذلِكَ اليومُ الَّذي كسَنةٍ،
تَكفينا فيهِ صلاةُ يومٍ؟ قالَ: فاقدُروا لَهُ قدرَهُ.
صفة عين الدّجال:
إن عينهُ اليمنى
مطموسة ممسوحة، كأنها عنبة طائفة” بالهمز” أي اختفى ضوئها، ولا يُبصر بها، وهي
ليست بناتئة، ولا حمراء، وهذه صفة حبةُ العنب، إذا ذهب ماؤها، وبقيت القشرة،
فكأنها لم تُخلق. وأما عينه اليسرى التي يبصر بها، فمتقدةٌ خضراء، كأنها كوكبٌ من
شدة توقدها، غير انها جاحظةً؛ كأنها زجاجة خضراء بارزة، أو عنبة طافية”بلا همز” أي
ناتئة كنتوء حبة العنب من بين أخواتها، أو كأنها نخاعة في جدار محصص، وفيها أيضاً
جليدة أو لحيمة نابتة عند الموق، كأنها ممزوجةً بالدم. فهو أعور العينين معاً؛ لأن
العور هو العيب، والأعور من كل شيء. أما المعيب غير أن كل عين عوراء من وجه،
فالعينُ اليمنى عوراء حقيقةً لذهابها وذهاب ضوئها، فإنها ممسوحةً مطموسة، واليسرى عوراء
بعينها اللازم من مونها جاحظة، وعليها ظفرةً، فكل واحدة منها يصحُ وصفها بالعور،
بحقيقة العرف، أو بمعنى العور الأصلي.
===========
المسيح الدّجال:
المسيح الدّجال: وهو
الذي يُعدّ خروجه من العلامات الكبرى للساعة، وهو أعظمُ فتنة تحصل على وجه الأرض،
وهو شخصٌ يبتلي الله الناس به، ويُمكنّهُ من خوارق كثيرة، يضل بها الناس، فيُرسلُ
معه الخصب وزهرة الدنيا، وغير ذلك مما يقع بمشيئة الله تعالى وقدرته حتى إنه
يمنحهُ قدرةً على قتل رجلٍ ثم إحياءه، استدراجاً له وامتحاناً لغيره، ولذلك سُميّ
باسم مسيحُ الضلالة، ثم يعجزه الله سبحانه وتعالى فلا يقدر على قتل ذلك الرجل مرةً
أخرى، ولا على غيره، ثم يُبطل أمره، ويقتله مسيح الهدى عيسى ابن مريم. وهو يتدرجُ
في دعواه، فيدّعي الصلاح، ثم بعدها النبوة، ثم الإلهية، ويظهر الخوارق، وقد اقتضت حكمة
الله أن يكون تكذيب دعواه بحالته ونقص صورته، وعجزهُ عن إزالة العيب الذي في عينيه
كلتيهما، من أجل أن تقوم الحجة على العامة والخاصة بأنه كذاب.
وهو فتنةٌ عظيمة جداً
تُدهش العقول، وتُحيّر الألباب، ومع سرعة مرورهِ في الأرض، فيُعتبر به رعاة الناس،
وهو لا يمكث بينهم بحيث يتأملون حاله، ويطلّعون على العيب الذي فيه، ولهذا حذرت
الأنبياء أمُمها من فتنته، ولا سيما محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فإنه خارجٌ في أمته
لا محالة.
ما هو السر في تسميته
بالمسيح الدّجال:
يقول ابن الأثير كما
هو في جامع الاصول: بأن الدّجال سميّ مسيحاً؛ لأن عينه الواحدة ممسوحةً، والمسيح
الذي أحد شِقّي وجهه ممسوحٌ، لا عين له ولا حاجب، كما جاء في الحديث الذي أخرجه
الإمام مسلم وهو” إن الدّجال ممسوحُ العين”،
وهو”فعيل”، بمعنى مفعول، بخلاف المسيح عيسى ابن مريم، فإنه”فعيل” بمعنى: فاعل،
سُمّي به؛ لأنه كان يمسحُ المريضُ فيبرأ بإذن الله تعالى.
أما كونه سُمي دجالاً
فهذا الشيء يكون لعدة أسباب منها:
سُمي الكذّاب دجالاً؛
وذلك لأنه يغطي الحق بباطله، فيُقال: دَجل البعير بالقطران: إذا غطاهُ، والإناء
بالذهب: إذ طلاهُ، فأصلُ الدّجل: هو التغطية.
وسُمي دجالاً أيضاً؛
لأنه يغطي الحق بالكذب. وقيل لأنه يغطي الأرض.
ويُقال للدّجال: هو
المُموه الكذّاب، ويقال سيفٌ مدجل: إذا طُلي، ويقال: دجلتُ السيف: أي موهتهُ
وطليتهُ بماء الذهب.
ويقال: إن الدّجال:
وهو ماء الذهب الذي يُطلى به الشيء فيُحسن باطلهُ، وداخله خزفٌ أو عود، وسُمي
الدّجال بذلك ؛ لأنه يُحسن الباطل.
إذا أطلق لفظ المسيح
فإنما يدل على مسيح الهدى عيسى ابن مريم، لكن إذا ذكر الدّجال، فإنه يذكر مقيداً
بالصفات الملازمة له، فيقال: مسيح الضلالة، أو المسيح الدّجال، أو الأعور الدّجال،
أو الدّجال بدون إضافة.
ويُطلق البعض على
الدّجال اسم المسيح الدّجال” وهذا تصحيف، كما نقل ذلك ابن حجر في فتح الباري عن
القاضي عياض أنه قال: ضلّ قومٌ فرووه”المسيخ” بالخاء المعجمة، بينهما بقوله في
الدّجال: مسيح الضلالة” فدلّ على أن عيسى مسيح الهدى” فأراد هؤلاء تعظيم عيسى،
فحرّفوا الحديث.
أيضاً لم يرد حديث
صحيح يدل على اسم الدّجال، واسم أبيه، ونسبه، ومولده.
عقيدة أهل السنة في
الدّجال، وذكر المخالفين:
قال النووي في شرحه
لمسلم، قال القاضي: إن هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدّجال حجة
لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخصٌ ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من
مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه،
وجنته وناره، ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض
أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد
ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل، ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى ويُثبت الله
الذين آمنوا. وهذا مذهب أهل السنة، وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافاً لمن
أنكرهُ وأبطلَ أمرهُ من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة، وخلافاً للبخاري المعتزلي
وموافقيهِ من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود، ولكن الذي يدعي مخاوف وخيالات،
لا حقائق لها، وزعموا أنه لو كان حقاً لم يوثق بمعجزات الأنبياء عليهم صلاة الله
وسلامه، وهذا غلطٌ من جميعهم؛ لأنه لم يدّع النبوة، فيكون ما معه كالتصديقِ له،
وإنما يدّعي الإلهية، وهو في نفس دعواةٍ مكذّب لها بصورة حالة، ووجودِ دلائل
الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه، وعن إزالة الشاهد
بكفره المكتوب بين عينيهِ.
ولهذه الدلائل وغيرها
لا يغتر به إلا رعاعٌ من الناس لسدّ الحاجة والفاقة؛ وذلك رغبةً في سد الرمق، أو
تقية وخوفاً من أذاه؛ لأن فتنتهُ عظيمةً تدهش العقول، وتحيّر الألباب مع سرعة
مروره في الأرض، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنقص،
فيُصدقهُ من صدّقة في هذه الحالة.
==============
من علامات الدجال –
فتنة الدهيماء:
أولاً: جاء في
حديث الفتن العظام عن عبد الله بن عمر وفيه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
“ثم فتنة الدهيماء لا تدع ُ أحداً من هذه الأمة إلا لفطمتهُ لطمةً، فإذا قيل انقضت
تمادت يُصبح الرُجلُ فيها مؤمناً ويُمسي كافراً حتى يصير الناسُ إلى فسطاطين
فُسطاط إيمان لا نفاق فيه وفُسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا
الدّجال من يومه أو من غدِهِ” أخرجه أبو داود.
إنّ هذا الحديث يُشير
إلى فتنة الدهيماء، وهي الفتنة السوداء المظلمة التي تكون بين يدي خروج الدّجال
وعلامة ًمن علاماتهِ والموطئةِ لخروجه، وهذه الفتنة تتميز عن غيرها من الفتن بأنها
أشبهُ الفتن بفتنة الدّجال مع فارق في الدرجة، ولئن كان حظ فتنة الدجال في معيار
الفتن مئةً بالمئه فإنّ حظ فتنة الدهيماء يكون تسعين بالمئة، لذا من أراد أنّ يعرف
حقيقة هذه الفتنة ومعالمها فليدرس فتنة الدّجال وحبائلهِ وأتباعه، فإنه سيعيش مع
نفس الوصف من الدّجل والتلبس على الناس والتضييق على عباد الله، وسيكون أتباع هذه
الفتنة وأنصارها هم طليعة أتباع فتنة الدّجال، طبعاً مع مراعاة الفارق في الدرجة
بين الفتنتين.
وقد بينت علاقة هذه
الفتنة في نهايتها بحسرِ الفرات عن جبل من ذهب، وكذلك علاقتها بآية الدخان
وعلاقتها بخروج المهدي، وهذه الأحداث مترابطة ومتصلة ومتشابكة.
من علامات الدجال –
وقوع أمور عظيمة قبل خروج الدجال:
عن سمرة بن جندب رضي
الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في خطبتهِ بعد كسوف الشمس، حيث جاء
فيها: “وإنهُ والله لا تقوم السّاعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الدّجال
ممسوح العين اليُسرى، ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أموراً يتفاقم شأنها في أنفسكم
وتساءلونَ بينكم هل كان نبيّكم ذكر لكم منها ذكراً وحتى تزول جبالٌ على مراتبها.
وفي رواية الحاكم وابن أبي شيبة: عن مراسيها” أخرجه أحمد.
شرح الحديث:
هذا الحديث سبق شرحه
في الحدث الكوني والشاهد فيه هنا هو أنّ خروج الدّجال يسبقه بعض الأمور العظيمة
التي تتأثر بها الأمة كلها، بل يتحيرون متسائلين: هل هذه العظائم لها ذكر في هدي
النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا يشير إلى مدى خطورة ما سيقع والذي من بينها زوال
الجبال، وقد فصلت القول في تصوراتي لهذه العظائم في الحدث الكوني، فراجعة، وفي ظني
أن إرهاصات هذه العظائم قد بدأت في عصرنا، ونسأل الله السلامة.
====================
من علامات خروج
الدجال – حصول القحط:
عن أسماء بنت يزيد
رضي الله عنها قالت: كنّا مع النبي عليه الصلاة والسلام في بيته فقال: “إذا كان
قبل خروج الدّجال بثلاث سنين حبست السماءُ ثُلث قطرها، وحبست الأرض ثلث نباتها،
فإذا كانت السنة الثانية، حبست السماءُ ثلثي قطرها، وحبست الأرض ثُلثي نباتها،
فإذا كانت السنة الثالثة حبست السماء قطرها كلّه، وحبست الأرض نباتها كلّه، فلا
يبقى ذو خُفّ ولا ظلف إلا هَلَكَ”. أخرجه أحمد.
إنّ هذا الحديث يُشير
إلى تغيرات مناخية ملحوظة على مدى ثلاث سنوات، بما يترتب عليه المحل والمجاعة،
وهذا يتناسب مع خروج الدّجال وفتنته، وهذه المرحلة تكون فيما بين الملحمة العظمى
وفتح القسطنطينية، حيث تبدأ الإرهاصات المعززة لفتنة الدّجال بالظهور بشكل تدريجي.
والمعلوم أنّ هذه
المرحلة هي مرحلة بناء العالمية الثانية للإسلام، ويتضح من الآثار أنّ عملية
البناء بعد الانتصارات تتمخض عن بعض الشدائد من باب الابتلاء، وهي أشبه بمرحلة
طالوت التي نال الجيش فيها جهده وبلغ فيه العطش مداه قبل أنّ يبلغ النهر ليكتمل
الابتلاء بالتضييق عليه بأمر رباني يحدد مستوى الشرب منه من باب الاختبار.
– جاء في حديث تميم وسؤال
الدّجال لهم حيث قال: “أَخْبِرُونِي عن نَخْلِ بَيْسَانَ، قُلْنَا: عن أَيِّ
شَأنِهَا تَستَخبِر؟ قالَ: أَسْأَلُكُمْ عن نَخْلِهَا، هلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا له:
نَعَمْ، قالَ: أَما إنَّه يُوشِكُ أَنْ لا تُثْمِرَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن
بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ
فِيهَا مَاءٌ؟ قالوا: هي كَثِيرَةُ المَاءِ، قالَ: أَما إن مَاءَهَا يُوشِكُ أَن
يَذهَبَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن عَيْنِ زُغَرَ، قالوا: عن أَيِّ شَأْنِهَا
تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ في العَيْنِ مَاءٌ؟ وَهلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بمَاءِ
العَيْنِ؟ قُلْنَا له: نَعَمْ، هي كَثِيرَةُ المَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِن مَائِهَا”.
شرح الحديث:
إنّ هذا الحديث يشير
إلى بعض علامات خروج الدّجال، وعامتها في بلاد فلسطين، لعل هذه العلامات لها علاقة
بالجفاف الذي سيحل بالأرض حتى يستفيد ماء البحيرات كبُحيرة طبرية، ويستفيد المياه
الجوفية كعين زغر، ويُؤثّر على أكثر النبات تحملاً كنخلِ بيسان، وذكر هذه العلامات
على وجه الخصوص لتميم رضي الله عنه ومن معه لأنهم من أهل هذه الأماكن، والحديث
الذي سبقه يشير إلى أنّ حالة القحط تكون عامة.
كذلك هذه العلامات
يعانيها أهل الشام على وجه الخصوص، وهم في تلك المرحلة يمثلون بيضة المسلمين ورمز
قوتهم وعقر دارهم كما بينت في فصل المهدي.
----------------------
المطولات من أحاديث
الدجال:
إنّ هذا المبحث أثرت
أنّ أذكر فيه الأحاديث الطويلة المفصلة لفتنةِ الدّجال وما بعدها، ومن ذكر هذه
الأحاديث بقسم خاص أمرين:
الأول: إنّ الأحاديث
الطويلة تبين طبيعة فتنة الدّجال بشكل تسلسلي، وتَصورها بشكل متكامل يعين على
فهمها.
الثاني: هذه
الأحاديث كنت قد اجتزأت منها، خاصة الحديثين الأولين، في المواطن التفصيلية بما
يناسب كل مكان، لذا رأيت هنا أنّ أذكرها حسب روايتها الطويلة ليلتئم في نظر القارئ
مجموع الأجزاء التي اجتزأتها، ولا يلتبس عليه الأمر إذا أراد أنّ يرجع إلى المصادر
الأصلية.
