ج1.وج2.كتاب: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح
ج1.كتاب: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح
تأليف: زين الدين عبد
الرحيم بن الحسين العراقي
بسم الله الرحمن
الرحيم
قال الشيخ إلامام
الحافظ مفتي الشام تقي الدين أبو عمر عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان ابن موسى بن
أبي نصر النصري الشهرزوري الشافعي المعروف بابن الصلاح عليه الرحمة:
ربنا آتنا من لدنك
رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
الحمد لله الهادي من
استهداه الواقي من اتقاه الكافي من تحرى رضاه حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه.
والصلاة والسلام
إلاتمان إلاكملان على نبينا والنبيين وآل كل ما رجا راج مغفرته ورحماه آمين.
هذا: وإن علم الحديث
من أفضل العلوم الفاضلة وأنفع الفنون النافعة يحبه
______
بسم الله الرحمن
الرحيم
اللهم أعن ويسر صلى
الله عليه وسلم.
والحمد لله الذي ألهم
لإيضاح ما أبهم وأفهم إلى إلاصطلاح ولو شاء لم نفهم وأشهد أن لا إله إلا الله
الكاشف لما ينوب من الخطوب ويدهم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من أنجد وأتهم
وأعدل من أنقذ وأسهم و صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فإن أحسن ما صنف أهل
الحديث في معرفة إلاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح جمع فيه غرر الفوائد فأوعى
ودعى له زمر الشوارد فأجابت طوعا إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه وأماكن أحز
تحتاج إلى تقييد وتنبيه فأردت أن أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه وتفتح مغلقه وقد أورد عليه
غير واحد من المتأخرين إيرادات
ذكور الرجال وفحولتهم
ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم. وهو من أكثر
العلوم تولجا في فنونها لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها. ولذلك كثر غلط
العاطلين منه من مصنفي الفقهاء وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء.
ولقد كان شأن الحديث
فيما مضى عظيما عظيمة جموع طلبته رفيعة مقادير
______
ليست بصحيحة فرأيت أن
أذكرها وأبين تصويب كلام الشيخ وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم
ويتفق من مزجى البضاعات ما لا يصلح للسوم وقد كان الشيخ إلامام العلامة علاء الدين
مغلطاى أوقفنى على شئ جمعه عليه سماه إصلاح ابن الصلاح وقرأ من لفظه موضعا منه ولم
أر كتابه المذكور بعد ذلك وأيضا قد اختصره جماعة وتعقبوه في مواضع منه فحيث كان
إلاعتراض عليه غير صحيح ولا مقبول ذكرته بصيغة اعترض عليه على البناء للمفعول.
وقد أخبرنى بكتاب ابن
الصلاح المذكور الشيخان إلامامان الحافظان البارعان صلاح الدين أبو سعيد خليل بن
كيكلدى العلائى وبهائى الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن خليل إلاموى
بقراءتى على الثانى لجميع الكتاب وسماعا على إلاول لبعض الكتاب وإجازة باقيه قإلا
أنا بجميعه محمد بن يوسف بن المهتار الدمشقى قال أخبرنا بمؤلفه الشيخ إلامام تقى
الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشهرزورى رحمه الله قراءة عليه في
الخامسة من عمرى وسميته التقييد وإلايضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح والله
أسأل أستعين أن يوفق لإكماله ويعين وأن لا يجعل ما علمنا من العلم علينا وبإلا
ويجعله خالصا لوجهه تبارك وتعالى إنه على ما يشاء قدير وبإلاجابة جدير.
قوله ويعنى به محققو
العلماء وكملتهم هو بضم الياء وفتح النون على البناء للمفعول وعليه اقتصر صاحبا
الصحاح والمحكم وحكى الهروى في الغبريين أنه استعمل على البناء للفاعل أيضا فيقال
عنى بكذا يعنى به وحكاه المطرزى أيضا وأنشد عليه عان بأخراها طويل الشغل قال
والمبنى للمفعول أفصح.
حفاظه وحملته. وكانت
علومه بحياتهم حية وأفنان فنونه ببقائهم غضة ومغانيه بأهله آهلة فلم يزالوا في
انقراض ولم يزل في اندراس حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة
العدد ضعيفة العدد لا تغني على إلاغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا ولا تعنى في
تقييده بأكثر من كتابته عطلا مطرحين علومه التي بها جل قدره مباعدين معارفه التي
بها فخم أمره.
فحين كاد الباحث عن
مشكله لا يلفي له كاشفا والسائل عن علمه لا يلقى به عارفا من الله الكريم تبارك
وتعالى علي وله الحمد أن أجمع بكتاب معرفة أنواع علوم الحديث هذا الذي باح بأسراره
الخفية وكشف عن مشكلاته إلابية وأحكم معاقده وأقعد قواعده وأنار معالمه وبين
أحكامه وفصل أقسامه وأوضح أصوله وشرح فروعه وفصوله وجمع شتات علومه وفوائده وقنص 5
شوارد نكته وفوائده.
فالله العظيم الذي
بيده الضر والنفع وإلاعطاء والمنع أسأل وإليه أضرع وأبتهل متوسلا إليه بكل وسيلة
متشفعا إليه بكل شفيع أن يجعله مليا بذلك وأملى وفيا بكل ذلك وأوفي. وأن يعظم
إلاجر والنفع به في الدارين إنه قريب
_______
قوله جعله الله مليا
بذلك وأملى وفيا بكل ذلك وأوفي استعمل المصنف هنا مليا وأملى بغير همز على التخفيف
وكتبه بالياء المناسبة قوله وفيا وأوفي وإلا فإلاول مهموز من قولهم ملوء الرجل بضم
اللام وبالهمز أي صار مليئا أى ثقه وهو ملئ بين الملاء والملاءة ممدودان قاله
الجوهرى.
مجيب. وما توفيقي إلا
بالله عليه توكلت وإليه أنيب
وهذه فهرسة أنواعه:
فإلاول منها: معرفة
الصحيح من الحديث
الثاني : معرفة الحسن
من الحديث
الثالث : معرفة
الضعيف من الحديث
الرابع : معرفة
المسند
الخامس : معرفة
المتصل
السادس : معرفة
المرفوع
السابع : معرفة
الموقوف
الثامن : معرفة
المقطوع وهو غير المنقطع
التاسع : معرفة
المرسل
العاشر : معرفة
المنقطع
الحادي عشر: معرفة
المعضل ويليه تفريعات منها في الإسناد المعنعن ومنها في التعليق
الثاني عشر: معرفة
التدليس وحكم المدلس
الثالث عشر: معرفة
الشاذ
الرابع عشر: معرفة
المنكر
الخامس عشر: معرفة
إلاعتبار والمتابعات والشواهد
السادس عشر: معرفة
زيادات الثقات وحكمها
السابع عشر: معرفة
إلافراد
الثامن عشر: معرفة
الحديث المعلل
التاسع عشر: معرفة
المضطرب من الحديث
العشرون : معرفة
المدرج في الحديث
الحادي والعشرون :
معرفة الحديث الموضوع
الثاني والعشرون:
معرفة المقلوب.
الثالث والعشرون:
معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته.
الرابع والعشرون:
معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وفيه بيان أنواع الإجازة وأحكامها وسائر وجوه
إلاخذ والتحمل وفيه علم جم.
الخامس والعشرون:
معرفة كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده وفيه معارف مهمة رائقة.
السادس والعشرون:
معرفة كيفية رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك وفيه كثير من نفائس هذا العلم.
السابع والعشرون:
معرفة آداب المحدث.
الثامن والعشرون:
معرفة آداب طالب الحديث.
التاسع والعشرون:
معرفة الإسناد العالي والنازل.
الموفي ثلاثين: معرفة
المشهور من الحديث.
الحادي والثلاثون:
معرفة الغريب والعزيز من الحديث.
الثاني والثلاثون:
معرفة غريب الحديث.
الثالث والثلاثون :
معرفة المسلسل.
الرابع والثلاثون :
معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه.
الخامس والثلاثون :
معرفة المصحف من أسانيد إلاحاديث ومتونها.
السادس والثلاثون :
معرفة مختلف الحديث.
السابع والثلاثون :
معرفة المزيد في متصل إلاسانيد.
الثامن والثلاثون :
معرفة المراسيل الخفي إرسالها.
التاسع والثلاثون:
معرفة الصحابة رضي الله عنهم.
الموفي أربعين: معرفة
التابعين رضي الله عنهم.
الحادي وإلاربعون:
معرفة أكابر الرواة عن إلاصاغر.
الثاني وإلاربعون:
معرفة المدبج وما سواه من رواية إلاقران بعضهم عن بعض.
الثالث وإلاربعون :
معرفة إلاخوة وإلاخوات من العلماء والرواة.
الرابع وإلاربعون:
معرفة رواية إلاباء عن إلابناء.
الخامس وإلاربعون:
عكس ذلك: معرفة رواية إلابناء عن إلاباء.
السادس وإلاربعون:
معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر تباعد ما بين وفاتيهما.
السابع وإلاربعون:
معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد.
الثامن وإلاربعون :
معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة.
التاسع وإلاربعون:
معرفة المفردات من أسماء الصحابة والرواة والعلماء.
الموفي خمسين: معرفة
إلاسماء والكنى.
الحادي والخمسون:
معرفة كنى المعروفين بإلاسماء دون الكنى.
الثاني والخمسون:
معرفة ألقاب المحدثين.
الثالث والخمسون :
معرفة المؤتلف والمختلف.
الرابع والخمسون :
معرفة المتفق والمفترق.
الخامس والخمسون :
نوع يتركب من هذين النوعين.
السادس والخمسون :
معرفة الرواة المتشابهين في إلاسم و النسب المتمايزين بالتقديم والتأخير في إلابن
وإلاب.
السابع والخمسون :
معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم.
الثامن والخمسون :
معرفة إلانساب التي باطنها على خلاف ظاهرها.
التاسع والخمسون :
معرفة المبهمات.
الموفي ستين : معرفة
تواريخ الرواة في الوفيات وغيرها.
الحادي والستون :
معرفة الثقات والضعفاء من الرواة.
الثاني والستون :
معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات.
الثالث والستون :
معرفة طبقات الرواة والعلماء.
الرابع والستون :
معرفة الموالي من الرواة والعلماء.
الخامس والستون :
معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.
وذلك آخرها وليس بآخر
الممكن في ذلك فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث
وصفاتهم ولا أحوال متون الحديث وصفاتها وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن
تفرد بالذكر وأهلها فإذا هي نوع على حياله ولكنه نصب من غير أرب وحسبنا الله ونعم
الوكيل
النوع إلاول من أنواع
علوم الحديث: معرفة الصحيح من الحديث:
اعلم علمك الله وإياي
أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف:
________
النوع إلاول: معرفة
الصحيح
قوله اعلم علمك الله
وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف. انتهى.
وقد اعترض عليه
بأمرين أحدهما أن في الترمذي مرفوعا: "إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه"
الاولى أن يقول علمنا الله وإياك انتهى ما اعترض به هذا المعترض
والحديث الذي ذكره من
عند الترمذي ليس هكذا وهو حديث أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ثم قال هذا حديث حسن غريب صحيح ورواه أبو داود
أيضا ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله
علينا وعلى موسى الحديث
ورواه النسائى أيضا
في سننه الكبرى وهو عند مسلم أيضا كما سيأتي فليس فيه ما ذكره من أن كل داع يبدأ
بنفسه وإنما هو من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله وإذا كان كذلك فهو مقيد
بذكره صلى الله عليه وسلم نبيا من إلانبياء كما ثبت في صحيح مسلم في حديث أبى
الطويل في قصة موسى مع الخضر وفيه قال وكان إذا ذكر أحدا من إلانبياء بدأ بنفسه
رحمة الله علينا وعلى أخى وكذا رحمة الله علينا الحديث
فأما دعاؤه لغير
إلانبياء فلم ينقل أنه كان يبدأ بنفسه كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
الذي رواه البخاري في قصة زمزم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم
عينا معينا"
.
_________
وفي الصحيحين من حديث
عائشة رضى الله عنها ( سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل
فقال يرحمه الله ) الحديث
وفي رواية للبخارى إن
الرجل هو عباد بن بشر وللبخارى من حديث سلمة ابن إلاكوع: "من السائق؟"
قالوا عامر قال: "يرحمة الله" الحديث
فظهر بذلك أن بدأه
بنفسه في الدعاء وكان فيما إذا ذكر نبيا من إلانبياء كما تقدم على أنه قد دعا لبعض
إلانبياء ولم يذكر نفسه معه وذلك في الحديث المتفق على صحته من حديث أبى هريرة رضى
الله عنه قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله لوطا لقد كان
يأوى إلى ركن شديد" الحديث
وفي الصحيحين أيضا من
حديث ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا "يرحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا
فصبر"
إلامر الثانى أن ما
نقله عن أهل الحديث من كون الحديث ينقسم إلى هذه إلاقسام الثلاثة ليس بجيد فإن
بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط صحيح وضعيف وقد ذكر المصنف هذا الخلاف في النوع الثانى
في التاسع من التفريعات المذكورة فيه فقال من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن
ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من
كلام أبى عبد الله الحاكم في تصرفاته إلى آخر كلامه فكان ينبغى إلاحتراز عن هذا
الخلاف هنا
والجواب أن ما نقله
المصنف عن أهله الحديث قد نقله عنهم الخطابى في خطبة معالم السنن فقال اعلموا أن
الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم ولم أر من سبق
الخطابى إلى تقسيمه ذلك وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود في كلام
الشافعي رضى الله عنه والبخاري وجماعة ولكن الخطابى نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو
إمام ثقة فتبعه المصنف على ذلك هنا ثم حكى الخلاف في الموضع الذي ذكره فلم يهمل
حكاية الخلاف والله أعلم
أما الحديث الصحيح:
فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه
ولا يكون شاذا ولا معللا.
وفي هذه إلاوصاف
احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع
جرح. وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء الله تبارك وتعالى.
فهذا هو الحديث الذي
يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث.
_______
"قوله" أما الحديث الصحيح فهو المسند الذي يتصل إسناده إلى آخر كلامه اعترض
عليه بأن من يقبل المرسل لا يشترط أن يكون مسندا وأيضا اشتراط سلامته من الشذوذ والعلة
إنما زادها أهل الحديث كما قاله ابن دقيق العيد في إلاقتراح قال وفي هذين الشرطين
نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجرى على
أصول الفقهاء قال ومن شرط الحد أن يكون جامعا مانعا.
والجواب أن من يصنف
في علم الحديث إنما يذكر الحد عند أهله لا من عند غيرهم من أهل علم آخر.
وفي مقدمة مسلم أن
المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بإلاخبار وليس بحجة وكون الفقهاء وإلاصوليين
لا يشترطون في الصحيح هذين الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما على أن المصنف قد
احترز عن خلافهم وقال بعد أن فرغ من الحد وما يحترز به عنه فهذا هو الحديث الذي
يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث.
وقد يختلفون في صحة
بعض إلاحاديث لاختلافهم في وجود هذه إلاوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه
إلاوصاف كما في المرسل انتهى كلامه فقد احترز المصنف عما اعترض به عليه فلم يبق
للاعتراض وجه والله اعلم.
"وقوله" بلا خلاف بين أهل الحديث إنما قد نفي الخلاف بأهل الحديث لأن غير أهل الحديث
قد يشترطون في الصحيح شروطا زائدة على هذه كاشتراط العدد في الرواية كما في
الشهادة فقد حكاه الحازمى في شروط إلائمة عن بعض متأخرى.
وقد يختلفون في صحة
بعض إلاحاديث لاختلافهم في وجود هذه إلاوصاف فيه أو: لاختلافهم في اشتراط بعض هذه
إلاوصاف كما في المرسل.
ومتى قالوا: هذا حديث
صحيح فمعناه: أنه اتصل سنده مع سائر إلاوصاف المذكورة. وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس إلامر إذ منه ما ينفرد بروايته
عدل واحد وليس من إلاخبار التي أجمعت إلامة على تلقيها بالقبول.
وكذلك إذا قالوا في
حديث: إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس إلامر إذ قد يكون صدقا في نفس
إلامر وإنما المراد به: أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور والله أعلم.
_______
المعتزلة على أنه قد
حكى أيضا عن بعض أصحاب الحديث قال البيهقي في رسالته إلى أبى محمد الجوينى رحمهما
الله رأيت في الفصول التي أملاها الشيخ خرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث
أنه يشترط في قبول إلاخبار أن يروى عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يذكره قائله إلى آخر كلامه وكأن البيهقي رآه في كلام أبى
محمد الجوينى فنبهه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث والله أعلم.
"وقوله"
وقد يختلفون في صحة بعض إلاحاديث لاختلافهم في وجود هذه إلاوصاف فيه انتهى يريد
بقوله هذه إلاوصاف أى أوصاف القبول التي ذكرها في حد الصحيح وإنما نبهت على ذلك
وإن كان واضحا لأنى رأيت بعضهم قد اعترض عليه فقال إنه يعنى إلاوصاف المتقدمة من
إرسال وانقطاع وعضل وشذوذ وشبهها قال وفيه نظر من حيث إن أحدا لم يذكر أن المعضل
والشاذ والمنقطع صحيح وهذا إلاعتراض ليس بصحيح فإنه إنما أراد أوصاف القبول كما
قدمته وعلى تقدير أن يكون أراد ما زعم فمن يحتج بالمرسل لا يتقيد بكونه أرسله
التابعى بل لو أرسله أتباع التابعين احتج به وهو عنده صحيح وإن كان معضلا وكذلك من
يحتج بالمرسل يحتج بالمنقطع بل المنقطع والمرسل عند المتقدمين واحد وقال أبو يعلى
الخليلى في إلارشاد إن الشاذ ينقسم إلى صحيح ومردود فقول هذا المعترض إن أحدا لا
يقول في الشاذ إنه صحيح مردود بقول الخليلى المذكور والله أعلم.
فوائد مهمة
إحداها :الصحيح يتنوع
إلى متفق عليه ومختلف فيه كما سبق ذكره. ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك.
ثم إن درجات الصحيح
تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تبتنى الصحة عليها.
وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر.
ولهذا نرى إلامساك عن
الحكم لإسناد أوحديث بأنه الأصح على الإطلاق. على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا
غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم.
فروينا عن إسحاق بن
راهويه أنه قال: أصح إلاسانيد كلها: الزهري عن سالم عن أبيه. وروينا نحوه عن أحمد
بن حنبل.
وروينا عن عمرو بن
علي الفلاس أنه قال: أصح إلاسانيد: محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي.
وروينا نحوه عن علي
بن المديني. روي ذلك عن غيرهما ثم منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب
السختياني. ومنهم من جعله ابن عون.
______
"قوله" على أن جماعة من أهل الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فذكر
الخلاف في أصح إلاسانيد إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن الحاكم وغيره ذكروا أن هذا بالنسبة
إلى إلامصار أو إلى إلاشخاص وإذا كان كذلك فلا يبقى خلاف بين هذه إلاقوال انتهى
كلام المعترض وليس بجيد لأن الحاكم لم يقل إن الخلاف مقيد بذلك بل قال لا ينبغى أن
يطلق ذلك وينبغى أن يقيد بذلك فهذا لا ينفي الخلاف المتقدم وأيضا ولو قيدناه
بإلاشخاص فالخلاف موجود فيقال أصح أسانيد على كذا وقيل كذا وقيل كذا وأصح أسانيد
ابن عمر كذا وقيل كذا فالخلاف موجود والله أعلم.
وفيما نرويه عن يحيى
بن معين أنه قال: أجودها: إلاعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.
وروينا عن أبي بكر بن
أبي شيبة قال: أصح إلاسانيد كلها: الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.
وروينا عن أبي عبد
الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال: أصح إلاسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر.
وبنى إلامام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي على ذلك: أن أجل إلاسانيد الشافعي
عن مالك عن نافع عن ابن عمر.
واحتج بإجماع أصحاب
الحديث على أنه: لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم أجمعين
والله أعلم.
الثانية : إذا
وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد
الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة
فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر في
_______
"قوله" إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرهما حديثا صحيح الإسناد ولم
نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شئ من مصنفات أهل الحديث المعتمدة المشهورة
فإنا لا نتجاسر على حزم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه إلاعصار إلاستقلال بادراك
الصحيح بمجرد اعتبار إلاسانيد إلى آخر كلامه وقد خالفه في ذلك الشيخ محيى الدين
النووى فقال وإلاظهر عندى جوازه لمن تمكن وقويت معرفته. انتهى كلامه.
وما رجحه النووى هو
الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن نقدمهم
فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك بن
القطان صاحب كتاب بيان الوهم وإلايهام وقد صحح في كتابه المذكور عدة أحاديث منها
حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه
هذه إلاعصار
إلاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار إلاسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد
في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ
والضبط وإلاتقان. فآل إلامر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى إلاعتماد على ما نص عليه
أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة التي يؤمن
_________
في رجليه ويمسح
عليهما ويقول كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل أخرجه أبو بكر البزار في
مسنده وقال ابن القطان إنه حديث صحيح ومنها حديث أنس بن مالك رضى الله عنه كان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام
ثم يقوم إلى الصلاة رواه هكذا قاسم بن أصبغ وصححه ابن القطان فقال وهو كما ترى صحح
وتوفي ابن القطان هذا هو على قضاء سجلماسة من المغرب سنة ثمان وعشرين وستمائة ذكره
ابن إلابار في التكملة.
وممن صحح أيضا من
المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسى جمع كتابا سماه
المختارة التزم فيه الصحة وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم وتوفي
الضياء المقدسى في السنة التي مات فيها ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستمائة وصحح
الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذرى حديثا في جزء له جمع فيه ما ورد
فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وتوفي الزكى عبد العظيم سنة ست وخمسين
وستمائة.
ثم صحح الطبقة التي
تلي هذه أيضا فصحح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطى حديث جابر مرفوعا
"ماء زمزم لما شرب له" في جزء جمعه في ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن
أبى الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر ومن هذه الطريق رواه البيهقي وفي شعب
إلايمان وإنما المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه
وضعفه النووى وغيره من هذا الوجه وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر ثم صححت الطبقة
التي تلي هذه وهم شيوخا فصحح الشيخ تقى الدين السبكى حديث ابن عمر في الزيارة في
تصنيفه المشهور كما أخبرنى به ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم
من لا يقبل ذاك منهم وكذا كان المتقدمون وبما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه والله
أعلم.
فيها لشهرتها من
التغيير والتحريف وصار معظم المقصود بما يتداول من إلاسانيد خارجا عن ذلك إبقاء
سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه إلامة زادها الله تعالى شرفا آمين.
الثالثة : أول من صنف
الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم. وتلاه أبو الحسين مسلم
بن الحجاج النيسابوري القشيري من أنفسهم. و مسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد
منه يشاركه في أكثر شيوخه
وكتاباهما أصح الكتب
بعد كتاب الله العزيز.
وأما ما روينا عن
الشافعي رضي الله عنه من أنه قال: ما أعلم في إلارض كتابا في العلم أكثر صوابا من
كتاب مالك ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري
ومسلم ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد.
_______
"قوله"
أول من صنف الصحيح البخاري انتهى اعترض عليه بأن مالكا صنف الصحيح قبله والجواب أن
مالكا رحمه الله لم يفرد الصحيح بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات ومن
بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن عبد البر فلم يفرد الصحيح إذا والله أعلم.
"قوله"
وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج انتهى كلامه اعترض عليه بقول أبى الفضل أحمد بن سلمة
كنت مع مسلم بن الحجاج في تأليف هذا الكتاب سنة خمس ومائتين هكذا رأيته بخط الذي
اعترض على ابن الصلاح سنة خمس ومائتين فقط وأراد بذلك أن تصنيف مسلم لكتابه قديم
فلا يكون تاليا لكتاب البخاري وقد تصحف التاريخ عليه وإنما هو سنة خمسين ومائتين
بزيادة الياء والنون وذلك باطل قطعا لأن مولد مسلم رحمه الله سنة أربع ومائتين بل
البخاري لم يكن في التاريخ المذكور وصنف فضلا عن مسلم فإن بينهما في العمر عشر
سنين ولد البخاري سنة أربع وتسعين ومائة.
وأما ما رويناه عن
أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه 12 قال: ما
تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج. فهذا وقول من فضل من شيوخ
المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به: أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم
يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج
بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من إلاشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط
في الصحيح فهذا لا بأس به. وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع إلى نفس
الصحيح على كتاب البخاري.
وإن كان المراد به:
أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهذا مردود على من يقوله. والله أعلم.
الرابعة : لم
يستوعبا الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال: ما
أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لملال الطول.
وروينا عن مسلم أنه
قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعت ههنا ما
أجمعوا عليه قلت: أراد والله أعلم أنه لم يضع في كتابه إلا إلاحاديث التي وجد عنده
فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم.
______
قوله فهذا وقول من
فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم
يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسدودا
غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من إلاشياء التي لم يسندها على
الوصف المشروط في الصحيح انتهى.
قلت قد روى مسلم بعد الخطبة
في كتاب الصلاة بإسناده الى يحيى بن أبى كثير أنه قال لا يستطاع العلم براحة الجسم
فقد مزجه بغير إلاحاديث ولكنه نادر جدا بخلاف البخاري والله اعلم.
ثم إن أبا عبد الله
بن إلاخرم الحافظ قال: قل ما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت من الحديث. يعني في
كتابيهما.
ولقائل أن يقول: ليس
ذلك بالقليل فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل مما
فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير. وقد
13 قال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح.
وجملة ما في كتابه
الصحيح سبعة إلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بإلاحاديث المتكررة. وقد قيل: إنها
بإسقاط المكررة أربعة إلاف حديث. إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار
الصحابة والتابعين. وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين.
ثم إن الزيادة في
الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه
______
"قوله" وجملة ما في كتابه الصحيح يعنى البخاري سبعة إلاف ومائتان وخمسة
وسبعون حديثا بإلاحاديث المكررة انتهى هكذا أطلق ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا
العدد الرواية المشهورة وهى رواية محمد بن يوسف الفربرى فأما رواية حماد بن شاكر
فهى دونها بمائتى حديث وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل فإنها تنقص عن رواية
الفربرى ثلاثمائة حديث.
ولم يذكر ابن الصلاح
عدة أحاديث مسلم وقد ذكرها النووى من زياداته في التقريب والتيسير فقال إن عدة أحاديثه
نحو أربعة إلاف بإسقاط المكرر انتهى ولم يذكر عدته بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب
البخاري لكثرة طرقه وقد رأيت عن أبى الفضل أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر ألف حديث.
"قوله"
ثم ان الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد
المصنفات المعتمدة المشتهرة لأئمة الحديث كأبى داود الترمذي والنسائى وابن خزيمة
والدارقطنى وغيرهم منصوصا على صحته فيها انتهى كلامه.
ولا يشترط في معرفة
الصحيح الزائد على ما في الصحيحين أن ينص إلائمة المذكورون
أحد المصنفات
المعتمدة المشهورة لأئمة الحديث: كأبي داود السجستاني و أبي عيسى الترمذي و أبي
عبد الرحمن النسائي و أبي بكر بن خزيمة و أبي الحسن الدارقطني وغيرهم. منصوصا على
صحته فيها ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجودا في كتاب أبي داود و كتاب الترمذي و
كتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في
كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة. وكذلك ما يوجد في الكتب
المخرجة على كتاب البخاري و كتاب مسلم ككتاب أبي عوانة إلاسفرائيني و كتاب أبي بكر
إلاسماعيلي و كتاب أبي بكر البرقاني وغيرها من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير
من أحاديث الصحيحين. وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي.
________
وغيرهم على صحتها في
كتبهم المعتمدة المشتهرة كما قيده المصنف بل لو نص أحد منهم على صحته بالإسناد
الصحيح كما في سؤإلات يحيى بن معين وسؤإلات إلامام أحمد وغيرهما كفي ذلك في صحته
وهذا واضح وإنما قيده المصنف بتنصيصهم على صحته في كتبهم المشتهرة بناء على
اختياره المتقدم أنه ليس لأحد أن يصح في هذه إلاعصار فلا يكفي على هذا وجود
التصحيح بلإسناد صحيح كما لا يكفي في التصحيح بوجود أصل الحديث بإسناد صحيح.
ولكن قد تقدم أن
اختياره هذا خالفه فيه النووى وغيره من أهل الحديث فإن العمل على خلافه كما تقدم
والله أعلم.
"وقوله" ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب
ابن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبى عوانة
إلاسفراينى وكتاب أبى بكر إلاسماعيلى وكتاب أبى بكر البرقانى وغيرها من تتمة
لمحذوف أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود في الجمع بين
الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي انتهى كلامه وهو يقتضى أن ما وجد من الزيادات على
الصحيحين في كتاب الحميدي يحكم بصحته وليس كذلك لأن المستخرجات المذكورة قد رووها
بأسانيدهم الصحيحة فكانت الزيادات التي تقع فيها صحيحة لوجودها بإسناد صحيح في
كتاب مشهور على رأي
واعتنى الحاكم أبو
عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك في
كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين: مما رآه على شرط الشيخين قد
أخرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط البخاري وحده أو على شرط مسلم وحده وما أدى
اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح
متساهل في القضاء به. فإلاولى أن نتوسط في أمره فنقول: ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره
من إلائمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن
تظهر فيه علة توجب ضعفه.
________
المصنف وأما الذي
زاده الحميدي في الجمع بين الصحيحين فإنه لم يروه بإسناده حتى ينظر فيه ولا أظهر
لنا اصطلاحا أنه يزيد فيه زوايد التزم فيها الصحة فيقلد فيها وإنما جمع بين كتابين
وليست تلك الزيادات في واحد من الكتابين فهى غير مقبولة حتى توجد في غيره بإسناد
صحيح والله أعلم.
وقد نص المصنف بعد
هذا في الفائدة الخامسة التي تلي هذه أن من نقل شيئا من زيادات الحميدي عن
الصحيحين أو أحدهما فهو مخطئ وهو كما ذكر فمن أنزله أن تلك الزيادات محكوم بصحتها
بلا مستند فالصواب ما ذكرناه والله أعلم.
"قوله"
واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في
الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما
رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما الى آخر كلامه فيه أمران
أحدهما أن قوله أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين لبس كذلك فقد أودعه أحاديث مخرجه
في الصحيح وهما منه في ذلك وهى أحاديث كثيرة منها حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا
"لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن" الحديث رواه الحاكم في مناقب أبى سعيد
الخدرى وقد أخرجه مسلم في صحيحه.
وقد بين الحافظ أبو
عبد الله الذهبى في مختصر المستدرك كثيرا من إلاحاديث
ويقاربه في حكمه صحيح
أبي حاتم بن حبان البستي رحمهم الله أجمعين. والله أعلم.
الخامسة : الكتب
المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم رضي الله
_________
التي أخرجها في
المستدرك وهى في الصحيح. إلامر الثانى أن قوله مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا
عن رواته في كتابيهما فيه بيان أن ما هو على شرطهما هو مما أخرجا عن رواته في
كتابيهما ولم يرد الحاكم ذلك فقد قال في خطبة كتابه المستدرك وأنا أستعين الله
تعالى على اخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج مثلها الشيخان أو أحدهما فقول الحاكم
بمثلهما أى بمثل رواتها لابهم أنفسهم ويحتمل أن يراد بمثل تلك إلاحاديث وفيه نظر.
ولكن الذي ذكره
المصنف هو الذي فهمه ابن دقيق العيد من عمل الحاكم فإنه ينقل تصحيح الحاكم لحديث
وأنه على شرط البخاري مثلا ثم يعترض عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخاري وهكذا
فعل الذهبى في مختصر المستدرك ولكن ظاهر كلام الحاكم المذكور مخالف لما فهموه عنه
والله أعلم.
"قوله"
عند ذكر تساهل الحاكم فإلاولى أن تتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك
فيه لغيره من إلائمة ان لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به
إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه انتهى كلامه.
وقد تعقبه بعض من
اختصر كلامه وهو مولانا قاضى القضاه بدر الدين بن جماعة فقال إنه يتتبع ويحكم عليه
بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف وهذا هو الصواب.
إلا أن الشيخ أبا
عمرو رحمه الله رأيه أنه قد انقطع التصحيح في هذه إلاعصار فليس لأحد أن يصحح فلهذا
قطع النظر عن الكشف عليه والله أعلم.
"قوله"
ويقاربه في حكمه صحيح أبى حاتم بن حبان البستى انتهى.
وقد فهم بعض
المتأخرين من كلامه ترجيح كتاب الحاكم على كتاب ابن حبان فاعترض على كلامه هذا بأن
قال أما صحيح ابن حبان فمن عرف شرطه واعتبر كلامه
تعالى عنهما لم يلتزم
مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ إلاحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان لكونهم رووا
تلك إلاحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلبا لعلو الإسناد فحصل فيها بعض التفاوت
في إلالفاظ.
وهكذا ما أخرجه
المؤلفون في تصانيفهم المستقلة: كالسنن الكبير للبيهقي و شرح السنة لأبي محمد
البغوي وغيرهما مما قالوا فيه: أخرجه البخاري أو مسلم فلا يستفاد بذلك أكثر من أن البخاري
أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان
تفاوتا في بعض المعنى فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى.
وإذا كان إلامر في
ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثا منها وتقول: هو على هذا الوجه في كتاب البخاري
أو كتاب مسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي خرجه قد قال أخرجه البخاري بهذا
اللفظ بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو
أحدهما. غير أن الجمع بين الصحيحين للحميدي إلاندلسي منها يشتمل على زيادة
تتمات لبعض إلاحاديث كما قدمنا ذكره فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين
أو أحدهما وهو مخطئ لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين.