عن النوّاس بن سمعان
رضي الله عنه قال: “ذَكَرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ
الدَّجَّالَ الغداةَ، فخَفضَ فيهِ ورفعَ، حتَّى ظننَّا أنَّهُ في طائفةِ النَّخلِ،
فلمَّا رُحنا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، عَرفَ ذلِكَ فينا،
فقالَ: ما شأنُكُم؟ فقُلنا: يا رسولَ اللَّهِ ذَكَرتَ الدَّجَّالَ الغداةَ،
فخفَضتَ فيهِ ثمَّ رفعتَ، حتَّى ظننَّا أنَّهُ في طائفةِ النَّخلِ، قالَ: غيرُ
الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكُم: إن يخرُج وأَنا فيكُم فأَنا حجيجُهُ دونَكُم، وإن
يخرُجُ ولستُ فيكم، فامرؤٌ حجيجُ نفسِهِ، واللَّهُ خَليفتي على كلِّ مسلمٍ، إنَّهُ
شابٌّ قطَطٌ، عينُهُ قائمةٌ، كأنِّي أشبِّهُهُ بَعبدِ العزَّى بنِ قَطنٍ، فمَن
رآهُ منكُم، فليقرَأْ علَيهِ فواتحَ سورةِ الكَهْفِ، إنَّهُ يخرُجُ مِن خلَّةٍ
بينَ الشَّامِ، والعراقِ، فعاثَ يمينًا، وعاثَ شمالًا، يا عبادَ اللَّهِ اثبُتوا،
قلنا: يا رسولَ اللَّهِ وما لبثُهُ في الأرضِ؟ قالَ أربعونَ يومًا، يومٌ كَسنةٍ، ويومٌ
كَشَهْرٍ، ويومٌ كَجُمعةٍ، وسائرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكُم، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ
فذلِكَ اليومُ الَّذي كسَنةٍ، تَكْفينا فيهِ صلاةُ يومٍ؟ قالَ: فاقدُروا لَهُ
قدرَهُ، قالَ، قُلنا: فما إسراعُهُ في الأرضِ؟ قالَ: كالغَيثِ استَدبرتهُ الرِّيح، قالَ: فيأتي القومَ فيدعوهُم
فيستَجيبونَ لَهُ، ويؤمنونَ بِهِ، فيأمرُ السَّماءَ أن تُمْطِرَ فتُمْطِرَ، ويأمرُ
الأرضَ أن تُنْبِتَ فتُنْبِتَ، وتَروحُ عليهم سارحتُهُم أطولَ ما كانت ذُرًى،
وأسبغَهُ ضروعًا، وأمدَّهُ خواصرَ، ثمَّ يأتي القومَ فيدعوهم فيردُّونَ علَيهِ
قولَهُ، فينصرِفُ عنهم فيُصبحونَ مُمحِلينَ، ما بأيديهم شيءٌ، ثمَّ يمرَّ
بالخَربَةِ، فيقولُ لَها: أخرِجي كُنوزَكِ فينطلقُ، فتتبعُهُ كنوزُها كيَعاسيبِ
النَّحلِ، ثمَّ يَدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربُهُ بالسَّيفِ ضربةً، فيقطعُهُ
جزلتينِ، رَميةَ الغرضِ، ثمَّ يَدعوهُ، فيقبلُ يتَهَلَّلُ وجهُهُ يَضحَكُ، فبينَما
هم كذلِكَ، إذ بعثَ اللَّهُ عيسى ابنَ مريمَ، فينزلُ عندَ المَنارةِ البيضاءِ،
شَرقيَّ دمشقَ، بينَ مَهْرودتينِ، واضعًا كفَّيهِ على أجنحةِ ملَكَينِ، إذا طأطأَ
رأسَهُ قَطرَ، وإذا رفعَهُ ينحدِرُ منهُ جُمانٌ كاللُّؤلؤِ، ولا يحلُّ لِكافرٍ
يجدُ ريحَ نَفَسِهِ إلَّا ماتَ، ونفَسُهُ ينتَهي حيثُ ينتَهي طرفُهُ، فينطلقُ
حتَّى يُدْرِكَهُ عندَ بابِ لُدٍّ، فيقتلُهُ، ثمَّ يأتي نبيُّ اللَّهِ عيسى، قومًا
قد عصمَهُمُ اللَّهُ، فيَمسحُ وجوهَهُم، ويحدِّثُهُم بدرجاتِهِم في الجنَّةِ“.
======
طعام المؤمنين في
زمان الدجال:
– قال الله تعالى: “قال
عيسى ابنُ مريم اللهم ربّنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا
وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خيرٌ الرازقين” المائدة:114.
– عن عائشة رضي الله
عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكَرَ جهداً شديداً يكونُ بين يدي الدّجال
فقلتُ: يا رسول الله فأينَ العربُ يومئذٍ؟ قال: “يا عائشة العربُ يومئذٍ قليل.
فقلتُ: ما يُجزئُ المؤمنين يومئذٍ من الطعام؟ قال: ما يُجزئ الملائكةِ التسبيحُ والتكبير
والتحميدُ والتهليلُ قلت: فأي المال يومئذٍ خيرٌ؟ قال غلامٌ شديد يسقي أهله من
الماء، وأما الطعامُ فلا طعام”. أخرجه أحمد.
– عن ابن عمر رضي الله
عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سئلَ عن طعامِ المؤمنينَ في زمن الدّجالِ
فقال: “طعام الملائكة، قالوا: وما طعامُ الملائكةِ؟ قال: طعامهم منطقهم بالتسبيح والتقديس فمن كان منطقهُ يومئذ التسبيح
والتقديس أذهبَ اللهُ عنهُ الجوع فلم يخشَ جوعاً”. أخرجه الحاكم في الفتن.
شرح الأحاديث:
يتضحُ من الحديثين
السابقين، وغيرهُ من الأحاديث أنّ المؤمنين لا يُحرمون من عناية الله تعالى بهم،
فإنّ ثباتهم على الحق وصبرهم عليه يُثابون عليه خير الثواب، باستغنائِهم عما جبلوا
عليه من طلب للطعامِ يسدون به رمقهم ويُعتاضون به بطعامِ الملائكةِ ألا وهو
التسبيح.
إنّ الحديثان
السابقانِ يشهدُ لهما واقع الكرة الأرضية قبل وفي زمان الدّجال، حيث أنهُ يعم
القحط الأرض قبل الدّجال، ويُعزز ذلك الدّجال في حربه على المؤمنين فيشحُ الطعام في
أيديهم، فيُجزئهم عنه التسبيح الذي يجعلهُ الله سبحانه وتعالى كرامةً لهم وسبباً
في دفعِ الجوع كالطعام، والأمر كله لله تعالى.
ويتضحُ أيضاً من
الحديث الأول بأنّ التسبيح يُجزئ عن الطعام، أما الشراب فنظراً لتوفر أسبابهِ بين
أيديهم ببعض السعي، فلا يُعوضهُ التسبيح.
إنّ هذه الكرامة توضحُ
لنا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام عن الدّجال أنهُ أهون من ذلك، أيّ أحقر من
أنّ يقهر المؤمنين بقطعِ أسباب الحياة عنهم، وما يراه المفتونون به من قطع أسباب
الحياة كالطعام عن المؤمنين، عوضه الله تعالى لهم بأمر خفي عن الناس، وهو حصول
الشبع أو سدّ رمق الجوع بأمر غير مرئي للناس.
والذي أنزل مائدة من
السماء على عيسى
عليه السلام وأتباعه في أول أمره قادر على أن ينزل مائدة على أنصار ملة الحق ممن
يستحقون نزول عيسى عليه السلام في آخر أمره، ولعلّ كون التأييد لأهل الحق في ذلك
بطعام غير معهود فيه من الحكم الكثير، منها: استدراج الدّجال وأتباعه المفتونين به،
حيث يرون غروراً من أنفسهم أنهم قادرون على كل شيء، وهذا من تمام الفتنة بهم والمد
في غيهم وطغيانهم، ومنها أنّ المؤمنين في ذلك الوقت ناسب حالهم من الاستغناء عن الدّجال وشهواتهِ
وطعامه، أنّ يرزقوا صفة الاستغناء حقيقة عن أهم عناصر الحياة البشرية، ومن يستغنِ
يغنه الله، ومنها أنهم استحقوا وهم في شدتهم وقيامهم على عمل الملائكة أنّ يكونوا
مثلهم في الاستغناء عن الطعام.
=============
من الأمور التي تعصم
المسلمين من الدجال – العلم والصبر واليقين:
يقول الله تعالى:
“فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ
وَمَثْوَاكُمْ” محمد:19. وقال تعالى أيضاً: “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ”
السجده:24.
فإن الموقع أو المكان
لا يقدسهُ عمله الذي قدمه، فإنّ كان الشخص من أهل العلم واليقين والصبر، فلا أثر للدجال
عليك حتى لو قدر الله لك مواجهته بنفسك، ولنا عبرة في قصة الرجل الذي واجهه فما
ازداد في هذه المواجهة التي تضمنت عجائب عظمى إلا إماناً وتصديقاً، فيأتي هنا سؤال
وهو ما الذي عصم هذا الرجل؟ إن الذي عصمهُ هي ثلاثة أمور وهي:
الأول: العلم بحقيقة
هذه الفتنة، وحدودها وطبيعتها، لذا فقد وجدنا أنه عندما رأى الآيات من الدجال، ما
زاده ذلك إلا بصيرة وتصديقاً لما عهده من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
الثاني: وهو الصبر،
فقد تعرض لبلاء عظيم، فما كان منه إلا الصبر الذي أعقبه الدرجات العظمى عند الله
تعالى.
الثالث: وهو
اليقين، وهو رأس الأمر كله ووِعاؤه الذي يحفظ به كل خير، فهو العاصم للصبرِ والعلم
من تخلل الخور والضعف والغفلة والتأويل، فقد يعلم الرجل فتنة الدّجال وحقيقتها؛
إلا أنه يضعف أمام الشدائد، وتغزو الشبهات قلبه، فيقع في المصيدة، وقد علمنا أنّ
بعض أتباع الدّجال، ولكن حرموا الصبر على الشدائد، وغاب عن قلوبهم نتائج أتباعه،
وغاب شمس اليقين بحقيقة الدنيا والأخرة عن سماء قلوبهم فوقعوا.
واليقين هو روح
الإيمان ونوره الذي يتلألأ في قلب المؤمن، وهو خير ما وقر في القلب، ويظهَر أثره
في عموم حياة المؤمن، وخصوصاً في زمن الدّجال، فعندما تشتدُ عليه الأمور من حصار
وجوع غيره، بأنه اليقين بالله تعالى ووعده من جنات النعيم ويقينه بما أخبر به رسوله
فيمدهُ بما يصبره على تلك الشدائد، ويجنبه عواصف الشبهات.
=============
الأماكن المعصومة من
الدجال:
أولاً: عن أبي
هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “يأتي المسيح من قِبل المشرق همتهُ
المدينة حتى ينزلَ دُبُر أحُد ثم ّ تصرف الملائكة وجههُ قبل الشام وهنالك يهلكُ”.
أخرجه أحمد.
ثانياً: عن محجن بن
الأدرع أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خطبَ الناس فقال: “أنَّ رسولَ الله
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطب النَّاس وقال: يومُ الخلاصِ وما يومُ الخلاصِ؟ يوم الخلاصِ
وما يومُ الخلاص؟ يوم الخلاصِ وما يومُ الخلاص؟ ثلاثًا، فقيل له: وما يوم
الخلاصِ؟ قال: يجيء الدجالُ فيصعد أُحُدًا فينظر المدينة فيقول لأصحابه: أترون هذا
القصرَ الأبيضَ؟ هذا مسجِدُ أحمدَ، ثم يأتي المدينةَ فيجِدُ بكلِّ نَقبٍ منها
ملكًا مُصلتًا فيأتي سبخةَ الجرفِ فيضرب رواقَه، ثم ترجفُ المدينةُ ثلاثَ رَجفاتٍ
فلا يبقى منافِقٌ ولا مُنافِقةٌ ولا فاسِقٌ ولا فاسقةٌ إلا خرج إليه، فذلك يوم
الخلاصِ”. أخرجه أحمد.
من حديث فاطمة بنت
قيس، في قصة تميم الداري والجساسة، أن الدّجال قال لهم : “وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية
إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن
أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل
نقب منها ملائكة يحرسونها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في
المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك فقال الناس
نعم فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة”. رواه
مسلم.
إنّ الحديث فيه إشارةً
عجيبة وهي أنّ المسجد النبوي الذي كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام عند ذكره
لهذا الكلام عبارة عن عريش من الجريد سيصبح أشبه بالقصر العظيم المنيف ولونه يكون
أبيضاً، ومن ينظر إلى المسجد النبوي في هذا العصر يجدّ مصداق كلام رسول الله صلّى
الله عليه وسلم.
إنّ الحديث يؤكد ما ذكرت
أنّ آثار فتنة الدّجال تكون على ذوي القلوب المريضة، وهي من هذا الوجه ممحصة
للقلوب، وكاشفة لحقيقتها، فإن قدوم الدّجال نحو المدينة وحصاره لها، ووقوع الرجفات
الثلاثة، والله أعلم بحقيقتها يُحرك ذوي النفوس المريضة من أصحاب الشهوات، أو ممن
يعبدون الله على حرف، فيخرجون للدّجال نصرة له، وخروجهم خيرٌ للمؤمنين، لذا سمى
النبي عليه الصلاة والسلام ذلك اليوم بيوم الخلاص، أي خلاص المدينة من المنافقين،
ولا يبقى فيها إلا الذهب الخالص؛ أي خلاص المدينة من المنافقين، ولا يبقى فيها إلا
الذهب الخالص الذي لا تزيده شدة النار إلا نقاوةً وقوةً وصفاء.
ثالثاً: عن عائشة رضي
الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال لي ما
يُبكيك قلتُ يا رسول الله ذكرتُ الدّجال فبكيتُ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
“دخَلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأنا أَبْكي، فقال لي: ما
يُبْكيكِ؟ قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، ذكَرْتُ الدَّجَّالَ فبَكيْتُ، فقال رسولُ
اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ يَخرُجِ الدَّجَّالُ وأنا حيٌّ كَفَيْتُكموه،
وإنْ يَخرُجْ بَعدي؛ فإنَّ ربَّكم عزَّ وجلَّ ليس بأعورَ، وإنَّه يخرُجُ في
يَهوديَّةِ أصْبَهانَ، حتى يأْتيَ المَدينةَ فينزِلَ ناحيتَها، ولها يومَئذٍ سبعةُ
أبوابٍ، على كلِّ نَقْبٍ منها مَلَكانِ، فيَخرُجُ إليه شِرارُ أهلِها حتى الشامَ
مدينةً بفِلَسْطينَ ببابِ لُدٍّ، وقال أبو داوُدَ مرَّةً: حتى يأتيَ فِلَسْطينَ
بابَ لُدٍّ، فينزِلُ عيسى عليه السَّلامُ فيقتُلُه، ثُم يَمكُثُ عيسى عليه
السَّلامُ في الأرضِ أربعينَ سَنةً إمامًا عَدْلًا، وحَكَمًا مُقْسِطًا”. أخرجه
أحمد.