ثم إن التخاريج
المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان: إحداهما: علو الإسناد. والثانية:
الزيادة في قدر الصحيح لما يقع فيها من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض إلاحاديث يثبت صحتها
بهذه التخاريج لأنها واردة بإلاسانيد الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وخارجة من ذلك
المخرج الثابت والله أعلم.
_________
عرف سموه على كتاب
الحاكم وما فهمه هذا المعترض من كلام المصنف ليس بصحيح وإنما أراد أنه يقاربه في
التساهل فالحاكم أشد تساهلا منه وهو كذلك قال الحازمى ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم.
"قوله"
ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان فذكرهما.
السادسة :ما أسنده
البخاري ومسلم رحمهما الله في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا
إشكال.
وأما المعلق وهو الذي
حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب
مسلم قليل جدا ففي بعضه نظر.
______
ولو قال أن هاتين
الفائدتين من فائدة المستخرجات كان أحسن فإن فيها غير هاتين الفائدتين فمن ذلك
تكثير طرق الحديث ليرجح بها عند التعارض.
قوله وأما الذي حذف
من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في البخاري وهو في كتاب مسلم قليل
جدا ففي بعضه نظر وينبغي أن يقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من
علقه عنه فقد حكم بصحته عنه مثاله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال
ابن عباس كذا قال مجاهد كذا قال عفان كذا قال القعنبي كذا روى أبو هريرة كذا وما
أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن
يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه ثم اذا كان الذي علق الحديث عنه دون
الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابى
وأما ما لم يكن في
لفظه جزم وحكم مثل روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وروى عن فلان كذا
وفي الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبهه من إلالفاظ ليس منه حكم
منه بصحة ذلك من ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا ومع
ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مستعد بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله
أعلم انتهى كلامه.
وفيه أمور أحدها أن
قوله وهو في مسلم قليل جدا هو ما ذكر ولكنى رأيت أن أبين موضع ذلك القليل ليضبط فمن
ذلك قول مسلم في التيمم وروى الليث ابن سعد حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن
هرمز إلاعرج عن عمير مولى بن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى
ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبى الجهيم بن الحارث بن العمة
إلانصارى فقال أبو الجهيم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بير جمل
الحديث.
وينبغي أن تقول: ما
كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه. مثاله: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:كذا وكذا قال: ابن عباس كذا قال مجاهد: كذا قال
عفان: كذا. قال القعنبي: كذا روى أبو هريرة كذا وكذا وما أشبه ذلك من العبارات.
فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا
إذا صح عنده ذلك عنه.
_________
وقال مسلم في البيوع
وروى الليث بن سعد حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن ابن هرمز عن عبد الله بن كعب
بن مالك عن كعب بن مالك أنه كان له مال على عبد الله بن أبى حدرد إلاسلمى الحديث.
وقال مسلم في الحدود
وروى الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله
وهذان الحديثان إلاخيران قد رواهما مسلم قبل هذين الطريقين متصلا ثم عقبهما بهذين الإسنادين
المعلقين فعلى هذا ليس في كتاب مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله إلا حديث أبى
الجهم المذكور وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقول ورواه فلان وقد
جمعها الرشيد العطار في الغرر والمجموعة وقد تبينت ذلك كله في كتاب جمعته فيما
تكلم فيه من أحاديث الصحيحين بضعف أو انقطاع والله أعلم.
إلامر الثانى أن قوله
في أمثلة ما حذف من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر قال عفان كذا قال القعنبي كذا ليس
بصحيح ولم يسقط من هذا الإسناد شئ فإن عفان والعقنبي كلاهما من شيوخ البخاري الذين
سمع منهم فما روى عنهما ولو بصيغة لا نقتضى التصريح بالسماع فهو محمول على إلاتصال
وقد ذكره ابن الصلاح كذلك على الصواب في النوع الحادى عشر من كتابه في الرابع من
التفريعات التي ذكرها فيه فأنكر على ابن حزم حكمه بإلانقطاع على حديث أبى مالك
إلاشعرى أو أبى عامر في تحريم المعازف لأن البخاري أورده قائلا فيه قال هشام بن
عمار وهشام بن عمار أحد شيوخ البخاري وذكر المصنف هنا من أمثلة التعليق قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس كذا وكذا روى أبو هريرة كذا وكذا
قال الزهري عن أبى سلمة
ثم إذا كان الذي علق
الحديث عنه دون الصحابة: فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي
وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا
وكذا أو روي عن فلان كذا أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فهذا
وما أشبهه من إلالفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه لأن مثل هذه
العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا. ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر
بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم.
______
عن أبى هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وهكذا إلى شيوخ شيوخه قال وأما ما أورده كذلك
عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذه التفريعات انتهى كلامه وسيأتي
هناك ذكر ما يعكر على كلامه فراجعه والذي ذكره في ثالث التفريعات أن من روى عمن
لقيه بأى لفظ كان فإن حكمه إلاتصال بشرط السلامة من التدليس هذا حاصل ما ذكره وهو
الصواب وليس البخاري مدلسا ولم يذكره أحد بالتدليس فيما رأيت إلا أبا عبد الله بن
منده فإنه قال في جزء له في اختلاف إلائمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة
أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها قال لنا فلان وهى إجازة وقال فلان وهو تدليس
قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا انتهى كلام ابن منده وهو مردود عليه ولم يوافقه عليه
أحد علمته.
والدليل على بطلان
كلامه أنه ضم مع البخاري مسلما في ذلك ولم يقل مسلم في صحيحه بعد المقدمة عن أحد
من شيوخه قال فلان وإنما روى عنهم بالتصريح فهذا يدلك على توهين كلام ابن منده لكن
سيأتي في النوع الحادى عشر ما يدلك على أن البخاري قد يذكر الشئ عن بعض شيوخه
ويكون بينهما واسطة وهذا هو التدليس فالله أعلم.
إلامر الثالث أن قوله
ثم إذا كان الذي علق عنه الحديث دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد
بينه وبين الصحابى فيه نقص لابد منه وهو
________
أنه يشترط مع اتصاله
ثقة من أبرزه من رجاله ويحترز بذلك عن مثل قول البخاري وقال بهز بن حكيم عن أبيه
عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحى منه وقد ذكر المصنف بعد هذا
أن هذا ليس من شرط البخاري قطعا قال ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين.
إلامر الرابع أنه
اعترض على المصنف فيما قاله من ان ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته عمن علقه عنه
وما لم يكن مجزوما به فليس فيه حكم بصحته وذلك لأن البخاري يورد بصيغة الشئ
التمريض ثم يخرجه في صحيحه مسندا ويجزم بالشئ وقد يكون لا يصح ثم استدل المعترض
بذلك بأن البخاري قال في كتاب الصلاة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبي صلى الله
عليه وسلم عند صلاة العشاء ثم أسنده في باب فضل العشاء وقال في كتاب الطب ويذكر عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب وهو مذكور عنده هكذا
قال حدثنا سيدان بن مضارب حدثني أبو معشر البراء حدثنا عبد الله بن إلاخنس عن ابن
أبى مليكة عن ابن عباس به وقال في كتاب إلاشخاص ويذكر عن جابر ( أن النبي صلى الله
عليه وسلم رد على المتصدق صدقته قال وهو ) حديث صحيح عنده دبر رجل عبدا ليس له مال
غيره فباعه النبي صلى الله عليه وسلم من نعيم بن النحام وقال في كتاب الطلاق ويذكر
عن على بن أبى طالب وبن المسيب وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا كذا قال وفيها ما
هو صحيح عنده وفيها ما هو ضعيف أيضا ثم استدل على الثانى بأن البخاري قال في كتاب
التوحيد في باب وكان عرشه على الماء إثر حديث أبى سعيد الناس يصعقون يوم القيامة
فإذا أنا بموسى قال وقال الماجشون وعن عبد الله بن الفضل عن أبى سلمة عن أبى هريرة
فأكون أول من بعث فذكر في أحاديث إلانبياء حديث الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل
عن إلاعرج عن أبى هريرة وكذا رواه مسلم والنسائى ثم قال قال أبو مسعود إنما يعرف
عن الماجشون عن ابن الفضل عن إلاعرج انتهى ما اعترض به عليه.
والجواب أن ابن
الصلاح لم يقل إن صيغة التمريض لا تستعمل إلا في الضعيف بل في كلامه أنها تستعمل
في الصحيح أيضا إلا ترى قوله لأن مثل هذه العبارات
.
_______
تستعمل في الحديث
الضعيف أيضا فقوله أيضا دال على أنها تستعمل في الصحيح أيضا فاستعمال البخاري لها
في موضع الصحيح ليس مخالفا لكلام ابن الصلاح وإنما ذكر المصنف أنا إذا وجدنا عنده
حديثا مذكورا بصيغة التمريض ولم يذكره في موضع آخر من كتابه مسندا أو تعليقا مجزوما
به لم يحكم عليه بالصحة وهو كلام صحيح.
ونحن لم نحكم على
إلامثلة التي اعترض بها المعترض إلا بوجودها في كتابه مسنده فلو لم نجدها في كتابه
إلا في مواضع التمريض لم نحكم بصحتها على أن هذه إلامثلة الثلاثة التي اعترض بها
يمكن الجواب عنها بما ستراه.
والبخاري رحمه الله
حيث علق ما هو صحيح إنما يأتي به بصيغة الجزم وقد يأتي به بغير صيغة الجزم لغرض
آخر غير الضعف وهو إذا اختصر الحديث وآتى به بالمعنى عبر بصيغة التمريض لوجود الخلاف
المشهور في جواز الرواية بالمعنى والخلاف أيضا في جواز اختصار الحديث وإن رأيت أن
يتضح لك ذلك فقابل بين موضع التعليق وبين موضع الإسناد تجد ذلك واضحا.
فأما المثال إلاول
فقال البخاري في باب ذكر العشاء والعتمة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبي صلى
الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها ثم قال في باب فضل العشاء حدثنا محمد بن
العلا حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبى بردة عن أبى موسى قال كنت أنا وأصحابى الذين
قدموا معى في السفينة نزولا في بقيع بطحان والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان
يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم فواقفنا النبي
صلى الله عليه وسلم وله بعض الشغل في بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى أبهار الليل
الحديث.
فانظر كيف اختصره
هناك وذكره بالمعنى فلهذا عدل عن الجزم لوجود الخلاف في حواز ذلك والله أعلم.
وأما المثال الثانى
فقال البخاري في الطب باب الرقا بفاتحة الكتاب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم ثم قال بعده باب الشروط في الرقية بقطيع من الغنم سيدان بن مضارب
أبو محمد الباهلى قال حدثنا أبو معشر يوسف بن يزيد البراء
_________
قال حدثني عبد الله
بن إلاخنس أبو مالك عن ابن أبى مليكه عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من
راق فإن في الماء رجلا لديفا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء
فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك فقالوا أخذت على كتاب الله أجرا فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " انتهى.
وإنما لم يأت به
البخاري في الموضع إلاول مجزوما به لقوله فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والرقية
بفاتحة الكتاب ليست في الحديث المتصل من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعله
وإنما ذلك من تقديره على الرقية بها وتقريره أحد وجوه السنن ولكن عزوه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم من باب الرواية بالمعنى.
والذي يدلك على أن
البخاري إنما لم يجزم به لما ذكرناه أنه علقه في موضع آخر بلفظه فجزم به فقال في كتاب
الإجازة باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب.
وقال ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله.
على أنه يجوز أن يكون
الموضع الذي ذكره البخاري بغير إسناد عن ابن عباس مرفوعا حديثا آخر في الرقية
بفاتحة الكتاب غير الحديث الذي رواه كنحو ما وقع في حديث جابر المذكور بعده.
وأما المثال الثالث
فقوله رد على المتصدق صدقته هو بغيرلفظ بيع العبد المدبر بل أزيد على هذا وأقول
الظاهر أن البخاري لم يرد الصدقة حديث جابر المذكور في بيع المدبر وإنما أراد
والله أعلم حديث جابر في الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فأمرهم
فتصدقوا عليه فجاء في الجمعة الثانية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام ذلك
المتصدق عليه فتصدق بأحد ثوبيه فردة عليه النبي صلى الله
ثم إن ما يتقاعد من
ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم إلابواب دون مقاصد
الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه به وهو: الجامع المسند الصحيح المختصر
من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع
مطلق قوله: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح.
وكذلك مطلق قول
الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي: أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف
بالطلاق: أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن
_______
عليه وسلم. وهو حديث
ضعيف رواه الدارقطنى وهو الذي تأول به الحنفية قصة سليك الغطفانى في أمره بتحية
المسجد حين دخل في حال الخطبة والله أعلم.
وأما المثال الرابع:
وهو قوله ويذكر عن على بن أبى طالب إلى آخره فليس فيه عليه اعتراض لأنه إذا جمع
بين ما صح وبين ما لم يصح أتى بصيغة التمريض لأن صيغة التمريض تستعمل في الصحيح
ولا تستعمل ولا تستعمل صيغة الجزم في الضعيف وأما عكس هذا وهو إلاتيان بصيغة الجزم
فيما ليس بصحيح فهذا لا يجوز ولا يظن بالبخاري رحمه الله ذلك ولا يمكن أن يجزم بشئ
إلا وهو صحيح عنده.
وقول البخاري في
التوحيد: وقال الماجشون إلى آخره هو صحيح عند البخاري بهذا السند وكونه رواه في
أحاديث إلانبياء متصلا فجعل مكان أبى سلمة إلاعرج فهذا لا يدل على ضعف الطريق التي
فيها أبو سلمة ولا مانع من أن يكون عند الماجشون في هذا الحديث إسنادان وأن شيخه عبد
الله بن الفضل سمعت من شيخين من إلاعرج ومن أبى سلمة فرواه مرة عن هذا ومرة عن هذا
ويكون الإسناد الذي وصله به البخاري أصح من الإسناد الذي علقه به ولا يحكم على
البخاري بالوهم والغلط بقول أبى مسعود الدمشقى بقوله إنه إنما يعرف عن إلاعرج فقد
عرفه البخاري عنهما ووصله مرة عن هذا أو علقه مرة عن هذا إلامر اقتضى ذلك فما وصل
إسناده صحيح وما علقه وجزم به يحكم عليه أيضا بالصحة والله أعلم.
"قوله"
وكذلك مطلق قول الحافظ أبى نصر الوائلى السجزى أجمع أهل العلم
النبي صلى الله عليه
وسلم قد صح عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة
بحالها في حبالته.
_______
الفقهاء وغيرهم أن
رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم قد صح عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة
بحالها في حبالته انتهى.
وما ذكره الوايلى لا
يقتضى أنه لا يشك في صحته ولا أنه مقطوع به لأن الطلاق لا يقع بالشك وقد ذكر
المصنف هذا في شرح مسلم له فإنه حكى فيه عن إمام الحرمين أنه لو حلف إنسان بطلاق
امرأته إنما في كتاب البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه
وسلم لما ألزمته الطلاق ولا خثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما.
ثم قال الشيخ أبو
عمرو: ولقائل أن يقول إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتهما للشك في الحنث
فإنه لو حلف بذلك في حديث ليس هذه صفته لو يحنث وإن كان راويه فاسقا فعدم الحنث
حاصل قبل إلاجماع فلا يضاف إلى إلاجماع.
ثم قال الشيخ أبو
عمرو: والجواب أن المضاف إلى إلاجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند
الشك فمحكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام أمام الحرمين فهو إلاليق
بتحقيقه.
وقال النووى في شرح
مسلم: إن ما قاله الشيخ في تأويل كلام إمام الحرمين في عدم الحنث فهو بناء على ما
اختاره الشيخ وأما على مذهب ألأكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب
له التزام الحنث حتى يستحب له الرجعة كما إذا حلف بمثل ذلك في غير الصحيحين فإنا
لا نحنثه لكن تحب له الرجعة احتياطا لاحتمال الحنث وهو احتمال ظاهر.
قال وأما الصحيحان
فاحتمال الحنث فيهما في غاية من الضعف فلا يحب له الرجعة لضعف احتمال موجبها.
وكذلك ما ذكره أبو
عبد الله الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين من قوله: لم نجد من إلائمة الماضين
رضي الله عنهم أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين إلامامين
فإنما المراد بكل
ذلك: مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون إلابواب دون التراجم ونحوها لأن في بعضها ما ليس
من ذلك قطعا مثل قول: البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد
بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم: الفخذ عورة وقوله في أول باب من أبواب الغسل: وقال بهز
بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أحق أن يستحي
منه" فهذا قطعا ليس من شرطه ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين
فاعلم ذلك فإنه مهم خاف والله أعلم.
السابعة: وإذا انتهى
إلامر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه إلائمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق
ذكره فالحاجة ماسة إلى
________
"قوله" مثل قول البخاري باب ما يذكر في الفخد ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد
بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الفخد عورة" انتهى.
اعترض عليه بأن حديث
جرهد صحيح، وعلى تقدير صحة حديث جرهد ليس على المصنف رد لأنه لم ينف صحته مطلقا
لكن نفي كونه من شرط البخاري فإنه لما مثل به وبحديث بهز بن حكيم قال فهذا قطعا
ليس من شرطه على أنا لا نسلم أيضا صحته لما فيه من إلاضطراب في إسناده فقيل عن
زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة عن جده ولم يذكر أباه
وقيل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر جده وقيل عن زرعة بن مسلم بن
جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة بن مسلم عن جده ولم يذكر أباه وقيل عن ابن جرهد
عن أبيه ولم يتم وقيل عن عبد الله بن جرهد عن أبيه.
وقد أخرجه أبو داود
وسكت عليه والترمذي من طرق وحسنه وقال في بعض طرقه وما أرى إسناده بمتصل.
التنبيه على أقسامه
باعتبار ذلك
فأولهما : صحيح أخرجه
البخاري ومسلم جميعا
الثاني : صحيح انفرد
به البخاري أي عن مسلم
الثالث : صحيح انفرد
به مسلم أي عن البخاري
الرابع : صحيح على
شرطهما لم يخرجاه
الخامس : صحيح على
شرط البخاري لم يخرجه
السادس : صحيح على
شرط مسلم لم يخرجه
السابع : صحيح عند
غيرهما وليس على شرط واحد منهما
هذه أمهات أقسامه
وأعلاها إلاول وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرا: صحيح متفق عليه. يطلقون ذلك
ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق إلامة عليه. لكن اتفاق إلائمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق إلامة على تلقي
ما اتفقا عليه بالقبول.
وهذا القسم جميعه
مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به. خلافا لقول من
_______
وقال البخاري في
صحيحه حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط.
"قوله"
عند ذكر أقسام الصحيح فأولها صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا انتهى.
اعترض عليه بأن
إلاولى أن نقول صحيح على شرط الستة وقيل في إلاعتراض عليه أيضا الصواب أن يقول
أصحها ما رواه الكتب الستة والجواب أن من لم يشترط في كتابه الصحيح لا يزيد تخريجه
للحديث قوة نعم ما اتفق الستة على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن
اتفق عليه الشيخان.
"قوله"
في الحديث المتفق عليه وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقينى النظرى واقع
به إلى آخر كلامه وقال في آخره سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ
كالدارقطنى وغيره وهى معروفة عند أهل هذا الشأن انتهى كلامه.
وفيه أمران أحدهما أن
ما ادعاه من أن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته قد سبقه إليه الحافظ أبو الفضل محمد
بن طاهر المقدسى وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف فقإلا إنه مقطوع به
وقد عاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام على ابن الصلاح هذا وذكر أن بعض المعتزلة
يرون أن إلامة إذا عملت بحديث
نفي ذلك محتجا بأنه
لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته إلامة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن
والظن قد يخطئ وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه
أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ. وإلامة في إجماعها معصومة من
الخطأ ولهذا كان إلاجماع المبتني على إلاجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر إجماعات
العلماء كذلك وهذه نكتة نفيسة نافعة ومن فوائدها: القول بأن ما انفرد به البخاري
أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي إلامة كل واحد من كتابيهما بالقبول على
الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من
الحفاظ كالدارقطني وغيره وهي معروفة عند أهل هذا الشأن والله أعلم.
الثامنة : إذا ظهر
بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن إلان في مراجعة الصحيحين وغيرهما من
الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل
_________
اقتضى ذلك القطع
بصحته قال وهو مذهب ردئ.
وقال الشيخ محيى
الدين النووي في التقريب والتيسير خالف ابن الصلاح المحققون وألأكثرون فقالوا يفيد
الظن ما لم يتواتر.
وقال في شرح مسلم نحو
ذلك بزيادة قال ولا يلزم من اجماع إلامة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه
مقطوع بأنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم قال وقد اشتد إنكار ابن برهان إلامام
على من قال بما قاله الشيخ وبالغ في تغليظه.
إلامر الثانى إن ما
استثناه من المواضع اليسيرة قد أجاب العلماء عنها بأجوبة ومع ذلك فليست بيسيرة بل
هى مواضع كثيرة وقد جمعتها في تصنيف مع الجواب عنها وقد ادعى ابن حزم في أحاديث من
الصحيحين أنها موضوعة ورد عليه ذلك كما بينته في التصنيف المذكور والله أعلم.
قوله إذا ظهر بما
قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن إلان في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب
المعتمدة فسبيل من أراد العلم أو إلاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث
أو إلاحتجاج به لذى مذهب أن يرجع
أو إلاحتجاج بذلك إذا
كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو إلاحتجاج به لدى مذهب أن يرجع إلى أصل قد قابله
هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار
هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك
إلاصول والله أعلم.
النوع الثاني: معرفة
الحسن من الحديث:روينا عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله أنه قال بعد حكايته أن الحديث
عند أهله ينقسم إلى إلاقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها الحسن: ما عرف مخرجه واشتهر
رجاله. قال: وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله
_______
إلى أصل قد قابله هو
أو ثقه غير بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة إلى آخر كلامه ما اشترطه
المصنف من المقابلة بأصول متعددة قد خالفه فيه الشيخ محيى الدين النووى فقال وإن قابلها
بأصل معتمد محقق أجزأه قلت وفي كلام ابن الصلاح في موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط
تعدد إلاصول فإنه حين تكلم في نوع الحسن أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن
صحيح ونحو ذلك قال فينبغى أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما أتفقت عليه
فقوله هنا ينبغى يعطى عدم اشتراط والله أعلم.
النوع الثانى معرفه
الحسن.
"قوله"
روينا عن أبى سليمان الخطابى رحمه الله تعالى أنه قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله
انتهى.
ثم ذكر الشيخ بعد ذلك
أنه ليس في كلام الترمذي والخطابى ما يفضل الحسن من الصحيح انتهى وفيه أمران
أحدهما أن ما حكاه من صيغة كلام الخطابى قد اعترض عليه فيه الحافظ أبو عبد الله
محمد بن عمر بن رشيد فيما حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى في شرح الترمذي فقال إنه
رآه بخط الحافظ أبى على الجيانى أنه ما عرف مخرجه واستقر حاله أى بالسين المهملة
وبالقاف وبالحاء المهملة دون راء في أوله قال ابن رشيد وأنا بحظ الجيانى عارف
انتهى.
عامة الفقهاء وروينا
عن أبي عيسى الترمذي رضي الله عنه أنه يريد بالحسن: أن لا يكون في إسناده من يتهم
بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه نحو ذلك.
______
وما اعترض به ابن
رشيد مردود فإن الخطابى قد قال ذلك في خطبة كتابه معالم السنن وهو في النسخ
الصحيحة المعتمدة المسموعة كما ذكره المصنف واشتهر رجاله وليس لقوله واستقر حاله
كبير معنى والله أعلم.
إلامر الثانى أن ما
ذكره من أنه ليس في كلام الخطابى ما يفصل الحسن من الصحيح ذكره ابن دقيق العيد
أيضا في إلاقتراح وزاده وضوحا فقال ليس في عبارة الخطابى كبير تلخيص وأيضا فالصحيح
قد عرف مخرجه واشتهر رجاله فيدخل الصحيح في الحسن واعترض الشيخ تاج الدين التبريزى
على كلام الشيخ تقى الدين بقوله فيه نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن
قال ودخول الخاص في حد العام ضرورى والتقييد بما يخرجه للحد وهو اعتراض متجه وقد
أجاب بعض المتأخرين عن استشكال حدى الترمذي والخطابى بأن قول الخطابى ما عرف مخرجه
هو كقول الترمذي ويروى نحوه من غير وجه وقول الخطابى اشتهر رجاله يعنى بالسلامة من
وصمة الكذب هو كقول الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذي ولا
يكون شاذا ولا حاجة إلى ذكره لأن الشاذ ينافي عرفان المخرج فكأنه كرره بلفظ متباين
فلا إشكال فيما قإلاه انتهى.
وما فسر به قول
الخطابى ما عرف مخرجه بأن يروى من غير وجه لا يدل عليه كلام الخطابى أصلا بل الذي
رأيته في كلام بعض الفضلاء أن في قوله ما عرف مخرجه إحترازا عن المرسل وعن خبر
المدلس قبل أن يبين تدليسه وهذا أحسن في تفسير كلام الخطابى لأن المرسل الذي سقط
بعض إسناده وكذلك المدلس الذي سقط منه بعضه لا يعرف فيهما مخرج الحديث لأنه لا
يدرى من سقط من إسناده بخلاف من أبرز جميع رجاله فقد عرف مخرج الحديث من أين والله
أعلم.
"قوله"
وروينا عن أبى عيسى الترمذي رحمه الله أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من
يتهم بالكذب ولا يكون شاذا أو يروى من غير وجه نحو ذلك إنتهى.
وقال بعض
المتأخرين:الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث
_______
اعترض بعض من اختصر
كلام ابن الصلاح عليه في حكاية هذا عن الترمذي وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال
وهذا إن كان قد روى عن الترمذي أنه قاله ففي أى كتاب له قاله وأين إسناده عنه وإن
كان فهم من اصطلاحه في كتابه الجامع فليس ذلك بصحيح فإنه يقول في كثير من إلاحاديث
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى.
وهذا إلانكار عجيب
فإنه في آخر العلل التي في آخر الجامع وهى داخلة في سماعنا وسماع المنكر لذلك
وسماع الناس نعم ليست في رواية كثير من المغاربة فإنه وقعت لهم رواية المبارك ابن
عبد الجبار الصيرفي وليست في روايته عن أبى يعلى أحمد ابن عبد الواحد وليست في
رواية أبى يعلى عن أبى على السنجى وليست في رواية أبى على السنجى عن أبى العباس المحبوبى
صاحب الترمذي ولكنها في رواية عبد الجبار ابن محمد الجراحى عن المحبوبى ثم اتصلت
عنه بالسماع إلى زماننا بمصر والشام وغيرهما من البلاد إلاسلامية ولكن استشكل أبو
الفتح اليعمرى كون هذا الحد الذي ذكره الترمذي اصطلاحا عاما لأهل الحديث فنورد لفظ
الترمذي أولا:
قال أبو عيسى وما ذكرنا
في هذا الكتاب حديث حسن إنما أردنا به حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون في
إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا
حديث حسن انتهى كلامه فقيد الترمذي تفسير الحسن بما ذكره في كتابه الجامع فلذلك
قال أبو الفتح اليعمرى في شرح الترمذي إنه لو قال قائل إن هذا إنما اصطلح عليه
الترمذي في كتابه هذا ولم ينقله اصطلاحا عاما كان له ذلك فعلى هذا لا ينقل عن
الترمذي حد الحديث الحسن بذلك مطلقا في إلاصطلاح العام والله أعلم.
"قوله"
وقال بعض المتأخرين الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن انتهى.
وأراد المصنف ببعض
المتأخرين هنا أبا الفرج ابن الجوزى فإنه قال هكذا في كتابيه الموضوعات والعلل
المتناهية.
الحسن ويصلح للعمل به
قلت:كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي و الخطابي ما يفصل الحسن
من الصحيح. وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع
استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي
لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما
يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب
آخر مفسق ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر
حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر
بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل
________
قال الشيخ تقى الدين
بن دقيق العيد في إلاقتراح إن هذا ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من
غيره قال وإذا اضطرب هذا الوصف لم يحصل التعريف المميز للحقيقة.
"قوله"
وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم
فتنقح لى واتضح أن الحديث الحسن قسمان إلى آخر كلامه وقد أنكر بعض العلماء
المتأخرين لفظ إلا معان وقال إنه ليس عربيا وكذلك قول الفقهاء في التنعم أمعن في
الطلب ونحو ذلك.
وقد نظرت في ذلك فوجدته
مأخوذا من أمعن الفرس في عدوه أو من أمعن الماء إذا استنبطه وأخرجه وقد حكى
إلازهرى في تهذيب اللغة عن الليث بن المظفر أمعن الفرس وغيره إذا تباعد في عدوه
وكذا قال الجوهرى في الصحاح وحكاه إلازهرى أيضا أمعن الماء إذا أحراه ويحتمل أنه
من أمعن إذا أكثر وهو من إلامداد قال أبو عمر والمعن القليل والمعن الكثير والمعن
الطويل والمعن القصير والمعن إلاقرار بالحق والمعن الجحود والكفر للنعم والمعن
الماء الطاهر.
وما ذكره المصنف من
كون الحديث الحسن على قسمين إلى آخر كلامه قد أخذ
القسم الثاني: أن
يكون راويه من المشهورين بالصدق وإلامانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه
يقصر عنهم في الحفظ وإلاتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه
منكرا ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون
معللا وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في
كلام من بلغنا كلامه في ذلك وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع
إلاخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل معرضا عما رأى أنه لا يشكل. أو
أنه غفل عن البعض وذهل والله أعلم هذا تأصيل ذلك وتوضيحه.
تنبيهات وتفريعات.
أحدها : الحسن يتقاصر
عن الصحيح في أن الصحيح من شرطه: أن يكون
________
عليه فيه الشيخ تقى
الدين في إلاقتراح إجمإلا فقال بعد أن حكى كلامه وعليه فيه مؤاحذات ومناقشات.
وقال بعض المتأخرين
يرد على القسم إلاول المنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من
وجه آخر ويرد على الثانى المرسل الذي اشتهر رواته بما ذكر قال فإلاحسن أن يقال
الحسن ما في إسناده المتصل مستور له به شاهد أو مشهود قاصر عن درجة إلاتقان وخلا
من العلة والشذوذ والله أعلم.
"قوله" الحسن يتقاصر عن الصحيح في أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد
تبينت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بإلاستفاضة على ما سيبينه إن شاء
الله تعالى وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفي فيه بما سبق ذكره من مجئ الحديث من
وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه انتهى كلامه وفيه أمران:
أحدهما: أنه قد اعترض
عليه بأن جميع رواة الصحيح لا يوجد فيهم هذه الشروط إلا في النذر اليسير إنتهى.
جميع رواته قد ثبتت
عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بطريق إلاستفاضة.على ما سنبينه إن
شاء الله تعالى وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفي فيه بما سبق ذكره من مجيء
الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه.
وإذا استبعد ذلك من
الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي رضي
_________
والجواب أن العدالة
تثبت إما بالتنصيص عليها كالمصرح بتوثيقهم وهم كثير أو بتخريج من التزم الصحة في
كتابه له فالعدالة أيضا تثبت بذلك وكذلك الضبط وإلاتقان درجاته متفاوتة فلا يشترط
أعلا وجوه الضبط كمالك وشعبة بل المراد بالضبط أن لا يكون مغفلا كثير الغلط وذلك
بأن يعتبر حديثه بحديث أهل الضبط وإلاتقان فان وافقهم غالبا فهو ضابط كما ذكره
المصنف في المسألة الثانية من النوع الثالث والعشرين وإذا كان كذلك فلا مانع من
وجود هذه الصفات في رواة صحيح إلاحاديث والله أعلم.
إلامر الثانى: أن
قوله في الحسن إنه يكتفي فيه بما سبق ذكره من مجى الحديث من وجوه فيه نظر إذ لم
يسبق اشتراط مجيئه من وجوه بل من غير وجه كما سبق ذلك في كلام الترمذي وعلى هذا
فمجيئه من وجهين كاف في حد الحديث الحسن والله أعلم.
"قوله"
حكاية عن نص الشافعي رضى الله عنه في مراسل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي
جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعى
إلاول في كلام له ذكر فيه وجوها من إلاستدلال على صحة مخرج المرسل بمجيئه من وجه
آخر انتهى كلامه وفيه نظر من حيث أن الشافعي رضى الله عنه إنما يقبل من المراسيل
التي اعتضدت بما ذكر مراسيل كبار التابعين بشروط أخرى في من أرسل كما نص عليه في
الرسالة فقال والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من
التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها أن
ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه.
الله تعالى عنه في
مراسيل التابعين: أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر
أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي إلاول في كلام له ذكر فيه وجوها من
إلاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر وذكرنا له أيضا ما حكاه إلامام
أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه: تقبل رواية المستور وإن لم تقبل شهادة المستور ولذلك وجه متجه كيف
وإنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور على ما سبق آنفا. والله أعلم.
الثاني : لعل الباحث
الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها
_________
وإن انفرد بإرسال
حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل
يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت
دلالة تقوى له مرسلة وهى أضعف من إلاولى.
فإن لم يوجد ذلك نظر
إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا
عن أصل يصح إن شاء الله وكذلك إن وجد عوام من أهل للعلم يفتون بمثل معنى ما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه الأصل لم يسم
مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ويكون إذا
شرك أحدا من الحفاظ في حديثه لم يخالفه فان وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على
صحة مخرج حديثه ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله قال وإذا
وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ثم قال فأما من بعد كبار
التابعين فلا أعلم واحدا يقبل مرسله لأمور أحدها أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه
وإلاخر أنه وجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه وإلاخر كثر إلاحالة في
إلاخبار وإذا كثرت إلاحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه هذه عبارة الشافعي
رحمه الله في الرسالة ورواها عنه بالإسناد الصحيح
قد رويت بأسانيد
كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث: إلاذنان من الرأس ونحوه فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من
نوع الحسن لأن بعض ذلك عضد بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا
وجواب ذلك: أنه ليس
كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه
ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة.