رابعاً: عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “على أنقابِ المدينة
ملائكةٌ لا يدخلُها الطاعون ولا الدّجال” أخرجه البخاري.
خامساً: عن أنسُ
بن مالك رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام: “قال ليس من بلدٍ إلا سيطؤهُ
الدّجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقبٌ إلا عليه الملائكة صافّين
يحرسونها ثم نرجفُ المدينة بأهلها ثلاث رجفاتٍ فيخرجُ الله كلّ كافر ومنافق” أخرجه
البخاري.
سادساً:عم جُنادة بنُ
أبي أُمية عن رجل ٍ من أصحاب النبي عليه الصلاةُ والسَلام عن النبي صلّى الله عليه
وسلم قال عن الدّجال:” يبلغُ سُلطانهُ كلّ منهلٍ لا يأتي أربعة مساجد فذكر المسجد
الحرام والمسجد الأقصى والطور والمدينة” أخرجه أحمد.
إنّ جميع هذه
الأحاديثُ تدلُ على أن بلاد الحرمين هما الأماكن المعصومة من فتنة الدّجال،
والعصمة لا تقتصر على المسجدين فيهما بل تشمل جميع مكة والمدينة اللتين تحرسان من
قبل الملائكة. وهناك حديث أضاف موضعين آخرين، وهما المسجد الأقصى والطور، فهل
تقتصر حراسة الملائكةِ على حدود المسجد الأقصى وجبل الطور، إنّ ظاهر الحديث يُشير
إلى ذلك، والمعلوم أنّ جيش المسلمين الذي يتصدى للدّجال يكون في بيت المقدس.
=====================
إنذار النبي عليه
الصلاة والسلام لأمته من فتنة المسيح الدجال:
أولاً: عن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم في النّاس
فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ ذكر الدّجال فقال: “إني لأنذركموهُ وما من نبي إلا
وقد أنذرهُ قومه ولكني سأقولُ لكم فيه قولاً لم يقلهُ نبي لقومهِ إنهُ أعورُ وإنّ
الله ليس بأعور”. أخرجه البخاري.
ثانياً: عن ابن
عُمر رضي الله عنهما قال: كُنّا نتحدثُ بحجة الوداع والنبي عليه الصلاة والسلام
بين أظهرنا ولا ندري ما حجّهُ الوداع فحمد الله وأثنى عليه ثمّ ذكر المسيح
الدّجال فأظنبَ في ذكره وقال: “ما بعث اللهُ من نبيّ إلا أنذر أمّتهُ أنذره
نوحٌ والنبيون من بعدهِ وإنّه يخرجُ فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم
أنّ ربكم ليس على ما يخفى عليكم ثلاثاً إلى ربّكم ليس بأعور وإنهُ أعورُ عين اليُمنى
كأنّ عينه عنبةٌ طافيةٌ” وفي رواية مسلم” كأنّ عينهُ عنبةٌ طافئة” أخرجه
مسلم.
شرح الحديثان:
إنّ هذان الحديثان
يدلان على خطورة فتنة الدّجال، فما من نبي من لدن نوح عليه السلام إلا أنذرَ أمته
منه، والسؤال الذي يطرح هنا: ما وجه إنذار نوح عليه السلام لأمته من الدّجال
بالرغم من أنه يخرج في آخر الزمان؟ ويجاب عنه بأن وقت خروجه كان خفياً على نوح
عليه السلام؛ أي أنّ نوحاً علم بفتنة الدّجال ولم يعلم بوقت خروجه فأنذر أمته وكذلك
سائر الأنبياء، وهذا يعزز أنّ النبي عليه الصلاة والسلام في بداية الأمر قد علم
بفتنة الدّجال ثم تبين له في آخر الأمر وقت خروجه؛ لذلك كان إنارُ محمد عليه
الصلاة والسلام لأمته من الدّجال أوفى وأكثر تفصيلاً من غيره لوقوع فتنته في أمته.
ومن المعلوم أنّ حجة
الوداع كانت في آخر عهد النبي عليه الصلاة والسلام وتضمنت ملخصاً عاماً لرسالة
الإسلام وأبرز تعاليمه، ومع كونها كذلك إلا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام لم
يختصر الحديث عن الدّجال فيها، بل
أطنب وأفاض في الحديث عنه، وفي هذا إشارة إلى عظم هذه الفتنة وخطورتها، ويتضمنُ
تنبيهاً لأمته للإفاضة في الحديث عنها والتحذير منها. وإذا كانت خطبة
الوداع التي تعتبر ملخصاً لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام قد تضمنت إطناباً
عن فتنة الدّجال، فمن باب أولى أنّ يطنب أتباعهُ في ذكرها والتحذير منها، وليس كما
يدعي البعض أنّ ذكر الدّجال وفتنهِ من باب الملهاة للأمة وإشغال لها عن قضاياها،
بل على العكس ذكر فتنة الدّجال يقي الأمة من الوقوع فيها من جانب، ومن جانب آخر
بعطيها تصوراً لطبيعة الفتن التي نعيشها قبل خروجه، وذلك لارتباط الفتن بفتنة
الدّجال؛ لذا لا بدّ أنّ يكون بعض ما نُلابسه من فتن يطابق بعض أوصاف فتنة الدّجال.
==================
ما هي حقيقة ظاهرة
الدجال؟
إننا في ظاهرة عجيبة
أقرب إلى الإبليسية ومنها الظاهرية الأنيسة، وهذا واضحٌ من السياق، فالدجال هنا
شيخٌ كبير مقيد في جزيرةٍ، وهو يخرج في آخر الزمان شاباً قططاً وميلادهُ مجهول
وعمره مجهول وقدراته خاصة وخارجةً عن قدرات البشر وأسئلتهُ عجيبةً ومساعدهُ أعجب
وهو الجساسةُ، فكل هذه العلامات تُشيرُ إلى أننا لسنا أمام ظاهرة بشريةٍ، إنما نحن
مع ظاهرةٍ أقرب إلى الجن والشياطين، وقد نقل نعيم بن حماد عن جبير بن نفير، وشريح
بن يزيد والمقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة أنهم قالوا عن الدّجال
“ليس الدّجال إنسناً، إنما هو شيطان في بعض جزائر اليمن، لا يُعلم من أوثقهُ”.
وقال ابن حجر بعد
ذكره للأثر الذي أوردهُ نعيم: لعلّ هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل
الكتاب. فهذا القول المنقول عن خمسةٍ من الثقات يُعزز القول بأننا أمام ظاهرة
جديدةً أشبه بالظاهرةِ الإبليسية من بعض الوجوه، والأحاديث الأخرى تُعزز ذلك
أيضاً. وقد ورد أنّ بعض أتباع الدجال من الشياطين مما يوحي أنّ له قدرةً على التخاطب معهم بطريقةٍ مباشرةٍ،
ولعلّ الدّجال عنده قدرةً تقمصيةً أو تشكلية كإبليس الذي جاء لقريش على شكل شيخ نجدي،
وثبت مجيئهُ على عدة هيئاتٍ، إلى أنّ مخالفتهُ للظاهرة الإبليسية تتمثل في أنّ جسم
الدّجال يكون كثيفاً مرئياً في الغالب من أمره وذلك بخلاف إبليس.
وإذا اعتبرنا ذلك
فيكون الجسد بالنسبة للدّجال، مثل الثوب إلى أنّ يخرج خرجتهُ الأخيرة، عندها يثبتُ
على الهيئةِ التي وصفها النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا التأويل يُسهل علينا
تصور المراد بمجموع الأحاديث التي تكلمت عن الدّجال وحتى عن ابن صياد الذي يحتملُ
معه أمرين وهما:
الأول: إنّه
حالة شيطانيةً كما ذكر ابن حجر قدرها الله سبحانه وتعالى في زمن النبوة ليستعلمَ عن
خبر رسول الله سبحانه وتعالى، وهي أشبهُ بالحالة الدّجالية؛ حيث اختفى إلى أنّ
يأتي مناصراً للدّجال أو أحد مستشاريه، وهذا الرأي آراه ضعيفاً لكن النصوص تحتملهُ.
الثاني: إنّ رحلة
الدّجال الأكبر ابتدأت بميلاد ابن صياد، وهذا الجانب البشري فيه وكان ميلادهُ مع بداية
الرسالة التي سيخرج في آخر الزمان ليغويها؛ أي كان ابن صياد كالثوب بالنسبة للدّجال،
ويحتملُ أنّ ملابسة الدّجال لابن صياد كانت في أوقات مخصوصة ليكون قريباً من نبي
الأمة التي سيخرج لإغوائِها وفتنها آخر الزمان، وذلك ليتعرف على تعاليمها عن قرب،
فهو بذلك يكون أقدرُ على معرفة ما يفتنها.
أما دّجال الجزيرة
الذي رآه تميم فهو حالة شيطانية صرفة جاءت لتحكي حال الدّجال وإرهاصات خروجه بشكل
حسي، وهذا واضح من خلال طبيعة الجساسة، ويحتمل أنّ يكون الدّجال في ذلك الوقت قد
تقمص تلك الشخصية للدلالة على إرهاصات خروجه بشكل حسي، وهذا واضح من خلال طبيعة
الجساسة، ويحتمل أنّ يكون الدّجال في ذلك الوقت قد تقمص تلك الشخصية للدلالة على
إرهاصات خرجه وجاء على هيئة شيخٍ كبير، وفي آخر الزمان حين يخرج يأتي على هيئة
شابٍ قطط.
والملاحظُ بأن النبي
عليه الصلاة والسلام قد استخدم أسلوباً عجيباً في إقراره لقصةِ تميم حيث قال:
“فإنهُ أعجبني حديث تميم أنهُ وافق الّذي كنتُ أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، إنه
حبسني حديثٌ كان يحدثنيهِ تميم الدّاري عن رجلٌ كان في جزيرة من جزائر البحر”.
وعلى القول الثاني
فإنه يُسهل علينا عدة أمورٍ ومنها:
– وصف النبي عليه
الصلاة والسلام لميلاد الدّجال وصفهُ والديهِ هو على حقيقتهِ، ويُراد به ابن صياد،
فهو الميلاد الأولى للدجال.
– توقف النبي عليه
الصلاة والسلام في الفصل بشأن ابن صياد في بداية الأمر وإشفاقهِ لحينِ موته من ابن
صياد، واختيار آية الدّخان التي لها علاقة بالدّجال الأكبر كخبيئةٍ امتحن فيها ابن
صياد يعزز فكرة كون ابن صياد هو الدّجال الأكبر، ويُشير إلى أنّ النبي تحصل لديه
من عدة قرائن ما يؤكد على ذلك.
– قسمُ بعض الصحابة
المقربين من رسول الله عليه الصلاة والسلام على أن ابن صياد هو الدّجال أيضاً على
حقيقتهِ، ولا يتصور منهم إلا حال تأكدهِم من ذلك.
– جزم عمر وأبي ذر وابن
عمر وجابر وحفصة رضي الله عنهم بأنّ ابن صياد هو الدّجال فيه إشارة إلى أنّ لديهم
بعض الدلائل الخاصة القوية التي تَحصلت عندهم من رسول الله تؤكد على أنه الدّجال.
– نفور عين ابن صياد
دون شعور منه وانتفاخه وإخباره بمغيبات كلها تعزز كونه الدّجال الأكبر، وهذه بداية
إرهاصاتهِ، وتطور قدراته.
– إصرار جابر رضي الله
عنه على أنّ ابن صياد هو الدّجال حتى لو مات أو أسلم فيه إشارة إلى أنه فهم أنه
أمام ظاهرة مغايرة للبشر لها خصائصها التي تتميز بها، وفيه تأكيد على أن العلم
الذي تحصل لديهِ عن ابن صياد بلغ درجة العلم القطعي الذي لا يحتمل غيره.
– حصول قصة تميم، وتقمص
الدّجال لهيئة الشيخ الكبير فيها إنما جاءت بقدر الله لتوجيه أنظار عموم الصحابة
عن ابن صياد، وعدم ملاحقته أو الافتنان به في غير زمانه، أما إسلام ابن صياد ودخوله
المدينة فليس فيه دلالة على أنه ليس الدّجال كما صرح ابن حجر؛ لأنّ النبي عليه
الصلاة والسلام قال أنهُ لا يدخل المدينة في زمان فتنهُ، وكذلك لا يتزوج في تلك
المرحلة بالذات.
– إنّ الروح الدّجالية
حلت في جسد ابن صياد من ميلاده لتكون قريبةً من فهم طبيعة الرسالة التي ستًغوي
أفرادها في آخر الزمان، وهذه الروح أيضاً حلّت في جسد الشيخ الكبير الموثق في
الجزيرة، وهي التي تحل أو تشكل على هيئة شاب قطط في آخر الزمان عند بداية الفتنة. وقد قسم
عمر وجابر وأبي ذر على أنّ ابن صياد هو الدّجال في محله وجزم كبار الصحابة بذلك
صحيح، والقول بأنّ الشيخ الموثق في الجزيرة هو الدّجال الأكبر أيضاً صحيح، ولا
تعارض بين هذه الأقوال كلها لأننا أمام ظاهرةً مخالفة للبشر، ومن الخطأ قياسها وفق
عقولنا ونَواميسنا. فنحنُ لسنا أما ظاهرة إنسيةٍ حتى نقيس عليها، بل نحنُ أمام
ظاهرةٍ خاصة خارقة قدرها الله تعالى من أجل أن تُمثل حلقة من حلقات صراع الحق
والباطل في آخر الزمان.
نقول: أعان
الله هذه الأمة في آخر الزمان، فإنّ قائد أعظم فتنةٍ في الأرض والتي حذّر منها كل
الأنبياء كانت من حظ هذه الأمة وهذا القائد بقدر الله، فقد نبت في العاصمة الأولى
لهذه الأمة وفي عهد نبيها، وهذا يُضيف له قدرة خاصة وخبرة متميزة في الإغواء؛ لأنه
تعرف عن قرب على معالم رسالة الحق كاملةً، فبالتالي يكون خبيراً في كل الجوانب
المخلةِ بتلك التعاليم.
==============
ظاهرة ابن صياد:
تُعتبر ظاهرة ابن صياد
ظاهرة غريبة جداً عايشها النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام، وقد أقسم عدد
من كبار الصحابة على أنه المسيح
الدّجال الذي حذّر منه الرسول الكريم، وكان يرى جمعٌ كثير منهم أنه كذلك،
وسنتوقفُ عند هذا الأمر من أجل تحليل هذه الظاهرة وإبراز وجه الغرابة بشيءٍ من التفصيل
وذلك في عدة أمور.
ابن صياد في عهد
النبي عليه الصلاة والسلام:
أولاً: ورد عن
أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: لأنّ أحلف عشر مِرارٍ أنّ ابن صائد هو الدّجالُ أحبُ
إليّ من أن أحلف مرّةً أنّهُ ليس به. قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
بعثني إلى أمه، قال سلها كم حملت به، فأتيتها فسألتها فقالت حملت به اثني عشر
شهراً. قال ثم أرسلني إليها: فقال سلها عن صيحته حين وقع، قال: فرجعت إليها
فسألتها، فقالت: صاح صياح الصبي ابن شهر. ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبأ. قال:
خبأت لي خطم شاة عفراء والدخان قال: فأراد أن يقول: الدخان فلم يستطع فقال: الدّخ الدّخ
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اخسأ فإنك لن تعدو قدرك” أخرجه أحمد.
دلالة الحديث:
يتبينُ هنا موافقة
حال صائد للأماراتِ التي سأل عنها النبي عليه الصلاة والسلام، وسؤال النبي عليه
الصلاة والسلام عن إمارات محددة لا بدّ أن يكون مرجعه الوحي وله علاقة واضحةَ
بأمارات الدّجال، ولكن
الكلام يحتمل أنّ يُراد به دّجال من الدجاجلةِ وليس الدّجال الأكبر.
اعتقدَ أبي ذر في أنّ
ابن صياد هو المسيح الدّجال، وعدم تورعه من القسم بذلك تسع مرات مع تورعه من القسم
بأنه ليس الدّجال ولو مرةٍ واحدة، ويدلُ على أنهُ قد حصل له من الدلائل التي
عاينها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما يؤكد على ذلك منها ما ذكر، ولعلّ أبا
ذر رأى من سياق الحدث وتفاعل الرسول معه مما يؤكد ذلك.
ويُلاحظ من الحديث
أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مهتماً بظاهرة ابن صائد اهتماماً خاصاً،
ومعنياً بتتبع تفاصيلها، ويدل السياق على أن طبيعة أسئلة النبي عليه الصلاة
والسلام عن أشياء مخصوصة لأمِ ابن صياد إنما مرجعهُ الوحي.
ثانياً: عن أبي بكرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “يَمْكُث أبو الدَّجَّال
وأمُّه ثلاثين عامًا لا يُولَدُ لهما ولدٌ، ثم يُولَدُ لهما غلامٌ أعورُ، أَضَرُّ
شيءٍ وأقلُّه منفعةً تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبُه، ثم نَعَتَ لنا رسولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم أَبَوْيَه، فقال: أبوه طِوالٌ ضَرْبُ اللحمِ كأنَّ أَنْفَه
مِنْقارٌ، وأمُّه امرأةٌ فِرْضَاخِيَّةٌ طويلةُ الثَّدْيَيْنِ. قال أبو بكرةَ:
فسَمِعْتُ بمولودٍ في اليهودِ بالمدينةِ، فذَهَبْتُ أنا، والزبيرُ بنُ العوامِ حتى
دخَلْنَا على أَبَوَيْه، فإذا نَعْتُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيهما،
فقُلْنَا: هل لكما ولدٌ؟ فقالا: مَكَثْنَا ثلاثين عامًا لا يُولَدُ لنا ولدٌ، ثم
وُلِدَ لنا غلامٌ أعورُ، أضرُّ شيءٍ وأقلُّه منفعةً تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه.
قال: فخَرَجْنَا مِن عندَهما فإذا هو مُنْجَدلٌ في الشمسِ، في قطيفةٍ له، وله
هَمْهَمَة،ٌ فكَشَفَ عن رأسِه، فقال: ما قُلْتُمَا؟ قُلْنَا: وهل سَمِعْتَ ما
قُلْنَا؟ قال: نعم، تنامُ عَيْنَايَ ولا ينامُ قلبي” ضعيف الترمذي. وفي رواية
الإمام أحمد.
فقال أبوه أي
الدّجال، رجلٌ طوال مُضطرب اللّحم طويلُ الأنف كأنّ انفهُ مِمنقارٌ وأمه أمرأة فرض
أخيةٌ عظيمةٌ الثديينِ”. أخرجه الترمذي.
شرح الحديث:
إنّ هذا الأثر يوجد
فيه إشارةٌ عجيبة، وهي أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد تكلم عن بعض أوصاف
الدّجال وأوصاف والديه، وقد وجدت هذه الأوصاف بصورة مطابقة في ابن صياد ووالديهِ،
ولكن ليس في هذا الحديث دليلٌ على أنه الدّجال صاحب الفتنة العظمى، وإن كان الحديث
يعزز هذا الرأي، ولكنه يحتملُ أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد أُبلغ عن أوصاف
دّجال من الدجالين فَنعتها النبي عليه الصلاة والسلام، ثم تبينّ بأنّ المراد منها
هو ابن صياد، وعلى هذا الاحتمال يكون الوصف في الحديث لا يُراد به الدّجال الأكبر.
يجدرُ من حال ابن صياد
أنها تعاكسُ حال البشرية الأسوياء من ناحية الشكلِ والمضمون، وهذا الأمر واضحٌ من
أنّ تنامُ عيناه وقلبهُ لا ينام، وهذا الأمر مخالفٌ لطبيعة البشر، وهي عبارة عن
خارقة من خوارق ابن صياد العديدة.
إنّ بيان الحديث هنا
تدلُ على أنّ أبا بكرة راوي الحديث بعد ما سمع عن الدجالِ وأوصافه سمع بمولود في
المدينة عند اليهود له نفسُ الأوصاف وكلمة مولود هنا تشيرُ إلى قُرب ولادتهِ،
فيكون مُجمل الحديث أنه ولد إما في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة، وهذا
مقتضى يتعارضُ مع حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والذي يدلُ على أنّ النبي عليه
الصلاة والسلام قد ذهب إلى ابن صياد وقد قارب الحلم، أي البلوغ، مما يدلُ على أنه
ولد إما في بداية العهد النبوي، أو قبله بقليل وهو ما أرجحه، إذ البلوغ والمعلوم
أن مدة النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة كانت عشر سنوات تقريباً.
============
المدة التي يمكثها
الدجال في الأرض:
لقد ورد أن الدّجال
يمكث في الأرض بعد خروجه أربعين يوماً، اليوم الأول من الأربعين يمر كالسنة،
واليوم الثاني من الأربعين يمضي كالشهر، واليوم الثالث كالأسبوع، وسائر الأيام
الأخرى كأيامنا.
فقد أخرج الإمام مسلم
عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنه أن الدّجال قال لتميم الداري رضي الله عنه:” فأخرج
فأسيرُ في الأرض، فلا أدعُ قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة”. وأخرج الإمام أحمد من
حديث جنادة بن أمية الأزدي عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وفي
الحديث:” وإنه يلبث فيكم أربعين صباحاً، يَردُ فيها كل منهل، إلا أربع مساجد: مسجد
الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، والأقصى”.
وفي صحيح مسلم عن عبد
الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:”
يخرج الدّجال في أمتي، فيمكث أربعين، فيبعث الله عيسى ابن مريم: كأنه عروة بن
مسعود الثقفي، فيطلبه، فيهلكه”. وفي رواية: قال عبد الله: لا أدري أربعين يوماً، أو أربعين شهراً، أو أربعين
عاماً”. لكن جاءت رواية توضح المقصود بالأربعين وكيفيتها، ففي صحيح مسلم عن
النواس بن سمعان رضي الله عنه:” قُلنَا: يا رسول الله، وما لَبْثُه في الأرْضِ؟ قال:
أَربعُون يَوماً، يومٌ كَسَنَة، وَيَومٌ كَشَهرٍ، وَيَومٌ كَجمعَة، وَسائر
أَيَّامِه كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، فَذلكَ اليَوْمُ الذي
كَسَنَةٍ، أَتَكفِينا فيه صلَاةُ يَومٍ؟ قال: لَا، اقْدُروا له قَدرَه.
بعض الملاحظات
والتنبيهات على هذا الحديث:
1. إن هذا الحديث على
ظاهره، وهذه الأيام الثلاثة طويلة على ما ذكر في الحديث. يقول الإمام النووي رضي
الله عنه كما في شرح مسلم، قال العلماء إن هذا الحديث على ظاهره، وهذه الأيام
الثلاثة طويلة: على هذا القدر المذكور في الحديث، ويدل عليه قوله صلى الله عليه
وسلم: وسائر أيامه كأيامكم.
2. تقدير أوقات الصلاة
في الأيام غير العادية: وقوله عليه الصلاة والسلام”اقدروا له” معناه
أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينها وبين الظهر كل يوم فصلّوا الظهر، ثم
إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلّوا العصر، فإذا مضى بعد هذا قدر ما
يكون بينها وبين المغرب فصلّوا المغرب، ومثله العشاء والصبح والظهر ثم العصر ثم
المغرب، وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلوات سنة، كلها مؤداةٌ في وقتها،
وأما اليوم الثاني الذي كشهر والثالث الذي كالجمعةِ، فقياس اليوم الأول أن يقدر
لهما اليوم كاليوم الأول.
وهذا حكم فقهي
للحالات التي تكون فيها الأيام غير عادية، كأيام القطب الشمالي والجنوب، حيث يكون
النهار ستة أشهر، والليل ستة أشهر، وكذلك الأيام القصار، والحكم فيها حكم صاحب
الشرع، فالأوقاتُ عند الإشكال تُصلّى بالتقدير والتحرّي. ولولا هذا الحديث، ووكلنا
إلى اجتهادنا، لاقتصرنَا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من
الأيام؛ لأن سبب وجوب كل صلاة إنما هو وقتها المقدر والمعلم بحدث، كطلوع الفجر
ودلوك الشمس وغروبها وغير ذلك، وهذا لا يتصور إلا بتحقيق تعدّد الأيام والليالي
على وجه الحقيقة، وهو مفقودٌ في ذلك اليوم ومثله.
3. إذا نظرت إلى قول
الصحابة رضي الله عنهم اتكفينا فيه صلاة يوم؟ علمت مدى حرص الصحابة على دينهم والسؤال
عن الصلاة، وهذه هي قضيتهم الأولى التي تشغلهم.
===============
من بعض صور الدجال
تسليط الله تعالى عليه شاب فيقتله ثم يحييه:
إن من بعض صور فتنة
الدّجال أن الله تعالى يسلط على شابٍ فيقتلهُ ثم يحييه، ولا يسلط على أحدٍ بعده.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “حدَثَنا أَبو
اليَمان، أَخبَرنا شُعيب، عن الزُّهرِىِ، أَخبرنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بن عَبدِ
اللَّهِ بنِ عُتبَةَ بنِ مسعُودٍ أَن أَبا سعِيد قَال: حدَّثَنا رسول اللَّه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسلَّمَ يوماً حدِيثًا طَوِيلاً عن الدَّجَّالِ، فَكَانَ
فِيما يحدِّثنَا بِه أَنهُ قَال:”يَأتِى الدَّجال وهُو مُحرم عَلَيهِ أَن يدخل
نِقَاب المدِينة، فَينزِل بعض السِّبَاخ الَّتى تَلِى الْمَدِينَةَ، فَيخرج إِلَيه
يَومئذٍ رجل وهو خَير النَّاس أَو من خِيَارِ النَّاس فَيَقُول: أَشهَد أَنَّك الدّجالُ
الذِى حَدَّثَنا رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيه وسلم حدِيثَه فَيقول الدّجال:
أَرأَيتم إِن قَتلت هَذَا ثمَّ أَحييتهُ هَل تَشكون فِى الأمرِ؟ فَيَقولون: لاَ
فَيَقْتلهُ ثم يُحيِيهِ فَيَقُول: وَاللَّهِ مَا كُنتُ فِيكَ أَشدَّ بصِيرة مني
اليوم فَيرِيد الدَّجال أَن يقْتله فَلا يسَلَّط علَيه”.
وأخرج الإمام أحمد
بسند حسن عن جنادة بن أبي أمية أنه قال:”أتيت رجلاً من أصحاب النبي عليه الصلاة
والسلام فقلت له: حدثني حديثاً سمعته من رسول الله عليه الصلاة والسلام في
الدّجال، ولا تحدثني عن غيرك وإن كان عندك مصداقاً، فقال، سمعت النبي عليه الصلاة
والسلام يقول: أنذرتكم فتنة الدّجال، فليس من نبي إلا أنذره قومه، أو أمته وإنه:
آدم جعد، أعور عينه اليسرى، وإنه يمطر ولا ينبت الشجر، وأنه يُسلط على نفس
فيقتلها، ثم يحييها ولا يسلط على غيرها، وإنه معه جنة ونار، ونهر وماء، وجبل خبز،
وإن جنته نار، وناره جنة، وإنه يلبثُ فيكم أربعين صباحاً، يرد فيها كل منهل، إلا
أربع مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والطور، ومسجد الأقصى، وإن شكل عليكم أو
شبه فإن الله عزّوجل ليس بأعور”.
وأخرج ابن ماجه بسندٍ
صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” وإن من فتنتهِ أن يُسلط على نفس واحدة
فيقتلها، ينشرها بالمنشار حتى تُلقي شقيقين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا، فإني
أبعثه ثم يزعم أن له ربّاً غيري، فيبعثهُ الله، ويقول له الخبيث، من ربك؟ فيقول:
ربي الله، وأنت عدو الله، أنت الدّجال، والله ما كنت قط أشدُ بصيرة بك مني اليوم”.
صحيح الجامع.