فإذا رأينا ما رواه
قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له. وكذلك
إذا كان ضعفه من حيث إلارسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ
فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف
وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته. وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما
بالكذب أو كون الحديث شاذا وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك
فإنه من النفائس العزيزة. والله أعلم.
_______
البيهقي في المدخل
والخطيب في الكفاية وعلى هذا فاطلاق الشيخ النقل عن الشافعي ليس بجيد وقد تبعه على
ذلك الشيخ محيى الدين في عامة كتبه ثم تنبه لذلك في شرح الوسيط المسمى بالتنقيح
وهو من أواخر تصانيفه فقال فيه وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعي
قال يجوز إلاحتجاج بمرسل الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة فذكرها.
وقول النووى هنا يجوز
إلاحتجاج أخذه من عبارة الشافعي في قوله أحببنا أن نقبل مرسله وقد قال البيهقي في
المدخل إن قول الشافعي أحببنا أراد به اخترنا انتهى.
وعلى هذا فلا يلزم أن
يكون إلاحتجاج به جائزا فقط بل يقال اختار الشافعي إلاحتجاج بالمرسل الموصوف بما
ذكر أما كونه على سبيل الجواز أو الوجوب فلا يدل عليه كلامه والله اعلم.
"قوله"
الثانى لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها
الثالث : إذا كان
راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ وإلاتقان غير أنه من المشهورين بالصدق
والستر وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي
حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح. مثاله: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فمحمد بن عمرو بن علقمة: من المشهورين بالصدق
والصيانة لكنه لم يكن من أهل إلاتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم
لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن. فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر
زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا
الإسناد والتحق بدرجة الصحيح والله أعلم.
الرابع : كتاب أبي
عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من
ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام
_______
قد رويت بأسانيد
كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث "إلاذنان من الرأس" ونحوه إلى آخر كلامه
اعترض عليه بأن هذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحه.
والجواب أن ابن حبان
أخرجه من رواية شهر بن حوشب عن أبى أمامة وشهر ضعفه الجمهور ومع هذا فهو من قول
أبى أمامة موقوفا عليه وقد بينه أبو داود في سننه عقب تخريجه له فذكر عن سليمان بن
حرب قال يقولها أبو أمامة وقال حماد بن زيد فلا أدرى أهو من قول النبي صلى الله عليه
وسلم أو أبى أمامة وكذا ذكر الترمذي قول حماد بن زيد ثم قال الترمذي هذا حديث ليس
اسناده بذاك القائم انتهى وقد روى حديث جماعة من الصحابة جمعهم ابن الجوزى في
العلل المتناهية وضعفها كلها والله أعلم.
"قوله" الرابع كتاب أبى عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن
وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض
بعض مشايخه والطبقة
التي قبله كأحمد بن حنبل و البخاري وغيرهما. وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قول:
هذا حديث حسن. أو: هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك. فينبغي أن تصحح أصلك به بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه ونص الدارقطني
في سننه على كثير من ذلك.
ومن مظانه سنن أبى
داود السجستاني رحمه الله. روينا عنه انه قال: ذكرت فيه الصحيح ومايشبه ويقاربه.
وروينا عنه أيضا ما
معناه: أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه في ذلك الباب. وقال: ما كان
في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومالم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح
من بعض.
______
مشايخه والطبقة التي
قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما انتهى.
وقد وجد التعبير به
في شيوخ الطبقة التي قبله أيضا كالشافعي رحمه الله تعالى فقال في كتاب اختلاف
الحديث عند ذكر حديث ابن عمر "لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا" الحديث حديث
ابن عمر مسند حسن الإسناد وقال فيه أيضا وسمعت من يروى بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر
للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف الحديث.
وقد اعترض أيضا على
المصنف في قوله أن الترمذي أكثر من ذكره في جامعه بأن يعقوب بن شيبة في مسنده وأبا
على الطوسي شيخ أبى حاتم أكثرا من قولهما حسن صحيح انتهى.
وهذا إلاعتراض ليس
بجيد لأن الترمذي أول من أكثر من ذلك ويعقوب وأبو على إنما صنفا كتابيهما بعد
الترمذي وكأن كتاب أبى على الطوسى مخرج على كتاب الترمذي لكنه شاركه في كثير من
شيوخه والله أعلم.
"قوله" ومن مظانه أى الحسن سنن أبى داود روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح
وما يشبهه ويقاربه ثم قال قال وما كان في كتابى من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما
لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض قال ابن الصلاح فعلى
قلت: فعلى هذا
ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد
ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبى داود
وقد يكون في ذلك ما
ليس بحسن عند ه ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إذ حكى أبو عبد الله
بن منده الحافظ: أنه سمع محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول: كان من مذهب أبى عبد
الرحمن النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه. وقال ابن منده: وكذلك أبو داود
السجستاني
________
هذا ما وجدناه في
كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين
الصحيح والحسن عرفاه بأنه من الحسن عند أبى داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند
غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به إلى آخر كلامه وفيه أمور:
أحدها: قد اعترض
إلامام أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد على المصنف في هذا فقال ليس يلزم
أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن
الحديث عند أبى داود حسن إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك حكاه
الحافظ أبو الفتح اليعمرى في شرح الترمذي عن ابن رشيد ثم قال وهذا تعقب حسن انتهى.
والجواب: عن
اعتراض ابن رشيد أن المصنف إنما ذكر مالنا أن نعرف الحديث به عند أبى داود
وإلاحتياط أن لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبى داود لأن
عبارة أبى داود فهو صالح إلى إلاحتجاج به فان كان أبو داود يرى الحسن رتبة بين
الصحيح والضعيف فإلاحتياط بل الصواب ما قاله ابن الصلاح وإن كان رأيه كالمتقدمين
أن الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف فما سكت عنه فهو صحيح وإلاحتياط أن يقال فهو صالح
كما عبر أبو داود به والله أعلم.
وهكذا رأيت الحافظ
أبا عبد الله بن المواق يفعل في كتابه بغية النقاد يقول في الحديث الذي سكت عليه
أبو داود هذا حديث صالح.
إلامر الثانى: أن الحافظ
أبا الفتح اليعمرى تعقب ابن الصلاح هنا بأمر آخر فقال في شرح الترمذي لم يرسم أبو
داود شيئا بالحسن وعمله بذلك شبيه بعمل مسلم الذي
يأخذ مأخذه ويخرج
الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأى الرجال والله اعلم.
_________
لا ينبغى أن يحمل
كلامه على غيره أنه اجتنب الضعيف الواهى وأتى بالقسمين إلاول والثانى وحديث من مثل
به من الرواة من القسمين إلاول والثانى موجود في كتابه دون القسم الثالث قال فهلا
ألزم الشيخ أبو عمرو مسلما من ذلك ما ألزم به أبا داود فمعنى كلامهما واحد.
قال وقول أبى داود وما
يشبهه يعنى في الصحة وما يقاربه يعنى فيها أيضا قال وهو نحو قول مسلم إنه ليس كل الصحيح
نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبى سليم وعطاء بن
السايب وزيد بن أبى زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وأن تفاوتوا في
الحفظ وإلاتقان ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما شرط الصحيح فتخرج من حديث
الطبقة الثالثة وأبا داود لم يشرط فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه قال
وفي قول أبى داود أن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما من الصحة
وأن تفاوتت فيه لما يقتضيه صيغة أفعل في ألأكثر انتهى كلام أبى الفتح.
والجواب عنه أن مسلما
شرط الصحيح بل الصحيح المجمع عليه في كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه
بأنه حسن عنده لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو صالح
والصالح يجوز أن يكون صحيحا ويجوز أن يكون حسنا عند من يرى الحسن رتبة متوسطة بين
الصحيح والضعيف.
ولم ينقل لنا عن أبى
داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحا فكان إلاولى بل الصواب أن لا يرتفع
بما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثانى ويحتاج الى نقل.
إلامر الثالث: أن بعض
من اختصر كتاب ابن الصلاح يعقبه بتعقب آخر وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال إن
الروايات لسنن أبى داود كثيرة ويوجد في بعضها ما ليس في إلاخرى ولأبى عبيد إلاجرى
عنه اسئله في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد ومن ذلك أحاديث ورجال قد
ذكرها في سننه فقول ابن
الخامس : ما صار
إليه صاحب المصابيح رحمه الله من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: الصحاح والحسان مريدا
بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود و الترمذي
وأشباههما في تصانيفهم.فهذا اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن
ذلك. وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن كما سبق بيانه والله أعلم.
__________
الصلاح ما سكت عنه
فهو حسن ما سكت عليه في سننه فقط أو مطلقا هذا مما ينبغى التنبيه عليه والتيقظ له
أنتهى كلامه وهو كلام عجيب.
وكيف يحسن هذا
إلاستفسار بعد قول ابن الصلاح إن من مظان الحسن سنن أبى داود فكيف يحتمل حمل كلامه
على الإطلاق في السنن وغيرها وكذلك لفظ أبى داود صريح فيه كأنه قال في رسالته ذكرت
في كتابى هذا الصحيح إلى آخر كلامه.
وأما قول ابن كثير من
ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه إن أراد به أنه ضعف أحاديث ورجإلا في سؤإلات
للآجرى وسكت عليها في السنن فلا يلزم من ذكره لها في السؤإلات بضعف أن يكون الضعف
شديدا فانه يسكت في سننه على الضعف الذي ليس بشديد كما ذكره هو نعم إن ذكر في
السؤإلات أحاديث أو رجإلا بضعف شديد وسكت عليها في السنن فهو وارد عليه ويحتاج
حينئذ إلى الجواب والله أعلم.
"قوله" الخامس ما صار اليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين الصحاح والحسان
مريدا بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود
والترمذي وأشباههما في تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف إلى آخر كلامه وأجاب بعضهم عن
هذا إلايراد على البغوى بأن البغوى بين في كتابه المصابيح عقب كل حديث كونه صحيحا
أو حسنا أو غريبا ولا يرد عليه ذلك قلت وما ذكره هذا المجيب عن البغوى من أنه يذكر
عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا ليس كذلك فانه لا يبين الصحيح من الحسن
فيما أورده من السنن وإنما يسكت عليها وإنما يبين الغريب غالبا وقد يبين الضعيف
ولذلك قال في خطبة كتابه وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه أنهى.
السادس : كتب
المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي: الصحيحان وسنن أبي داود و سنن النسائي
و جامع الترمذي وما جرى مجراها في إلاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا
كمسند أبي داود الطيالسي و مسند عبيد الله بن موسى و مسند أحمد بن حنبل و مسند
إسحاق بن راهويه و مسند عبد بن حميد و مسند الدارمي و مسند أبي يعلى الموصلي و
مسند الحسن بن سفيان و مسند البزار أبي بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها: أن يخرجوا
في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به. فلهذا
تأخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من
الكتب المصنفة على إلابواب والله أعلم.
________
فإلايرادات باق في
مزجه صحيح ما في السنن بما فيها من الحسن وكأنه سكت عن بيان ذلك لاشتراكهما في
إلاحتجاج به والله أعلم.
"قوله" السادس كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هى الصحيحان وسنن
أبى داود وسنن النسائى وجامع الترمذي وما جرى مجرها في إلاحتجاج بها والركون إلى
ما يورد فيها مطلقا كمسند أبى داود الطيالسى ومسند عبيد الله ابن موسى ومسند أحمد
بن حنبل ومسند إسحق بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمى ومسند ابى يعلى
ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبى بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا
في مسند كل صحابى ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلذلك
تأخرت مرتبها إلى آخر كلامه وفيه أمران" أحدهما" أن عدة مسند الدارمى في جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابى
وحده وهم منه فانه مرتب إلابواب كالكتب الخمسة واشتهر تسميته بالمسند كما سمى
البخاري المسند الجامع الصحيح وان كان مرتبا على إلابواب لكون أحاديثه مسنده إلا
أن مسند الدارمى كثير إلاحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة والله أعلم.
إلامر الثانى"
أنه اعترض على المصنف بالنسبة إلى صحة بعض هذه المسانيد بأن أحمد بن حنبل شرط في
مسنده أن لا يخرج إلا حديثا صحيحا عنده قاله
.
_________
أبو موسى المدينى
وبأن إسحق بن راهويه يخرج مثل ما ورد عن ذلك الصحابى ذكره عنه أبو زرعة الرازى
وبأن مسند الدارمى أطلق عليه اسم الصحيح غير واحد من الحفاظ وبأن مسند البزار بين فيه
الصحيح وغيره انتهى ما اعترض به عليه.
والجواب أنا لا نسلم
أن أحمد اشترط الصحة في كتابه والذي رواه أبو موسى المدينى بسنده إليه أنه سئل عن حديث
فقال انظروه فإن كان في المسند وإلا فليس بحجة وهذا ليس صريحا في أن جميع ما فيه
حجة بل فيه أن ما ليس في كتابة ليس بحجة على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح
وليست في مسند أحمد منها حديث عائشة في قصة أم زرع.
وأما وجود الضعيف فيه
فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء وقد ضعف إلامام احمد نفسه أحاديث
فيه فمن ذلك حديث عائشة مرفوعا رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا.
وفي إسناده عمارة وهو
ابن زاذان قال إلامام أحمد هذا الحديث كذب منكر قال وعمارة يروى أحاديث مناكير وقد
أورد ابن الجوزى هذا الحديث في الموضوعات وحكى كلام إلامام أحمد المذكور وذكر ابن الجوزى
أيضا في الموضوعات مما في المسند حديث عمر "ليكونن في هذه إلامة رجل يقال له
الوليد" وحديث أنس "ما من معمر يعمر في إلاسلام أربعين سنة إلا صرف الله
عنه أنواعا من البلاء والجنون والجذام والبرص"
وحديث أنس
"عسقلان أحد العروسين بيعت منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم".
وحديث ابن عمر
"من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برأ من الله" الحديث وفي الحكم بوضعه
نظر وقد صححه الحاكم.
ومما فيه أيضا من
المناكير حديث بريدة "كونوا في بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو
القرنين".
ولعبد الله بن أحمد
في المسند أيضا زيادات فيها الضعيف والموضوع فمن الموضوع
السابع : قولهم:
هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم: هذا حديث صحيح أو حديث حسن لأنه
قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا غير أن المصنف
المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله: إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه
فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر
والله أعلم.
الثامن : في قول الترمذي
وغيره: هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه. ففي
الجمع بينهما في حديث واحد جمع
______
حديث سعد بن مالك
وحديث ابن عمر أيضا في "سد إلابواب إلا باب على" ذكرهما ابن الجوزى في
الموضوعات أيضا وقال إنهما من وضع الرافضة.
وأما مسند إسحق بن
راهويه ففيه الضعيف ولا يلزم من كونه يخرج أمثل ما يجد الصحابى أن يكون جميع ما
خرجه صحيحا بل هو أمثل بالنسبة لما تركه.
ومما فيه من الضعيف
حديث سليمان بن نافع العبدى عن أبيه قال وفد المنذر بن ساوى من البحرين حتى أتى
مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أناس وأنا غليم أمسك جمالهم فسلموا على النبي
صلى الله عليه وسلم ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا ومسح لحيته بدهن وأنا مع الجمال
أنظر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم
كما أنظر إليك قال ومات أبى وهو ابن عشرين ومائة قال صاحب الميزان سليمان غير
معروف وهو يقتضى أن نافعا عاش إلى دولة هشام انتهى.
والمعروف أن آخر
الصحابة موتا أبو الطفيل كما قاله مسلم وغيره والله أعلم.
وأما مسند الدارمى
فلا يخفي ما فيه من الضعيف لحال رواته أو لإرساله وذلك كثير فيه كما تقدم.
وأما مسند البزار
فإنه مجملا يبين الصحيح من الضعيف إلا قليلا إلا أنه يتكلم في تفرد بعض رواة
الحديث به ومتابعة غيره عليه والله أعلم.
"قوله"
الثامن في قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما
سبق إيضاحه ففي الجمع بينهما في ذلك حديث واحد جمع
بين نفي ذلك القصور
وإثباته. وجوابه: أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين:
أحدهما إسناد حسن وإلاخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه: إنه حديث حسن صحيح أي إنه
حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض
من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو: ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى إلاصطلاحي الذي نحن
بصدده فاعلم ذلك والله أعلم.
__________
بين نفي ذلك القصور
وإثباته قال وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فاذا روى الحديث الواحد باسنادين
أحدهما إسناد حسن وإلاخر باسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أى أنه
حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض
من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوى وهو ما تميل اليه النفس ولا يأباه القلب دون
المعنى إلاصطلاحى الذي نحن بصدده فاعلم ذلك انتهى كلامه.
وقد تعقبه الشيخ تقى
الدين بن دقيق العيد في إلاقتراح بأن الجواب إلاول ترد عليه إلاحاديث التي قيل
فيها حسن صحيح مع أنه ليس له إلا مخرج واحد قال وفي كلام الترمذي في مواضع يقول
هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى.
وقد أجاب بعض
المتأخرين عن ابن الصلاح بأن الترمذي حيث قال هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن
إلاخر لا التفرد المطلق قال ويوضح ذلك ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن
ابن سيرين عن أبى هريرة يرفعه من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال فيه هكذا حديث
حسن صحيح غريب من هذا الوجه فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا أنتهى.
وهذا الجواب لا يمشى
في المواضع التي يقول فيها لا نعرفه إلا من هذا الوجه كحديث العلاء بن عبد الرحمن
عن أبيه عن أبى هريرة قال:
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إذا بقى نصف من شعبان فلا يصوموا" .
التاسع : من أهل
الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما
يحتج به. وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في تصرفاته وإليه يومئ في
تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح. وأطلق الخطيب أبو بكر أيضا عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي.
_______
قال أبو عيسى حديث
أبى هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ورد ابن دقيق
العيد الجواب الثانى بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ
أنه حسن وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا أجروا على اصطلاحهم انتهى.
قلت قد أطلقوا على
الحديث الضعيف بأنه حسن وأرادوا حسن اللفظ لا المعنى إلاصطلاحى فروى ابن عبد البر
في كتاب بيان آداب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا: "تعلموا العلم فإن تعلمه
ذلك لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة
وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة وهو إلانس في
الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح
على إلاعداء والزين عند إلاخلاء يرفع الله تعالى به أقواما فيجعلهم في الخير قادة
وأئمة تقتص آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم
وبأجنحتها تمسحهم يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه
لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح إلابصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل
إلاخيار والدرجات العلى في الدنيا وإلاخرة التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل
القيام به توصل إلارحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو إمام العمل والعمل تابعه
يلهمه السعداء أو يحرمه إلاشقياء" .
قال ابن عبد البر وهو
حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوى انتهى كلامه.
فأراد بالحسن حسن
اللفظ قطعا فانه من رواية موسى بن محمد البلقاوى عن عبد الرحيم ابن زيد العمى
والبلقاوى هذا كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلى إلى وضع
الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه وعبد الرحيم بن زيد العمى متروك
الحديث أيضا.
______
روينا عن أمية بن خالد
قال قالت لشعبة تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمى وتدع عبد الملك بن أبى سليمان
وقد كان حسن الحديث قال من حسنها فررت ولما ضعف ابن دقيق العيد ما أجاب به ابن
الصلاح عن إلاستشكال المذكور أجاب عنه بما حاصله أن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور
عن الصحيح وإنما يجيئه القصور حيث أنفرد الحسن وأما إذا ارتفع إلى درجة الصحة
فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة لأن وجود الدرجة العليا وهى الحفظ وإلاتقان لا
ينافي وجود الدنيا كالصدق فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار
الصفة العليا قال ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا ويؤيده قولهم حسن في
إلاحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين أنتهى.
وقد سبقه إلى نحو ذلك
الحافظ أبو عبد الله المواق فقال في كتابه بغية النقاد لم يخص الترمذي الحسن بصفة
تميزه عن الصحيح فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ولا يكون صحيحا حتى تكون رواته
غير متهمين بل ثقات قال فظهر من هذا أن الحسن عند أبى عيسى صفة لا تخص هذا القسم
بل قد يشركه فيها الصحيح قال كل صحيح عنده حسن وليس كل حسن صحيحا انتهى كلامه.
وقد اعترض على ابن
المواق في هذا الحافظ أبو الفتح اليعمرى فقال في شرح الترمذي بقى عليه أنه اشترط
في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح انتهى.
هكذا اعترض أبو الفتح
على ابن المواق بهذا في مقدمة شرح الترمذي ثم إنه خالف ذلك في أثناء الشرح عند
حديث عائشة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال:
"غفرانك" فان الترمذي قال عقبه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث
إسرائيل عن يوسف بن أبى بردة ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة فأجاب أبو
الفتح عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه في درجة
المستور ومن لم تثبت عدالته قال وأكثر ما في الباب أن الترمذي عرف بنوع منه لا بكل
أنواعه.
وأجاب بعض المتأخرين
وهو الحافظ عماد الدين بن كثير في مختصره لعلوم الحديث عن أصل إلاستشكال بما حاصله
أن الجمع في حديث واحد بين الصحة والحسن درجة
وذكر الحافظ أبو
الطاهر السلفي الكتب الخمسة وقال: اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب
وهذا تساهل لأن فيها
ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف. وصرح أبو داود فيما
قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره و الترمذي مصرح فيما في
كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن.
ثم إن من سمى الحسن
صحيحا لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم المبين أولا فهذا إذا اختلاف في العبارة دون
المعنى والله أعلم.
__________
متوسطة بين الصحيح
والحسن فقال والذي يظهر أنه يشرب الحكم بالصحة على الحديث بالحسن كما يشرب الحسن
بالصحة قال فعلى هذا يكون ما يقول فيه حسن صحيح أعلا رتبة عنده من الحسن ودون
الصحيح ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن
انتهى.
وهذا الذي ظهر له
تحكم لا دليل عليه وهو بعيد من فهم معنى كلام الترمذي والله أعلم.
"قوله" وذكر الحافظ أبو طاهر السلفي الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء المشرق
والمغرب وهذا تساهل إلى آخر كلامه وإنما قال السلفي بصحة أصولها كذا ذكره في مقدمة
الخطابي فقال وكتاب أبى داود فهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من
الفقهاء وحفاظ الحديث إلاعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها انتهى.
ولا يلزم من كون
الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا فقد ذكر ابن الصلاح عند ذكر التعليق أن ما لم
يكن في لفظه جزم مثل روى فليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك من ذكره عنه قال ومع
ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله انتهى فلم يحكم في هذا بصحة مع
كونه له أصل صحيح والله أعلم.
النوع الثالث: معرفة
الضعيف من الحديث:كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن
المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف.
وأطنب أبو حاتم بن
حبان البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا وما ذكرته ضابط جامع لجميع
ذلك.
وسبيل من أراد البسط:
أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على حسب ما
تقرر في نوع الحسن قسما واحدا. ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما
ثانيا. ثم ماعدمت فيه مع صفيتين معينتين قسما ثالثا. وهكذا إلى أن يستوفي الصفات
المذكورات جمعاء. ثم يعود ويعين من إلابتداء
________
النوع الثالث: معرفة
الضعيف.
"قوله"
كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن فهو حديث ضعيف ثم
قال وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن
يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن قسما واحدا ثم قال ثم ما عدم فيه جميع
الصفات هو القسم إلاخر إلارذل انتهى كلامه.
فقوله ثم ما عدم فيه
جميع الصفات أي صفات ما يحتج به وهو الصحيح والحسن وهى ستة اتصال السند أو جبر
المرسل بما يؤكده وعدالة الرجال والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة ومجيء الحديث من
وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور ليس منهما كثير الغلط والسلامة من الشذوذ
والسلامة من العلة فجعل المصنف ما عدم فيه هذه الصفات هو القسم إلارذل وخالف ذلك
في النوع الحادي والعشرين فقال اعلم أن الحديث الموضوع شر إلاحاديث الضعيفة وما
ذكره هناك هو الصواب أن شر أقسام الضعيف الموضوع لأنه كذب بخلاف ما عدم فيه الصفات
المذكورة فإنه لا يلزم من فقدها كونه كذبا والله أعلم.
وإلاخر في كلام
المصنف بقصر الهمز على وزن الفخذ وهو بمعنى إلارذل.
صفة غير التي عينها
أولا ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسما ثم القسم إلاخر ما عدلت فيه مع عدم صفة أخرى
ولتكن الصفة إلاخرى غير الصفة إلاولى المبدوء بها لكون ذلك سبق في أقسام عدم الصفة
إلاولى وهكذا هلم جرا إلى آخر الصفات.
ثم ما عدم فيه جميع
الصفات هو القسم إلاخر إلارذل. وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك
فتتضاعف بذلك إلاقسام.
والذي له لقب خاص
معروف من أقسام ذلك: الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع
والمعضل في أنواع سيأتي عليها الشرح إن شاء الله تعالى.
والملحوظ فيما نورده
من إلانواع عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا إلان من
أقسامه. ونسأل الله تبارك وتعالى تعميم النفع به في الدارين آمين.
النوع الرابع: معرفة
المسند:ذكر أبو بكر الخطيب الحافظ رحمه الله: أن المسند عند أهل الحديث هو الذي
اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله
______
النوع الرابع: معرفة
المسند.
قوله ذكر أبو بكر
الخطيب رحمه الله أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى
منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء
عن الصحابة وغيرهم انتهى.
وقد اعترض عليه بأنه
ليس في كلام الخطيب دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم لا في الكفاية ولا في الجامع
والجواب أنه ليس في كلام ابن الصلاح التصريح بنقله عنه وإنما حكي كلام الخطيب ثم
قال وأكثر ما يستعمل ذلك إلى آخر كلامه والله أعلم.
صلى الله عليه وسلم
دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم. وذكر أبو عمر بن عبد البر الحافظ: أن المسند ما رفع
إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد يكون متصلا مثل: مالك عن نافع عن ابن عمر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد يكون منقطعا مثل: مالك عن الزهري عن ابن
عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا مسند لأنه قد أسند إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهم.
وحكى أبو عمر عن قوم:
أن المسند لا يقع إلا على ما اتصل مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وبهذا
قطع الحاكم أبو عبد الله الحافظ ولم يذكر في كتابه غيره. فهذه أقوال ثلاثة مختلفة
والله أعلم.
النوع الخامس: معرفة
المتصل:ويقال فيه أيضا: الموصول ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف
وهو الذي اتصل إسناده
فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه حتى ينتهي إلى منتهاه
مثال المتصل المرفوع
من الموطأ: مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومثال المتصل الموقوف: مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر قوله. والله أعلم.
النوع السادس: معرفة
المرفوع:وهو:ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. ولا يقع مطلقه على
غير ذلك نحو الموقوف على الصحابة وغيرهم.
ويدخل في المرفوع
المتصل والمنقطع والمرسل ونحوها فهو والمسند عند قوم سواء وإلانقطاع وإلاتصال
يدخلان عليهما جميعا. وعند قوم يفترقان في: أن إلانقطاع وإلاتصال يدخلان على
المرفوع ولا يقع المسند إلا على المتصل المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ أبو بكر
بن ثابت: المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله.
فخصصه بالصحابة فيخرج عنه مرسل التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: ومن جعل من أهل
الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل والله أعلم.
النوع السابع: معرفة
الموقوف:وهو:ما يروي عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم أو أفعالهم ونحوها فيوقف
عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إلى منه ما يتصل
الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من الموقوف الموصول. ومنه ما لايتصل إسناده فيكون
من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى الرسول الله صلى الله
عليه وسلم. والله أعلم وما ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا
وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال: حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على
طاووس أو نحو هذا وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم إلاثر.
قال أبو القاسم الفوراني منهم فيما بلغنا عنه: الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم وإلاثر ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم.
النوع الثامن: معرفة
المقطوع:وهو غير المنقطع الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. ويقال في جمعه:
المقاطع والمقاطيع.
وهو: ما جاء عن
التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم أو أفعالهم قال الخطيب
_________
النوع الثامن
"قوله" قول الصحابى كنا نفعل كذا أو نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف انتهى هكذا جزم به المصنف أنه إن لم يضفه
إلى زمنه يكون موقوفا وتبع المصنف في ذلك الخطيب فإنه كذلك جزم به في الكفاية.
أبو بكر الحافظ في
جامعه: من الحديث المقطوع. وقال: المقاطع هي الموقوفات على التابعين. والله أعلم.
_________
والخلاف في المسألة
مشهور واختلف كلام إلائمة أيضا في الصحيح وقد حكى النووى الخلاف في مقدمة شرح مسلم
وحكي ما جزم به المصنف عن الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه وإلاصول وقد أطلق
الحاكم في علوم الحديث الحكم برفعه ولم يقيده بإضافته إلى زمنه وكذا أطلق إلامام
فخر الدين الرازي في المحصول والسيف إلامدي في إلاحكام وقال أبو نصر الصباغ في
كتاب العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة رضي الله عنها كانت اليد لا تقطع في الشئ
التافه وحكاه النووى في شرح المهذب عن كثير من الفقهاء قال وهو قوى من حيث المعنى.
قوله وإذا قال الراوى
عن التابعى رفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل انتهى.
ذكر الشيخ فيما يتعلق
بالصحابى أربع مسائل إلاولى كنا نفعل كذا أو كانوا يفعلون كذا ونحوهما والثانية
أمرنا بكذا ونحوه والثالثة من السنة كذا.
والرابعة برفعه ويبلغ
به ونحوهما ثم ذكر فيما يتعلق بالتابعى المسألة الرابعة فقط وسكت عن الحكم في
الثلث إلاول إذا قالها التابعى فأحببت ذكر الحكم فيها فأما المسألة إلاولى فإذا قال
التابعى كنا نفعل فليس بمرفوع قطعا وهل هو موقوف لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن
الصحابة أم لا فيحتمل فإن لم يضفه إلى زمنهم فليس بموقوف أيضا بل هو مقطوع وإن
أضافه إلى زمنهم فيحتمل أن يقال إنه موقوف لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم
ويحتمل أن يقال ليس بموقوف أيضا لأن تقرير الصحابى قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير
النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أحد وجوه السنن وأما اذا قال التابعى كانوا يفعلون
كذا فقال النووى في شرح مسلم إنه لا يدل على فعل جميع إلامة بل على البعض فلا حجة فيه
إلا أن يصرح بنقله عن أهل إلاجماع فيكون نقلا للاجماع وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف.
وأما المسألة الثانية
فإذا قال التابعى أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فجزم أبو نصر
قلت: وقد وجدت
التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام إلامام الشافعي و أبي القاسم
الطبراني وغيرهما والله أعلم.
تفريعات:
أحدها : قول
الصحابي: كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله
عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف. وإن أضافه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالذي قطع به أبو عبد الله بن البيع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم: أن ذلك من
قبيل المرفوع.
وبلغني عن أبي بكر
البر قاني: أنه سأل أبا بكر إلاسماعيلي إلامام عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع
وإلاول هو الذي عليه
إلاعتماد لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول
______
ابن الصباغ في كتاب
العدة في أصول الفقه أنه مرسل وذكر الغزالى في المستصفي فيه احتمالين من غير ترجيح
هل يكون موقوفا أو مرفوعا مرسلا.
وحكى ابن الصباغ في
العدة وجهين فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجة أم لا.
وأما المسألة الثالثة:
فإذا قال التابعى من
السنة كذا كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة السنة تكبير إلامام يوم الفطر ويوم
إلاضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات رواه البيهقي في سننه فهل هو
مرسل مرفوع أو موقوف متصل فيه وجهان لأصحاب الشافعي حكاهما النووى في شرح مسلم
وشرح المهذب وشرح الوسيط قال والصحيح أنه موقوف انتهى.
وحكى الداودى في شرح
مختصر المزنى أن الشافعي رضى الله عنه كان يرى في القديم أن ذلك مرفوع اذا صدر من
الصحابى أو التابعى ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقونه ويريدون سنة البلد انتهى.
وما حكاه الداودى من رجوع
الشافعي عن ذلك فيما إذا قاله الصحابى لم يوافق عليه فقد احتج به في مواضع من
الجديد فيمكن أن يحمل قوله ثم رجع عنه أى عما إذا قاله التابعى والله أعلم.
الله صلى الله عليه
وسلم: اطلع على ذلك أقررهم عليه. وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها أنواع: منها أقواله صلى الله
عليه وسلم ومنها أفعاله. ومنها تقريره وسكوته عن إلانكار بعد اطلاعه ومن هذا القبيل
قول الصحابي كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو: كان
يقال كذا وكذا على عهده. أو: كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم
فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند مخرج في كتب المسانيد.
وذكر الحاكم أبو عبد
الله فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرعون بابه بإلاظافير أن هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا يعني مرفوعا لذكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف.
وذكر الخطيب أيضا نحو
ذلك في جامعه. قلت: بل هو مرفوع كما سبق ذكره. وهو بأن يكون مرفوعا أحرى لكونه
أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم عليه. والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع.
وقد كنا عددنا هذا
فيما أخذناه عليه. ثم تأولناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو موقوف
لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى. والله أعلم.
الثاني : قول الصحابي
أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر
أهل العلم. وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر إلاسماعيلي. وإلاول هو الصحيح لأن
مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه إلامر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهكذا قول الصحابي:
من السنة كذا فالأصح أنه مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه وكذلك قول أنس رضي الله عنه:
أمر بلال أن يشفع
إلاذان ويوتر إلاقامة. وسائر ما جانس ذلك. فلا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو بعده صلى الله عليه وسلم.
الثالث : ما قيل من
أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به
الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من
دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} إلاية.
فأما سائر تفاسير
الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في
الموقوفات والله أعلم.
الرابع : من قبيل
المرفوع إلاحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي: يرفع الحديث أو: يبلغ به
أو: ينميه أو: رواية مثال ذلك: سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن إلاعرج عن أبي
هريرة رواية: "تقاتلون قوما صغار إلاعين" الحديث وبه عن أبي هريرة يبلغ
به قال: "الناس تبع لقريش" الحديث فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي
الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع
صريحا قلت: وإذا قال الراوي عن التابعي: يرفع الحديث أو: يبلغ به فذلك أيضا مرفوع
ولكنه مرفوع مرسل. والله أعلم.
النوع التاسع: معرفة
المرسل:وصورته التي لا خلاف فيها: حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة
وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال: قال
________
النوع التاسع: المرسل.
"قوله"
وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من
رسول الله صلى الله
عليه وسلم. والمشهور: التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم
وله صور اختلف فيها:
أهي من المرسل أم لا.
إحداها : إذا
انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور
فوقه: فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث: أن ذلك لا
يسمى مرسلا وأن إلارسال مخصوص بالتابعين بل إن كان من سقط ذكره قبل الوصول إلى
التابعي شخصا واحدا سمي منقطعا فحسب وإن كان أكثر من واحد سمي معضلا ويسمى أيضا
منقطعا. وسيأتي مثلا ذلك إن شاء الله تعالى والمعروف في الفقه وأصوله: أن كل ذلك
يسمى مرسلا وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب وقطع به وقال: إلا أن أكثر ما
يوصف بإلارسال من حيث إلاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما
ما رواه تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل والله أعلم.
______
الصحابة وجالسهم
كعبيد الله بن عدى بن الخيار إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن عبيد الله ابن عدى ذكر
في جملة الصحابة وهذا إلاعتراض ليس بصحيح لأنهم إنما ذكروه جريا على قاعدتهم في
ذكر من عاصره لأن عبيد الله ولد في حياته صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكروا قيس بن أبى حازم وأمثاله ممن لم ير النبي صلى
الله عليه وسلم لكونهم عاصروه على القول الضعيف في حد الصحابى وإنما روى عبيد الله
بن عدى عن الصحابة عمر وعثمان وعلى في آخرين ولم يسمع من أبى بكر فضلا عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
"قوله"
إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعى فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور
فوقه فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى
مرسلا إلى آخر كلامه فقوله قبل الوصول إلى التابعى ليس بجيد بل الصواب قبل الوصول
إلى الصحابى فانه لو سقط التابعى أيضا كان منقطعا لا مرسلا عند هؤلاء ولكن هكذا
وقع في عبارة الحاكم فتبعه المصنف والله أعلم.
الثانية : قول الزهري
وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم. حكى ابن عبد البر: أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا
من الصحابة إلا الواحد وإلاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين".
______
"قوله الثانية"
قول الزهري وأبى حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم حكى ابن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا
لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد وإلاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين انتهى.
وما ذكر في حق من سمى
من صغار التابعين أنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد وإلاثنين ليس بصحيح بالنسبة
إلى الزهري فقد لقي من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر وهم عبد الله بن عمر وسهل بن سعد
وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وربيعة ابن عباد بكسر العين وتخفيف الموحدة وسنين
أبو جميلة والسايب بن يزيد وأبو الطفيل عامر بن وائلة والمسور بن مخرمة وعبد
الرحمن بن أزهر وعبد الله ابن عامر بن ربيعة ومحمود بن الربيع وسمع منهم كلهم إلا
عبد الله بن جعفر فرآه رؤية وإلا عبد الله بن عمر فقد قال أحمد بن حنبل ويحيى بن
معين إنه لم يسمع منه وقال على ابن المدينى إنه سمع منه وقال ابن حزم إنه لم يسمع
أيضا من عبد الرحمن بان أزهر ثم حكى عن أحمد بن صالح المصرى أنه قال لم يسمع منه
فيما أرى ولم يدركه.
قلت وكذا قال أحمد بن
حنبل ما أراه سمع منه قال ومعمر وأسامة يقولان عنه أنه سمع منه ولم يصنعا عندى
شيئا وقيل إنه سمع أيضا من جابر بن عبد الله وسمع من جماعة آخرين مختلف في صحبتهم
منهم محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبى مالك القرظى وأبو
أمامة بن سهل بن حنيف فهؤلاء سبعة عشر ما بين صحابى ومختلف في صحبته وقد تنبه
المصنف لهذا إلاعتراض فأملى حاشية على هذا المكان من كتابه فقال قوله الواحد
وإلاثنين كالمثال وإلا فالزهري قد قيل إنه رأى عشرة من الصحابة وسمع منهم أنا وسهل
بن سعد والسايب بن يزيد ومحمود بن الربيع وسنينا أبا جميلة وغيرهم وهو مع ذلك أكثر
روايته عن التابعين والله أعلم.
قلت: وهذا المذهب فرع
لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلا
والمشهور التسوية بين
التابعين في اسم إلارسال كما تقدم والله أعلم.
الثالثة : إذا قيل
في الإسناد: فلان عن رجل أو: عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذي ذكره الحاكم في
معرفة علوم الحديث: أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا. وهو في بعض المصنفات المعتبرة في
أصول الفقه معدود من أنواع المرسل والله أعلم.
ثم اعلم: أن حكم
المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه في
نوع الحسن. ولهذا احتج الشافعي رضي الله عنه بمرسلات سعيد بن المسيب رضي الله
عنهما فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر ولا يختص ذلك عنده بإرسال ابن المسيب كما سبق
ومن أنكر ذلك زاعما
أن إلاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل فيقع لغوا لا حاجة إليه فجوابه: أنه
بالمسند تتبين صحة الإسناد الذي فيه إلارسال حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد
صحيح تقوم به الحجة على ما مهدنا سبيله في النوع الثاني. وإنما ينكر هذا من لا مذاق
له في هذا الشأن
وما ذكرناه من سقوط
إلاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث
ونقاد إلاثر وقد تداولوه في تصانيفهم.
_________
"قوله"
الثالثة إذا قيل في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذي ذكره
الحاكم في معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وهو في بعض المصنفات
المعتبرة في أصول الفقه معدود في أنواع المرسل انتهى.
اقتصر المصنف من
الخلاف على هذين القولين وكل من القولين خلاف ما عليه ألأكثرون فإن ألأكثرين ذهبوا
إلى أن هذا متصل في إسناده مجهول وقد حكاه عن
_______
ألأكثرين الحافظ رشيد
الدين العطار في الغرر المجموعة واختاره شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائى في كتاب
جامع التحصيل.
وما ذكره المصنف عن
بعض المصنفات المعتبرة ولم يسمعه فالظاهر أنه أراد به البرهان لإمام الحرمين فإنه
قال فيه وقول الراوى اخبرنى رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا وزاد إلامام فخر
الدين في المحصول على هذا فقال إن الراوى إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو
كالمرسل.
وما ذكره المصنف عن بعض
كتب إلاصول قد فعله أبو داود في كتاب المراسيل فيروى في بعضها ما أبهم فيه الرجل
ويجعله مرسلا بل زاد البيهقي على هذا في سننه فجعل ما رواه التابعى عن رجل من
الصحابة لم يسم مرسلا وهذا ليس منه بجيد اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا ويجعله حجة
كمراسيل الصحابة فهو قريب.
وقد روى البخاري عن
الحميدي قال إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل وقال إلاثرم قلت لأبى عبد الله يعنى أحمد بن حنبل
إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه
فالحديث صحيح قال نعم وقد ذكر المصنف في آخر هذا النوع التاسع أن الجهالة بالصحابى
غير قادحة لأنهم كلهم عدول.
وحكاه الحافظ أبو
محمد عبد الكريم الحلبى في كتاب القدح المعلى عن اكثر العلماء نعم فرق أبو بكر
الصيرفي من الشافعية في كتاب الدلائل بين أن يرويه التابعى عن الصحابى معنعنا أو
مع التصريح بالسماع فقال وإذا قال في الحديث بعض التابعين عن رجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم لا يقبل لأنى لا أعلم سمع التابعى من ذلك الرجل إذ قد يحدث
التابعى عن رجل وعن رجلين عن الصحابى ولا أدرى هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا فلو
علمت إمكانه منه لجعلته كمدرك العصر قال وإذا قال سمعت رجلا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل لأن الكل عدول انتهى كلام الصيرفي وهو حسن متجه وكلام من
أطلق قبوله محمول على هذا التفصيل والله أعلم.
وفي صدر صحيح مسلم:
المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بإلاخبار ليس بحجة
وابن عبد البرحافظ
المغرب ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب الحديث وإلاحتجاج به مذهب مالك و أبي حنيفة
وأصحابهما رحمهم الله في طائفة والله أعلم.
ثم إنا لم نعد في
أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه: مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس
وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه لأن ذلك
في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن
الصحابة كلهم عدول والله أعلم.
_________
"قوله"
وفي صدر صحيح مسلم المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بإلاخبار ليس بحجة انتهى.
ومسلم رحمه الله إنما
قال ذلك حاكيا على لسان خصمه الذي نازعه في اشتراط اللقى في الإسناد المعنعن فقال
فان قال قلته لأنى وجدت رواة إلاخبار قديما وحديثا يروى أحدهم عن إلاخر الحديث
ولما يعاينه ولا سمع منه شيئا قط فلما رأيتهم استجادوا رواية الحديث بينهم هكذا
على إلارسال من غير سماع والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول اهل العلم
بإلاخبار ليس بحجة احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوى كل خبر عن
راويه إلى آخر كلامه فهذا كما تراه حكاه على لسان خصمه ولكنه لما لم يرد هذا القدر
منه حين رد كلامه كان كأنه قائل به فلهذا عزاه المصنف إلى كتاب مسلم والله أعلم.
"قوله"
ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابى مثل ما
يرويه ابن عباس وغيره من احداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك
في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابى غير قادحة لأن
الصحابة كلهم عدول انتهى.
وفيه أمران أحدهما أن
قوله لأن روايتهم عن الصحابة ليس بجيد بل الصواب أن يقال لأن اكثر رواياتهم عن الصحابة
إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين وسيأتي
النوع العاشر: معرفة
المنقطع:وفيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم. فمنها ما سبق
في نوع المرسل عن الحاكم صاحب كتاب معرفة أنواع علوم الحديث من أن المرسل مخصوص
بالتابعي. وأن المنقطع: منه: الإسناد فيه قبل الوصول إلى التابعي راو لم يسمع من
الذي فوقه والساقط بينهما غير مذكور لا معينا ولا مبهما.
______
في كلام المصنف في
النوع الحادى وإلاربعين أن ابن عباس وبقية العبادلة رووا عن كعب إلاحبار وهو من
التابعين وروى كعب أيضا عن التابعين وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره في رواية
الصحابة عن التابعين فبلغوا جمعا كثيرا إلا أن الجواب عن ذلك أن رواية الصحابة عن التابعين
غالبها ليست أحاديث مرفوعة وإنما هى من إلاسرائيليات أو حكايات أو موقوفات وبلغنى
أن بعض أهل العلم أنكر أن يكون قد وجد شي من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة
عن النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت أن أذكر هنا ما وقع لى من ذلك للفائدة فمن ذلك
حديث سهل بن سعد عن مروان ابن الحكم عن زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه
وسلم أملى عليه لا يستوى القاعدون من المؤمنين فجاء ابن أم مكتوم" الحديث
رواه البخاري والنسائى والترمذي وقال حسن صحيح.
وحديث السائب بن يزيد
عن عبد الرحمن بن عبد القارى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "من نام عن حزبه أو عن شي منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى
صلاة الظهر كتب له كإنما قرأه من الليل" رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
وحديث جابر بن عبد
الله عن أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق عن عائشة رضي الله عنهم "أن رجلا سأل
النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل هل عليهما من غسل وعائشة جالسة
فقال إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم.
وحديث عمرو بن الحرث المصطلقى
عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
______
"يا معشر
النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة" رواه الترمذي
والنسائي والحديث متفق عليه من غير ذكر ابن أخي زينب جعلاه من رواية عمر بن الحارث
عن زينب نفسها والله أعلم.
وحديث يعلى بن أمية
عن عبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من
صلى ثنتي عشرة ركعة بالنهار أو بالليل بني له بيت في الجنة" رواه النسائي.
وحديث عبد الله بن
عمر عن عبد الله بن محمد بن أبى بكر الصديق عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "ألم تر أن قومك حين بنوا الكعبة قصروا عن قواعد إبراهيم"
الحديث رواه الخطيب في كتاب رواية الصحابة عن التابعين بإسناد صحيح والحديث متفق
عليه من طريق مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبى
بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة بذلك فجعله من رواية سالم عن عبد الله بن محمد
وهذا يشهد لصحة طريق الخطيب أن ابن عمر سمعه من عبد الله ابن محمد عن عائشة والله
أعلم.
وحديث ابن عمر عن
صفية بنت أبى عبيد عن عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء في
الخفين عند إلاحرام" رواه الخطيب في الكتاب المذكور والحديث عند أبى داود من
طريق ابن إسحق قال ذكرت لابن شهاب فقال حدثني سالم أن عبد الله كان يصنع ذلك يعنى
قطع الخفين للمرأة المحرمه ثم حدثته صفية بنت أبى عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك وحديث جابر بن عبد
الله عن أبى عمرو مولى عائشة واسمه ذكوان عن عائشة ان "أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يكون جنبا فيريد الرقاد فيتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد" رواه
أحمد في مسنده وفي إسناده ابن لهيعة.
وحديث ابن عباس قال
أتى على زمان وانا اقول أولاد المسلمين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين
حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم.
ومنه: الإسناد الذي
ذكر فيه بعض رواته بلفظ مبهم نحو: رجل أو: شيخ أو غيرهما.
مثال إلاول: ما
رويناه عن عبد الرازق عن سفيان الثوري عن أبى إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن وليتموها
_______
فقال الله أعلم بما
كانوا عاملين قال فلقيت الرجل فأخبرنى فأمسكت عن قولى رواه أحمد في مسنده وأبو
داود الطيالسى أيضا في مسنده وإسناده صحيح.
وبين روايه عن
الطيالسى وهو يونس بن حبيب أن الصحابى المذكور في هذا الحديث هو أبى بن كعب وكذا
قال الخطيب وترجم له في رواية الصحابة عن التابعين عبد الله بن عباس عن صاحب لأبى
بن كعب.
وحديث ابن عمر عن
أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر "أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر فلما شق ذلك عليهم أمر
بالسواك لكل صلاة".
رواه أبو داود من
طريق محمد بن إسحق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال
قلت أرايت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر عم ذاك فقال حدثته أسماء بنت
زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر حدثها فذكره وفي رواية علقها أبو
داود وأسندها الخطيب إلى عبيد الله بن عبد الله بن عمر كذا أورده الخطيب في رواية
عبد الله بن عمر عن أسماء.
والظاهر أنه من رواية
ابنه عبيد الله بن عبيد الله بن عمر عن أسماء وإن كانت حدثت أبن عمر نفسه وكذا جعل
المزنى في تهذيب الكمال الراوى عنها عبد الله بن عبد الله بن عمر وحديث عمر عن
أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرنهم بالسواك عند كل صلاة" رواة الخطيب
فيه.
.
________
وحديث سليمان بن صرد
عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال تذاكروا غسل الجنابة عند النبي صلى الله عليه
وسلم فقال أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا الحديث رواه الخطيب وهو متفق عليه.
من رواية سليمان عن
جبير ليس فيه نافع.
وحديث أبى الطفيل عن
بكر بن قرواش عن سعد بن أبى وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"شيطان الردهة يحذره رحل من بجيلة" الحديث رواه أبو يعلى الموصلى في
مسنده قال صاحب الميزان بكر بن قرواش لا يعرف والحديث منكر وحديث أبى هريرة عن أم
عبد الله أبى أبى ذئاب عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له
كفارة" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات ومن طريقه الخطيب.
وحديث ابن عمر عن
صفية بنت أبى عبيد عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع الصوم
قبل الصبح فلا صوم له" .
وحديث ابن عمر عن
صفية عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات
فصاعدا" رواهما الخطيب.
وفي إسنادهما محمد بن
عمر الواقدي.
وحديث أنس عن وقاص بن
ربيعة عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل:
"ابن آدم إنك إن دنوت منى شبرا دنوت منك ذراعا" الحديث.
وحديث أبى الطفيل عن
عبد الملك بن أخي أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أنهم لن تسلطوا
على قتلى ولن يفتنوني عن ديني الحديث.
وحديث أبى أمامة عن
عبسة بن أبى سفيان عن أم حبيبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من
رجل مسلم يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعد الظهر فتمسه النار" .
وحديث أبى الطفيل عن
حلام بن جزل عن أبى ذر مرفوعا الناس ثلاث طبقات الحديث روى هذه إلاحاديث أيضا
الخطيب بأسانيد ضعيفة فهذه عشرون حديثا من رواية الصحابة مرفوعة عن التابعين عن
الصحابة مرفوعة ذكرتها للفائدة والله أعلم.
"الامر
الثانى" أنه اعترض على المصنف في قوله ما يسمى في أصول الفقه بأن المحدثين
أيضا يذكرون مراسيل الصحابة فما وجه تخصيصه بأصول الفقه والجواب أن
أبا بكر فقوي
أمين" الحديث فهذا إسناد إذا تأمله الحديثي وجد صورته صورة المتصل وهو منقطع
في موضعين: لأن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما سمعه من النعمان بن أبى شيبه
الجندي عن الثوري. ولم يسمعه الثوري أيضا من أبى إسحاق إنما سمعه من شريك عن أبى
إسحاق.
ومثال الثاني: الحديث
الذي رويناه عن أبى العلاء بن عبد الله بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الصلاة اللهم إني أسالك الثبات في إلامر
الحديث والله اعلم.
ومنها ما ذكره ابن
عبد البر رحمه الله وهو: أن المرسل مخصوص بالتابعين والمنقطع شامل له ولغيره وهو
عنده: كل ما لا يتصل إسناده سواء كان يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى
غيره.
ومنها أن المنقطع مثل
المرسل وكلاهما شاملان لكل ما لا يتصل إسناده.
وهذا المذهب أقرب.
صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم. وهو الذي ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في
كفايته. إلا أن أكثر ما يوصف بإلارسال من حيث إلاستعمال: ما رواه التابعي عن النبي
صلى الله عليه وسلم. وأكثر ما يوصف بإلانقطاع: ما رواه من دون التابعين عن الصحابة
مثل مالك عن ابن عمرو نحو ذلك والله أعلم.
_______
المحدثين وإن ذكروا
مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا في إلاحتجاج بها وأما إلاصوليون فقد اختلفوا فيها
فذهب إلاستاذ أبو إسحق إلاسفرايني إلى أنه لا يحتج بها وخالفه عامة أهل إلاصول
فجزموا بإلاحتجاج بها وفي بعض شروح المنار في إلاصول الحنفية دعوى إلاتفاق على
إلاحتجاج بها ونقل إلاتفاق مردود بقول إلاستاذ أبى اسحق والله أعلم.
ومنها: ما حكاه
الخطيب أبو بكر عن بعض أهل العلم بالحديث: أن المنقطع ما روي عن التابعي أو من
دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله. وهذا غريب بعيد والله أعلم.
النوع الحادي عشر: معرفة
المعضل:وهو لقب لنوع خاص من المنقطع. فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا. وقوم
يسمونه مرسلا كما سبق وهو عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعدا.
وأصحاب الحديث
يقولون: أعضله فهو معضل بفتح الضاد. وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت
فوجدت له قولهم: أمر عضيل أي مستغلق شديد. ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى.
______
النوع الحادى عشر:
معرفة المعضل.
"وقوله" وهو عبارة عن ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا انتهى أطلق المصنف اسم
المعضل على ما سقط منه اثنان فصاعدا ولم يفرق بين أن يسقط ذلك من موضع واحد أو من موضعين
وليس المراد بذلك إلا سقوطهما من موضع واحد فأما إذا سقط راو من مكان ثم راو من
موضع آخر فهو منقطع في موضعين وليس معضلا في إلاصطلاح وهذا مراد المصنف ويوضح
مراده المثال الذي مثل به بعد وهو قوله ومثاله ما يرويه تابع التابعي قائلا فيه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر كلامه.
"قوله" وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل
المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد ولا التفات في ذلك
إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المثنى انتهى.
ومثاله: ما يرويه
تابعي التابعي قائلا فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما يرويه من دون
تابعي التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أبي بكر وعمر وغيرهما غير
ذاكر للوسائط بينه وبينهم.
وذكر أبو نصر السجزي
الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته" الحديث وقال أي السجزي أصحاب
الحديث يسمونه المعضل قلت: وقول المصنفين من
_______
وأراد المصنف بذلك
تخريج قول أهل الحديث معضل بفتح الضاد على مقتضى اللثة فقال إنه وجد له قولهم أمر
عضيل ثم زاده المصنف إيضاحا فيما أملاه حين قراءة الكتاب عليه فقال إن فعيل يدل
على الثلاثي قال فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرا واعضل متعديا وقاصرا كما قالوا ظلم
الليل وأظلم الليل وأظلم الليل انتهى.
وقد اعترض عليه بأن
فعيلا لا يكون من الثلاثي القاصر والجواب أنه إنما يكون من الثلاثي القاصر إذا كان
فعيل بمعنى مفعول فأما اذا كان بمعنى فاعل فيجئ من الثلاثي القاصر كقولك حريص من
حرص وإنما أراد المصنف بقولهم عضيل أنه بمعنى فاعل من عضل إلامر عاضل وعضيل والله
أعلم.
وقرأت بخط الحافظ شرف
الدين الحسن بن على بن الصيرفي على نسخة من كتاب ابن الصلاح في هذا الموضع دلنا
قولهم عضيل على أن ماضيه عضل فيكون أعضله منه لا من أعضل هو وقد جاء ظلم الليل
وأظلم وأظلمه الله وغطش وأغطش وأغطشه الله تعالى والله أعلم.
"قوله" وذكر أبو نصر السجزى الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول مالك بلغني عن
أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته"
الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه المعضل أنتهى وقد استشكل كون هذا الحديث معضلا الجواز
أن يكون الساقط بين مالك وبين أبى هريرة واحدا فقد سمع مالك من جماعة من أصحاب أبى
هريرة كسعيد المقبري ونعيم المجمر ومحمد بن المنكدر فلم جعله معضلا والجواب أن
مالكا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ فرواه عن محمد
الفقهاء وغيرهم: قال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما تقدم.
وسماه الخطيب أبو بكر الحافظ في بعض كلامه مرسلا وذلك على مذهب من يسمى كل مإلا
يتصل مرسلا كما سبق.
وإذا روى تابع التابع
عن التابع حديثا موقوفا عليه وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل مثاله: ما رويناه عن إلاعمش عن
الشعبي قال: "يقال للرجل يوم القيامة: عملت كذا وكذا ؟ فيقول: ما عملته فيختم
على فيه" الحديث. فقد أعضله إلاعمش وهو عند الشعبي: عن أنس عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم متصل مسندا.
قلت: هذا جيد حسن لأن
هذا إلانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على إلانقطاع باثنين: الصحابي ورسول الله
صلى الله عليه وسلم فذلك باستحقاق اسم إلاعضال أولى والله أعلم.
تفريعات :
أحدها :الإسناد
المعنعن وهو الذي يقال فيه فلان عن فلان عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع
حتى يتبين اتصاله بغيره.
والصحيح والذي عليه
العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل. وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم.
وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ
يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك. وادعى
_________
ابن عجلان عن أبيه عن
أبى هريرة فقد عرفنا سقوط اثنين منه فلذلك سموه معضلا والله أعلم.
"قوله" عند ذكر الإسناد المعنعن والصحيح الذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد
المتصل ثم قال وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعى إجماع أئمة الحديث على ذلك
إلى آخر كلامه ولا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه فقال في مقدمة التمهيد اعلم وفقك
الله أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم.
أبو عمرو الداني
المقرئ الحافظ إجماع أهل النقل على ذلك وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة
إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضا مع براءتهم من وصمة التدليس. فحينئذ يحمل على
ظاهر إلاتصال إلا أن يظهر فيه خلاف ذلك. وكثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين
إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم: قرأت على فلان عن فلان أو نحو
ذلك فظن به أنه رواه عنه بالإجازة. ولا يخرجه ذلك من قبيل إلاتصال على مإلا يخفي
والله أعلم.
الثاني: اختلفوا في
قول الراوي أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة عن في الحمل على إلاتصال إذا ثبت
التلاقي بينهما حتى يتبين فيه إلانقطاع مثاله: مالك عن الزهري: أن سعيد بن المسيب
قال كذا فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى عن فلان و أن فلانا سواء.
وعن أحمد بن حنبل رضي
الله عنه: أنهما ليسا سواء وحكى ابن عبد البر عن جمهور أهل العلم: أن عن و
أن سواء وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع
والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث
بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد محمولا على إلاتصال حتى يتبين فيه إلانقطاع.
_______
ومن لم يشترطه
فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا
ثلاثة وهى عدالة المحدثين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء من
التدليس ثم قال وهو قول مالك وعامة أهل العلم.
قوله اختلفوا في قول
الراوى أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة عن في الحمل على إلاتصال إذا ثبت
التلاقى بينهما حتى يتبين فيه إلانقطاع مثاله مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب
قال كذا فروينا عن مالك رضى الله عنه أنه كان يروى عن فلان وأن فلانا سواء.
0000000000000000000000000000
________
وعن أحمد بن حنبل رضي
الله عنه أنهما ليسا سواء.
وحكى ابن عبد البر عن
جمهور أهل العلم أن عن وأن سواء ثم قال وحكى بن عبد البر عن أبى بكر البرديجى أن
حرف أن محمول على إلانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى ثم
قال ابن الصلاح ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجى أبى بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب
بن شيبة في مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار
للحافظ قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فرد على السلام
وجعله مسندا موصولا وذكر رواية قيس بن سعد كذلك عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن
الحنفية أن عمارا مر بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فجعله مرسلا من حيث كونه
قال إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار والله أعلم انتهى.
وما حكاه المصنف عن
أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين عن وأن ليس إلامر فيه على ما فهمه
من كلامهما ولم يفرق أحمد ويعقوب بين عن وأن لصيغة أن ولكن لمعنى آخر أذكره وهو أن
يعقوب إنما جعله مرسلا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا
فلو قال ابن الحنفية إن عمارا قال مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم لما جعله يعقوب
ابن شيبة مرسلا فلما أتى به بلفظ أن عمارا مر كان محمد بن الحنفية هو الحاكى لقصة
لم يدركها لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا
وهذا أمر واضح ولا فرق بين أن يقول ابن الحنفية إن عمارا مر بالنبى صلى الله عليه
وسلم أو أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به عمار فكلاهما مرسل بإلاتفاق بخلاف ما
إذا قال عن عمار قال مررت أو ان عمارا قال مررت فإن هاتين العبارتين متصلتان
لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما حكاه المصنف عن أحمد ابن حنبل من تفرقته بين عن وأن
فهو على هذا النحو ويوضح لك ذلك حكاية كلام أحمد وقد رواه الخطيب وفي الكفاية
بإسناده إلى أبى داود قال سمعت أحمد قيل له أن رجلا قال عروة أن عائشة قالت يا
رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال كيف هذا سواء ليس هذا سواء انتهى كلام أحمد.
_______
وإنما فرق بين
اللفظين لأن عروة في اللفظ إلاول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا ادرك القصة وإلا فلو
قال عروة إن عائشة قالت قلت يا رسول الله لكان ذلك متصلا لأنه أسند ذلك إليها.
وأما اللفظ الثانى
فأسنده عروة إليها بالعنعنة فكان ذلك متصلا فما فعله أحمد ويعقوب بن شيبة صواب
سواء ليس مخالفا لقول مالك ولا لقول غيره وليس في ذلك خلاف بين أهل النقل وجملة
القول فيه أن الراوى إذا روى قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت
بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم وبين بعض أصحابه والراوى لذلك صحابى قد أدرك تلك
الواقعة حكمنا لها بإلاتصال وان لم نعلم أن الصحابى شهد تلك القصة وإن علمنا أنه
لم يدرك الواقعة فهو مرسل صحابى وإن كان الراوى كذلك تابعيا كمحمد بن الحنفية مثلا
فهى منقطعة وإن روى التابعى عن الصحابى قصة أدرك وقوعها كان متصلا ولو لم يصرح بما
يقتضى إلاتصال وأسندها إلى الصحابى بلفظ أن فلانا قال أو بلفظ قال قال فلان فهى متصلة
أيضا كرواية ابن الحنفية إلاولى عن عمار بشرط سلامة التابعى من التدليس كما تقدم
وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابى فهى منقطعة كرواية ابن الحنفية
الثانية فهذا الحقيق القول فيه.
وممن حكى اتفاق أهل النقل
على ذلك الحافظ أبو عبد الله بن المواق في كتاب بغية النقاد فذكر من عند أبى داود
حديث عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة قطع أنفه يوم الكلاب الحديث وقال إنه عند
أبى داود هكذا مرسل قال وقد نبه ابن السكن على إرساله فقال فذكر الحديث مرسلا قال
ابن المواق وهو أمر بين لا خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا الشأن في انقطاع ما
يروى كذلك إذا علم أن الراوى لم يدرك زمان القصة كما في هذا الحديث وذكر نحو ذلك
أيضا في حديث أبى قيس أن عمرو بن العاص كان على سرية الحديث في التيمم من عند أبى
داود أيضا وكذلك فعل ذلك غيره وهو أمر واضح بين والله اعلم.
وقد ذكر المصنف بعد
ما حكاه عن مسند يعقوب بن شيبة أن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر
عن عمر أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب الحديث وفي رواية
أخرى عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال يا رسول الله الحديث ثم قال أى الخطيب ظاهر
الرواية إلاولى يوجب أن يكون من مسند
وحكى ابن عبد البر عن
أبي بكر البرديجي: أن حرف أن محمول على إلانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر
بعينه من جهة أخرى. وقال: عندي لا معنى لهذا لإجماعهم على أن الإسناد المتصل
بالصحابي سواء فيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال أو: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أو سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول والله أعلم.
قلت: ووجدت
مثل ما حكاه عن البرديجي أبي بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده
الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار قال: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام. وجعله مسندا موصولا.
وذكر رواية قيس بن
سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية: أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه
وسلم وهو يصلي فجعله مرسلا من حيث كونه قال: إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار والله
أعلم.
ثم إن الخطيب مثل هذه
المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام
أحدنا وهو جنب؟ الحديث.
وفي رواية أخرى: عن
نافع عن ابن عمر أن عمر: قال يا رسول الله. الحديث. ثم قال: ظاهر الرواية إلاولى
يوجب أن يكون من مسند عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثانية ظاهرها يوجب أن
يكون من مسند ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: ليس هذا المثال
مماثلا لما نحن بصدده لأن إلاعتماد فيه في الحكم بإلاتصال على مذهب الجمهور إنما
هو على اللقي وإلادراك وذلك في هذا الحديث مشترك متردد لتعلقه بالنبي صلى الله
عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه وصحبة الراوي ابن عمر لهما فاقتضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
ذلك من جهة: كونه
رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة أخرى: كونه رواه عن عمر عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم والله اعلم.
الثالث : قد ذكرنا
ما حكاه ابن عبد البر من تعميم الحكم بإلاتصال فيما يذكره الراوي عمن لقيه بأي لفظ
كان. وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال: كل من علم له سماع من إنسان
فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه. وكل من علم له لقاء
إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه.
ومن الحجة في ذلك وفي
سائر الباب: أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر
الواسطة بينه وبينه مدلسا والظاهر السلامة من وصمة التدليس والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس.
ومن أمثلة ذلك: قوله
قال فلان كذا وكذا مثل أن يقول نافع: قال ابن عمر. وكذلك لو قال عنه ذكر أو: فعل
أو: حدث أو: كان يقول كذا وكذا وما جانس ذلك فكل ذلك محمول ظاهرا على إلاتصال وأنه
تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما مهما ثبت لقاؤه له على الجملة.
ثم منهم من اقتصر في
هذا الشرط المشترط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء أو السماع كما حكيناه آنفا. وقال
فيه أبو عمرو المقري: إذا كان معروفا بالرواية عنه.
وقال فيه أبو الحسن
القابسي: إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا.
وذكر أبو المظفر السمعاني
في العنعنة: أنه يشترط طول الصحبة بينهم وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على
بعض أهل عصره حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء وإلاجتماع وادعى أنه قول مخترع لم
يسبق قائله إليه وأن القول الشائع المتفق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
عليه بين أهل العلم
بإلاخبار قديما وحديثا: أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد وإن لم يأت في
خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها. وفيما قاله مسلم نظر وقد قيل: إن القول الذي رده
مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم: علي بن المديني و البخاري وغيرهما والله أعلم.
قلت: وهذا الحكم لا
أراه يستمر بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين
فيه ذكر فلان ونحو ذلك فافهم كل ذلك فإنه مهم عزيز والله أعلم.
الرابع : التعليق
الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيره من المغاربة في
أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وقد استعمله الدارقطني من قبل صورته صورة
إلانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل
الضعيف وذلك لما عرف من شرطه وحكمه على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع
إلاول.
ولا التفات إلى أبي
محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو: أبي
مالك إلاشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن في أمتي أقوام
يستحلون الحرير والخمر والمعازف" الحديث. من جهة
______
عمر عن النبى صلى الله
عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند ابن عمر عن النبى صلى الله عليه
وسلم انتهى وهذا يشهد لما ذكرناه إلا أن المصنف اعترض على الخطيب بقوله ليس هذا
المثال مماثلا لما نحن بصدده الى آخر كلامه إلا أن كون الرواية الثانية تدل على
أنه من مسند ابن عمر لا يخالف فيه ابن الصلاح وهو موافق لما ذكرناه وهو المقصود من
إلاستشهاد به والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على محمد وآله.