إن هذا الشاب الذي
يقتله المسح ثم يحييه هو أعظم الناس شهاجةً عند الله تعالى أخرج الإمام مسلم عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:”يَخرجُ
الدَّجَّالُ فَيَتوجهُ قِبَلَهُ رَجُل مِن المُؤْمِنِينَ، فَتَلْقاهُ المَسالِحُ،
مَسالِحُ الدَّجَّالِ، فيَقولونَ له: أين تعمِد؟ فيَقولُ: أعمِدُ إلى هذا الذي
خرَج، قال: فيَقولونَ له: أوَ ما تُؤمن برَبِّنا؟ فيَقولُ: ما بربِّنا خَفاءٌ،
فيَقولون: اقْتلوه، فيَقول بَعضُهم لِبَعض: أليسَ قد نَهاكُمْ رَبُّكُم أنْ
تَقتُلُوا أحَدًا دُونهُ، قالَ: فَيَنطَلِقُون به إلى الدَّجال، فإذا رآهُ المؤْمن، قال: يا أيُّها
الناس هذا الدَّجالُ الذي ذَكَر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، قال: فَيَأمرُ
الدَّجَّالُ به فيشَبَّح، فيَقول: خُذوه وشجوه، فيوسعُ ظَهره وبطنُهُ ضرباً، قال:
فيقولُ: أو ما تُؤْمن بي؟ قال: فيَقول: أنت المَسِيحُ الكَذّابُ، قال: فيُؤْمر به
فيؤْشَرُ بالمِئشارِ مِن مَفرِقِهِ حتى يفَرَّق بين رِجلَيه، قال: ثُم يَمشِي
الدَّجالُ بين القطعَتَينِ، ثُمَّ يقول له: قُم، فَيستَوِي قائِماً، قال: ثُم يقولُ له: أتُؤْمن بي؟ فيَقول: ما
ازددت فِيك إلَّا بصِيرة، قال: ثم يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّه لا يَفعَل بَعدِي
بأَحد من النَّاس، قال: فَيَأخذُه الدَّجال لِيذبحه، فيجعَل ما بين رقَبَتِه إلى
تَرقُوَته نحاساً، فلا يَستَطِيع إلَيهِ سَبِيلاً، قالَ: فَيَأْخذُ بيَدَيهِ ورِجلَيه فَيَقْذِفُ به، فَيَحْسِبُ النَّاسُ
أنَّما قَذَفَهُ إلى النَّارِ، وإنما أُلقِي في الجَنة فَقال رسول الله صَلّى اللَّهُ
عليه وسلَّم: هذا أعظَم النَّاسِ شَهادَة عند ربّ العالَمِين.
وأخرج الإمام مسلم عن
النواس بن سمعان رضي الله عنه قال:” ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدّجال ذات
غداةٍ، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفةٍ النخل، ثم ذكر في الحديث، فقال: ثم
يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه
فيقبلُ، ويتهللُ وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه
السلام.
ففي حديث النواس رضي
الله عنه فيضربه بالسيف، وفي غيره: فيُنشر بالمنشار” قال الحافظ: ورواية المنشار
تُفسر رواية السيف، فلعل السيف كان به فلول، فصار كالمنشار، وأراد المبالغة في
تعذيبه بالقتلة المذكورة، ويكون قوله: فضربه بالسيف مفسراً لقوله” فنشرَ بالمنشار”.
ويذكر بعض أهل العلم
كأبي إسحاق ابراهيم بن سفيان ومعمر إلى أن هذا الشاب الذي يقتله المسيح الدّجال
إنما هو الخضر، وهذا القول في نظر، ويرده حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ما من نفسٍ
منفوسةٍ يأتي عليها من اليوم مائة عام وهي على ظهر الأرض. ولا يسلط الدّجال بالقتل
والإحياء إلا على ذلك الشاب مرةً واحدة، وما ورد عن حذيفة رضي الله عنه أن مع
الدّجال رجالاً يقتلهم ثم يحييهم، فإنما هم شياطين وقتله إياهم ثم إحياؤه لهم،
وإنما هو في رأي العين، لا على الحقيقة، ويشهد لذلك الحديث الذي أخرجه ابن ماجه
والحاكم بسندٍ صحيح.
إن المسيح الدّجال يقول
للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك، فيقول: نعم، فيتمثل له
شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك”.
==============
أتباع الدجال:
لا شكّ أنّ الدّجال
مع تعدد قدراته، وتنوع فتنتهِ، واستعمالهِ لأساليبَ مختلفة لإضلال الناس وجرّهم
إلى اتّباعه، واعتقادِ ألوهيته، ولا شك أن ذلك كله يفتن أعداداً من الناس به،
فيتبعونه رغبةً فيما عنده، أو رهبةً ممّا عنده، أو حرصاً على حرب الإسلام وأهله
ومن هؤلاء هم ما يلي:
اليهود: فقد أخرج
مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” يتبع الدّجال
من يهود أصفهان سبعون ألفاً، عليهم الطيالسة”.
ولكن لماذا يكون أكثر
أتباع الدّجال هم اليهود؟ الجواب: إن من عقيدة اليهود في الدجال أنه هو مسيح
اليهود المنتظر، ويسمى المسيح بن داود، والذي يأتي ويقيم لهم دولة اليهود،
ويُسمونه في كتبهم الميِسياه.
وقد جاء في التلمود عندهم:
لما يأتي يقصدون الدّجال، تُطرح الأرض فطيراً، وملابس من صوف، وقمحاً حبّه بقدر
كلاوي الثيران الكبيرة، وفي ذلك الزمان ترجع السلطة لليهود، وكل الأمم تخدم ذلك
المسيح وتخضع له، وفي ذلك الوقت يكون لكلّ يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه،
وثلاثمائةٍ وعشرة أكوان تحت سلطته، ولكن لا يأتي المسيح إلا بعد انقضاء حكم
الأشرار، ويتحقق منتظر الأمة اليهودية بمجيء إسرائيل، وتكون تلك الأمة هي المتسلطة
على باقي الأمم عند مجيئه، ولذلك تجد اليهود يستحثون في صلواتهم المسيح الدّجال
للخروج، وخصصوا ليلة عيد الفصح اليهودي بأدعيةٍ خاصة بذلك.
ومن أتباعه الكفار والمنافقون:
ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلّى الله
عليه وسلم قال:”ليس من بلد إلا سيطؤه الدّجال، إلا مكة والمدينة، وليس نقب من
أنقابها إلا عليها الملائكة حافين تحرسها، فينزل بالسبخة، فترجف المدينة بأهلها
ثلاث رجفات، يخرج إليه منها كل كافر ومنافق”.
ومن أتباعه قوم
وجوههم كالمجان المطرقة: فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلّى الله عليه وسلم قال:”لينزلنّ الدّجال خوز وكرمان في سبعين ألفاً وجوههم
كالمجان المطرقة”. وفي لفظ آخر عند الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي
بكر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” إنّ الدّجال يخرج من قبل
المشرق من مدينةٍ يقال لها: خُرسان، يتبعهُ أقوامٌ” وفي رواية “أفواج” كأن وجوههم
المجان المطرقة”. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. والمقصود بهم بعض الأعاجم، وبعض
قبائل الترك، ومنهم المغول والتتار.
ومن أتباعه جهلة
الأعراب: بعثتُفقد أخرج ابن ماجه والحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي عليه
الصلاة والسلام قال في حديث طويل:” وإن من الفتنةِ أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثتُ
لك أباك وأمك، أتشهدُ أني ربك؟ فيقول: نعم فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه،
فيقولان: يا بني: اتبعه، فإنه ربك”. صحيح الجامع.
ومن أكثر أتباعه كذلك
النساء: فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي عمر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلم:” ينزلُ الدجالُ في هذهِ السبخةِ بمرقناةٍ فيكونُ أكثرَ
من يخرجُ إليه النساءُ حتى إن الرجلَ ليرجعَ إلى حميمِه وإلى أمِّه وإلى ابنتِه
وأختِه وعمَّتِه فيوثقُها رباطًا مخافةَ أن تخرجَ إليه ثم يسلطُ اللهُ المسلمين
عليه فيقتلونه ويقتلونَ شيعتَه حتى إن اليهوديَّ ليختبئَ تحتَ الشجرةِ أو الحجرِ
فيقولُ الحجرُ أو الشجرةُ للمسلمِ هذا يهوديٌّ تحتي فاقتلْه” صححه أحمد شاكر. وفي
رواية أخرى عند الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه
الصلاة والسلام قال:” ينزل الدّجال المدينة، ولكنه بين الخندق، وعلى كل نقب منها ملائكة
يحرسونها”.
من هم أشد الناس على
الدجال:
إن من أشدّ الناس على
الدّجال هم بنو تميم، فقد بيّن النبي عليه الصلاة والسلام أن بني تميم هم أشد
الناس على الدّجال، وبنو تميم قبيلة مشهورة من قبائل العرب. فقد أخرج البخاري
ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:” لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من
رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقولها فيهم: هم أشد أمتي على الدّجال”. وكانت فيه
سبية عند عائشة فقال:” أعتِقيها فإنها من ولد إسماعيل”. وجاءت صدقات قوم أو قومي.
وجاء صراحة أنهم أطول
الناس رماحاً على الدّجال، فقد أخرج الإمام أحمد:” أن رجلاً نال من تميم عند النبي
عليه الصلاة والسلام فقال: لا تقل لبني تميم إلا خيراً، فإنهم أطول الناس رماحاً
على الدّجال”.
===========
الزمن الذي يخرج فيه
الدجال:
يخرج الدّجال بعد
ظهور المهدي وفتحه الجزيرة العربية وفارس والروم “أي بمعنى بلدة القسطنطينية”
ورمية، وبعد أن يسبقه من الفتن ما يسبقه. فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ له عن
نافع بن عتبة بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله، ثم فارس، فيفتحها الله، ثم تغزون الروم، فيفتحها
الله، ثم تغزون الدّجال، فيفتحهُ الله”.
وأخرج البخاري ومسلم
عن نافع قال:” يا جابر، هو جابر بن سمرة؛ لا نُرى الدّجال يخرج حتى تقتحم الروم”.
تغزون الدّجال فيفتحهُ الله: أي المكان الذي فيه الدّجال، والقوم الذين معه.
ويكون خروج الدّجال
بعد فتح القسطنطينية الثاني، وهذا ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، أخرج الإمام
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام:”سمعتُم بمدينةٍ
جانِبٌ منها في البَرِّ، وجانِبٌ في البحرِ؟ لا تقومُ الساعةُ حتى يغزوَها سبعون
ألفًا من بني إسحاقَ، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتِلوا بسلاحٍ، ولم يَرموا بسهم،
قالوا: لا إله إلا اللهُ واللهُ أكبرُ، فيسقط أحَدُ جانبَيها الذي في البحرِ، ثم
يقول الثانيةَ: لا إله إلا اللهُ واللهُ أكبرُ، فيسقطُ جانبَها الآخرُ، ثم يقول
الثالثة: لا إله إلا اللهُ واللهُ أكبرُ، فيفرجُ لهم ، فيدخُلونها، فيغنَمون،
فبينما هم يقتسمون المغانمَ إذ جاءَهم الصريخُ، فقال : إنَّ الدجَّالَ قد خرج،
فيَتركون كلَّ شيءٍ ويرجعون”.
ويدل على ذلك أيضاً
ما أخرجه أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:”عُمْرانُ بيتِ القُدْسِ خرابُ يَثْرِبَ، وخرابُ يَثْرِبَ خروجُ المَلحَمَةِ،
وخُروجُ المَلْحَمةِ فَتْحُ القُسْطَنْطينيَّةِ، وفَتْحُ القُسْطَنْطينيَّةِ خروجُ
الدَّجَّالِ، ثمَّ ضرَب بيدِه على فخِذِ الَّذي حدَّثه أو مَنْكِبَيْهِ، ثمَّ قال:
إنَّ هذا الحقُّ كما أنَّكَ ها هنا” صحيح الجامع.
فتنة الدجال أعظم
فتنة في تاريخ البشرية:
وفتنة المسيح الدجال
من أعظم الفتن التي تمر على البشرية منذ أن خلق آدم إلى قيام الساعة، وذلك لما
أعطاه من خوارق العادات، والتي هي بمثابة الفتنة والاختبار للعباد.
لقد أخرج الإمام مسلم
عن أبي الدهماء وأبي قتادة، قالا:”كُنّا نَمرُّ علَى هِشَامِ بنِ عامرٍ، نَأتي
عِمران بنَ حُصَين، فَقال ذَات يَومٍ: إنَّكُم لَتُجَاوزُونِي إلى رِجالٍ، ما
كانُوا بأَحْضَر لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللَّه عليه وسلمَ منِّي، وَلَا أَعلَمَ
بحَديثِهِ منّي، سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: ما بينَ
خَلْقِ آدَم إلى قِيامِ السَّاعة خَلْقٌ أَكبَر مِن الدَّجالِ. وفي رواية: كُنا نمر
علَى هِشام بن عامِر إلى عمران بن حُصَينٍ،… بمِثلِ حَديثِ عبدِ العَزِيزِ بنِ
مُختَارٍ، غيرَ أنَّه قالَ: أَمرٌ أَكبر مِن الدَّجال”. وفي رواية عند الإمام
أحمد: فتنة أكبر من فتنة الدّجال.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه
الله في فتح الباري، تعليقاً على هذا الحديث: وفي إطلاق الدنيا على الدّجال إشارة
إلى فتنة الدّجال أعظم الفتن الواقعة في الدنيا. ولعظم الفتنة وخطرها كان كل نبي
يُحذّر من فتنته؛ لأنهم أعلم الناس بخطره.
ففي سنن ابن ماجه
وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة
والسلام قال:”ا أَيُّها الناسُ ! إنها لم تكن فتنةٌ على وجهِ الأرض، منذُ ذَرَأَ
اللهُ ذُرِّيَّةَ آدمَ أَعظَم من فتنةِ الدَّجال، وإن الله عَزّ وجَلَّ لم يَبعَث
نبيًّا إلا حَذَّر أُمَّته الدَّجال، وأنا آخرُ الأنبياءِ ، وأنتم آخر الأُمم، وهو
خارجٌ فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أَظهُرِكم، فأنا حجِيجٌ لكلِّ مسلم، وإن
يخرج من بَعدِي، فكلٌّ حجِيجُ نفسِه، واللهُ خَلِيفَتِي على كلِّ مسلم، وإنه يخرجُ
من خُلَّة بين الشام والعراقِ .
ففي صحيح البخاري عن
عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: “قام النبي عليه الصلاة والسلام في الناس، فأثنى
على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدّجال، فقال: إني لأنذركموه، وما من نبيٍ إلا
أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قةلاً لم يقله نبيّ لقومه، إنه أعور، وإن الله ليس
بأعور”.
وفي صحيح البخاري
ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: “ما بُعث نبيّ إلا
أنذر أمّته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإنّ ربكم ليس بأعور، وإنّ بين عينيهِ
مكتوب”كافر”.