"قوله"
الرابع التعليق الذى يذكره أبو عبد الله الحميدى في أحاديث من صحيح البخاري قطع
إسنادها صورته صورة إلانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد
أن البخاري أورده
قائلا فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين
البخاري و هشام وجعله جوابا عن إلاحتجاج به على تحريم المعازف.
وأخطأ في ذلك من وجوه
والحديث صحيح معروف إلاتصال بشرط الصحيح.
و البخاري رحمه الله
قد يفعل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه.
وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك 40 الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد
يفعل ذلك ليغير ذلك من إلاسباب التي لا يصحبها خلل إلانقطاع والله أعلم.
وما ذكرناه من الحكم
في التعليق المذكور فذلك فيما أورده منه أصلا ومقصودا لا فيما أورده في معرض
إلاستشهاد فإن الشواهد يحتمل فيها ما ليس من شرط الصحيح معلقا كان أو موصولا
ثم إن لفظ التعليق
وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر. حتى إن بعضهم استعمله في حذف
كل
_______
ذلك فيه منه من قبيل
الصحيح إلى قبيل الضعيف لما علم من شرطه اعترض عليه بأن شرط البخاري إن سمى كتابه
المسند الصحيح والصحيح هو ما فيه من المسند دون ما لم يسنده وهذا إلاعتراض يؤيده
قول ابن القطان في بيان الوهم وإلايهام أن البخاري فيما يعلق من إلاحاديث في
إلابواب غير مبال بضعف رواتها فإنها غير معدودة فيما انتخب وإنما يعد من ذلك ما
وصل إلاسانيد به فاعلم ذلك انتهى كلام ابن القطان.
والجواب أن المصنف
إنما يحكم بصحتها إلى من علقها عنه إذا ذكره بصيغة الجزم كما تقدم ولا يظن
بالبخاري أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن جزم به عنه فأما إذا ذكر فيما أبرز من
السند ضعيفا فإنه ليس صحيحا عند البخاري كما تقدم والله أعلم.
"قوله"
فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام انتهى وإنما قال ابن حزم في المحلى
هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد انتهى وصدقة بن خالد هو شيخ
هشام بن عمار في هذا الحديث وهذا قريب إلا أن المصنف لا يجوز تغيير إلالفاظ في التصانيف
وان اتفق المعنى.
الإسناد.مثال ذلك:
قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. قال ابن عباس كذا وكذا. روى أبو
هريرة كذا وكذا. قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذا وكذا. قال الزهري عن أبي
سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. وهكذا إلى شيوخ شيوخه
وأما ما أورده كذلك
عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذه التفريعات.
______
"قوله" وأما ما أورده أى البخاري كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا
في الثالث من هذا التفريعات انتهى يريد أن ما قال فيه البخاري وقال فلان وسمى بعض
شيوخه أنه محكوم فيه بإلاتصال كالإسناد المعنعن ويشكل على ما ذكره المصنف هنا أن
البخاري قال في صحيحه في كتاب الجنائز في باب ما جاء في قاتل النفس وقال حجاج بن
منهال حدثنا جرير بن حازم عن الحسن قال حدثنا جندب في هذا المسجد فما نسيناه وما
نخاف أن يكذب جندب على النبى صلى الله عليه وسلم قال: "كان برجل خراج فقتل
نفسه" الحديث فحجاج بن منهال أحد شيوخ البخاري قد سمع منه أحاديث وقد علق عنه
هذا الحديث ولم يسمعه منه وبينه وبينه واسطة بدليل أنه أورده في باب ما ذكره عن
بني إسرائيل فقال حدثنا محمد حدثنا حجاج حدثنا جرير عن الحسن قال حدثنا جندب فذكر
الحديث فهذا يدل على أنه لم يسمعه من حجاج وهذا تدليس.
فلا ينبغى أن يحمل ما
علقه عن شيوخه على السماع منهم ويجوز أن يقال إن البخاري أخذه عن حجاج بن منهال
بالمناولة أو في حالة المذاكرة على الخلاف الذى ذكره ابن الصلاح وسمعه ممن سمعه
منه فلم يستحسن التصريح باتصاله بينه وبين حجاج لما وقع من تحمله وهو قد صح عنده بواسطة
الذى حدثه به عنه فأتى به في موضع بصيغة التعليق وفي موضع آخر بزيادة الواسطة وعلى
هذا فلا يسمى ما وقع من البخاري على هذا التقدير تدليسا وعلى كل حال فهو محكوم
بصحته لكونه أتى به بصيغة الجزم كما تقدم فما قاله ابن حزم في حديث البخاري عن
هشام بن عمار بحديث المعارف من أنه ليس متصلا عند البخاري يمكن أن يكون البخاري
أخذه عن هشام مناولة أو في المذاكرة فلم يصرح فيه بالسماع.
00000000000000000000000000000000000
_________
"وقوله" إنه لا يصح وإنه موضع مردود عليه فقد وصله غير البخاري من طريق هشام
بن عمار ومن طريق غيره فقال إلاسماعيلى في صحيحه حدثنا الحسن وهو ابن سفيان إلامام
حدثنا هشام بن عمار وقال الطبراني في مسند الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد
الصمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد وقال أبو داود في سننه حدثنا عبد
الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر كلاهما عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر بإسناده.
وقد ذكر المصنف فيما
تقدم في النوع إلاول في أمثلة تعليق البخاري قال القعنبي والغضبى من شيوخ البخاري
فجعله هناك من باب التعليق وخالف ذلك هنا وقد يجاب عن المصنف بما ذكره هنا عقب
إلانكار عن ابن حزم وهو قوله والبخاري رحمه الله قد يفعل مثل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا
من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علق عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في
موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك بغير ذلك في إلاسباب التي لا يصحبها
خلل إلانقطاع انتهى فحديث النهى عن المعازف من باب ما هو معروف من جهة الثقات عن
هشام كما تقدم وحديث جندب من باب ما ذكره في موضع آخر من كتابه مسند وقد اعترض على
المصنف في قوله وقد يفعل ذلك لغير ذلك من إلاسباب التي لا يصحبها خلل إلانقطاع بأن
حديث جندب الذي ذكر في الجنائز صحبة خلل للانقطاع لأنه لم يأخذه عن حجاج بن منهال
والجواب عن المصنف أنه لم يرد بقوله لا يصحبها خلل للانقطاع أي في غير الموضع الذي
علقه فيه فان التعليق منقطع قطعا وإنما أراد أنه لا يصحبها خلل إلانقطاع في الواقع
بأن يكون الحديث معروف إلاتصال.
أما في كتابه في موضع
آخر كحديث جندب أو في غير كتابه كحديث أبى مالك إلاشعري فإنه إنما جزم به حيث علم اتصاله
وصحته في نفس إلامر كما تقدم والله تعالى أعلم.
وأختلف في محمد شيخ
البخاري في حديث جندب فقيل هو محمد بن يحيى الدهلى
وبلغني عن بعض
المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه قول البخاري
في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزادنا فلان فوسم ذلك بالتعليق المتصل من حيث
الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال: متى رأيت البخاري يقول وقال لي وقال لنا فاعلم
أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به. وكثيرا ما يعبر المحدثون
بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون
بها.
قلت: وما ادعاه على
البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف 41 بالبخاري وهو العبد الصالح أبو
جعفر بن حمدان النيسابوري فقد روينا عنه أنه قال: كل ما قال البخاري قال لي فلان
فهو عرض ومناولة.
قلت: ولم أجد لفظ
التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا في مثل
قوله يروى عن فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك بأنه
قاله وذكره. وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك
الجميع فيه من قطع إلاتصال والله أعلم.
______
وهو الظاهر فإنه روى
عن حجاج بن منهال والبخاري عادته لا ينسبه إذا روى عنه إما لكونه من أقرانه أو لما
جرى بينهما وقيل هو محمد بن جعفر السمناني.
"قوله"
ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا
في مثل قوله يروى على فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر
ذلك عنه بأنه قاله وذكره انتهى.
وقد سمى غير واحد من المتأخرين
ما ليس بمجزوم تعليقا منهم الحافظ أبو الحجاج المزي كقول البخاري في باب مس الحرير
من غير لبس ويروى فيه عن الزبيدي عن
الخامس : الحديث
الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا: اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل
الموصول أو بقبيل المرسل مثاله: حديث لا نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس في
آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى إلاشعري عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مسندا هكذا متصلا ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق
عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا هكذا فحكى الخطيب الحافظ: أن أكثر
أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل وعن بعضهم: أن الحكم للأكثر وعن
بعضهم: أن الحكم للأحفظ فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله ثم لا
يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته.
ومنهم من قال: الحكم
لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له
واحدا أو جماعة قال الخطيب: هذا القول هو الصحيح.
قلت: وما صححه هو
الصحيح في الفقه وأصوله. وسئل البخاري عن حديث: "لا نكاح إلا بولي"
المذكور فحكم لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولة فقال البخاري: هذا مع أن من
أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان لهما من الحفظ وإلاتقان الدرجة العالية.
ويلتحق بهذا ما إذا
كان الذي وصله هو الذي أرسله وصله في وقت وأرسله في وقت.
________
الزهري عن أنس عن
النبى صلى الله عليه وسلم فذكره المزي في إلاطراف وعلم عليه علامة التعليق للبخارى
وكذا فعل غير واحد من الحفاظ يقولون ذكره البخاري تعليقا مجزوما أو تعليقا غير
مجزوم به إلا أنه يجوز أن هذا إلاصطلاح متجدد فلا لوم على المصنف في قوله إنه لم
يجده.
"قوله"
أما إذا كان الذى وصله هو الذى أرسله وصله في وقت وأرسله في وقت
وهكذا إذا رفع بعضهم
الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على الصحابي. أو رفعه واحد في
وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر. فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من
الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما
خفي عليه. ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى
وهو أعلم.
النوع الثاني عشر:
معرفة التدليس وحكم المدلس:التدليس قسمان:
أحدهما: تدليس
الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهما أنه سمعه منه. أو: عمن
عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه. ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون
أكثر
ومن شأنه أن لا يقول
في ذلك أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما. وإنما يقول قال فلان أو: عن فلان ونحو
ذلك مثال ذلك: ما روينا عن علي بن خشرم قال: كنا عند بن عيينة فقال: قال الزهري
_______
ثم قال أو رفعه واحد
في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من
الوصل والرفع إلى آخر كلامه وما صححه المصنف هو الذى رجحه أهل الحديث.
وصحح إلاصوليون خلافه
وهو أن إلاعتبار بما وقع منه أكثر فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه
فالحكم للوصل والرفع وإن كان إلارسال أو الوقف فأكثر فالحكم له والله أعلم.
النوع الثانى عشر:
معرفة التدليس.
"قوله" التدليس قسمان إلى آخر كلامه ترك المصنف رحمه الله قسما ثالثا من
أنواع التدليس وهو شر إلاقسام وهو الذى يسمونه تدليس التسوية وقد سماه بذلك أبو الحسن
بن القطان وغيره من أهل هذا الشأن وصورة هذا القسم من التدليس
فقيل له: حدثكم
الزهري ؟ فسكت ثم قال: قال الزهري فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال: لا لم أسمعه
من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
القسم الثاني: تدليس
الشيوخ وهو: أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما
لا يعرف به كي لا يعرف.
مثاله: ما روي
لنا عن أبي بكر بن مجاهد إلامام المقري: أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود
السجستاني فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله. وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن
النقاش المفسر المقري فقال: حدثنا محمد بن سند نسبه إلى جد له والله أعلم.
_______
أن يجئ المدلس إلى
حديث سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف
يرويه عن شيخ ثقة فيعمل المدلس الذي سمع الحديث من الثقة إلاول فيسقط منه شيخ شيخه
الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها
فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بإلاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا
يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضى عدم قوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل.
ومثال ذلك ما ذكره
أبو محمد بن أبى حاتم في كتاب العلل قال سمعت أبى وذكر الحديث الذي رواه إسحق بن
راهويه عن بقية قال حدثني أبو وهب إلاسدي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: "لا
تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه" فقال أبى إن هذا الحديث له أمر قل
من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحق بن أبى فروة عن نافع عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدى
فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن له حتى إذا ترك إسحق ابن أبى فروه من
الوسط لا يهتدي له قال وكان بقية من أفعل الناس لهذا انتهى.
وممن كان يصنع هذا
النوع من التدليس الوليد بن مسلم وحكي أيضا عن
______
إلاعمش وسفيان الثورى
فأما الوليد بن مسلم فحكى الدارقطنى عنه أنه كان يفعله وروينا عن أبى مسهر قال كان
الوليد ابن مسلم يحدث بأحاديث إلاوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وروينا عن صالح
جزرة قال سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث إلاوزاعي
قال كيف قلت تروى عن إلاوزاعي عن نافع وعن إلاوزاعي عن الزهري وعن إلاوزاعي عن
يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين إلاوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر إلاسلمى وبينه
وبين الزهري إبراهيم ابن مرة وقرة قال أنبل إلاوزاعي أن يروى عن مثل هؤلاء قلت فإذا
روى عن هؤلاء وهم ضعفاء احاديث مناكير فاسقطتهم أنت وصيرتها من رواية إلاوزاعي عن
الثقات ضعف إلاوزاعي فلم يلتفت إلى قولي.
وأما إلاعمش والثوري
فقال الخطيب في الكفاية كان إلاعمش والثوري وبقية يفعلون مثل هذا والله أعلم.
قال شيخنا الحافظ أبو
سعيد العلائى في كتاب جامع التحصيل وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا
وشرها أنتهى.
قلت ومما يلزم منه من
الغرور الشديد أن الثقة إلاول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويكون المدلس قد صرح
بسماعه من هذا الشيخ الثقة وهو كذلك فتزول تهمة تدليسه فيقف الواقف على هذا السند
فلا يرى فيه موضع علة لأن المدلس صرح باتصاله والثقة إلاول ليس مدلسا وقد رواه عن
ثقة آخر فيحكم له بالصحة وفيه ما فيه من إلافة التي ذكرناها وهذا قادح فيمن تعمد
فعله والله أعلم.
"قوله" وهو أن يروى عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن
عاصره ولم يلقه إلى آخر كلامه هكذا حد المصنف القسم إلاول من قسمى التدليس اللذين ذكرهما
وقد حده غير واحد من الحفاظ بما هو أخص من هذا وهو أن يروى عمن قد سمع منه ما لم
يسمعه منه غير أن يذكر أنه سمعه منه هكذا حده الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد
الخالق البزار في جزء له في معرفة من يترك حديثه أو يقبل وكذا حده الحافظ أبو
الحسن بن محمد بن عبد الملك بن القطان في معرفة كتاب بيان الوهم
أما القسم إلاول:
فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذما له. فروينا عن الشافعي إلامام
رضي الله عنه أنه قال: التدليس أخو الكذب. وروينا عنه أنه قال: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس.
وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير ثم اختلفوا في قبول
رواية من عرف بهذا التدليس: فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك
وقالوا: لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين.
______
وإلايهام قال ابن
القطان والفرق بينه وبين إلارسال هو أن إلارسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى.
ويقابل هذا القول في
تضييق حد التدليس القول إلاخر الذى حكاه ابن عبد البر في التمهيد أن التدليس أن
يحدث الرجل بما لم يسمعه قال ابن عبد البر وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد لا
مالك ولا غيره وما ذكره المصنف في حد التدليس هو المشهور بين أهل الحديث وإنما
ذكرت قول البزار وابن القطان كيلا يغتر بهما من وقف عليهما فيظن موافقة أهل هذا
الشان لذلك والله أعلم.
"قوله"
أما القسم إلاول فمكروه جدا ثم قال ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس
فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين
السماع أو لم يبين والصحيح التفصيل وان ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه
السماع وإلاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه ثم قال وأما القسم الثانى فأمره أخف
انتهى كلامه وفيه أمور:
أحدها أن المصنف أجرى
الخلاف في الثقة المدلس وان صرح بالسماع وقد ادعى أبو الحسن بن القطان نفي الخلاف
فيه فذكر في كتابه بيان الوهم وإلايهام أن يحيى ابن أبى كثير كان يدلس وأنه ينبغى
أن يجرى في معنعنه الخلاف ثم قال أما إذا صرح بالسماع فلا كلام فيه فإنه ثقة حافظ
صدوق فتقبل منه ذلك بلا خلاف انتهى كلامه والمشهور ما ذكره المصنف من إثبات الخلاف
فقد حكاه الخطيب في الكفاية عن
والصحيح التفصيل: وأن
مارواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع وإلاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه.
وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول محتج به
وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا: كقتادة
وإلاعمش والسفيانين وهشام بن بشير وغيرهم وهذا لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب
من إلايهام بلفظ محتمل والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجراه الشافعي
رضي الله عنه فيمن عرفناه دلس مرة والله أعلم.
_________
فريق من الفقهاء
وأصحاب الحديث وهكذا حكاه غيره والمثبت للخلاف مقدم على النافي له والله أعلم.
الامر الثانى: أن
المصنف ذكر أن ما لم يبين فيه المدلس إلاتصال حكمه حكم المرسل فاقتضى كلامه أن من
يقبل المرسل يقبل معنعن المدلس وليس ذلك قول جميع من يحتج بالمرسل بل بعض من يحتج
بالمرسل يرد معنعن المدلس لما فيه من التهمة كما حكاه الخطيب في الكفاية فقال إن
جمهور من يحتج بالمرسل يقبل خبر المدلس بل زاد النووى على هذا فحكى في شرح المهذب
إلاتفاق على أن المدلس لا يحتج بخبره إذا عنعن وهذا منه إفراط وكان الذى أوقع
النووى في ذلك ما ذكره البيهقى في المدخل وابن عبد البر في التمهيد مما يدل على
ذلك أما البيهقى فإنه حكى عن الشافعى وسائر أهل العلم أنهم لا يقبلون عنعنة المدلس
وأما ابن عبد البر فإنه لما ذكر في مقدمة التمهيد الحديث المعنعن وأنه يقبل بشروط ثلاثة
قال إلا أن يكون الرجل معروفا بالتدليس فلا يقبل حديثه حتى يقول حدثنا أو سمعت قال
فهذا ما لا أعلم فيه أيضا خلافا انتهى كلامه.
وما ذكر من إلاتفاق
لعله محمول على اتفاق من لا يحتج بالمرسل خصوصا عبارة البيهقي فإن لفظ سائر قد
تطلق ويراد به الباقى لا الجميع والخلاف في كلام غيرهما وممن حكاه الحاكم في كتاب
المدخل فإنه قسم الصحيح إلى عشر أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فذكر من
الخمسة المختلف فيها المراسيل وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا سماعاتهم إلى آخر
كلامه وحكى الخلاف أيضا الحافظ أبو بكر الخطيب في
وأما القسم الثاني:
فأمره أخف وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله
وأهليته ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله على ذلك كون
شيخه الذي غير سمته غير ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة
دونه أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب إلاكثار من
ذكر شخص واحد على صورة واحدة وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين منهم الخطيب أبو
بكر فقد كان لهجا به في تصانيفه والله أعلم.
النوع الثالث عشر:
معرفة الشاذ:روينا عن يونس بن عبد إلاعلى قال: قال الشافعي رحمه الله: ليس الشاذ
من
_________
كتاب الكفاية فحكى عن
خلق كثير من أهل العلم أن خبر المدلس مقبول قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون
مرسلا والله أعلم.
إلامر الثالث: أن
المصنف بين الحكم فيمن عرف بالقسم إلاول من التدليس ولم يبين الحكم في القسم
الثانى وإنما قال إن أمره أخف فأردت بيان الحكم فيه للفائدة وقد جزم أبو نصر بن
الصباغ في كتاب العدة أن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد
أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب إلا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط
في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه مإلا يعرفه هو وان كان لصغر سنه فيكون ذلك
رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه والله أعلم.
النوع الثالث عشر:
معرفة الشاذ.
قوله أما ما حكم
الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه غير شاذ مقبول وأما ما حكيناه عن غيره
فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث "إنما إلاعمال بالنيات"
فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد
به عمر عن علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى
الحديث أن يروي الثقة
ما لا يروي غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس.
_______
ابن سعيد على ما هو
الصحيح عند أهل الحديث انتهى.
وقد اعترض عليه
بأمرين:
أحدهما: أن الخليلى
والحاكم إنما ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرقان.
وإلامر الثانى: أن
حديث النية لم ينفرد عمر به بل رواه أبو سعيد الخدرى وغيره عن النبى صلى الله عليه
وسلم فيما ذكره الدارقطنى وغيره انتهى ما اعترض به عليه.
والجواب عن إلاول أن
الحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة والخليلى إنما ذكر مطلق الراوى فيرد على إطلاقهما تفرد
العدل الحافظ ولكن الخليلى يجعل تفرد الراوى الثقة شاذا صحيحا وتفرد الراوى غير
الثقة شاذا ضعيفا والحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة فيدخل فيه تفرد الثقة الحافظ فلذلك
استشكله المصنف وعن الثانى أنه لم يصح من حديث أبى سعيد ولا غيره سوى عمر وقد أشار
المصنف إلى أنه قد قيل ان له غير طريق عمر بقوله على ما هو الصحيح عند أهل الحديث
فلم يبق للاعتراض عليه وجه ثم ان حديث أبى سعيد الذى ذكره هذا المعترض صرحوا بتغليط
ابن أبى داود الذى رواه عن مالك.
وممن وهمه في ذلك
الدارقطنى وغيره وإذ قد اعترض عليه في حديث عمر هذا فهلا اعترض عليه في الحديث
الذى بعده فقد ذكر المصنف أنه أوضح في التفرد من حديث عمر وهو حديث عبد الله بن دينار
عن ابن عمر في النهى عن بيع الولاء وعن هبته كما سيأتى.
ومما يستغرب حكايته
في حديث عمر أنى رأيت في المستخرج من أحاديث الناس لعبد الرحمن بن منده أن حديث
إلاعمال بالنيات رواه سبعة عشر من الصحابة وأنه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة
غير محمد بن إبراهيم وعن محمد بن إبراهيم غير يحيى
وحكى الحافظ أبو يعلى
الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز. ثم قال: الذي عليه
حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة.
فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.
وذكر الحاكم أبو عبد
الله الحافظ: أن الشاذ هو الحديث الذي يتفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع
لذلك الثقة. وذكر: أنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة
الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك.
قلت: أما ما حكم
الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول.
وأما ما حكيناه عن
غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: إنما إلاعمال بالنيات فإنه
حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم تفرد به
عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو
الصحيح عند أهل الحديث.
______
ابن سعيد وقد بلغنى
أن الحافظ أبا الحجاج المزي سئل عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت
كلام ابن مندة المذكور فوجدت أكثر الصحابة الذين ذكر حديثهم في الباب إنما لهم
أحاديث أخرى في مطلق النية لحديث يبعثون على نياتهم ولحديث لبس له من غزاته إلا ما
نوى ونحو ذلك وهكذا يفعل الترمذي في الجامع حيث يقول وفي الباب عن فلان وفلان فانه
لا يريد ذلك الحديث المعين وإنما يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في ذلك الباب وان
كان حديثا آخر غير الذى يرويه في أول الباب وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس
يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه الذى رواه في أول
الباب بعينه وليس إلامر على ما فهموه بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده
في ذلك الباب ثم إنى تتبعت إلاحاديث التي ذكرها ابن منده فلم أجد منها بلفظ حديث
ابن عمر أو قريبا من لفظه بمعناه إلا
وأوضح من ذلك في ذلك:
حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
الولاء وهبته. تفرد به عبد الله بن دينار وحديث مالك عن الزهري عن أنس: أن النبي
صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه مغفر. تفرد به مالك عن الزهري فكل هذه مخرجة
في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة. وفي غرائب الصحيح أشباه
لذلك غير قليلة. وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه
فيها أحد بأسانيد جياد. والله أعلم.
_________
حديثا لأبى سعيد
الخدري وحديثا لأبى هريرة وحديثا لأنس بن مالك وحديثا لعلى بن أبى طالب وكلها ضعيفة
ولذلك قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده بعد تخريجه لا يصح عن النبي صلى الله
عليه وسلم إلا من حديث عمر ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ولا عن علقمة إلا من حديث
محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من حديث يحيى بن سعيد والله أعلم.
وذكره المصنف بعد هذا
في النوع الحادي والثلاثين ونبسط الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله وأوضح من ذلك في
ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
بيع الولاء وهبته" تفرد به عبد الله بن دينار وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري فكل
هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد انتهى وفيه أمران أحدهما أن
الحديث إلاول وهو حديث النهى عن بيع الولاء وهبته قد روى من حديث عبد الله بن
دينار رواه الترمذي في كتاب العلل المفرد قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبى
الشوارب حدثنا يحيى بن سليم عن
فهذا الذي ذكرناه
وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس إلامر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به
الخليلي و الحاكم بل إلامر في ذلك على تفصيل نبيه فنقول:
إذا انفرد الراوي
بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك
وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو
أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا حافظا
موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح إلانفراد فيه كما فيما سبق من إلامثلة.
وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له
مزحزحا له عن حيز الصحيح.
ثم هو بعد ذلك دائر
بين مراتب متفاوتة بحسب الحال: فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط
المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف. وإن كان
بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ
المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
والثاني: الفرد الذي
ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة
والضعف والله أعلم.
__________
عبيد الله بن عمر عن
نافع عن عمر فذكره ثم قال والصحيح عن عبد الله بن دينار وعبد الله بن دينار قد
تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر ويحيى بن سليم أخطأ في حديثه وقال الترمذي أيضا في
الجامع أن يحيى بن سليم وهم في هذا الحديث قلت وقد ورد من غير رواية يحيى بن سليم
عن نافع رواه ابن عدي في الكامل فقال حدثنا عصمة ابن بجماك البخاري حدثنا إبراهيم
بن فهد حدثنا مسلم عن محمد بن دينار عن يونس
النوع الرابع عشر:
معرفة المنكر من الحديث:بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي الحافظ: أنه
الحديث الذي ينفرد به
_________
يعنى ابن عبيد عن
نافع عن ابن عمر فذكره أورده في ترجمه إبراهيم بن فهد ابن حكيم وقال لم أسمعه إلا
من عصمة عنه ثم قال وسائر أحاديث إبراهيم بن فهد مناكير وهو مظلم إلامر وحكى أيضا
أن ابن صاعد كان إذا حدثنا عنه يقول حدثنا إبراهيم بن حليم ينسبه إلى جده لضعفه
انتهى.
والجواب عن المصنف
أنه لا يصح أيضا إلا من رواية عبد الله بن دينار كما تقدم في حديث إلاعمال بالنيات
والله أعلم.
وإلامر الثانى أن حديث
المغفر قد ورد من عدة طرق غير طريق مالك من رواية ابن أخى الزهري وأبى أويس عبد
الله بن عبد الله بن أبى عامر ومعمر وإلاوزاعي كلهم عن الزهري فأما رواية أخى
الزهري عنه فرواها أبو بكر البزار في مسنده وأما رواية أبى أويس فرواها ابن سعد في
الطبقات وابن عدى في الكامل في ترجمة أبى أويس وأما رواية معمر فذكرها ابن عدى في
الكامل وأما رواية إلاوزاعي فذكرها المزي في إلاطراف وقد بينت ذلك في شرح الترمذي.
وروى ابن مسدى في معجم
شيوخه أن أبا بكر بن العربى قال لأبى جعفر بن المرخى حين ذكر أنه لا يعرف إلا من
حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا
هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج لهم شيئا ثم تعقب ابن مسدى هذه الحكاية بأن شيخه فيها
وهو أبو العباس العشاب كان متعصبا على ابن العربي لكونه كان متعصبا على ابن حزم
فالله أعلم.
النوع الرابع عشر:
معرفة المنكر.
"قوله" المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فانه بمعناه منال إلاول
وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن على بن حسين عن عمر
الرجل ولا يعرف متنه
من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر.
فأطلق البرديجي ذلك
ولم يفصل و إطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير
من أهل الحديث والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ.
وعند هذا نقول:
المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه.
مثال إلاول وهو
المنفرد المخالف لما رواه الثقات: رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن
عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم
الكافر ولا الكافر المسلم" فخالف مالك غيره من الثقات في قوله: عمر بن عثمان
بضم العين.
وذكر مسلم صاحب
الصحيح في كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه: عمرو بن عثمان
يعني بفتح العين.
وذكر أن مالكا كان
يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه.
______
ابن عثمان عن أسامة
بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا
الكافر المسلم" فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين.
وذكر مسلم في كتاب
التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه عمرو ابن عثمان يعنى بفتح العين
إلى آخر كلامه حكم المصنف على حديث مالك هذا بأنه منكر ولم أجد من أطلق عليه اسم
النكارة ولا يلزم من تفرد مالك بقوله في الإسناد عمر أن يكون المتن منكرا فالمتن
على كل حال صحيح لأن عمر وعمرا كلاهما ثقة وقد ذكر المصنف مثل ما أشرت إليه في
النوع الثامن عشر أن من أمثلة ما وقفت العلة في إسناده
وعمرو وعمر جميعا ولد
عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم و غيره على مالك
بالوهم فيه والله أعلم.
ومثال الثاني وهو
الفرد الذي ليس في راويه من الثقة وإلاتقان ما يحتمل معه تفرده: مارويناه من حديث
أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى
ذلك غاظه ويقول عاش بن آدم حتى أكل الجديد بالخلق" . تفرد به أبو زكير وهو
شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده والله أعلم.
_________
من غير قدح في المتن
ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثورى عن عمرو بن دينار عن أبى عمر عن النبى
صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار" الحديث قال فهذا إسناد متصل
بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح.
قال والمتن على كل
حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر هكذا رواه إلائمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى ابن عبيد وعدل عن عبد الله بن
دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة انتهى كلامه فجعل الوهم في الإسناد بذكر ثقة
آخر لا يخرج ذلك المتن عن صحيحا فهكذا يجب أن يكون الحكم هنا على أنه قد اختلف على
مالك رحمه الله في قوله وعمر وعمرو فرواه النسائى في سننه من رواية عبد الله بن
المبارك وزيد بن الحباب ومعاوية بن هشام ثلاثتهم عن مالك فقالوا في روايتهم عمرو
بن عثمان كروايه بقية أصحاب الزهري لكن قال النسائى بعده والصواب من حديث مالك عن
عمر بن عثمان قال ولا نعلم أحدا تابع مالكا على قوله عمر بن عثمان انتهى.
وقال ابن عبد البر في
التمهيد أن يحيى بن بكير رواه عن مالك على الشك فقال فيه عن عمرو بن عثمان أو عمر
بن عثمان قال والثابت عن مالك عمر بن عثمان كما روى يحيى وتابعه القعنبى وأكثر
الرواة انتهى.
.
______
وقد خالف مالكا في
ذلك ابن جريج وسفيان بن عيينة وهشيم بن كثير ويونس ابن يزيد ومعمر بن راشد وابن
الهاد ومحمد بن أبى حفصة وغيرهم فقالوا عمرو وهو الصواب والله أعلم.
وقد رواه سفيان
الثورى وشعبة عن عبد الله بن عيسى عن الزهري فخالفا فيه الفريقين معا فأسقطا منه
ذكر عمرو بن عثمان وجعلاه من رواية على بن حسين عن أسامة والصواب رواية الجمهور
والله أعلم.
وإذا كان هذا الحديث
لا يصلح مثإلا للمنكر فلنذكر مثإلا يصلح لذلك وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة من
رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال "كان النبى صلى الله
عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه" قال أبو داود بعد تخريجه هذا حديث منكر.
قال وإنما يعرف عن
ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن "النبى صلى الله عليه وسلم أخذ
خاتما من ورق ثم ألقاه" وقال والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام وقال النسائى أيضا بعد
تخريجه هذا حديث غير محفوظ وأما قول الترمذي بعد تخريجه له هذا حديث حسن صحيح غريب
فإنه أحرى حكمه على ظاهر الإسناد.
وقول أبى داود
والنسائى أولى بالصواب إلا أنه قد ورد من غير رواية همام.
رواه الحاكم في
المستدرك والبيهقي في سننه من رواية يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه الحاكم على
شرط الشيخين وضعفه البيهقى فقال هذا شاهد ضعيف وكان البيهقى ظن أن يحيى بن المتوكل
هو أبو عقيل صاحب بهية وهو ضعيف عندهم وليس هو به وإنما هو باهلى يكنى أبا بكر
ذكره ابن حيان في الثقات ولا يقدح فيه قول ابن معين لا أعرفه فقد عرفه غيره وروى
عنه نحو من عشرين نفسا إلا انه اشتهر تفرد همام به عن ابن جريج والله أعلم.
"قوله"
عقد ذكر أبى زكير يحيى بن محمد بن قيس وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير
أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى.
النوع الخامس عشر:
معرفة إلاعتبار والمتابعات والشواهد:هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث
هل تفرد به راويه أو لا ؟ وهل هو معروف أو لا ؟
ذكر أبو حاتم محمد بن
حبان التميمي الحافظ رحمه الله: إن طريق إلاعتبار في إلاخبار مثاله: أن يروي حماد
بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم فينظر: هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين: فإن وجد علم أن للخبر
أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك: فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة. وإلا فصحابي غير أبي هريرة
رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا
فلا.
_______
ولم يخرج له مسلم
احتجاجا وإنما أخرج له في المتابعات وقد أطلق إلائمة عليه القول بالضعيف فقال يحيى
بن معين فيما روى عنه إسحق الكوسج ضعيف وقال أبو حاتم بن حبان لا يحتج به وقال
العقيلى لا يتابع على حديثه وأورد له ابن عدى أربعة أحاديث مناكير وأما قول المصنف
إنه شيخ صالح فأخذه من كلام أبى يعلى الخليلى فانه كذلك في كتاب إلارشاد والله أعلم.
النوع الخامس عشر:
معرفة إلاعتبار والمتابعات والشواهد.
"قوله" مثال المتابع والشاهد روينا من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن ديناد
عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لو
أخذوا فدبغوه فانتفعوا به" ورواه ابن جريج عن عمر وعن عطاء ولم يذكر فيه
الدباغ انتهى.
ورواية ابن جريج ليست
كرواية ابن عيينة فإن ابن جريج جعله من مسند ميمونة من رواية ابن عباس عنها لا من
مسند ابن عباس وقد رواه مسلم على الوجهين معا من طريق ابن عيينة فجعله من مسند ابن
عباس ومن طريق ابن جريج فجعله من مسند ميمونة وكلام المصنف يوهم اتفاقهما في السند
وأن إلاختلاف الذي
قلت: فمثال المتابعة
أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد فهذه المتابعة التامة فإن لم يروه أحد
غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة أو رواه غير أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا لكن يقصر عن
المتابعة إلاولى بحسب بعدها منها ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا فإن لم يرو ذلك الحديث
أصلا من وجه من الوجوه المذكورة لكن روي حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير
متابعة فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ. وينقسم
عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود كما سبق وإذا قالوا في مثل هذا: تفرد به أبو
هريرة وتفرد به عن أبي هريرة ابن سيرين وتفرد به عن ابن سيرين أيوب وتفرد به عن
أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعارا بانتفاء وجوه المتابعات فيه.
ثم اعلم: أنه قد يدخل
في باب المتابعة وإلاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء.
وفي كتاب البخاري و مسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد وليس كل
ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا
يعتبر به وقد تقدم التنبيه على نحو ذلك والله أعلم.
مثال للمتابع
والشاهد: روينا من حديث سفيان وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن
ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أخذوا
__________
بينهما في ذكر الدباغ
وإذ لم يتفق ابن عيينة وابن جريج في الإسناد فلنذكر مثإلا اتفق الراويان له على
إسناده وأختلفا في ذكر الدباغ وهو ما رواه البيهقي من رواية إبراهيم بن نافع
الصايغ عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس ولم يذكر الدباغ والله أعلم.
إهابها فدبغوه
فانتفعوا به" ورواه بن جريج عن عمرو عن عطاء ولم يذكر فيه الدباغ فذكر الحافظ
أحمد البيهقي لحديث ابن عيينة متابعا وشاهدا: أما المتابع: فإن أسامة بن زيد تابعه
عن عطاء. وروى بإسناده عن أسامة عن عطاء عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "إلا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعم به" وأما الشاهد: فحديث
عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيما إهاب دبغ فقد طهر" . والله أعلم.
النوع السادس عشر:
معرفة زيادات الثقات وحكمها:وذلك فن لطيف تستحسن العناية به. وقد كان أبو بكر بن
زياد النيسابوري و أبونعيم الجرجاني و أبو الوليد القرشي إلائمة مذكورين بمعرفة زيادات
إلالفاظ الفقهية في إلاحاديث.
ومذهب الجمهور من
الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر: أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا
تفرد بها سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه
______
النوع السادس عشر:
معرفة زيادات الثقات.
"قوله" مثاله ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من
المسلمين" فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من
المسلمين وروى عبيد الله ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون
هذه الزيادة انتهى.
وكلام الترمذي هذا
ذكره في العلل التي في آخر الجامع ولم يصرح بتفرد مالك بها مطلقا فقال ورب حديث
إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث وإنما يصح إذا كانت
ناقصا مرة ورواه مرة
أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا
خلافا لمن رد من أهل
الحديث ذلك مطلقا وخلافا لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره. وقد قدمنا عنه حكايته
عن أكثر أهل الحديث فيما إذا وصل الحديث قوم وأرسله قوم: أن الحكم لمن أرسله مع أن
وصله زيادة من الثقة.
وقد رأيت تقسيم ما
ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام:
أحدها : أن يقع
مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ
الثاني : أن لا
تكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره. كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة
ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فهذا مقبول.
وقد ادعى الخطيب فيه
اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله في نوع الشاذ
الثالث : ما يقع بين
هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظه في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث.
______
الزيادة ممن يعتمد
على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس فذكر الحديث ثم قال وزاد مالك في هذا الحديث من
المسلمين وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من إلائمة هذا الحديث عن نافع عن
ابن عمر ولم يذكروا فيه: من المسلمين.
وقد روى بعضهم عن
نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه انتهى كلام الترمذي فلم يذكر التفرد
مطلقا عن مالك وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك ثم صرح بأنه رواه غيره عن نافع ممن
لم يعتمد على حفظه فأسقط المصنف آخر كلامه وعلى كل تقدير فلم ينفرد مالك بهذه
الزيادة بل تابعه عليها جماعة من الثقات ابنه عمر بن نافع والضحاك ابن عثمان وكثير
بن فرقد ويونس بن يزيد والمعلى بن إسماعيل وعبد الله بن عمر العمرى واختلف في
زيادتها على أخيه عبيد الله بن عمر العمرى وعلى أيوب أيضا.
فأما رواية ابنه عمر
بن نافع فأخرجها البخاري في صحيحه من رواية إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن ابيه
فقال فيه من المسلمين وأما رواية الضحاك بن عثمان
مثاله: ما رواه مالك
عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على
كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذي: أن مالكا تفرد من
بين الثقات بزيادة قوله: من المسلمين وروى عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما هذا
الحديث: عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من إلائمة واحتجوا
بها منهم الشافعي و أحمد رضي الله عنهم والله أعلم.
______
فأخرجها مسلم في
صحيحه من رواية ابن أبى فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع فقال فيه أيضا من
المسلمين.
وأما رواية كثير بن
فرقد فأخرجها الدارقطنى في سننه والحاكم في المستدرك من رواية الليث بن سعد عن
كثير بن فرقد عن نافع فقال فيها أيضا من المسلمين وقال الحاكم بعد تخريجه هذا حديث
صحيح على شرطهما ولم يخرجاه انتهى وكثير بن فرقد احتج به البخاري ووثقه ابن معين
وأبو حاتم.
أما رواية يونس بن يزيد
فأخرجها أبو جعفر الطحاوى في بيان المشكل من رواية يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد
أن نافعا أخبره فذكر فيه أيضا من المسلمين وأما رواية المعلى بن إسماعيل فأخرجها
ابن حبان في صحيحه والدارقطنى في سننه من رواية أرطاة بن المنذر عن المعلى بن
إسماعيل عن نافع فقال فيه عن كل مسلم وأرطاة وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وغيرهما والمعلى بن إسماعيل قال فيه أبو حاتم الرازى ليس بحديثه بأس صالح الحديث
لم يرو عنه غير أرطاة وذكره ابن حبان في الثقات.
وأما رواية عبد الله
بن عمر فأخرجها الدارقطنى في سننه من رواية روح وعبد الوهاب فرقهما كلاهما عن عبد
الله بن عمر عن نافع فقال فيه على كل مسلم وقد رواه أبو محمد بن الجارود في
المنتقى فقرن بينه وبين مالك فرواه من طريق ابن وهب قال حدثني عبد الله بن عمر
ومالك وقال فيه من المسلمين وأما إلاختلاف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب
فقد ذكرته في شرح الترمذي والله أعلم.
ومن أمثلة ذلك حديث:
جعلت لنا إلارض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا. فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد
بن طارق إلاشجعي وسائر الروايات لفظها: وجعلت لنا إلارض مسجدا وطهورا
فهذا وما أشبهه يشبه
القسم إلاول من حيث: إن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي
ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم ويشبه أيضا القسم الثاني من
حيث: إنه لا منافاة بينهما.
وأما زيادة الوصل مع
إلارسال: فإن بين الوصل وإلارسال من المخالفة نحو ما ذكرناه ويزداد ذلك بأن
إلارسال نوع قدح في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل.
ويجاب عنه: بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم والزيادة ههنا مع من وصل والله
أعلم.
______
"قوله"
ومن أمثلة ذلك حديث جعلت لنا إلارض مسجدا وجعل تربتها لنا طهورا فهذه الزيادة تفرد
بها أبو مالك سعد بن طارق إلاشجعي وساير الروايات لفظها وجعلت لنا إلارض مسجدا وطهورا
انتهى.
وإنما تفرد أبو مالك
إلاشجعي بذكر تربة إلارض في حديث حذيفة كما رواه مسلم في صحيحه من رواية أبى مالك
إلاشجعي عن ربعي عن حذيفة وقد اعترض على المصنف بأنه يحتمل أن يريد بالتربة إلارض
من حيث هى أرض لا التراب فلا يبقى فيه زيادة ولا مخالفة لمن أطلق في سائر الروايات.
والجواب أن في بعض
طرقه التصريح بالتراب كما في رواية البيهقى وجعل ترابها لنا طهورا ولم يتقدم من
المصنف ذكر لحديث حذيفة وإنما أطلق كون هذه اللفظة تفرد بها أبو مالك فلذلك أحببت
أن أذكر أنها وردت من رواية غيره من حديث على وذلك فيما رواه أحمد في مسنده من
رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن على إلاكبر أنه سمع على بن أبى طالب
رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أعطيت ما لم يعطه
أحد من إلانبياء" فذكر الحديث وفيه "وجعل التراب لى طهورا" وهذا
إسناد حسن وقد رواه البيهقى أيضا في سننه من هذا الوجه.
النوع السابع عشر:
معرفة إلافراد:وقد سبق بيان المهم من هذا النوع في إلانواع التي تليه قبله لكن
أفردته بترجمة كما أفرده الحاكم أبو عبد الله. ولما بقي منه فنقول:
إلافراد منقسمة إلى
ما هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة أما إلاول فهو ما ينفرد به واحد
عن كل أحد وقد سبقت أقسامه وأحكامه قريبا وأما الثاني: وهو ما هو فرد بالنسبة فمثل
ما ينفرد به ثقة عن كل ثقة. وحكمه قريب من حكم القسم إلاول ومثل ما يقال فيه: هذا
حديث تفرد به أهل مكة أو: تفرد به أهل الشام أو: أهل الكوفة أو: أهل خراسان عن
غيرهم. أو: لم يروه عن فلان غير فلان وإن كان مرويا من وجوه عن غير فلان أو: تفرد
به البصريون عن المدنيين أو: الخراسانيون عن المكيين وما أشبه ذلك ولسنا نطول بأمثلة ذلك فإنه
مفهوم دونها.
وليس في شيء من هذا
ما يقتضي الحكم بضعف الحديث إلا أن يطلق قائل قوله: تفرد به أهل مكة أو: تفرد به
البصريون عن المدنيين أو: نحو ذلك على ما لم يروه إلا واحد من أهل مكة أو واحد من
البصريين ونحوه ويضيفه إليهم كما يضاف فعل الواحد من القبيلة إليها مجازا. وقد فعل
الحاكم أبو عبد الله هذا فيما نحن فيه فيكون الحكم فيه على ما سبق في القسم إلاول
والله أعلم.
النوع الثامن عشر:
معرفة الحديث المعلل:ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في
باب القياس: العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة.
_________
النوع الثامن عشر:
معرفة الحديث المعلل.
"قوله"
ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة
والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة انتهى.
اعلم: أن معرفة
علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة
والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه.
فالحديث المعلل هو:
الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهرة السلامة منها
ويتطرق ذلك إلى
الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر.
ويستعان على إدراكها
بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على
إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك
بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه.
_________
وقد تبعه عليه الشيخ
محيى الدين النووي فقال في مختصره إنه لحن واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل
اللغة منهم قطرب فيما حكاه اللبلي والجوهري في الصحاح والمطر زى في المغرب انتهى
والجواب عن المصنف أنه لا شك في أنه ضعيف وان حكاه بعض من صنف في إلافعال كابن القوطية
وقد أنكره غير واحد من أهل اللغة كابن سيدة والحريري وغيرهما.
فقال صاحب المحكم
واستعمل أبو إسحق لفظه المعلول في المتقارب من العروض ثم قال والمتكلمون يستعملون
لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا قال وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج لأن
المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب سيبويه من قولهم
مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته وإن لم يستعملا في الكلام استغنى
عنهما بأفعلت.
قالوا وإذ قالوا جن
وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل كما قالوا وفسل انتهى كلامه وأنكره أيضا
الحريرى في درة الغواص.
وكل ذلك مانع ممن
الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه.
وكثيرا ما يعللون
الموصول بالمرسل مثل: أن يجيء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى
من إسناد الموصول ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه.
قال الخطيب أبو بكر:
السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر
بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في إلاتقان والضبط.
وروى عن علي بن
المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه ثم قد تقع العلة في إسناد
الحديث وهو ألأكثر وقد تقع في متنه ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد
والمتن جميعا كما في التعليل بإلارسال والوقف. وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من
غير قدح في صحة المتن.
فمن أمثلة ما وقعت
العلة في إسناده من غير قدح في المتن: ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري
عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان
بالخيار" الحديث. فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح
والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله: عن عمرو بن دينار إنما
_________
قلت وإلاحسن أن يقال
فيه معل بلام واحدة لا معلل فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء
وشغله به من تعليل الصبي بالطعام وأما بلام واحدة فهو ألأكثر في كلام أهل اللغة
وفي عبارة أهل الحديث أيضا لأن أكثر عبارات أهل الحديث في الفعل أن يقولوا أعله فلان
بكذا وقياسه معل وتقيقال فيه معل بلام واحدة لا معلل فإن الذي بلامين يستعمله أهل
اللغة دم قول صاحب المحكم أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل وقال الجوهري لا
أعلك الله أي لا أصابك بعلة انتهى.
والتعبير بالمعلول
موجود في كلام كثير من أهل الحديث في كلام الترمذي في
هو عن عبد الله بن
دينار عن ابن عمر هكذا رواه إلائمة من أصحاب سفيان 54 عنه. فوهم
يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة.
ومثال العلة في
المتن: ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله
الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا ألأكثرين إنما قالوا فيه:
فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة وهو
الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح و رأوا أن من رواه باللفظ المذكور
رواه بالمعنى الذي وقع له. ففهم من قوله: كانوا يستفتحون بالحمد لله أنهم كانوا لا يبسملون فرواه
على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة
وليس فيه تعرض لذكر التسمية.
_________
جامعه وفي كلام الدارقطنى
وأبى أحمد بن عدى وأبى عبد الله الحاكم وأبى يعلى الخليلي ورواه الحاكم في التاريخ
وفي علوم الحديث أيضا عن البخاري في قصة مسلم مع البخاري وسؤاله عن حديث ابن جريج
عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا: "من جلس
مجلسا فكثر فيه لغطه" الحديث فقال البخاري هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا
في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل حدثنا
وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله قال البخاري هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى
بن عقبة سماعا من سهيل فقام إليه مسلم وقبيل يده قلت هكذا أعل الحاكم في علومه هذا
الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون
القصار راويها عن مسلم فقد تكلم فيه وهذا الحديث قد صححه الترمذي وابن حبان
والحاكم ويبعد أن البخاري يقول إنه لا يعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث
مع أنه قد ورد من حديث جماعة من الصحابة غير أبى هريرة وهم أبو برزة إلاسلمي ورافع
بن خديج وجبير بن مطعم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو
وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وعائشة وقد بينت هذه الطرق كلها في تخريج أحاديث
إلاحياء للغزالي والله أعلم.
قوله ومثال العلة في
المتن ما انفرد مسلم بإخراجه من حديث أنس من اللفظ
_________
المصرح بنفي قراءة
بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا ألأكثرين إنما
قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر
البسملة إلى آخر كلامه وربما يعترض معترض على المصنف بأنك قدمت أن ما أخرجه أحد
الشيخين البخاري أو مسلم مقطوع بصحته فكيف يضعف هذا وهو فيما أودعه مسلم كتابه
وأيضا فلم تعين من أعله حتى ينظر محله من العلم وما حكيته عن قوم لم تسمهم أنهم
أعلوه معارض بقول أبى الفرج بن الجوزي في التحقيق عقب حديث أنس هذا أن إلائمة
أتفقوا على صحته والجواب عن ذلك أن المصنف لما قدم إنما أخرجه أحد الشيخين مقطوع
بصحته قال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره
انتهى كلام المصنف فقد استثنى أحرفا يسيرة وهذا منها وقد اعله جماعة من الحفاظ
الشافعى والدارقطنى وابن عبد البر رحمهم الله ولنذكر كلامهم في ذلك ليتضح ما أعلوه
به فأما كلام الشافعى رحمه الله فقد ذكره عنه البيهقى في كتاب معرفة السنن وإلاثار
وأنه قاله في سنن حرملة جوابا لسؤال أورده وصورة السؤال فإن قال قائل قد روى مالك
عن حميد عن أنس قال صليت وراء أبى بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم قال قال الشافعى قل له خالفه سفيان بن عيينة والقفزارى والثقفي وعدد
لقيتهم سبعة أو ثمانية مؤمنين مخالفين له قال والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد
ثم رجح روايتهم بما رواه عن سفيان عن أيوب عن قتادة عن أنس قال: "كان النبى صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" قال
الشافعى يعنى يبدأون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ولا يعنى أنهم يتركون بسم
الله الرحمن الرحيم.
وحكى الترمذي في
جامعه عن الشافعى قال إنما معنى هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر
وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين معناه أنهم كانوا يبتدئون
بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة وليس معناه أنهم كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمن
الرحيم انتهى.
وما أوله به الشافعى
مصرح به في رواية الدارقطنى فكانوا يستفتحون بأم القرآن
_______
فيما يجهر به قال
الدارقطنى هذا صحيح وقال الدارقطنى أيضا إن المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس أنهم
كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ليس فيه تعرض لنفي البسملة وكذا قال
البيهقى إن أكثر أصحاب قتادة رووه عن قتادة كذلك قال وهكذا رواه اسحق بن عبد الله
بن أبى طلحة وثابت البنانى عن أنس انتهى.
وأما تضعيف ابن عبد
البر له بإلاضطراب فإنه قال في كتاب إلاستذكار اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا
مضطربا متدافعا منهم من يقول صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر
ومنهم من يذكر عثمان ومن لا يذكر فكانوا لا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم ومنهم
من قال فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وقال كثير منهم كانوا يفتتحون
القراءة بالحمد لله رب العالمين وقال بعضهم فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم
وقال بعضهم كانوا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم قال وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة
لأحد من الفقهاء الذين يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم والذين لا يقرأونها وقال ابن
عبد البر أيضا في كتاب إلانصاف في البسملة بعد أن رواه من رواية أيوب وشعبة وهشام
الدستوائى وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبى عروبة وأبى عوانة فهؤلاء حفاظ أصحاب
قتادة ليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط بسم الله الرحمن الرحيم من أول
فاتحة الكتاب أنتهى.
فهذا كلام أئمة
الحديث في تعليل هذا الحديث فكيف يقول ابن الجوزى إن إلائمة اتفقوا على صحته أفلا يقدح
كلام هؤلاء في إلاتفاق الذى نقله وقد رأيت أن أبين علل الرواية التي فيها نفي
البسملة من حيث صيغة الإسناد فأقول قد ذكر ترك البسملة في حديث أنس من ثلاثة طرق
وهى رواية حميد عن أنس ورواية قتادة عن أنس ورواية اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة
عن أنس فأما رواية حميد فقد تقدم أن مالكا رواها في الموطأ عنه وأن الشافعى رضى
الله عنه تكلم فيها لمخالفة سبعة أو ثمانية من شيوخه في ذلك وأيضا فقد ذكر ابن عبد
البر في كتاب إلانصاف ما يقتضى انقطاعه بين حميد وأنس فقال ويقولون إن أكثر رواية
حميد عن أنس أنه سمعها من قتادة عن أنس
______
وقد ورد التصريح بذكر
قتادة بينهما فيما رواه ابن أبى عدى عن حميد عن قتادة عن أنس فآلت رواية حميد إلى
رواية قتادة وأما رواية مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم حدثنا إلاوزاعي عن قتادة
أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال صليت خلف النبى صلى الله عليه
وسلم وأبى بكر وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله
الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها فقد بين إلاوزاعي في روايته أنه لم يسمعه
من قتادة وإنما كتب إليه به والخلاف في صحة الرواية بالكتابة معروف وعلى تقدير
صحتها فأصحاب قتادة الذين سمعوه منهم أيوب وأبو عوانة وغيرهما لم يتعرضوا لنفي
البسملة كما تقدم وأيضا ففي طريق مسلم الوليد ابن مسلم وهو مدلس وإن كان قد صرح
بسماعه من إلاوزاعي فإنه يدلس تدليس التسوية أى يسقط شيخ شيخه الضعيف كما تقدم
نقله عنه نعم لمسلم من رواية شعبة عن قتادة عن أنس فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم
الله الرحمن الرحيم ولا يلزم من نفي السماع عدم الوقوع بخلاف الرواية المتقدمة.
وأما رواية إسحق بن
عبد الله بن أبى طلحة فهى عند مسلم أيضا ولم يسبق لفظها وإنما ذكرها بعد رواية
إلاوزاعي عن قتادة عن انس فقال حدثنا محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم عن
إلاوزاعي أخبرنى إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك
فاقتضى أيراد مسلم لهذه الرواية أن لفظها مثل الرواية التي قبلها وليس كذلك فقد
رواها ابن عبد البر في كتاب إلانصاف من رواية محمد بن كثير قال حدثنا إلاوزاعي
فذكرها بلفظ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد رب العالمين ليس فيها تعرض لنفي البسملة
موافقا لرواية ألأكثرين وهذا موافق لما قدمنا نقله عن البيهقى من أن رواية إسحق بن
عبد الله عن أنس لهذا الحديث كرواية أكثر أصحاب قتادة أنه ليس فيها تعرض لنفي
البسملة فقد اتفق ابن عبد البر والبيهقي على مخالفة رواية اسحق للرواية التي فيها
نفي البسملة وعلى هذا فما فعله مسلم رحمه الله هنا ليس بجيد لأنه أحال بحديث على
آخر وهو مخالف له بلفظ فذكر ذلك لم يقل نحو ذلك ولا غيره فإن كانت الرواية التي
وقعت لمسلم لفظها كالتي قبلها التي احال عليها فترجح رواية بن عبد البر عليها لأن
رواية مسلم من طريق الوليد بن مسلم عن إلاوزاعي معنعنا ورواية
وانضم إلى ذلك أمور
منها: أنه ثبت عن أنس: أنه سئل عن إلافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
ثم اعلم: أنه قد يطلق
اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي إلاسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال
الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل.
ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك
من أنواع الجرح. وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث.
ثم إن بعضهم أطلق اسم
العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة
الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو
صحيح شاذ والله أعلم.
_______
ابن عبد البر من طريق
محمد بن كثير حدثنا إلاوزاعي وصرح بلفظ الرواية فهى أولى بالصحة ممن اتهم اللفظ
وفي طريقه مدلس عنعنه والله أعلم.
"قوله"
وأنضم إلى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن إلافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا
يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
وقد اعترض ابن عبد البر
في إلانصاف على هذا الحديث بأن قال من حفظه عنه حجة على من سأله في حال نسيانه
واعترض ابن الجوزى في التحقيق على هذا الحديث بأنه ليس في الصحاح فلا يعارض ما في
الصحاح انتهى.
والجواب عن إلاول ما
أجاب به أبو شامة في تصنيفه في البسملة بأنهما مسألتان فسؤال قتادة عن إلاستفتاح
بأى سورة وفي صحيح مسلم أن قتادة قال نحن سألناه عنه قال أبو شامة وسؤال أبى مسلمة
لأنس وهو هذا السؤال إلاخير عن البسملة وتركها انتهى.
ولو تمسكنا بما اعترض
به ابن عبد البر من أن من حفظه عنه حجة على من سأله في حالة نسيانه لقلنا قد حفظ
عنه قتادة وصفه لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم البسملة كما رواه البخاري في
صحيحه من طريقين عن قتادة عن أنس قال سئل أنس
_________
ابن مالك كيف كانت
قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم
يمد "بسم الله ويمد الرحمن يمد الرحيم" وهذا إسناد لا شك في صحته.
وقال الدارقطنى بعد
تخريجه هذا حديث صحيح وكلهم ثقات وقال الحازمى هذا حديث صحيح لا يعرف له علة وفيه
دلالة على الجهر مطلقا وإن لم يقيد بحالة الصلاة فيتناول الصلاة وغير الصلاة قال
أبو شامة وتقرير هذا أن يقال لو كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف في
الصلاة وخارج الصلاة لقال أنس لمن سأله عن أى قراءتيه لسأل عن التي في الصلاة أم التي
خارج الصلاة فلما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف في ذلك وحيث أجاب بالبسملة دون
غيرها من آيات القرآن دل على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في
قراءته ولولا ذلك كان أنس أجاب الحمد لله رب العالمين أو غيرها من إلايات قال وهذا
واضح.
قال ولنا أن نقول
الظاهر أن السؤال لم يكن إلا عن قراءته في الصلاة فإن الراوى قتادة وهو راوى حديث
أنس ذاك وقال فيه نحن سألناه عنه انتهى.
ولم تختلف على قتادة
في حديث البخاري هذا بخلاف حديث مسلم فاختلف فيه عليه كما بيناه وما لم يختلف فيه
أولى عند الترجيح بحصول الضبط فيه والله أعلم.
والجواب عن الثانى
وهو قول ابن الجوزى ليس في الصحاح أنه إن كان المراد أنه ليس في واحد من الصحيحين
فهو كما ذكر ليس في واحد منهما ولكن لا يلزم من كونه ليس في واحد من الصحيحين أن
لا يكون صحيحا لأنهما لم يستوعبا إخراج الصحيح في كتابيهما وإن أراد ليس في كتاب
التزم مخرجه الصحة فليس بجيد فقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من رواية أبى مسلمة
سعيد بن يزيد قال سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح
بالحمد لله رب العالمين أو بسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألنى عن شيء ما
أحفظه وما سألنى عنه أحد قبلك.
وقال الدارقطنى بعد
تخريجه هذا إسناد صحيح قال البيهقى في المعرفة في هذا دلالة على أن مقصود أنس ما
ذكره الشافعى انتهى.
وإن أراد ابن الجوزى
بقوله إنه ليس في الصحاح أى ليس في أحد الصحيحين
النوع التاسع عشر:
معرفة المضطرب من الحديث:المضطرب من الحديث: هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه
بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت
الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها إلاخرى: بأن يكون راويها أحفظ أو
أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا
يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه.
ثم قد يقع إلاضطراب
في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع ذلك من راو واحد وقد يقع بين رواة له
جماعة وإلاضطراب موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط والله أعلم.
ومن أمثلته: ما
رويناه عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث
_________
فلا يكون فيه قوة
المعارضة لما في أحد الصحيحين وإن كان أيضا صحيحا في نفسه لأنه يرجح عند التعارض
بالأصح منهما فيقدم ما في الصحيحين.
والجواب عن هذا إن
كان اراده من وجهين أحدهما أن هذا إذا اتضحت المعارضة ولم يمكن الجمع فاما مع
إمكان الجمع فلا يهمل واحد من الحديثين الصحيحين وقد تقدم حمل من حمله من الحفاظ
على أن المراد بحديث الصحيحين إلابتداء بالفاتحة لا نفي البسملة وبه يصح الجمع
والوجه الثانى إنه إنما يرجح بما في أحد الصحيحين على ما في غيرهما من الصحيح حيث
كان ذلك الصحيح مما لم يضعفه إلائمة فأما ما ضعفوه كهذا الحديث فلا يقدم على غيره
لخطإ وقع من بعض والله أعلم.
قوله حكاية عن بعضهم
ومن أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول انتهى.
أبهم المصنف قائل ذلك
وهو الحافظ أبو يعلى الخليلى فقال في كتاب إلارشاد إن إلاحاديث على أقسام كثيرة
صحيح متفق عليه وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه إلى آخر كلامه.
النوع التاسع عشر:
معرفة المضطرب.
"قوله"
ومن أمثلته ما رويناه عن إسماعيل بن أمية عن أبى عمر بن محمد بن حريث
عن جده حريث عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلى: "إذا لم يجد عصا ينصبها
بين يديه فليخط خطا" فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم عن إسماعيل هكذا.
ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه حميد بن
إلاسود عن إسماعيل عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليم عن أبيه عن أبي هريرة.
ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسماعيل عن أبي عمرو بن حريث عن جده حريث. وقال عبد
الرزاق: عن ابن جريج: سمع إسماعيل عن حريث بن عمار عن أبي هريرة وفيه من إلاضطراب
أكثر مما ذكرناه والله أعلم.
________
عن جده حريث عن أبى
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلى "إذا لم يجد عصا ينصبها بين
يديه فليخط خطا" فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم بن إسماعيل هكذا ورواه
سفيان الثورى عنه عن أبى عمرو بن حريث من أبيه عن أبى هريرة ورواه حميد بن إلاسود
عن إسماعيل عن أبى عمرو بن محمد بن حريث بن سليم عن أبيه عن أبى هريرة ورواه وهيب
وعبد الوارث عن إسماعيل عن أبى عمرو بن حريث عن جده حريث,.
وقال عبد الرزاق عن
ابن جريج سمع إسماعيل عن حريث بن عمار عن أبى هريرة وفيه من إلاضطراب أكثر مما
ذكرناه انتهى.
وفيه أمور أحدها أنه
قد اعترض عليه بأنه ذكر أولا أنه إنما يسمى مضطربا إذا تساوت الروايتان فأما إذا
ترجحت إحداهما فلا يسمى مضطربا وهذا قد رواه الثورى وهو أحفظ من ذكرهم فينبغى أن
ترجح روايته على غيرها ولا تسميه مضطربا وأيضا فإن الحاكم وغيره صحح الحديث
المذكور.
والجواب أن الوجوه التي
يرجح بها متعارضة في هذا الحديث فسفيان الثورى وان كان أحفظ من سماه المصنف فإنه
انفرد بقوله أبى عمرو بن حريث عن أبيه وأكثر الرواة يقولون عن جده وهم بشر بن
المفضل وروح بن القاسم ووهيب بن خالد وعبد الوارث
.
_______
ابن سعيد وهؤلاء من
ثقات البصريين وأثبتهم ووافقهم على ذلك من حفاظ الكوفيين سفيان بن عيينة وقولهم
أرجح لوجهين أحدهما الكثرة والثاني أن إسماعيل بن أمية مكي وابن عيينة كان مقيما
بمكة ومما يرجح به كون الراوي عنه من أهل بلده وبكثرة الرواة أيضا وخالف الكل ابن
جريج وهو مكي أيضا ومولى آل خالد بن سعيد إلاموي وإسماعيل بن أمية هو ابن عمرو بن
سعيد إلاموي المذكور فيقتضى ذلك ترجيح روايته فتعارضت حينئذ الوجوه المقتضية
للترجيح وانضم إلى ذلك جهالة راوي الحديث وهو شيخ إسماعيل بن أمية فإنه لم يرو عنه
فيما علمت غير إسماعيل بن أمية مع هذا إلاختلاف في اسمه واسم أبيه وهل يرويه عن
أبيه أو عن جده أو هو نفسه عن أبى هريرة وقد حكي أبو داود في سننه تضعيفه عن ابن عيينة
فقال قال سفيان لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجئ إلا من هذا الوجه وقد ضعفه
أيضا الشافعي والبيهقي.
وقول من ضعفه أولى
بالحق من تصحيح الحاكم له مع هذا إلاضطراب والجهالة براويه والله أعلم.
وقد ذكره النووي في
الخلاصة في فصل الضعيف وقال قال الحفاظ هو ضعيف لاضطرابه.
الامر الثاني: أن قول
المصنف في رواية حميد بن إلاسود عن أبيه فيه نظر والذي قاله حميد عن جده كما رواه
ابن ماجه في سننه قال حدثنا بكر بن خلف أبو بشر قال حدثنا حميد بن إلاسود وحدثنا
عمار بن خالد حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن أبى عمرو بن محمد بن
عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم عن أبى هريرة فذكره ولكن المصنف اعتمد على رواية
البيهقى فإنه فيها من رواية حميد عن إسماعيل عن أبى عمرو بن محمد بن حريث عن أبيه
عن أبى هريرة فأما أن يكون قد اختلف فيه على حميد بن إلاسود في قوله عن أبيه أو عن
جده أو يكون ابن ماجه قد حمل رواية حميد ابن إلاسود على رواية سفيان بن عيينة ولم
يبين إلاختلاف الذي بينهما كما يقع في إلاسانيد علي أنه قد اختلف فيه أيضا على ابن
عيينة كما سيأتي في إلامر الذي يليه.
النوع العشرون: معرفة
المدرج في الحديث:وهو أقسام:
منها: ما أدرج
في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو: من
بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاما من عند نفسه فيرويه من بعده موصولا بالحديث
غير فاصل بينهما بذكر قائله فيلتبس إلامر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال ويتوهم
أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
________
إلامر الثالث: المصنف
أشار إلى غير ذلك من إلاضطراب فرأيت أن اذكر ما رأيت فيه من إلاختلاف مما لم يذكره
المصنف وقد رواه أيضا عن إسماعيل بن أمية سفيان بن عيينة وذواد بن علبة فأما سفيان
بن عيينة فاختلف عليه فيه فرواه محمد بن سلام البيكى عن سفيان بن عيينة كرواية بشر
وروح المتقدمة وهكذا رواه على بن المدينى عنه فيما رواه البخاري في غير الصحيح عن
ابن المدينى واختلف فيه على بن المدينى كما سيأتى ورواه مسدد عن سفيان كرواية
سفيان الثورى المتقدمة ورواه الشافعى والحميدى عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبى
محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث العذرى.