===============
صور من فتنة الدجال:
إن الله تعالى يعطي
الدّجال بعضاً من الأمور الخارقة للعادة، والتي تُدهش العقول، ويُفتن بها ضعاف
العقول والإيمان، ومن بعض هذه الأمور هي ما يلي:
استجابة السماء
والأرض لأمرهِ: فإن من فتنة الدّجال أنه يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت،
ويأمر الخربة فتخرج كنوزها المدفونة فيها، وغير ذلك من الفتن، والتي أوضحها النبي
عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث النواس بن سمعان
رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” فيأتي القومَ فيدعوهُم
فيستَجيبونَ لَهُ، ويؤمنونَ بِهِ، فيأمرُ السَّماء أن تُمطِر فتُمطر، ويأمرُ
الأرضَ أن تُنبِتَ فتُنبِت، وتَروحُ عليهم سارحتُهم أطولَ ما كانت ذُرى، وأسبغَهُ
ضروعاً، وأمدَّهُ خواصرَ، ثمَّ يأتي القومَ فيدعوهم فيردُّونَ علَيهِ قولَهُ، فينصرِفُ
عنهم فيُصبحون مُمحِلين، ما بأيديهم شيءٌ، ثمَّ يمرَّ بالخَربَةِ، فيقول لَها:
أخرِجي كُنوزكِ فينطلقُ، فتتبعه كنوزُها كيَعاسيبِ النَّحلِ”. شرح
النووي لمسلم.
فلا بدّ أن نعلم أن
الولاية نوعان: ولاية للرحمن، وولاية للشيطانِ، فكل مؤمن تقيُ نقي يقوم بالواجبات
ويترك المنهيات، فهو ولي لله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام والحديث عند
الطبراني:” إن أولياء المُصلون ، من يقيم الصلوات الخمس التي كتبهن الله ويصوم
رمضان ويحتسب صومه، ويؤتي الزكاة، وقال كذلك عنهم الله تعالى في كتابه العزيز:”أَلَا
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ“-الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ” يونس:62-63.
فإن هؤلاء الأولياء
الأتقياء قد يظهرُ الله تعالى على أيديهم شيئاً من خوارق العادات ، وهذا ثابت
بالكتاب والسنة، لكن الولي الحق الصادق في ولايته، يحاول أن يخفي ما أكرمه الله به
من هذه الخوارق؛ فلا يظهرها للناس، لكن هناك فتنة من الناس، قد ضيّعوا شرع الرحمن
وركبوا الموبقات، وقد تظهر على أيديهم معجزات، كحالِ المسيح الدّجال، فالقول فيهم
أنهم فتنة يبتلي الله تعالى به عباده.
معه جنة ونار، وكذلك
ماء ونار: ولكن ناره جنة وجنته نار، وهذا ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام،
فقد أخرج الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة
والسلام قال:” معه جنة ونار، فنارهُ جنّة، وجنته نار. ثم يُبين النبي عليه والصلاة
والسلام ماذا يفعل من أدرك هذا. فهناك رواية عند الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” لأنا أعلمُ بما مع الدّجال
منه، معهُ نهران يجريان، أحدهما: رأي العين ماء أبيض، والآخر: رأي العين نار تأجج
فإما أدركن أحد، فليأت الذي يراه ناراً وليُغمض، ثم ليُطاطئ رأسه فيشرب منه، فإنه
ماء بارد”.
وقد اختلف أهل العلم
في كون الجنة والنار على الحقيقة، أم أن هذا خيال. فذهب فريق من أهل العلم منهم
ابن حبان والبرزنجي في الإشاعة إلى: أن ما معه من جنة أو نار إنما هو تخييل وتمويه
وليس حقيقة، واحتجوا بجملة من الأحاديث، منها:
– ما أخرجه الشيخان عن أبي
هريرة رضي الله عنه ان النبي عليه الصلاة والسلام قال:” وإنه يجيء بمثال الجنة هي
النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه” قالوا فالباء زائدة في قول النبي عليه
الصلاة والسلام: بمثال الجن والنار، والمعنى يأتي بِصورتيهما معه في نظر الناس.
– وأخرج الإمام أحمد عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ومعه صورة الجنة
خضراء يجري فيها الماء، وصور النار سوداء تدخن. وفي رواية أخرى: ومعه مثل الجنة والنار.
– وأخرج الشيخان عن
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:” ما سأل أحد رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن
الدّجال أكثر مما سألته، وإنه قال لي: ما يضرك فيه؟ قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل
خبز ونهر ماء، قال: هو أهون على الله من ذلك.
لقد نقل الحافظ في
الفتح عن ابن حبان رضي الله عنه أنه قال: إن معنى الحديث: أنه أهون على الله من أن
يكون معه ماء يجري حقيقة، بل يُرى ذلك، فإن الذي معه يُرى أنه ماء وليس بماء
حقيقة، أي أن ما ظهر من فتنة ليس له حقيقة، وإنما تخييل منه وشعوذة كما يفعل
السحرة.
هناك فريق آخر من أهل
العلم منهم ابن العربي إلى أن هذا على الحقيقة وليست خيالات ولا تمويهات، ولكن هذا
أمر يُبتلي الله به العباد. واستدلوا بالأحاديث السابقة وحملوها على ظهرها، أنه
معه جنة ونار على الحقيقة. وحملوا قوله عليه الصلاة والسلام في حديث المغيرة بن شعبة السابق
وفيه:”هو أهون على الله من ذلك” على أنه أهون على الله من أن يخوف منه، أو يجعله
آية على صدقه، أو يضلل الله به من يحبّه، وبهذا الأخير، قال القاضي عياض: حيث نقل
عنه الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: معناه هو أهون على الله من أن يجعل ما
خلقه الله تعالى على يده مضلاً للمؤمنين ومشككاً لقلوبهم، بل إنما جعله له ليزداد
الذين آمنوا إيماناً، ويثبت الحجة على الكافرين والمنافقين وغيرهم، وليس معناه أنه
ليس معه شيء من ذلك.
والراجح من هذه
الآراء، الرأي الثاني:، أي أن معه جنة ونار على الحقيقة والغرض هو الاختيار.
يقول ابن كثير: إن
الذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدّجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من
الخوارق المشاهدة في زمانه، وهذا كله ليس بمخرفة بل له حقيقة، امتحن الله به عباده
في ذلك الزمان، وستكون باطن الجنة التي يُسخرها الله للدّجال ناراً، وباطن النار
جنة.
ومن فتن الدّجال
أيضاً ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، في الحديث الذي ذكره الإمام أحمد والطبراني
بسند حسن عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:”خطَبَنا رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال إنَّه لم يكن نَبِيٌّ قَبلِي إلَّا حَذَّر أُمَّتهُ
الدجال هو أعور عينِه اليُسرى بعَينِهِ اليُمنى ظفرةٌ غلِيظَةٌ مكتوب بين عَينَيهِ
كافر يخرُج معَه وَادِيان أحدُهما جنَّةٌ والآخر نارٌ فجنَّتُهُ نارٌ ونارُه جنةٌ
معَهُ ملَكَانِ مِنَ الملائِكَةِ يُشَبَّهَان بِنَبِيَّينِ مِنَ الأنبياءِ أحدُهما
عن يمينِهِ والآخَرُ عن شمالِهِ وذلِكَ فتنَةُ الناسِ يقولُ ألستُ بربِّكُم أُحيِي
وأميت فيقول أحدُ الملَكَينِ كذَبت فما يسمَعهُ أحدٌ من الناس إلا صاحبهُ فيقول له
صدَقت ويَسمَعه فَيَحسَبون أنه صَدَّق الدجال وذلك فِتنَةٌ ثم يسيرُ حتى يَأتِي
المدينةَ ولا يُؤَذِّنُ له فِيها ثم يقولُ هذِه قَريَةُ ذَلِكَ الرجل ثم يسيرُ حتى
يَأتِيَ الشام فَيُهلِكه اللهُ عزّ وجلَّ عند عَقَبَةِ أَفِيق”.
ومن فتنة ما ذكره
النبي عليه الصلاة والسلام، في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث أبي
أمامة رضي الله عنهم:” وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد
أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يابني
اتبعه، فإنه ربك” صحيح الجامع.
==============
==========
حديث تميم الداري
العجيب عن الدجال والجساسة:
لقد أخرج الإمام مسلم
في صحيح عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنه أخت الضحاك بن قيس: “الصَّلَاةَ جَامِعةً،
فَخَرَجتُ إلى المَسجِدِ، فَصَلَّيتُ مع رَسول الله صَلَّى اللَّه عليه وسلَّم،
فَكُنت في صَفِّ النِساء التي تلي ظُهور القَومِ فَلَمَا قَضَى رَسول الله صَلَّى
اللَّه عليه وسلمَ صلَاته جلَس علَى المنبَرِ وهو يَضحَكُ، فَقالَ: لِيَلْزَم كُلّ
إنسَان مصَلاهُ، ثم قالَ: أَتدرُونَ لِمَ جَمَعتُكم؟ قالوا: اللَّه وَرسوله أَعلَم،
قال: إنِي وَاللَّه ما جَمَعتُكم لِرَغبَة وَلَا لِرهبةٍ، وَلَكن جَمَعتُكم، لأنّ تمِيماً
الدَّارِيَّ كان رجُلاً نَصرانِيا، فَجَاء فَبَايع وأَسلَمَ، وحدَثَني حدِيثاً
وافَق الذي كنت أحَدِّثُكم عن مسِيح الدَّجال، حدَّثَني أنه رَكِب في سَفِينَةٍ
بَحرِيَّةٍ، مع ثَلَاثِين رجلًا مِن لَخمٍ وَجذَام، فَلَعب بهِم الموج شهْراً في
البَحرِ، ثمَ أَرفَؤُوا إلى جزِيرةٍ في البَحْرِ حتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ،
فَجَلَسوا في أَقْرب السَّفِينة فَدَخلُوا الجَزِيرَة فَلَقِيَتهُم دَابة أَهلَب
كَثِير الشعَرِ، لا يدرون ما قبله مِن دُبُرِهِ، مِن كَثْرَة الشَّعرِ، فَقالوا:
وَيلَكِ ما أَنْتِ؟ فَقالَت: أَنَا الجسَّاسة، قالوا: وَما الجساسَة؟ قالَتْ:
أَيُهَا القَوم انطلِقوا إلى هذا الرَجل في الدَّيرِ، فإنَّه إلى خَبَرِكم
بالأشوَاقِ، قال: لَمَّا سَمَّت لَنَا رَجلا فَرِقنَا منها أَن تَكون شيطَانة، قال: فَانْطَلَقْنا
سراعاً، حتى دَخَلْنَا الدير، فَإِذَا فيهِ أَعظَمُ إنسَانٍ رَأَيْنَاه قَط خلْقا،
وَأَشَده وِثَاقا، مَجموعة يَدَاهُ إلى عنُقِه، ما بين ركبَتَيه إلى كَعْبَيهِ
بالحدِيدِ، قُلْنا: وَيلَكَ ما أَنت؟ قال: قدْ قَدَرتُمْ علَى خبرِي، فأخْبِرونِي
ما أَنْتُمْ؟ قالوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ رَكِبْنَا في سَفِينَةٍ
بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا البَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بنَا المَوْجُ
شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيرَتِكَ هذِه، فَجَلَسْنَا في أَقْرُبِهَا،
فَدَخَلْنَا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا
يُدرَى ما قبله مِن دبرِهِ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقلْنَا: وَيْلَكِ ما أَنتِ؟
فَقالَت: أَنَا الجَسَّاسة، قُلْنَا: وَما الجساسة؟ قالَت: اعمِدوا إلى هذا
الرجلِ في الديرِ، فإنه إلى خبرِكم بالأشوَاق، فأقبَلْنا إلَيكَ سراعاً، وَفَزِعنا
منها، وَلَم نَأمن أَن تَكُون شيطَانة، فَقال: أَخبِرونِي عن نَخلِ بَيسان،
قُلْنَا: عن أَي شَأنهَا تستخبِر؟ قال: أسأَلُكم عن نخلهَا، هلْ يثمِر؟ قُلنا له:
نعم، قال: أَما إنه يوشِك أَن لا تثمِرَ، قال: أَخبِرونِي عن بحيرَة الطبرِيةِ،
قُلنَا: عن أَي شَأنهَا تَستَخْبِر؟ قالَ: هلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قالوا: هي كَثِيرَة
الماءِ، قالَ: أما إن ماءَها يوشك أَن يذهبَ، قال: أَخبِرونِي عن عينِ زُغَر،
قالوا: عن أَي شَأنهَا تَسْتَخبِر؟ قالَ: هل في العَين ماءٌ؟ وَهل يَزرَعُ
أَهلُهَا بمَاءِ العَيْنِ؟ قُلنا له: نَعَم، هي كَثِيرة المَاء، وأَهلُهَا يَزرعون
مِن مَائِهَا، قال: أَخبِرونِي عن نبِيِّ الأُمِّيِّين ما فَعل؟ قالوا: قد خرَجَ مِن
مَكَةَ وَنَزلَ يَثرِبَ، قالَ: أَقَاتَلَهُ العَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: كيف صنَع
بهِم؟ فأخْبَرنَاهُ أنه قد ظَهَر علَى من يَلِيه من العرب وأَطاعوه، قال لهم: قد
كان ذلكَ؟ قلنا: نَعم، قال: أَما إن ذَاك خَير لهمْ أَن يطِيعوه، وإني مخبِركم
عَني، إني أَنَا المسِيح، وإني أوشك أَن يؤْذَن لي في الخروجِ، فأخرُج فأسِير في
الأرض فلا أدعَ قَريَة إلا هَبطتهَا في أَربعِين لَيلة غير مَكةَ وَطيبَةَ، فَهما
محرمَتان علَي كِلتاهما، كلما أَرَدت أن أَدخل واحدة، أَو واحِداً، منهما
استقبَلَنِي ملَك بيَدِه السيف صَلتا، يَصدنِي عَنهَا، وإن علَى كُل نَقْب منها
مَلائكة يحرسونها، قالَت: قالَ رسول الله صلى اللَّه عليه وسلمَ، وطعن بمخصرَته في المنبَرِ:
هذِه طَيبة، هذِه طَيبة، هذه طَيبَة، يعنِي المدِينةَ، أَلَا هل كُنت حَدَّثتكم ذلكَ؟
فَقال النَّاس: نَعَم، فإنه أَعجَبَنِي حديث تميم، أنه وَافَق الذي كُنْتُ
أُحَدِّثُكُمْ عنْه، وَعَنِ المدِينة ومكَةَ، أَلَا إنه في بَحرِ الشَأم، أَو بحرِ
اليَمن، لا بَل مِن قِبلِ المَشرِقِ ما هو، مِن قبل المَشْرِقِ ما هُو مِن قِبَلِ
المَشْرِقِ، ما هُو وأَومأَ بيَدِه إلى المَشرِقِ، قالَت: فَحَفِظت هذا مِن رسولِ
الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلمَ.