ورواه عمار بن خالد
عن ابن عيينة فقال عن أبى عمرو محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم رواه ابن
ماجه عن عمارة وقد نقدم وأما إلاختلاف على ابن المدينى فيه فرواه البخاري في غير الصحيح
عنه عن ابن عيينة كما تقدم ورواه أبو داود في سننه عن محمد بن يحيى بن فارس عن ابن
المدينى عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبى محمد ابن عمرو بن حريث عن جده حريث رجل من
بنى عذرة وأما ذواد بن علبة فقال عن إسماعيل بن أمية عن أبى عمرو بن محمد عن جده
حريث بن سليمان وقال أبو زرعة الدمشقى لا نعلم أحدا بينه ونسبه غير ذواد بن علبة
انتهى.
قلت وقد نسبه ابن
عيينة أيضا في رواية ابن ماجه إلا أنه قال ابن سليم كما تقدم والله أعلم.
النوع العشرون: معرفة
المدرج.
"قوله" وهو أقسام منها ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام
بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاما من عند
ومن أمثلته المشهورة:
ما رويناه في التشهد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن
مخيمرة عن علقمة عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه
التشهد في الصلاة فقال: "قل: التحيات لله" فذكر التشهد وفي آخره: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
رسول الله فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد" .
هكذا رواه أبو خيثمة
عن الحسن بن الحر فأدرج في الحديث قوله: فإذا قلت هذا إلى آخره وإنما هذا من كلام
ابن مسعود لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الدليل عليه: أن الثقة
الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن رواية الحسن بن الحر كذلك. واتفق حسين
الجعفي وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكر هذا الكلام في
آخر الحديث. مع اتفاق كل من
_________
نفسه إلى آخر كلامه
هكذا اقتصر المصنف في هذا في هذا القسم من المدرج على كونه عقب الحديث وقد ذكر
الخطيب في بعض المدرجات ما ذكر في أول الحديث أو في وسطه فمثال المدرج في أوله ما
رواه الخطيب باسناده من رواية أبى قطن وشبابه فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن
أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب
من النار" .
قال الخطيب وهم أبو
قطن عمرو بن هيثم وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه
وذلك أن قوله: "اسبغوا الوضوء" كلام أبى هريرة وقوله ويل للأعقاب من
النار من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال وقد رواه أبو
داود الطيالسى وذهب ابن جرير وآدم بن أبى إياس وعاصم بن على وعلى بن الجعد وغندر
وهشيم ويزيد بن زريع والنضر بن شميل ووكيع وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ كلهم عن
شعبة وجعلوا الكلام الأول من قول أبى هريرة والكلام الثانى مرفوعا قلت وهكذا رواه
البخارى في صحيحه عن آدم بن أبى أياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال
اسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
روى التشهد عن علقمة
وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك ورواه شبابة عن أبي خيثمة ففصله أيضا.
ومن أقسام المدرج: أن
يكون متن الحديث عند الراوي له بإسناد إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد ثان فيدرجه
من رواه عنه على الإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني ويروي جميعه بالإسناد الأول.
مثاله: حديث بن عيينة
وزائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر: في صفة صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وفي آخره: أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب.
والصواب: رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة الصلاة خاصة وفصل ذكر رفع
إلايدي عنه فرواه عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر.
ومنها: أن يدرج في
متن حديث بعض متن حديث آخر مخالف للأول في الإسناد مثاله: رواية سعيد بن أبي مريم
عن مالك عن الزهري عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا
ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا" الحديث.
فقوله: لا تنافسوا
أدرجه ابن أبي مريم من متن حديث آخر رواه مالك عن أبي الزناد عن إلاعرج عن أبي
هريرة فيه: لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا. والله أعلم.
ومنها أن يروي الراوي
حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده فلا يذكر إلاختلاف بل تدرج روايتهم على
الإتفاق.
مثاله: رواية
عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي عن الثوري عن منصور وإلاعمش وواصل إلاحدب
عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن
مسعود قلت: يا رسول
الله أي الذنب أعظم؟ الحديث. وواصل إنما رواه عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر
عمرو بن شرحبيل بينهما والله أعلم.
واعلم: أنه لا يجوز تعمد
شيء من الإدراج المذكور. وهذا النوع قد صنف فيه الخطيب أبو بكر كتابه الموسوم ب
الفصل للوصل المدرج في النقل فشفي وكفي والله أعلم.
النوع الحادي
والعشرون: معرفة الموضوع:وهو المختلق المصنوع اعلم: أن الحديث الموضوع شر الأحاديث
الضعيفة.
________
قال ويل للاعقاب من
النار ومثال المدرج في وسطه ما رواه الدارقطنى في سننه من رواية عبد الحميد بن
جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفعه فليتوضأ" .
قال الدارقطنى كذا
رواه عبد الحميد عن هشام ووهما في ذكر الأنثيين والرفع وإدراجه ذلك في حديث بسرة
قال والمحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع قال وكذلك رواه الثقات عن هشام منهم
أيوب السخستيانى وحماد بن زيد وغيرهما ثم رواه من رواية أيوب ففصل قول عروة من
المرفوع وقال الخطيب في كتابه المذكور تفرد عبد الحميد بذكر الانثيين والرفعين
وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول أبى عروة فأدرجه
الراوى في متن الحديث وقد بين ذلك حماد وأيوب قلت ولم ينفرد به عبد الحميد كما قال
الخطيب فقد رواه الطبرانى في المعجم الكبير من رواية يزيد بن زريع عن أيوب عن هشام
بلفظ إذا أمس أحدكم ذكره أو انثييه أو رفعه فيتوضأ وزاد الدارقطنى فيه أيضا ذكر
الأنثيين من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة وقد ضعف بن
دقيق العيد في الاقتراح الحكم بالادراج على ما وقع في أثناء لفظ الرسول صلى الله
عليه وسلم معطوفا بواو العطف والله أعلم.
النوع الحادى
والعشرون: معرفة الموضوع.
قوله اعلم أن الحديث
الموضوع شر الأحاديث الضعيفة انتهى
ولا تحل روايته لأحد
علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه. بخلاف غيره من إلاحاديث الضعيفة
التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب على ما نبينه
قريبا إن شاء الله تعالى.
وإنما يعرف كون الحديث
موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره. وقد يفهمون الوضع من قرينة حال
الراوي أو المروي فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها.
ولقد أكثر الذي جمع
في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه
وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة.
والواضعون للحديث
أصناف وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا
فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركونا إليهم. ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف
عوارها ومحو عارها والحمد لله.
وفيما روينا عن
الإمام أبي بكر السمعاني: أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب
والترهيب.
________
وقد تقدم قول المصنف
إن ما عدمت فيه صفات القبول فهو أرذل الأقسام والصواب ما ذكره هنا أن الموضوع شرها
وتقدم التنبيه على ذلك.
"قوله"
وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره انتهى.
وقد استشكل الشيخ تقي
الدين بن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه لأن فيه
عملا فقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع فقال في الاقتراح هذا كاف في رده لكن ليس
بقاطع في كونه موضوعا لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه انتهى.
ثم إن الواضع: ربما
صنع كلاما من عند نفسه فرواه وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء أو غيرهم فوضعه على
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربما غلط غالط فوقع
في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث: "من كثرت
صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".
مثال: روينا عن
أبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم أنه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في
فضائل القرآن سورة سورة ؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه
أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة.
_______
وقول الشيخ أو ما
يتنزل منزله إقراره هو كان يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخا يعلم
وفاة ذلك الشيخ قبله ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده فهذا لم يعترف بوضعه ولكن
اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره بالوضع لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا عند ذلك
الشيخ ولا يعرف إلا برواية هذا الذي حدث به والله أعلم.
"قوله"
وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث من كثرت
صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار انتهى.
هذا الحديث أخرجه ابن
ماجه في سننه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت ابن موسى الزاهد عن شريك عن
الأعمش عن أبى سفيان عن جابر مرفوعا من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار والغلط
الذي أشار المصنف هو ما ذكره الحاكم قال دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبد الله
القاضي والمستملى بين يديه وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال:
"من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" وإنما أراد ثابتا لزهده وورعه
فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعا بهذا الإسناد فكان ثابت يتحدث به عن شريك وقال
أبو حاتم بن حبان في تاريخ الضعفاء هذا قول شريك قاله عقيب حديث الأعمش عن أبى
سفيان عن جابر: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم" .
_________
فأدرجه ثابت في الخبر
وسرقه منه جماعة ضعفاء وحدثوا به عن شريك فجعله ابن حبان من نوع المدرج وقد اعترض
بعض المتأخرين على المصنف بأنه وجد الحديث من غير رواية ثابت ابن موسى فذكر من
معجم ابن جميع قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الرقي حدثنا أبو الحسن محمد بن هشام
بن الوليد حدثنا جبارة بن المغلس عن كثير بن سليم عن أنس بالحديث مرفوعا انتهى.
وهذا الاعتراض عجيب
فإن المصنف لم يقل إنه لم يرو إلا من طريق ثابت ومع ذلك فهذا الطريق التى اعترض بها
هذا المعترض أضعف من طريق ثابت بن موسى لضعف كل من كثير بن سليم وجبارة بن المغلس
وبدء أمر هذا الحديث قصة ثابت مع شريك وقد سرقه جماعة من الضعفاء فحدث به بعضهم عن
شريط وبعضهم جعل له إسنادا آخر كذا الحديث قال العقيلى في الضعفاء في ترجمة ثابت
بن موسى حديث باطل لا أصل له ولا يتابعه عليه ثقة وقال ابن عدى في الكامل حديث
منكر لا يعرف إلا بثابت وسرقه منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحير وعبد الله بن شبرمه
الشريكى وإسحق ابن بسر الكاهلى وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسى.
قال وحدثنا بعض
الضعفاء عن رحمويه وكذب فإن رحمويه ثقة انتهى.
ولو اعترض هذا
المعترض بواحد من هؤلاء الذين تابعوا ثابت بن موسى عليه كان أقل خطأ من اعتراضه
بطريق جبارة والحديث له طرق كثير جمعها أبو الفرج بن الجوزى في كتاب العلل
المتناهية وبين ضعفها والله أعلم.
وقول المصنف في هذا
الحديث أنه شبه الوضع حسن إذ لم يضعه ثابت بن موسى وإن كان ابن معين قد قال فيه
أنه كذاب نعم بقية الطريق التى سرقها من سرقها موضوعة ولذلك جزم أبو حاتم الرازى
بأنه موضوع فيما حكاه ابنه أبو محمد في العلل والله أعلم.
وهكذا حال الحديث
الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة
فسورة. بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه وإن أثر الوضع
لبين عليه. ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم
والله أعلم.
النوع الثاني
والعشرون: معرفة المقلوب:هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك
غريبا مرغوبا فيه. وكذلك: ما روينا أن البخاري رضي الله عنه قدم بغداد فاجتمع قبل مجلسه
قوم من أصحاب الحديث وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا
الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه فلما
فرغوا من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة التفت إليهم فرد كل متن إلى إسناده وكل
إسناد إلى متنه فأذعنوا له بالفضل.
ومن أمثلته ويصلح
مثالا للمعلل: ما رويناه عن إسحاق بن عيسى الطباع. قال:
_______
"قوله" وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبى بن كعب عن النبي صلى الله
عليه وسلم في فضل القرآن سورة سورة بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه
وجماعة وضعوه انتهى أبهم المصنف ذكر هذا الباحث الذي بحث عن هذا الحديث وهو مؤمل
بن إسماعيل فروينا عن مؤمل أنه قال حدثني شيخ بهذا الحديث فقلت للشيخ من حدثك فقال
حدثني رجل بالمداين وهو حي فسرت إليه فقلت من حدثك فقال حدثني شيخ بواسط وهو حي
فصرت إليه فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه فقال حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه
فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني
فقلت يا شيخ من حدثك فقال لم يحدثني أحد ولكننا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن
فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن.
حدثنا جرير بن حازم
عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا
حتى تروني" قال إسحاق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال: وهم
أبو النضر إنما كنا جميعا في مجلس ثابت البناني وحجاج بن أبي عثمان معنا فحدثنا
حجاج الصواب: عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" . فظن
أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس أبو النضر هو جرير بن حازم والله اعلم.
فصل
قد وفينا بما سبق
الوعد بشرحه من إلانواع الضعيفة والحمد لله فلننبه إلان على أمور مهمة: أحدها: إذا
رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول هذا ضعيف وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف. وليس
لك أن تقول هذا ضعيف وتعني به ضعف متن الحديث بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد فقد يكون
مرويا بإسناد آخر صحيح يثبت بمثله الحديث. بل يتوقف جواز ذلك على حكم إمام من أئمة
الحديث بأنه لم يرو بإسناد يثبت به أو بأنه حديث ضعيف أو نحو هذا مفسرا وجه القدح
فيه. فإن أطلق ولم يفسر ففيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى فاعلم ذلك فإنه مما يغلط
فيه والله اعلم.
الثاني: يجوز عند أهل
الحديث وغيرهم التساهل في إلاسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع إلاحاديث
الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من
الحلال والحرام وغيرهما. وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل إلاعمال وسائر فنون الترغيب
والترهيب وسائر ما لا تعلق له بإلاحكام والعقائد.
وممن روينا عنه
التنصيص على التساهل في نحو ذلك: عبد الرحمن بن مهدي و أحمد بن حنبل رضي الله
عنهما.
الثالث : إذا أردت
رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كذا وكذا وما أشبه هذا من إلالفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك. وإنما
تقول فيه: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو: بلغنا عنه كذا وكذا
أو ورد عنه أو: جاء عنه أو: روى بعضهم وما أشبه ذلك.
وهكذا الحكم فيما تشك
في صحته وضعفه وإنما تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي
أوضحناه أولا والله اعلم.
النوع الثالث
والعشرون: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته وما يتعلق بذلك:من قدح وجرح
وتوثيق وتعديل.
أجمع جماهير أئمة
الحديث والفقه على: أنه يشترط فيمن يحتج بروايته: أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه. وتفصيله:
أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظا غير مغفل
حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن
_________
النوع الثالث
والعشرون: في معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته
"قوله" أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن
يكون عدلا ضابطا لما يرويه وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق
وخوارم المروءة إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأن المروءة لم يشترطها إلا الشافعي
وأصحابه وليس على ما ذ كره المعترض بل الذين لم يشترطوا على الإسلام مزيدا لم
يشترطوا ثبوت العدالة ظاهرا بل اكتفوا بعدم ثبوت ما ينافي العدالة فمن ظهر منه ما
ينافي العدالة
حدث من كتابه. وإن
كان يحدث بالمعنى: اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني والله أعلم.
ونوضح هذه الجملة بمسائل:
إحداها : عدالة
الراوي: تارة تثبت بتنصيص معدلين على عدالته وتارة تثبت بإلاستفاضة فمن اشتهرت
عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة وإلامانة
استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي رضي
الله عنه وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه.
وممن ذكر ذلك من أهل
الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ ومثل ذلك بمالك وشعبة والسفيانين والأوزاعي والليث
وابن المبارك ووكيع وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومن جري مجراهم
في نباهة الذكر و استقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم وإنما يسأل عن
عدالة من خفي أمره على الطالبين.
________
لم يقبلوا شهادته ولا
روايته وأما من اشترط العدالة وهم أكثر العلماء فاشترطوا في العدالة المروءة ولم
يختلف قول مالك وأصحابه في اشتراط المروءة في العدالة مطلقا وإنما تفترق العدالة
في الشهادة والعدالة في الرواية في اشتراط الحرية فإنها ليست شرطا في عدالة الرواية
بلا خلاف بين أهل العلم كما حكاه الخطيب في الكفاية وهى شرط في عدالة الشهادة عند
أكثر أهل العلم وقد ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني أن هذا مما تفترق فيه الشهادة
والرواية وتفترقان أيضا على قول في البلوغ فإن شهادة الصبي المميز غير مقبولة عند
أصحاب الشافعي والجمهور وأما خبره فاختلف تصحيح المتأخرين في مواضع فحكى النووي في
شرح المهذب عن الجمهور قبول أخبار الصبي المميز فيما طريقة المشاهدة بخلاف ما
طريقه النقل كالإفتاء ورواية الأخبار ونحوه وقد سبقه إلى ذلك المتولي فتبعه عليه.
وحكي الرافعي في
استقبال القبلة عن الأكثرين عدم القبول وجعل الخلاف أيضا في المميز ولكنه قيد
الخلاف في التيمم بالمراهق وصحح أيضا عدم القبول وتبعه عليه النووي والله تعالى
أعلم.
وتوسع ابن عبد البر
الحافظ في هذا فقال: كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على
العدالة حتى يتبين جرحه. لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف
عدوله" . وفيما قاله اتساع غير مرضي والله اعلم.
الثانية : يعرف كون الراوي
ضابطا بأن نعتبر روايته بروايات الثقاة المعروفين بالضبط وإلاتقان. فإن
وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في إلاغلب
والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا. وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا
اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه والله أعلم.
الثالثة : التعديل
مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها فإن
ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول: لم يفعل كذا لم يرتكب كذا فعل كذا وكذا فيعدد جميع
ما يفسق بفعله أو بتركه وذلك شاق جدا.
______
"قوله" وتوسع ابن عبد البر الحافظ في هذا فقال كل حامل علم معروف العناية به
فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم:
"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله" وفيما قاله اتساع غير مرض انتهى.
"فقوله" يحمل حكى فيه الرافع على الخبر والجزم على إرادة لام الأمر وعلى تقدير
كونه مرفوعا فهو خبر أريد به الأمر بدليل ما رواه أبو محمد بن أبى حاتم في مقدمة
كتاب الجرح والتعديل في بعض طرق هذا الحديث ليحمل هذا العلم بلام الأمر على أنه
ولو لم يرد ما يخلصه للأمر لما جاز حمله على الخبر لوجود جماعة من أهل العلم غير
ثقات ولا يجوز الحلف في خبر الصادق فيعين حمله على الأمر على تقدير صحه وهذا مما
يوهن استدلال ابن عبد البر به لأنه إذا كان الأمر فلا حجة فيه.
ومع هذا فالحديث أيضا
غير صحيح لأن أشهر طرق الحديث رواية معان بن رفاعة السلامى عن إبراهيم بن عبد
الرحمن عن النبى صلى الله عليه وسلم هكذا رواه بن أبى حاتم في مقدمة الجرح
والتعديل وابن عدى في مقدمة الكامل والعقيلى في تاريخ الضعفاء في ترجمه معان بن
رفاعة وقال إنه لا يعرف إلا به انتهى.
.
________
وهذا اما مرسل أو
معضل وإبراهيم هذا الذى أرسله لا يعرف شئ من العلم غير هذا قاله أبو الحسن في ابن
القطان في بيان الوهم والايهام قال ابن عدى ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم عن
إبراهيم بن عبد الرحمن العذرى قال حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ذلك انتهى.
ومعان أيضا ضعفه ابن
معين وأبو حاتم الرازى والجوزجانى وابن حبان وابن عدى نعم وثقه على بن المدينى
وكذلك حكى عن أحمد توثيقه والحكم بصحة الحديث فيما ذكره الخلال في العلل أن أحمد سئل
عن هذا الحديث فقيل له كأنه كلام موضوع فقال لا هو صحيح فقيل له ممن سمعته قال من
غير واحد قيل له من هم قال حدثنى به مسكين إلا أنه يقول عن معان عن القاسم بن عبد
الرحمن قال أحمد ومعان لا بأس به قال ابن القطان وخفي على أحمد من امره ما علمه
غيره ثم ذكر أقوال المضعفين له وقد روى هذا الحديث متصلا من رواية جماعة من
الصحابة على بن أبى طالب وابن عمر وأبى هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر بن سمرة
وأبى أمامة وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء وليس فيها شئ يقوى المرسل المذكور والله
أعلم.
وممن تبع ابن عبد
البر على اختيار ذلك من المتأخرين أبو عبد الله أبو بكر بن المواق فقال في كتابه
بغية النقاد أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك ومما يستغرب في
ضبط هذا الحديث أن ابن الصلاح حكى في فوائد الرحلة له أنه وجد بنيسابور في كتاب
يشتمل على مناقب بن كرام جمع محمد بن الهيصم قال فيه سمعت الشيخ أبا جعفر محمد بن
أحمد بن جعفر يقول سمعت أبا عمر ومحمد بن أحمد التميمى يروى هذا الحديث بإسناده
فيضم الياء من قوله يحمل على أنه فعل لم يسم فاعله ويرفع الميم من العلم ويقول من
كل خلف عدولة مفتوح العين واللام وبالتاء ومعناه أن الخلف هو العدالة بمعنى أنه
عادل كما يقال شكور بمعنى شاكر ويكون الهاء للمبالغة كما يقال رجل صرورة والمعنى
أن العلم يحمل عن كل خلف كامل في عدالته وأما أبو بكر المفيد فإنى قد حفظت عنه
يجعل مفتوح الفاء من كل خلف عدوله مضموم العين واللام مرفوعا هكذا نقلته من خط ابن
الصلاح في رحلته.
وأما الجرح فإنه لا
يقبل إلا مفسرا مبين السبب لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح فيطلق أحدهم
الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر فلا بد من بيان سببه لينظر
فيما هو جرح أم لا وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله.
وذكر الخطيب الحافظ:
أنه مذهب ألائمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل: البخاري ومسلم وغيرهما
ولذلك احتج البخاري
بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما وكإسماعيل بن
أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم.
واحتج مسلم بسويد بن
سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم.
وهكذا فعل أبو داود
السجستاني. وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه ومذاهب
النقاد للرجال غامضة مختلفة.
وعقد الخطيب بابا في
بعض أخبار من استفسر في جرحه فذكر ما لا يصلح جارحا.
منها عن شعبة أنه قيل
له: لم تركت حديث فلان ؟ فقال: رأيته يركض علي برذون فتركت حديثه
ومنها: عن مسلم بن
إبراهيم أنه سئل عن حديث الصالح المري
فقال: ما يصنع بصالح
؟ ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد والله أعلم.
_________
"قوله"
وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب إلى آخر كلامه ثم قال وهذا ظاهر
مقرر في الفقه وأصوله انتهى.
وقد حكى القاضي أبو
بكر عن الجمهور قبول جرح أهل العلم بهذا الشأن من غير بيان واختاره إمام الحرمين
وأبو بكر الخطيب والغزالي وابن الخطيب كما سيأتي في الجملة التي تلي هذه والله
أعلم.
قلت: ولقائل أن يقول:
إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في
الجرح أو في الجرح والتعديل. وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد
قولهم: فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك. أو: هذا حديث ضعيف وهذا حديث غير ثابت
ونحو ذلك. فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.
وجوابه: أن ذلك وإن
لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من
قالوا فيه مثل ذلك بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف.
_______
"قوله" ولقائل أن يقول إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب
التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو التعديل وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب بل
يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك إلى آخر السؤال.
والجواب الذي أجاب به
ومما يدفع هذا السؤال رأسا أو يكون جوابا عنه أن الجمهور إنما يوجبون البيان في
جرح من ليس عالما بأسباب الجرح والتعديل وأما العالم بأسبابهما فيقبلون جرحه من
غير تفسير وبيان ذلك أن الخطيب حكى في الكفاية عن القاضي أبى بكر الباقلاني أنه
حكى عن جمهور أهل العلم أنه إذا جرح من لا يعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك قال ولم
يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن قال القاضي أبو بكر والذي يقوى عندنا ترك
الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار المزكي عدلا
إلى آخر كلامه وما حكيناه عن القاضي أبى بكر هو الصواب.
وقد اختلف كلام
الغزالي في نقله عن القاضي فحكى عنه في المنخول أنه يوجب بيان الجرح مطلقا وحكي
عنه في المستصفي ما نقدم نقله عنه وهو الصواب فقد رواه الخطيب عنه بإسناده الصحيح
إليه وحكاه أيضا عنه الإمام فخر الدين الرازي والسيف الآمدي وقال أبو بكر الخطيب
في الكفاية بعد حكاية الخلاف على أنا نقول أيضا إن كان الذي يرجع إليه في الجرح
عدلا مرضيا في اعتقاده وأفعاله عارفا بصفة العدالة والجرح وأسبابهما عالما باختلاف
الفقهاء في ذلك قبل قوله فيمن جرحه مجملا ولا يسأل عن سببه وقال إمام
ثم من انزاحت عنه
الريبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه ولم نتوقف كالذين احتج بهم
صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم. فافهم ذلك فإنه مخلص حسن
والله أعلم.
الرابعة : اختلفوا في
أنه: هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو: لا بد من اثنين. فمنهم من قال: لا يثبت
ذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات. ومنهم من قال وهو الصحيح الذي اختاره
الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره أنه يثبت بواحد لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم
يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات والله أعلم.
الخامسة : إذا
اجتمع في شخص جرح وتعديل: فالجرح مقدم لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح
يخبر عن باطن خفي على المعدل. فإن كان عدد المعدلين أكثر: فقد قيل: التعديل أولى.
والصحيح والذي عليه الجمهور أن الجرح أولى لما ذكرناه والله أعلم.
________
الحرمين في البرهان
الحق أنه إن كان المزكي عالما بأسباب الجرح والتعديل أكتفينا بإطلاقه وإلا فلا وما
ذهب إليه الإمام في هذا اختاره أيضا أبو حامد الغزالي وفخر الدين الرازي والله
أعلم.
"قوله" اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لابد من اثنين
فمنهم من قالا لا يثبت ذلك إلا باثنين ذلك كما في الجرح والتعديل في الشهادات ومنهم
من قال وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره أنه يثبت بواحد إلى
آخر كلامه فيه أمران أحدهما أنه حكى عن الأكثرين خلاف ما صححه المصنف واختلف كلام
الناقلين لذلك عنهم فحكى الخطيب في الكفاية أن القاضي أبا بكر بن الباقلاني حكى عن
أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه لا يقبل في التزكية إلا اثنان سواء كانت
التزكية للشهادة أو للرواية.
السادسة : لا يجزي
التعديل على لإبهام من غير تسمية المعدل فإذا قال: حدثني الثقة أو نحو ذلك مقتصرا
عليه لم يكتف به فيما ذكره الخطيب الحافظ و الصيرفي الفقيه وغيرهما. خلافا لمن
اكتفي بذلك. وذلك: لأنه قد يكون ثقة عنده وغيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده
أو بالإجماع فيحتاج إلى أن يسميه حتى يعرف. بل إضرابه عن تسميته مريب يوقع في
القلوب فيه ترددا. فإن كان القائل لذلك عالما أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه
على ما اختاره بعض المحققين.
وذكر الخطيب الحافظ:
أن العالم إذا قال: كل من رويت عنه فهو ثقة وإن لم أسمه. ثم روى عن من يكون مزكيا له غير إنا لا نعمل بتزكيته هذه وهذا على ما قدمناه
والله أعلم.
السابعة : إذا روى
العدل عن رجل وسماه لم تجعل روايته عنه تعديلا منه له عند أكثر العلماء من أهل
الحديث وغيرهم.
وقال بعض أهل الحديث
وبعض أصحاب الشافعي: يجعل ذلك تعديلا منه له لأن ذلك يتضمن التعديل والصحيح هو
الأول لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل فلم يتضمن روايته عنه تعديله.
_______
وحكى السيف الآمدي
وأبو عمرو بن الحاجب عن الأكثرين التفرقة بين الشهادة والرواية ورجحه أيضا الإمام
فخر الدين والآمدي أيضا واختار القاضي أبو بكر بعد حكايته عن الأكثرين اشتراط
اثنين فيهما أنه يكتفي فيهما بواحد وأن هذا هو الذي يوجبه القياس وهو قول أبى حنيفة
وأبى يوسف.
الأمر الثاني أنه
يؤخذ من كلام المصنف من قوله بواحد أنه يكفي كون المزكي امرأة أو عبدا أو استدل
الخطيب في الكفاية على قبول تعديل المرأة بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم بريزة عن
عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك فقد اختلف الأصوليون في ذلك فحزم صاحب المحصول
بقول تزكية المرأة العدل والعبد العدل وحكى الخطيب في الكفاية عن القاضي أبى بكر
أنه حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه
وهكذا نقول: إن عمل العالم
أو فتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث. وكذلك مخالفته للحديث ليست
قدحا منه في صحته ولا راويه والله أعلم.
الثامنة : في رواية
المجهول وهو في غرضنا ههنا أقسام:
أحدها : المجهول
العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا. وروايته غير مقبولة عند الجماهير على ما
نبهنا عليه أولا.
__________
لا يقبل في التعديل
النساء لا في الرواية ولا في الشهادة ثم اختار القاضى أنه يقبل تزكية المرأة مطلقا
في الرواية والشهادة إلا تزكيتها في الحكم الذى لا تقبل شهادتها فيه.
قال القاضى وأما
العبد فيجب قبول تزكيته في الخبر دون الشهادة لأن خبره مقبول وشهادته مردودة.
ثم قال القاضى والذى
يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضى ذكر أو أنثى حر أو عبد لشاهد أو مخبر
انتهى.
"قوله"
وهكذا نقول إن عمل العالم أوفتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث
انتهى.
وقد تعقبه بعض من
اختصر كلامه وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب
غير ذلك الحديث إذا تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه واستشهد به عند العمل
بمقتضاه انتهى.
وفي هذا النظر نظر
لأنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس
أو اجماع ولا يكرم المفتى أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها ولعل له
دليلا آخر واستأنس بالحديث الوارد في الباب وربما كان المفتى أو الحاكم يرى العمل
بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس كما تقدم حكاية ذلك عن أبى داود أنه كان يرى
الحديث الضعيف إذا لم يرد في الباب غيره أولى من رأى
الثاني : المجهول
الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور فقد قال بعض أئمتنا:
المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنه. فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول وهو قول بعض
الشافعيين وبه قطع منهم الإمام سليم بن أيوب الرازي. قال: لأن أمر الإخبار مبني
على حسن الظن بالراوي. ولأن رواية الإخبار تكون عند من يعتذر عليه معرفة العدالة
في الباطن فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر. وتفارق الشهادة فإنها تكون عند
الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن.
قلت: ويشبه أن يكون
العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين
تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم والله أعلم.
______
الرجال وكما حكى عن
الإمام أحمد من أنه يقدم الحديث الضعيف على القياس وحل بعضهم هذا على أنه أريد
بالضعيف هنا الحديث الحسن والله أعلم.
"قوله"
الثاني المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور فقد قال
بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنة انتهى.
وهذا الذي أبهم
المصنف بقوله بعض أئمتنا هو أبو محمد البغوي صاحب التهذيب فهذا لفظه بحروفه فيه ويوافقه
كلام الرافعي في الصوم فإنه قال فيه إن العدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى
أقوال المزكين وحكى في الصوم أيضا في قبول رواية المستور وجهين من غير ترجيح وصحح
النووي في شرح المهذب قبول روايته نعم عبارة الشافعي رحمه الله في اختلاف الحديث
تدل على أن التي يحكم الحاكم بها هي العدالة الظاهرة فإنه قال في جواب سؤال أورده
فلا يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إذا كانا عدلين في الظاهر انتهى
الثالث : المجهول
العين وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين ومن روى عنه
عدلان وعيناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة.
ذكر أبو بكر الخطيب البغدادي
في أجوبة مسائل سئل عنها: أن المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم تعرفه العلماء
ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد. مثل: عمرو ذي مر وجبار الطائي وسعيد بن ذي
حدان لم يرو عنهم غير أبي إسحاق السبيعي. ومثل الهزهاز بن ميزن لا راوي عنه غير
الشعبي. ومثل جري بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة.
________
فعلى هذا تكون
العدالة الظاهرة هي التي يحكم الحاكم بها وهى التي تستند إلى أقوال المزكين خلاف
ما ذكره الرافعي في الصوم والله أعلم.
"قوله" ذكر أبو بكر الخطيب البغدادي في أجوبة مسائل سئل عنها أن المجهول عند أصحاب
الحديث هو كل من لم تعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو
ذي مر وحبار الطائي وسعيد بن ذى حدان لم يرو عنهم غير أبى إسحق السبيعي ومثل
الهزهاز ابن ميزن لا راوي عنه غير الشعبي ومثل جرى بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة
انتهى ثم تعقب المصنف كلام الخطيب فإنه قد روى عن الهزهاز الثورى أيضا انتهى.
وفيه أمور: أحدها: أن
الخطيب سمى والد هزهاز ميزن بالياء المثناة وتبعه المصنف والذى ذكره ابن أبى حاتم
في كتاب الجرح والتعديل أنه مازن بالألف وفي بعض النسخ بالياء ولعل بعضهم أماله في
اللفظ فكتب بالياء والله أعلم.
الثانى: أنه اعترض
على المصنف في قوله إن الثورى روى عنه فإن الثورى لم يرو عن الشعبى نفسه فكيف يروى
عن شيوخه وقد يقال لا يلزم من عدم روايته عن الشعبى عدم روايته عن الهزهاز ولعل
الهزهاز تأخر بعد الشعبى ويقوى ذلك أن ابن أبى حاتم ذكر في الجرح والتعديل أنه روى
عن الهزهاز هذا الجراح بن مليح والجراح اصغر من الثورى وتأخر بعده مدة سنين والله
أعلم.
________
الأمر الثالث ان
المصنف عزا ما ذكره عن الخطيب إلى أجوبة سئل عنها والخطيب ذكر ذلك بجملته مع زيادة
فيه في كتاب الكفاية والمصنف كثير النقل منه فأبعد النجعة في عزوه ذلك إلى مسائل
سئل عنها.