فوائد وتنبيهات على
حديث ابن تميم:
إن حديث ابن تميم
الداري السابق يدلُ على أن الدجال هو شخص غير ابن صياد، وقد ونقل الحافظ رضي الله
عنه في الفتح عن البيهقي أنه قال: وبه أي حديث ابن تميم تمسك من جزم بأن الدجال
غير ابن صياد وطريقهُ أصح، وتكون الصفة التي في ابن الصياد وافقت ما في الدجال.
وجاء في بعض الروايات
أنها تبين: أن الجساسة هي عبارة عن امرأة تجر شعر جلدها ورأسها.
وأن حديث تميم السابق
يدل على وجود الدّجال في العهد النبوي محبوس في جزيرة ما، وما هو موجود الآن،
وسيخرج في آخر الزمان عند غضبةٍ يغضبها.
================
الحال قبل خروج
الدجال:
إنّ الحال التي يكون
عليها الناس قبل خروج الدّجال هي كما يلي:
قبل خروج الدّجال
يكون يكون الناس في حالةٍ من الجدب والقحط والجوع: ويكون ذلك قبل خروج الدّجال
بثلاث سنوات، حيثُ تمنع السماء مطرها، وتحبس الأرض نباتها كما أخبر بذلك الحبيب
النبي عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة عن أبي أمامة
الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: وإنَّ قبل خروجِ
الدَّجَّالِ ثلاثَ سنواتٍ شِدادٍ ، يُصِيبُ الناسَ فيها جُوعٌ شديدٌ ، يأمرُ اللهُ
السماءَ السنةَ الأولى أن تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِها ، ويأمرُ الأرضَ أن تَحْبِسَ
ثُلُثَ نباتِها ، ثم يأمرُ السماءَ في السنةِ الثانيةِ فتَحْبِسُ ثُلُثَيْ
مَطَرِها ، ويأمرُ الأرضُ فتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نباتِها ، ثم يأمرُ السماءَ في
السنةِ الثالثةِ فتَحْبِسُ مطرَها كلَّه ، فلا تَقْطُرُ قُطْرةً، ويأمرُ الأرض
فتَحْبِسُ نباتَها كلَّه فلا تُنْبِتُ خضراءَ ، فلا يَبْقَى ذاتُ ظِلْفٍ إلا
هَلَكَت إلا ما شاء اللهُ ، قيل : فما يُعِيشُ الناسَ في ذلك الزمانِ ؟ قال: التهليل،
والتكبير، والتحميد، ويُجزِئُ ذلك عليهم مَجزَأَةَ الطعامِ” صحيح الجامع.
قبل خروج الدّجال
يكون الناس في جهل وبُعد عن الدين: ولعل خروج الدّجال وقد انتشر في الناس الغفلة
والجهل، مع ما هم فيه من جوعٍ وقحط، يساعد على انتشار دعوة الدّجال، خصوصاً أن معه
جنةً ونار، وتسخّر له الأرض والسماء.. وغير من الأمور العظام، والتي تجعل الحليم
حيران.
فقد أخرج الإمام أحمد
وابن خزيمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: يخرجُ الدّجال في خفة من الدين، وإدبار من العلم.
وأخرج الحاكم عن أبي
الفضل الليثي قال: ” كنت بالكوفة، فقيل: خرج الدّجال، فأتينا حذيفة بن أسيد رضي
الله عنه فقلت: هذا الدّجال قد خرج، فقال حذيفة: إن الدّجال لو خرج في زمانكم
لرمته الصبيان بالخزفِ، ولكنه يخرج في نقص من الناس، وخفة من الذيّن، وسوء ذات
بين، فيّردُ كل منهل، وتُطوى له الأرض طيّ فروة الكبش.
وقبل خروج الدّجال
يكون الناس في غفلة ًعن ذكره: فقد أخرج عبد الله بن الإمام أحمد عن الصعب بن جثامة
رضي الله عنه: قال سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: لا يخرج الدّجال حتى
يُذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر.
وقبل خروج الدّجال،
العرب يكونون قلة: فقد أخرج الإمام مسلم عن أم شريك رضي الله عنها أنها سمعت النبي
عليه الصلاة والسلام يقول: ليفرن الناس من الدّجال في الجبال، قالت أم شريك: يا
رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل.
قبل خروج الدّجال
تكثر الفتن وهي فتنة الأحلاسِ، والسّراء والدهيماء، وينقسم الناس إلى أهلُ إيمانٍ
وأهل نفاق: فقد أخرج أو أبو داود والإمام أحمد والحاكم بسندٍ صحيح عن عبد الله بن
عمر رضي الله عنه قال:”كُنا قعودًا عندَ رسولِ اللهِ فذكرَ الفتنَ فأكثرَ في
ذكرِها، حتى ذكرَ فتنةَ الأحلاسِ. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ وما فتنةُ الأحلاسِ؟ قال: هيَ هربٌ وحربٌ
، ثمَّ فتنةُ السراءِ دخنُها مِن تحتِ قدمَي رجلٍ مِن أهلِ بيتي، يزعمُ أنهُ مِني
وليسَ مِني، وإنَّما أوليائِي المتقونَ، ثمَّ يصطلحُ الناسُ على رجلٍ كوركٍ على
ضلع، ثمَّ فتنةُ الدهيماءِ لا تدعُ أحدًا مِنْ هذهِ الأمةِ إلا لطمتْهُ لطمة، فإذا
قيل: انقضَت تمادَت، يصبحُ الرجلُ فيها مؤمناً ويُسمي كافراً، حتى يصيرَ الناسُ
إلى فسطاطينِ، فسطاطِ إيمانٍ لا نفاق فيهِ، وفسطاطِ نفاقٍ لا إيمانَ فيه، فإذا كان
ذاكُم فانتظروا الدجالَ مِن يومِهِ أو مِن غده”. السلسلة الصحيحة.
قبل خروج الدّجال
تكون هناك ملحمة كبيرة بين المسلمين والروم النصارى، وينتصر فيها المسلمون: وسبب
هذه الملحمة هو ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال كما في سنن أبي داود:ستُصالِحونَ
الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فتَغزُونَ أنتم وهُمْ عَدُوًّا مِن وَرائِكُم،
فتُنْصَرون وتَغْنَمون وتَسْلَمون، ثُمَّ تَرْجِعون حتَّى تَنزِلوا بمَرْجٍ ذي
تُلُولٍ، فيَرفَعُ رَجُلٌ مِن أهْلِ النَّصرانيَّةِ الصَّليب، فيَقولُ: غَلَبَ
الصَّليبُ! فيَغضَبُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمينَ فيَدُقُّهُ، فعندَ ذلكَ تَغْدِرُ
الرُّومُ، وتَجْمَعُ للمَلْحَمةِ” صحيح إسناده الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح.
=============
============
سبب خروج الدجال:
لقد ذكرنا في حديث
تميم الداري في ذكر قصة الدّجال، أنه ذكر أن الدّجال: أنه ذكر أن الدّجال محبوس
الآن في جزيرةٍ من جزر البحر، وأنه كان حيّاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام،
وأنه رجلٌ عظيم الخلقة، رآه تميم الداري موثقاً بالسلاسل، وقد أخبر النبي عليه
الصلاة والسلام أنه سيخرج من غضبة يغضبها، ساعتها تتحطم السلاسل، ويتحرّر من القيد
ويُعثي في الأرض فساداً.
ففي صحيح مسلم من
حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:”لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له
قولاً أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها، فقالت له:
رحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إنما يخرج من غضبة يغضبها” رواه مسلم.
وأخرج عبد الرزاق في
المصنف عن ابن عمر رضي الله عنه قال:”لَقيتُ ابنَ صيَّادٍ يوماً وَمعه رجلٌ مِن
اليَهودِ، فإذا عَينه قد طَفَت وهيَ خارِجة مثلُ عينِ الحِمارِ، فلما رَأيتها
قُلت: أَنشُدك اللهَ يا ابن صيَادٍ، متَى طَفَت عَينُك؟ قال: لا أَدري
وَالرَّحمنِ، قُلت: كَذبتَ وهيَ في رَأسِك! قال: فمسحَها ونخرَ ثَلاثاً، فزعمَ اليَهودي أني ضَرَبت بِيَدي صَدرَه،
وقُلت: اخسَأ فَلم تَعدو قَدرَك، فذَكَرْتُ ذلكَ لِحَفصةَ، فَقالت حَفصةُ:
اجتَنِب هَذا الرَّجل؛ فإنَّا نَتحدَّث أن الدَّجَّال يَخرُج عندَ غَضبةٍ يَغضَبُها”.
نيل الأوطار وإسناده صحيح.
ابن صائد: يعني ابن
صياد.
مكان خروج الدجال:
يخرجُ الدجال من جهة
المشرق، قريةٍ في إيران، يُقال لها: خراسان، فيتبعهُ أقوامٌ كان وجوههم المجان
المطرقة. ثم يكون بدء ظهوره من يهودية” أصفهان” حيثُ يخرج سبعون ألف يهودي مطيلس،
لاستقباله ومناصرته، ثم بعد ذلك ينحدرُ على أرض إيران وبعدها العراق، وبعد خروجه
من الخلة التي بين الشام والعراق، يتجه مسرغاً نحو الحجاز للاستيلاء على مكة
والمدينة، ولكن تمنعهُ الملائكة، فيخرج بعدها إلى العالم.
الأدلة على هذا الأمر:
ما أخرجه ابن حبان عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصادق المصدوق:”إن
الأعور الدَّجَّال مَسيحَ الضَّلالة يخرُج مِن قِبَلِ المَشرِقِ في زمان اختلاف
مِن النَّاس وفُرقة فيبلُغ ما شاء اللهُ مِن الأرضِ في أربعين يوماً اللهُ أعلَمُ
ما مقدارُها اللهُ أعلَمُ ما مقدارُها، مرَّتينِ، ويُنزِل اللهُ عيسى ابنَ مَريم
فيؤُمّهم فإذا رفَع رأسَه مِن الرَّكعةِ قال: سمِع اللهُ لِمَن حمِده قتل اللهُ
الدَّجَّال وأظهَر المُؤمِنينَ”. أخرجه ابن حبان في صحيحه.
قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله كما في فتح الباري” عن مكان خروج الدّجال: وأما من أين يخرج؟
أولاً: يخرجُ من
قِبل المشرق جزماً. أي من المشرق، وتحديداً من مكان يُقال له خُراسان، وهي مدينة
كبيرة تقع في إيران، فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن أبي بكر الصديق رضي
الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الدّجّال يخرج من أرضٍ
بالمشرق، يُقال لها خُراسان، يتبعهُ أقوامٌ كأن وجوههم المجِانُ المطرقةِ”. صحيح
الجامع.
والمجن: أي الترس،
وشبهة وجوههم بالترس وذلك لبسطها وتدويرها. وبالمطرقة: وذلك لغلضها وكثرة لحمها.
ثانياً: ثم يكون
بداية ظهورهِ من أصبهان: فقال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم، فيكون بدء
ظهوره من أصبهان، من حارةٍ يُقال لها اليهودية. فقد أخرج الإمام أحمد عن أنس رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يخرجُ الدّجّال من يهودية
أصبهان، معه سبعون ألفاً من اليهود.
ثالثاً: ثم يكون
ظهوره أمره للمسلمين عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام، فقد أخرج الإمام مسلم
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدّجال
ذات غداة، فقال: إنه خارج خُلّةً بين الشام والعراق فعاثُ يميناً وعاثَ شمالاً،
ياعباد الله فاثبتوا.
رابعاً: ثم يحاول
جاهداً اقتحام المدينة، غير أن الملائكة تمنعه من دخولها، ثم تصرف وجهه قبل الشام
حتى يأتيها. فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم قال: يأتي المسيح من قبل المشرق، وهمته المدينة، حتى ينزل دُبُر
أُحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهناك يهلك.
وأخرج الإمام أحمد
والطبراني عن سفينة أن النبي عليه الصلاة والسلام تحدث عن الدّجّال فقال: ثم يسير
حتى يأتي المدينة، فلا يؤذن له فيها، فيقول: هذه قرية ذلكَ الرجل، ثم يسير حتى
يأتي الشام، فينزل عيسى عليه السلام فيقتلهُ عند عقبة أفيق.
================
صفة الدجال بالشكل:
هناك وقفة عند المسيح
الدّجال ووصفه بالشكل: وهي أنه يُشبه غلام يهودي يُدعي “صافٍ” والمعروف بابن الصياد، لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن المسيح
الدّجال، وجد الصحابة أن هذا الوصف ينطبق على غلام يهودي يدعي” صافٍ”
واسمهُ: عبد الله بن صياد” أو صائد المعروف بابن صياد، فأشكل أمره على الصحابة،
وظنوا أنه الدّجال، بل أنه الدّجال، بل منهم من أقسم بذلك كجابرِ بن عبد الله رضي
الله عنه.
فقد أخرج البخاري
ومسلم عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد:
الدّجال، قلت: تحلفُ بالله؟ قال: إني سمعتُ عمر يحلف على ذلك عند النبي عليه الصلاة والسلام
فلم ينكره النبي عليه الصلاة والسلام.
وأخرج أبو يعلى في
مسنده، والطبراني في الكبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:” لأن أحلف بالله
تسعاً ان ابن صياد هو الدّجال أحبّ إليّ من أن أحلف واحدة، قال: ولأن أحلف تسعة أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم قُتل قتلاً، وأحب إليّ من ان أحلف واحدة، وذلك بأن
الله اتخذه نبيّاً، وجعله شهيداً.
ولما تشكك الصحابة في
أمر ابن الصياد، ذهب إليه النبي عليه الصلاة ليكشف حقيقته ويتبيّن حاله فقد أخرج
البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه:” أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في
رهط قبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان، عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن
الصّياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال لابن
الصياد: تشهد أني رسول الله. فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين.
فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه وقال: آمنت
بالله وبرسله. فقال له: ما ترى. قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: خلط عليك الأمر. ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني خبأت لك
خبيئاً. فقال ابن صياد: هو الدخ. فقال: اخسأ، فلن تعدو قدرك. فقال عمر رضي
الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلن
تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله”.
فوائد وتنبيهات عن
الحديث:
هناك فوائد وبعض
تنبيهات على هذا الحديث السابق ألا وهي:
1. في الحديث السابق أن
ابن الصياد ادّعى النبوة، فكيف يدّعي هذا ويتركه النبي عليه الصلاة والسلام ولم
يقتله؟ والجواب على هذا السؤال: أنه كان بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين
اليهود عهد في تلك الأيام.
2. قول النبي عليه
الصلاة والسلام لعمر: إن يكنهُ، فلن تُسلّط عليه، وإن لم يكنه، فلا خير لك في
قتله، ويدل ذلك على أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان متحيراً في أمره، وأنه لم
يوحَ له في أمره شيء، ويدل على هذا أيضاً أنه ذهب إليه مرةً أخرى خفيةً ليقف على
حقيقتهُ. فقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: “انطلق
بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب، إلى النخل التي فيها ابن صياد،
وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً، قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النبي صلى الله
عليه وسلم وهو مضطجع، يعني في قطيفة، له فيها رمزة أو زمرة، فرأت أم ابن صياد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتقي بجذوع النخل. فقالت لابن صياد: يا صاف، وهو اسم
ابن صياد، هذا محمد صلى الله عليه وسلم، فثار ابن صياد، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: لو تركته بين”.رواه البخاري ومسلم.
3. والمقصود بالدخان،
وهي الكلمة التي خَبئها النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه، والمراد بها قوله
تعالى:”فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ” الدخان: 10.
4. وكما اختلف الصحابة
في شأن ابن الصياد، اختلف كذلك العلماء اختلافاً كثيراً في شأنه، فذهب الإمام
الشوكاني وابن حجر والقرطبي والنووي، رحمهم الله:” أن ابن الصياد هو الدّجال”.
بينما ذهب الإمام
البيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير رحمهم الله إلى “أن ابن صياد ليس هو
الدّجال”. لذلك قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن
وأولياء الشيطان: إن أمر ابن صياد قد أشكل على بعض الصحابة، فظنوه الدّجال، وتوقف
فيه النبي عليه الصلاة والسلام حتى تبيّن له فيما بعد أنه ليس هو الدّجال، وإنما
هو من جنس الكُهّان أصحاب الأحوال الشيطانية، ولذلك كان يذهب ليختبره.
وقال ابن كثير أيضاً:
كان ابن صياد من يهود المدينة، ولقبه عبد الله، ويُقال له”صاف” وله ولدٌ اسمه
عمارة بن عبد الله، من سادات التابعين، روى عنه مالك وغيره، والصحيح: أن الدّجال
غير ابن صياد، وأن ابن صياد كان دجالاً، ثم تاب فأظهر الإسلام. فالله يعلم ما في ضميره
وسريرته.
ما الشيء الذي يؤكد
أن ابن الصياد ليس هو الدّجال:
وممّا يؤكد على أن
ابن الصياد ليس هو المسيح الدّجال، هي قصتهُ مع أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
يقول أبو سعيد الخدري:”خَرجنَا حجَّاجاً، أَو عماراً، ومعنَا ابنُ صائِد، قالَ:
فَنَزَلنَا مَنزِلًا، فَتفَرق الناس وَبقِيتُ أَنا وهو، فَاستَوحَشتُ منه وَحْشَةً
شَدِيدَةً ممَّا يقَالُ عليه، قال: وَجَاءَ بمتَاعه فَوَضَعهُ مع مَتَاعِي، فَقُلت: إن الحَرَّ شَدِيدٌ،
فلو وَضَعتَه تَحت تِلكَ الشجَرةِ، قالَ: فَفَعَل، قال: فَرفِعَت لَنَا غَنَمٌ، فَانْطَلَقَ
فَجَاءَ بعُسٍّ، فَقال: اشرَب، أَبَا سَعِيدٍ فَقُلت إن الحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبن
حارٌّ، ما بي إلَّا أَنِّي أَكرَهُ أَن أَشرَبَ عن يدِه، أَوْ قالَ آخُذَ عن
يَدِه، فَقال: أَبَا سعيدٍ لقَد هَممتُ أَن آخذَ حَبلاً فَأعَلِّقَه بشَجَرَةٍ،
ثُمَّ أَختَنِقَ ممَّا يقولُ لي النَّاس، يا أَبا سَعِيدٍ مَن خَفِي عليه حَديثُ
رَسُولِ اللهِ صَلى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ما خَفِيَ علَيْكُم مَعشَرَ الأنصَارِ
أَلَسْتَ مِن أَعلَمِ النَّاسِ بحَديثِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وَسلمَ؟
أَليسَ قد قال رسول الله صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: هو كَافِرٌ وأَنَا مُسلِمٌ،
أَوليس قد قالَ رَسول اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وَسلَّمَ: هو عقِيم لا يُولد له،
وَقَد تَرَكت وَلَدي بالمَدِينَةِ؟ أَوَليسَ قدْ قالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عليه وَسَلَّمَ: لا يَدْخُل المَدِينَةَ ولَا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلتُ مِنَ
المَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكةَ؟ قالَ أَبو سَعِيدٍ الخُدرِي: حتَّى كِدت أَن
أَعذِرهُ، ثم قالَ: أَما، وَاللَّهِ إنِّي لأَعرِفهُ وَأَعرِف مولِدَه وَأَين هو
الآن. قالَ: قُلت له: تَبا لَك، سَائِر اليَومِ” صحيح مسلم.
وفاة ابن صياد:
مكث ابن صياد بعد
الرسول عليه الصلاة والسلام مدةً من الزمن، ثم فقده الناس في معركة الحرّة التي
كانت بين الحجّاج وبين أهل المدينة، فلم يجدوه في القتلى أو في الأسرى، واختفى منذ
هذه اللحظة. فقد أخرج أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال:” فقدنا ابن صياد يوم
الحرّة”. ويوم الحرة هو اليوم الذي دخل فيه أهل الشامِ في عهد يزيد بن معاوية،
وسفكوا الدماء فيها واستحلّوا حرمتها.
===============
صفات الدّجال الخلقية:
لقد ذكر النبي عليه
الصلاة والسلام كثيراً من أوصاف الدّجال وأحواله، حتى يتعرف الناس عليه إذا ظهر
فيهم، ويحذرون شرّه، لكن مع شديد الأسف تجد أن كثيراً من الجهّال يفتنون به،
ويتبعونه، لكن المؤمن يعرف تماماً أن هذا هو الدّجّال الذي وصفه النبي عليه الصلاة
والسلام، فتعال أنا وأنت لنتعرف على صفات الدّجال.
هو رجلٌ من بني آدم،
يهودي، عقيم لا يولد له ولد:
أخرج الإمام مسلم عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:” صَحبت ابن صياد إلى مكة، فقال لي: أما قد لقيت
من الناس؟ يزعمون أني الدّجّال ألستُ سمعت رسول الله عليه عليه وسلم يقول: إنه لا
يولد له، قال: قلتُ: بلى.. ” أخرجه مسلم. وفي رواية عند الترمذي: ” ما لكم ولي يا أصحاب محمد عليه الصلاة
والسلام ألم يقل نبي الله : إنه يهودي وقد أسلمت؟ وقال: لا يولد له، وقد ولد لي؟.
وعند الترمذي أيضاً:
أو ليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هو عقيم لا يولد له ولد؟ وقد تركتُ
ولدي بالمدينة.
ولم يرد في اسم
الدّجال، واسم أبيه، ونسبه ومولده حديث صحيح، وكل ما ورد في هذا الشأن ضعيف مثل
الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود الطيالسي عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي
عليه الصلاة والسلام قال: يمكث أبو الدّجال وأمه ثلاثين عاماً، لا يولد لهما ولد،
ثم يولد لهما غلام أعور، أضر شيء وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه، ثم نعت
لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أبويه، فقال: أبوه طُوال ضرب اللحم، كأن أنفه
منقار، وأمه فِرضاخية، طويلة الثديين…” الحديث لا يصح.
وهو شاب عظيم الخلقة
ضخم الجسم:
أخرج الإمام مسلم عن
فاطمة بنت قيس رضي الله عنه في قصة الجساسة، وفيه قال تميم رضي الله عنه:” فانطلقا
سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه، وأشد وثاقاً.
عظيم الرأس عريض
النحر:
أخرج الإمام أحمد عن
أبن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الدجال. كأن رأسه
أصلة، أشبه بعبد العزى بن قطن.”
وأخرج البزار عن
الفلتان بن عاصم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” أريت ليلة
القدر، ثم أنسيتها، ورأيت مسيح الضلالة، وأما مسيح الضلالة، فرجل أجلى الجبهة،
ممسوح العين اليسرى، عريض النحر، كأنه عبد العزى بن قطن.
أفحج الرجلين:
فقد أخرج أبو داود عن
عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم” إنِّي قد
حدَّثتُكم عن الدَّجَّالِ ، حتَّى خشيتُ ألَّا تعقِلوا ، إنَّ مسيحَ الدَّجَّال
رجلٌ قصيرٌ أفحج جعدٌ أعور مطموسُ العينِ ليس بناتئة ولا حجراءَ ، فإن ألبس عليكم
فاعلَموا أن ربَّكم ليس بأعورَ” صحيح أبي داود.
إن بشرته سمراء
صافية، ووجنتهُ محمرة:
أخرج البخاري ومسلم
عن أبي عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:”فذهبتُ ألتفتُ، فإذا
رجلٌ احمرُ جسيمٌ، جعدُ الرأس، أعورُ، عينه عنبةٌ طافيةٌ، قلتُ: من هذا، قالوا:
هذا الدّجال، وأقربُ الناس به، شبهاً ابن قطن. قال الزهري: رجلٌ من خُزاعة، هلك في
الجاهلية”. صحيح البخاري.
شعرهُ كثيفٌ أجعَد:
أخرج الإمام مسلم عن
النواس بن سمعان رضي الله عنه في حديث:”نَّهُ شابٌّ قطَطٌ، عينُهُ قائمةٌ، كأنِّي
أشبِّهُهُ بَعبدِ العزَّى بنِ قَطنٍ، فمَن رآهُ منكُم، فليقرَأْ علَيهِ فواتحَ
سورةِ الكَهْفِ، إنَّهُ يخرُجُ مِن خلَّةٍ بينَ الشَّامِ، والعراقِ، فعاثَ يمينًا،
وعاثَ شمالًا، يا عبادَ اللَّهِ اثبُتوا، قلنا: يا رسولَ اللَّهِ وما لبثُهُ في
الأرضِ؟ قالَ أربعونَ يوماً، يومٌ كَسنةٍ، ويومٌ كَشَهرٍ، ويومٌ كَجُمعةٍ، وسائرُ
أيَّامِهِ كأيامِكُم، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ فذلِكَ اليومُ الَّذي كسَنةٍ،
تَكفينا فيهِ صلاةُ يومٍ؟ قالَ: فاقدُروا لَهُ قدرَهُ.
صفة عين الدّجال:
إن عينهُ اليمنى
مطموسة ممسوحة، كأنها عنبة طائفة” بالهمز” أي اختفى ضوئها، ولا يُبصر بها، وهي
ليست بناتئة، ولا حمراء، وهذه صفة حبةُ العنب، إذا ذهب ماؤها، وبقيت القشرة،
فكأنها لم تُخلق. وأما عينه اليسرى التي يبصر بها، فمتقدةٌ خضراء، كأنها كوكبٌ من
شدة توقدها، غير انها جاحظةً؛ كأنها زجاجة خضراء بارزة، أو عنبة طافية”بلا همز” أي
ناتئة كنتوء حبة العنب من بين أخواتها، أو كأنها نخاعة في جدار محصص، وفيها أيضاً
جليدة أو لحيمة نابتة عند الموق، كأنها ممزوجةً بالدم. فهو أعور العينين معاً؛ لأن
العور هو العيب، والأعور من كل شيء. أما المعيب غير أن كل عين عوراء من وجه،
فالعينُ اليمنى عوراء حقيقةً لذهابها وذهاب ضوئها، فإنها ممسوحةً مطموسة، واليسرى عوراء
بعينها اللازم من مونها جاحظة، وعليها ظفرةً، فكل واحدة منها يصحُ وصفها بالعور،
بحقيقة العرف، أو بمعنى العور الأصلي.
==============
=============
الحكمة من عدم ذكر
الدجال في القرآن
يقول الحافظ ابن حجر
في فتح الباري: بأنه قد اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدّجال في
القرآن، مع أنه ذُكر عنه في الشر، وعظم الفتنة به وتم تحذير الأنبياء منه، وتم
الأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة، وأجيب بأجوبةٍ عدة منها:
1. أنه ذكر في قوله
تعالى:”يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ” الأنعام:158.
فقد أخرج الإمام مسلم
من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:” ثلاث إذا خرجن لا
ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، طلوع الشمس من
مغربها، والدّجال، ودابةُ الأرض”.
2. وقعت الإشارة في
القرآن الكريم إلى نزول عيسى ابن
مريم عليه السلام، ففي قوله تعالى:”يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ
لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ” النساء:159. وقد صحّ
أنه المسيح عيسى عليه السلام هو الذي يقتل الدّجال، فاكتفي بذكر أحد الضدين عن
الآخر ولكونه يُلقب بالمسيح عيسى، لكن المسيح الدّجال مسيحٌ الضلالة، وعيسى، هو
مسيح الهدى.
3. أنه ترك ذكره
احتقاراً، وتعقب هذا القول بذكر: يأجوج ومأجوج، وليست الفتنة بهم بدون الفتنة
بالدّجال والذي قبله، وتعقب هذا أيضاً بأن السؤال باقٍ، ألا وهو ما الحكمة في ترك
التنصيص عليه؟ فأجاب شيخنا الإمام البلقيني؛ بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين،
فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مَضي وانقضى أمرهُ، وأما من لم يجيء بعد، فلم يذكر
منهم أحد. وهذا الرأي ينتقض بيأجوج ومأجوج.
لقد وقع في تفسير
البغوي: أن الدّجال مذكور في القرآن الكريم، في قوله تعالى:”لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ” غافر:57. فالمقصود بالناس هنا هم الدّجال، وهو من باب إطلاق الكل على
البعض وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة، فيكون من جملة ما تكفّل النبي عليه الصلاة
والسلام ببيانه. وهذا كله علمه عند الله.
هل ذكر المسيح الدجال
في القران
فإن اعتُرض بأن
القرآن ذكر فرعون، وهو قد ادّعى الربوبية والألوهيةِ، فلماذا لم يذكر المسيح
الدّجال وهو ممّن ادّعى الربوبية والألوهية كذلك، فيقال: إن أمر فرعون انقضى
وانتهى، وذُكر عبرة للناس وعظة، وأما أمر الدّجّال، فسيحدث في آخر الزمان، فترك
ذكره امتحاناً به، مع أن ادعاءهُ الربوبية أظهر من يُنبّه على بطلانه؛ لأن الدّجال
ظاهر النقص، واضح الذم، أحقر وأصغر من المقام الذي يدعه، فترك الله ذكره، لما يعلم
تعالى من عباده المؤمنين، أن مثل هذا لا يُخيفهم ولا يزيدهم إلا إيماناً وتسليماً
لله ورسوله، كما يقول الشاب الذي يقتله الدّجّال ويجيبهُ. والحديث في البخاري:”
والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم”.
===================