قال الخطيب في
الكفاية المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه
العلماء به ولم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذى مر وجبار الطائى وعبد
الله بن أعز الهندانى والهيثم بن حنيش ومالك بن أعز وسعيد ابن ذى حدان وقيس بن
كركم وخمر بن مالك قال وهؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أبى إسحق السبيعى ومثل سمعان
بن مشنج والهزهاز بن ميزن لا يعرف عنهما راو إلا الشعبى ومثل بكر بن قرواش وحلام
بن جزل لم يرو عنهما إلا أبو الطفيل عامر بن واثلة ومثل يزيد بن سحيم لم يرو عنه
إلا خلاس بن عمرو ومثل جرى بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة بن دعامة ومثل عمير بن إسحاق
لم يرو عنه سوى عبد الله بن عون وغير من ذكرنا انتهى كلام الخطيب.
وقد روى غير واحد من
بعض من ذكر منهم خمر بن مالك روى عنه أيضا عبد الله بن قيس وذكره ابن حبان في
الثقات الا أنه قال خمير مصغرا وقد ذكر الخلاف فيه في التصغير والتكبير ابن أبى
حاتم في الجرح والتعديل ومنهم الهيثم بن حنيش روى عنه أيضا سلمة بن كهيل فيما ذكره
أبو حاتم الرازى ومنهم بكر بن قرواش روى عنه أيضا قتادة كما ذكره البخارى في التاريخ
الكبير وابن حبان في الثقات وسمى ابن أبى حاتم أباه قريشا وقد فرق الخطيب بين عبد
الله بن أعز ومالك بن أعز كلاهما بالعين المهملة والزاى وجعلهما ابن ماكولا في
الإكمال واحدا وأنه اختلف في اسمه على أبى إسحاق والله أعلم.
وأما حلام فهو بفتح الحاء
المهملة وتشديد اللام وآخره ميم كذا ذكره الخطيب تبعا لابن أبى حاتم وأما البخارى
فإنه ذكره في التاريخ الكبير حلاب آخره باء موحدة ونسبه ابن أبى حاتم إلى الخطأ في
كتاب جمع فيه أوهامه في التاريخ وقال انما هو حلام أى بالميم وأما مشنج والد سمعان
فهو بضم الميم وفتح الشين المعجمة وفتح النون المشددة وآخره جيم.
قلت: قد روي عن الهز
هاز الثوري أيضا
قال الخطيب: وأقل ما
يرتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان من المشهورين بالعلم إلا أنه لا يثبت له
حكم العدالة بروايتهما عنه. وهذا مما قدمنا بيانه والله أعلم.
قلت: قد خرج البخاري
في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد منهم مرداس إلاسلمي لم يرو عنه قيس بن
أبي حازم. وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأ
سلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وذلك منهما مصير إلى
أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه. والخلاف في ذلك متجه
نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل على ما قدمناه والله أعلم.
التاسعة : اختلفوا في
قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته فمنهم من
_________
"قوله" قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد منهم مرداس الأسلمى
لم يرو عنه غير قيس بن أبى حازم وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي عنهم غير واحد
منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبى سلمة بن عبد الرحمن وذلك منهما مصير
إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه إلى آخر كلامه وفيه
أمور أحدها أنه قد اعترض عليه النووي بأن مرداسا وربيعة صحابيان والصحابة كلهم
عدول قلت لا شك أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول ولكن الشأن في أنه هل تثبت
الصحبة برواية واحد عنه أم لا تثبت إلا برواية اثنين عنه هذا محل نظر واختلاف بين
أهل العلم والحق أنه إن كان معروفا.
"قوله"
اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته إلى آخر كلامه وقد
رد روايته مطلقا لأنه
فاسق ببدعته. وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول يستوي في الفسق المتأول
وغير المتأول ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة
مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن.
وعزا بعضهم هذا إلى
الشافعي لقوله: أقبل شهادة أهل إلاهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون
الشهادة بالزور لموافقيهم وقال قوم: تقبل روايته إذا لم يكن داعية ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعته وهذا
مذهب الكثير أو ألأكثر من العلماء.
وحكى بعض أصحاب
الشافعي رضي الله عنه خلافا بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى
بدعته وقال: أما إذا كان داعية فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته.
وقال أبو حاتم بن حبان
البستي أحد المصنفين من أئمة الحديث: الداعية إلى البدع لا يجوز إلاحتجاج به عند
أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا وهذا المذهب
_________
قيد المصنف الخلاف
بغير من يكفر ببدعته مع أن الخلاف ثابت فيه أيضا قال صاحب المحصول الحق أنه إن
اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته وإلا فلا وذهب القاضى أبو بكر إلى رد روايته مطلقا
وحكاه الآمدى عن الأكثرين وبه جزم ابن الحاجب قوله وعزا بعضهم هذا إلى الشافعى
انتهى.
أراد المصنف ببعضهم
الحافظ أبا بكر الخطيب فإنه عزاه للشافعى في كتاب الكفاية.
"قوله" وحكى بعض أصحاب الشافعى رضى الله عنه خلافا بين أصحابه في قبول رواية المبتدع
إذا لم يدع إلى بدعته وقال أما إذا كان داعية إلى بدعته فلا خلاف بينهم في عدم
قبول روايته ثم حكى عن ابن حبان أنه لا يعلم خلافا في أنه لا يجوز الاحتجاج
بالداعية انتهى.
الثالث أعدلها
وأولاها والأول بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن
المبتدعة غير الدعاة.
وفي الصحيحين كثير من
أحاديثهم في الشواهد والأصول والله أعلم.
العاشرة : التائب
من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من الكذب
متعمدا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا تقبل روايته أبدا وإن حسنت
توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم منهم: أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وأطلق الإمام أبو بكر
______
قلت: وابن
حبان الذى حكى المصنف كلامه قد حكى أيضا الاتفاق على الاحتجاج بغير الداعية فعلى
هذا لا يكون في المسألة خلاف بين أئمة الحديث فقال ابن حبان في تاريخ الثقات في
ترجمة جعفر بن سليمان الضبعى ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتيقن
إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعى إلى بدعته
سقط الاحتجاج بأخباره وفيما حكاه ابن حبان من الاتفاق نظر فإنه يروى عن مالك رد
روايتهم مطلقا كما قاله الخطيب في الكفاية.
"قوله"
فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم
في الشواهد والأصول انتهى.
وقد اعترض عليه
بأنهما احتجا أيضا بالدعاة فاحتج البخارى بعمران بن حطان وهو من دعاة الشراة واحتج
الشيخان بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحمانى وكان داعية إلى الإرجاء كما قال أبو
داود انتهى.
قلت قال أبو داود ليس
في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران ابن حطان وأبا حسان الأعرج ولم يحتج
مسلم بعبد الحميد الحمانى إنما أخرج له في المقدمة وقد وثقه ابن معين.
"قوله"
التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من
الكذب متعمدا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: وأطلق
الصيرفي الشافعي فيما
وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي فقال: كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه
عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر.
ومن ضعفنا نقله لم
نجعله قويا بعد ذلك وذكر أن ذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة.
وذكر الإمام أبو
المظفر السمعاني المروزي أن من ذكر في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه وهذا
يضاهي من حيث المعنى ما ذكره الصيرفي. والله أعلم.
الحادية عشرة: إذا
روى ثقة عن ثقة حديثا وروجع المروي عنه فنفاه فالمختار أنه إن كان جازما بنفيه بأن
قال ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان والجاحد هو الأصل فوجب رد
حديث فرعه ذلك ثم لا يكون ذلك جرحا له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضا في
ذلك وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا أما إذا قال المروي
عنه: لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه ومن روى
حديثا ثم نسيه: لم يكن ذلك مسقطا للعمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء
والمتكلمين خلافا لقوم من أصحاب أبي حنيفة صاروا إلى
_________
الإمام أبو بكر
الصيرفي الشافعى فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعى فقال كل من أسقطنا خبره من أهل
النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر إلى آخر كلامه فذكر المصنف أن
أبا بكر الصيرفي أطلق الكذب أى فلم يخصه بالكذب في الحديث والظاهر أن الصيرفي إنما
أراد الكذب في الحديث بدليل قوله من أهل النقل وقد قيده بالمحدث فيما رأيته في
كتابه المسمى بالدلائل والاعلام فقال وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت
الكذب فهو كاذب في الأول ولا يقبل خبره بعد ذلك.
إسقاطه بذلك. وبنوا
عليه ردهم: حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل" الحديث. من
أجل أن ابن جريج قال: لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه.
وكذا حديث ربيعة
الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى
بشاهد ويمين فإن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: لقيت سهيلا فسألته عنه فلم يعرفه.
والصحيح ما عليه الجمهور لأن المروي عنه
________
قوله وبنوا عليه ردهم
حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل" الحديث من أجل أن ابن
جريج قال لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه انتهى.
وقد اعترض عليه بأن
في رواية الترمذي فسألته عنه فأنكره والجواب عنه أن الترمذي لم يروه وإنما ذكره
بغير إسناد والمعروف في الكتب المصنفة في العلل فلم يعرفه كما ذكره المصنف ومع هذا
فلا يصح هذا عن ابن جريج لا بهذا اللفظ ولا بهذا اللفظ فبطل تعلق من تعلق بذلك في
رد الحديث.
أما كون الترمذي لم
يوصل إسناده فإنه رواه متصلا عن ابن أبى عمر عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن
سليمان بن موسى ثم قال وقد تكلم بعض أهل الحديث في حديث الزهري عن عروة عن عائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره فضعفوا
هذا الحديث من أجل هذا وأما كونه معروفا في كتب العلل باللفظ الذي ذكره المصنف
فهكذا هو في سؤالات عباس الدوري عن ابن معين وفي العلل لأحمد وأما كونه لا يصح عن
ابن جريج فروينا في السنن الكبرى للبيهقي بالسند الصحيح إلى أبى حاتم الرازي سمعت
أحمد بن حنبل يقول وذكر عنده أن ابن علية يذكر حديث ابن جريج: "لا نكاح إلا
بولي" قال ابن جريج.
بصدد السهو والنسيان
والراوي عنه ثقة جازم فلا يرد بالاحتمال روايته. ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول
حدثني ربيعة عني عن أبي ويسوق الحديث.
وقد روى كثير من
الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدثوا بها عمن سمعها منهم فكان أحدهم يقول: حدثني
فلان عني عن فلان بكذا وكذا. وجمع الحافظ الخطيب ذلك في كتاب أخبار من حدث ونسي.
_______
فلقيت الزهرى فسألته
عنه فلم يعرفه واثنى على سليمان بن موسى فقال أحمد بن حنبل إن ابن جريج له كتب
مدونة وليس هذا في كتبه يعنى حكاية ابن علية عن ابن جريج وروينا في سنن البيهقى
ايضا بإسناده الصحيح إلى عباس الدورى سمعت يحيى بن معين يقول في حديث لا نكاح إلا
بولى الذى يرويه ابن جريج قلت أن بن علية يقول قال ابن جريج فسألت عنه الزهرى فقال
لست أحفظه فقال يحيى بن معين ليس يقول هذا إلا ابن علية وإنما عرض ابن علية كتب
ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبى رواد فأصلحها له أوروينا في السنن
للبيهقى أيضا بسنده الصحيح إلى جعفر الطيالسى سمعت يحيى بن معين يقول رواية بن
جريج عن الزهرى أنه أنكر معرفة حديث سليمان ابن موسى فقال لم يذكره عن ابن جريج
غير ابن علية إنما سمع بن علية من ابن جريج سماعا ليس بذلك إنما صحح كتبه على كتب
عبد المجيد بن عبد العزيز وضعف يحيى ابن معين رواية إسمعيل عن ابن جريج جدا وقد
ذكر الترمذى في جامعه كلام يحيى هذا الاخير غير موصل الإسناد فقال وذكر عن يحيى بن
معين إلى آخره وهو متصل الإسناد عند البيهقى وهذا يدلك على أن المراد بقوله فأنكره
أى أنه قال ما أعرفه كما حكاه المصنف فإنه قال في هذه الرواية الأخيرة إنه أنكر
معرفة حديث سليمان بن موسى فليس بين العبارتين إذا إختلاف كما انكره من اعترض بذلك
على المصنف والله أعلم.
"قوله"
والصحيح ما عليه الجمهور لأن المروى عنه بصدد السهو النسيان انتهى.
وقد اعترض عليه بأن
الراوى أيضا معرض للسهو والنسيان فينبغى أن يتهاترا وينظر في ترجيح أحدهما من خارج.
ولأجل أن الإنسان
معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن إلاحياء منهم الشافعي رضي الله عنه
قال لابن عبد الحكم: إياك والرواية عن إلاحياء والله أعلم.
الثانية عشر: من أخذ
على التحديث أجرا منع ذلك من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث. روينا عن إسحاق
بن إبراهيم: أنه سئل عن المحدث يحدث بالاجر ؟ فقال: لا يكتب عنه. وعن أحمد بن حنبل
و أبي حاتم الرازي نحو ذلك وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين و علي بن عبد العزيز
المكي وآخرون في أخذ العوض على التحديث. وذلك شبيه بأخذ الاجرة على تعليم القرآن
ونحوه. غير أن في هذا من حيث العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله إلا أن يقترن
ذلك بعذر ينفي ذلك عنه كمثل ما حدثنيه الشيخ أبو المظفر عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني:
أن أبا الفضل محمد بن ناصر السلامي ذكر: أن أبا الحسين بن النقور فعل ذلك لأن
الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه بجواز أخذ الأجرة على التحديث لأن أصحاب الحديث
كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله والله أعلم.
________
والجواب أن الراوي
مثبت جازم والمروى عنه ليس بناف وقوعه بل غير ذاكر فقدم المثبت عليه والله أعلم.
"قوله" ولأجل أن الإنسان معرض كره للنسيان كره من كره من العلماء الراوية عن الأحياء
منهم الشافعي قال لابن عبد الحكم إياك والرواية عن الإحياء انتهى.
وقد اعترض عليه بأن
الشافعي إنما نهى عن الرواية عن الإحياء لاحتمال أن يتغير المروى عنه عن الثقة
والعدالة بطارئ يطرأ عليه يقتضى رد حديثه المتقدم كما تقدم في ذكر من كذب في
الحديث أنه يسقط حديثه المتقدم ويكون ذلك الراوي قد روى عنه في تصنيف له فيتكون
روايته عن غير ثقة وإنما يؤمن ذلك بموته على ثقته وعدالته فلذلك كره الشافعي
الرواية عن الحي.
الثالثة عشر: لا تقبل
رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه كمن لا يبالي بالنوم في مجلس
السماع وكمن يحدث لا من أصل مقابل صحيح. ومن هذا القبيل من عرف بقبول التلقين في
الحديث. ولا تقبل رواية من كثرت الشواذ والمناكير في حديثه. جاء عن شعبة أنه قال:
لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ ولا تقبل رواية من عرف بكثرة السهو في
روايته إذا لم يحدث من أصل صحيح وكل هذا يخرم الثقة بالراوي وبضبطه.
وورد عن ابن المبارك
و أحمد بن حنبل و الحميدي وغيرهم: أن من غلط في حديث وبين له غلطه ولم يرجع عنه
وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت روايته ولم يكتب عنه. وفي هذا نظر وهو غير مستنكر إذا
ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك والله أعلم.
______
والجواب أن هذا حدس
وظن غير موافق كما أراده الشافعي رضي الله عنه وقد بين الشافعي مراده بذلك كما
رواه البيهقي في المدخل بإسناده إلى الشافعي أنه قال لا يحدث عن حي فإن الحي لا
يؤمن عليه النسيان قاله لابن عبد الحكم حين روى عن الشافعي حكاية فأنكرها ثم ذكرها
وما قاله الشافعي رحمه الله سيقه إليه الشعبي ومعمر فروى الخطيب في الكفاية
بإسناده إلى الشعبي أنه قال لابن عون لا تحدثني عن الإحياء وبإسناده إلى معمر أنه
قال لعبد الرزاق إن قدرت أن لا تحدث عن رجل حي فأفعل وقد فهم الخطيب من ذلك ما فهم
المصنف فقال في الكفاية ولأجل أن النسيان غير مأمون على الإنسان فيبادر إلى جحود
ما روى عنه وتكذيب الراوي له كره من كره من العلماء التحديث عن الإحياء ثم ذكر قول
الشعبي ومعمر والشافعي رضي الله عنهم.
"قوله"
وورد عن ابن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي وغيرهم أن من غلط في حديث وبين له
غلطة فلم يرجع عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت رواياته ولم يكتب عنه قال الشيخ
وفي هذا نظر وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك انتهى.
ج2. -ج2.كتاب:
التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح
تأليف: زين الدين عبد
الرحيم بن الحسين العراقي
الرابعة عشرة: أعرض
الناس في هذه إلاعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث
ومشايخه فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم وكان عليه
من تقدم ووجه ذلك: ما قدمنا في أول كتابنا هذا من كون المقصود المحافظة على خصيصة
هذه إلامة في إلاسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها. فليعتبر من الشروط المذكورة
ما يليق بهذا الغرض على تجرده. وليكتف في أهلية الشيخ بكونه: مسلما بالغا عاقلا
غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه: بوجود سماعه مثبتا بخط غير مهتم وبروايته من
أصل موافق لأصل شيخه.
وقد سبق إلى نحو ما
ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى فإنه ذكر في ما روينا عنه
توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون
قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن يكون القراءة عليهم من أصل
سماعهم.
ووجه ذلك: بأن إلاحاديث
التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة
الحديث. ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان
صاحب الشريعة حفظها.
قال البيهقي: فمن جاء
اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم: فالذي يرويه
لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره. والقصد من روايته والسماع منه
أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه إلامة
شرفا لنبينا المصطفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله أعلم.
_________
وما ذكره المصنف بحثا
قد نص عليه أبو حاتم بن حبان فقال إن من بين له خطأه
الخامسة عشر: في بيان
إلالفاظ المستعملة بين أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل. وقد رتبها أبو محمد عبد
الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه الجرح والتعديل فأجاد وأحسن. ونحن نرتبها كذلك
ونورد ما ذكره ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك عن غيره إن شاء الله تعالى.
أما ألفاظ التعديل
فعلى مراتب:
الأولى: قال ابن أبي
حاتم: إذا قيل للواحد إنه ثقة أو: متقن فهو ممن يحتج بحديثه.
قلت: وكذا إذا قيل
ثبت أو: حجة. وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو: ضابط والله أعلم.
________
وعلم فلم يرجع عنه
وتمادى في ذلك كان كذابا بعلم صحيح فقيد ابن حبان ذلك بكونه علم خطأه وإنما يكون
عنادا إذا علم الحق وخالفه وقيد أيضا بعض المتأخرين ذلك بأن يكون الذى بين له غلطة
عالما عند المبين له أما إذا كان ليس بهذا المثابة عنده فلا حرج إذن.
"قوله"
أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب الأولى قال ابن أبى حاتم إذا قيل للواحد إنه ثقة أو
متقن فهو ممن يحتج به انتهى.
اقتصر المصنف تبعا
لابن أبى حاتم على أن هذه الدرجة الأولى وكذا قال الحافظ أبو بكر الخطيب في
الكفاية أرفع العبارات أن يقال حجة أو ثقة انتهى.
وقد زاد الحافظ أبو
عبد الله الذهبى في مقدمة كتابه ميزان الاعتدال درجة قبل هذه هى أرفع منها وهى أن
يكرر لفظ التوثيق المذكور في الدرجه الأولى إما باللفظ بعينه كقولهم ثقة ثقة أو مع
مخالفة اللفظ الأول كقولهم ثقة ثبت أو ثبت حجة أو نحو ذلك وهو كلام صحيح لأن
التأكيد الحاصل بالتكرار لابد أن يكون له مرية على الكلام الخالى عن التأكيد والله
أعلم.
"قوله"
قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة انتهى.
وقد اعترض عليه بأن
قوله ثبت ذكرها ابن أبى حاتم فلا زيادة عليه إذا انتهى.
الثانية : قال ابن
أبي حاتم: إذا قيل إنه صدوق أو: محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر
فيه وهي المنزلة الثانية.
قلت: هذا كما
قال لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط فينظر في حديثه ويختبر حتى يعرف ضبطه.
وقد تقدم بيان طريقه في أول هذا النوع.
وإن لم يستوف النظر
المعرف لكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه اعتبرنا
ذلك الحديث ونظرنا: هل له أصل من رواية غيره ؟ كما تقدم بيان طريق إلاعتبار في
النوع الخامس عشر ومشهور عن عبد الرحمن بن مهدي القدوة في هذا الشأن أنه حدث فقال:
حدثنا أبو خلدة فقيل له: أكان ثقة؟ فقال: كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا وفي
رواية: وكان خيارا الثقة شعبة وسفيان.
ثم إن ذلك مخالف لما
ورد عن ابن أبي خيثمة قال: قلت ليحيى بن معين
_________
قلت وليس في بعض
النسخ الصحيحة من كتابه إلا ما نقله المصنف عنه كما تقدم ليس فيه ذكر ثبت وفي بعض
النسخ إذا قيل للواحد أنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه هكذا في نسختي منه
أو ميقن ثبت لم يقل فيه أو ثبت والله أعلم.
"قوله"
الثانية قال ابن أبى حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن
يكتب حديثه وينظر فيه انتهى.
سوى ابن أبى حاتم بين
قولهم صدوق وبين قولهم محله الصدق فجعلهما في درجة وتبعه المصنف وجعل صاحب الميزان
قولهم محله الصدق في الدرجة التي تلي قولهم صدوق والله أعلم.
"قوله"
حكاية عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال الثقة شعبة وسفيان انتهى.
وقد اعترض عليه بأن
الذي في كتاب الخطيب وغيره الثقة شعبة ومسعر لم يذكر
إنك تقول: فلان ليس
به بأس وفلان ضعيف ؟ قال: إذا قلت لك: ليس به بأس فهو ثقة وإذا قلت لك: هو ضعيف
فليس هو بثقة لا تكتب حديثه.
قلت: ليس في هذا
حكاية ذلك عن غيره من أهل الحديث فإن نسبه إلى نفسه خاصة بخلاف ما ذكره ابن أبي
حاتم والله أعلم.
الثالثة : قال ابن
أبي حاتم: إذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون
الثانية.
الرابعة : قال: إذا
قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
قلت: وجاء عن
أبي جعفر أحمد بن سنان قال: كان عبد الرحمن بن مهدي ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه
ضعف وهو رجل صدوق فيقول: رجل صالح الحديث والله أعلم.
وأما ألفاظهم في
الجرح فهي أيضا على مراتب:
أولاها : قولهم لين
الحديث. قال ابن أبي حاتم: إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه
وينظر فيه اعتبارا.
قلت: وسأل حمزة بن
يوسف السهمي أبا الحسن الدار قطني الإمام فقال له
_______
والجواب أن المصنف لم
يحك ذلك عن الخطيب وعلى تقدير كونه في كتاب الخطيب هكذا فيحتمل أنه من النساخ فليس
غلط المصنف بأولى من تغليطهم على أن المشهور المشهور عن ابن مهدى ما ذكره المصنف
هكذا وحكاه عمرو بن على القلاس وكذا رواه ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل وكذلك
ذكره الحافظ أبو الحجاج المزى في تهذيب الكمال في ترجمة أبى خلده ونقل في ترجمة
مسعر من رواية القلاس أيضا عن ابن مهدى الثقة شعبة ومسعر وعلى هذا فلعله سئل عنه
مرتين فإن المنقول في هذ الرواية أن أحمد ابن حنبل سأله ولعله قال الثقة شعبة
وسفيان ومسعر فاقتصر الفلاس على التمثيل باثنين فمرة ذكر سفيان ومرة ذكر مسعرا والله
أعلم.
إذا قلت فلان لين ايش
تريد به ؟ قال: لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة.
الثانية : قال ابن
أبي حاتم: إذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة إلاول في كتب حديثه إلا أنه دونه.
الثالثة : قال: إذا
قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به.
الرابعة : قال: إذا
قالوا متروك الحديث أ و ذاهب الحديث أوكذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي
المنزلة الرابعة.
73 قال الخطيب أبو بكر:
أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال حجة أو: ثقة. وأدونها أن يقال كذاب ساقط. أخبرنا أبو بكر بن عبد المنعم الصاعدي
الفراوي قراءة عليه بنيسابور قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي قال: أخبرنا أبو
بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ: أخبرنا الحسين بن الفضل: أخبرنا عبد الله بن
جعفر: حد ثنا يعقوب بن سفيان قال: سمعت أحمد بن صالح قال: لا يترك حديث رجل حتى
يجتمع الجميع على ترك حديثه. قد يقال: فلان ضعيف فأما أن يقال: فلان متروك فلا إلا
أن يجمع الجميع على ترك حديثه.
ومما لم يشرحه ابن
أبي حاتم وغيره من إلالفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم فلان قد روى الناس عنه
فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان مضطرب
_________
"قوله" ومما لم يشرحه ابن أبى حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب فقولهم
فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب الحديث إلى آخر كلامه فيه
الحديث فلان لا يحتج
به فلان مجهول فلان لا شيء فلان ليس بذاك وربما قيل ليس بذاك القوي فلان فيه أو:
في حديثه ضعف. وهو في الجرح أقل من قولهم فلان ضعيف الحديث فلان ما أعلم به بأسا.
وهو في التعبير دون قولهم لا بأس به. وما من لفظة منها ومن أشباهها إلا ولها نظير
شرحناه أو أصل أصلناه ننبه إن شاء الله تعالى به عليها. والله أعلم.
______
أمور: أحدها: أن
المصنف ذكر هنا ألفاظا للتوثيق وألفاظا للتجريح لم يميز بينها وقال إن ابن أبى
حاتم وغيره لم يشرحوها وأراد بكونهم لم يشرحوها أنهم لم يبينوا ألفاظ التوثيق من
أي رتبة هي من الثانية أو الثالثة مثلا وكذلك ألفاظ التجريح لم يبينوا من أي منزلة
هي وليس المراد أنهم لم يبينوا هل هي من ألفاظ التوثيق أو التجريح فإن هذا أمر لا
يخفي على أهل الحديث وإذا كان كذلك فقد رأيت أن اذكر كل لفظ منها من أي رتبة هو
لتعرف منزلة الراوي به فأقول الألفاظ التي هي للتوثيق من هذه الألفاظ التي جمع
بينها المصنف أربعة ألفاظ وهى قولهم فلان روى عنه الناس وفلان وسط وفلان متقارب
الحديث وفلان ما أعلم به بأسا وهذه الألفاظ الأربعة من الرتبة الرابعة وهى الأخيرة
من ألفاظ التوثيق وأما بقية الألفاظ التي ذكرها هنا فإنها من ألفاظ الجرح وهى سبعة
ألفاظ فمن الرتبة الأولى وهى الين ألفاظ الجرح قولهم فلان ليس بذاك وفلان ليس بذاك
القوى وفلان فيه ضعف وفلان في حديثه ضعف ومن الدرجة الثانية وهى أشد في الجرح من
التي قبلها.
"قوله"
فلان لا يحتج به فلان مضطرب الحديث ومن الدرجة الثالثة وهى أشد من اللتين قبلها.
"قوله" فلان لا شيء فهذا ما ذكره المصنف هنا مهملا من مراتبه وذكر فيها أيضا
فلا مجهول وقد تقدم ذكر المجهول في الموضع الذي ذكره المصنف وإنه على ثلاثة أقسام
فأغنى ذلك عن ذكره هنا.
________
الأمر الثاني أن قوله
مقارب الحديث ضبط في الأصول الصحيحة المسموعة على المصنف بكسر الراء كذا ضبطه
الشيخ محيى الدين النووي في مختصره وقد اعترض بعض المتأخرين بأن ابن السيد حكى فيه
الوجهين الكسر والفتح وأن اللفظين حينئذ لا يستويان لأن كسر الراء من ألفاظ
التعديل وفتحها من ألفاظ التجريح انتهى.
وهذا الاعتراض والدعوى
ليسا صحيحين بل الوجهان فتح الراء وكسرها معروفان وقد حكاهما ابن العربي في كتاب
الأحوذي وهما على كل حال من ألفاظ التوثيق وقد ضبط أيضا في النسخ الصحيحة عن
البخاري بالوجهين وممن ذكره من ألفاظ التوثيق الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مقدمة
الميزان وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء وهذا فهم عجيب
فإن هذا ليس معروفا في اللغة وإنما هو في ألفاظ العوام وإنما هو على الوجهين من
قوله سددوا وقاربوا فمن كسر قال إن معناه أن حديثه مقارب لحديث غيره ومن فتح قال
إن معناه أن حديثه يقاربه حديث غيره ومادة فاعل تقتضى المشاركة إلا في مواضع قليلة
والله أعلم.
واعلم أن ابن سيدة
حكى في الرجل المقارب الكسر فقط فقال ورجل بالكسر مقارب ومتاع مقارب بالفتح ليس
بنفيس وقال بعضهم دين مقارب بالكسر ومتاع مقارب بالفتح هذه عبارته في المحكم فلم
يحك الفتح إلا في المتاع فقط وأما الجوهري فجعل الكل بالكسر وقال ولا تقل مقارب أي
بالفتح.
الأمر الثالث أن
المصنف أهمل من ألفاظ التوثيق والجرح أكثر مما زاده على ابن أبى حاتم فرأيت أن
اذكر منها ما يحضرني لتعرف وتضبط فأما ألفاظ التوثيق فمن المرتبة الثانية على مقتضى
عمل المصنف قولهم فلان مأمون فلان خيار وهاتان من الرتبة الثالثة على مقتضى عمل
الذهبي في جعله أعلى الدرجات تكرار التوثيق كما تقدم ومن الرتبة الرابعة أو
الثالثة قولهم فلان إلى الصدق ما هو فلان جيد الحديث فلان حسن الحديث وفلان صويلح
وفلان صدوق إن شاء الله وفلان أرجو أنه لا بأس به وأما ألفاظ التجريح فمن الرتبة
الأولى وهى ألين ألفاظ التجريح قولهم فلان فيه مقال وفلان ضعف وفلان تعرف وتنكر
فلان ليس بالمتين أو ليس بحجة أو ليس بعمدة أو ليس بالمرضى وفلان للضعف ما هو وسيئ
الحفظ وفيه خلف وطعنوا فيه وتكلموا فيه ومن
النوع الرابع
والعشرون: معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه:اعلم: أن طرق نقل الحديث
وتحمله على أنواع متعددة ولنقدم على بيانها بيان أمور:
أحدها : يصح التحمل
قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروى بعده. وكذلك رواية من سمع
قبل البلوغ وروى بعده ومنع من ذلك قوم فأخطأوا لأن الناس قبلوا رواية أحداث
الصحابة كالحسن بن علي وابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وأشباههم من غير
فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وما بعده. ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان
مجالس التحديث والسماع ويعتدون بروايتهم لذلك والله أعلم.
الثاني : قال أبو
عبد الله الزبيري: يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل. قال: وأحب أن
يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض وورد عن سفيان الثوري قال: كان الرجل إذا أراد
أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة.
وقيل لموسى بن إسحاق:
كيف لم تكتب عن أبي نعيم ؟ فقال: كان أهل الكوفة
________
الرتبة الثانية وهى
أشد من الأولى فلان واه فلان ضعفوه فلان منكر الحديث ومن الرتبة الثالثة وهى أشد
منهما قولهم فلان ضعيف جدا فلان واه بمرة فلان لا يساوى شيئا فلان مطرح وطرحوا
حديثه ورام به ورد حديثه ومن الرتبة الرابعة فلان متهم بالكذب وهالك وليس بثقة ولا
يعتبر به وفيه نظر وسكتوا عنه وهاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه
ومن الرتبة الخامسة ولم يذكرها المصنف فلان وضاع فلان دجال ولهم ألفاظ أخر يستدل
بهذه عليها والله أعلم.
لا يخرجون أولادهم في
طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة. وقال موسى بن هارون: أهل البصرة يكتبون
لعشر سنين. وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين والله أعلم.
قلت: وينبغي بعد أن
صار الملحوظ إبقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغير في أول زمان يصح فيه
بسماعه. وأما الاشتغال بكتبه الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك
ويستعد له. وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص كما سبق ذكره آنفا عن
قوم والله أعلم.
الثالث : اختلفوا في
أول زمان يصح فيه سماع الصغير فروينا عن موسى بن هارون الحمال أحد الحفاظ النقاد
أنه سئل: متى يسمع الصبي الحديث ؟ فقال: إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين
البقرة والحمار وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه سئل: متى يجوز سماع الصبي
للحديث ؟ فقال: إذا عقل وضبط. فذكر له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس
عشرة سنة. فأنكر قوله وقال: بئس القول وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد
الله إلاسدي عن أبي محمد عبد الله بن محمد إلاشيري عن القاضي الحافظ عياض بن موسى
السبتي اليحصبي قال: قد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع. وذكر
رواية 75 البخاري في صحيحه بعد أن ترجم متى يصح سماع الصغير بإسناده عن محمود بن
الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين
من دلو. وفي رواية أخرى: أنه كان ابن أربع سنين.
قلت: التحديد بخمس هو
الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ولمن لم
يبلغ خمسا حضر أو: أحضر. والذي ينبغي في ذلك: أن تعتبر في كل صغير حاله على الخصوص فإن
وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه وإن
كان دون
خمس. وإن لم يكن كذلك
لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين.
وقد بلغنا عن إبراهيم
بن سعيد الجوهري قال: رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن
ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع يبكي وعن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد
إلاصبهاني قال: حفظت القرآن ولي خمس سنين. وحملت إلى أبي بكر بن المقرئ لأسمع منه
ولي أربع سنين. فقال بعض الحاضرين: لا تسمعوا له فيما قرئ فإنه صغير. فقال لي ابن
المقرئ: اقرأ سورة الكافرين فقرأتها فقال: اقرأ سورة التكوير فقرأتها فقال لي
غيره: اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها. فقال ابن المقرئ: سمعوا له
والعهدة علي وأما حديث محمود بن الربيع: فيدل على صحة ذلك من ابن خمس مثل محمود
ولا يدل على انتفاء الصحة فيمن لم يكن ابن خمس ولا على الصحة فيمن كان ابن خمس ولم
يميز تمييز محمود رضي الله عنه والله أعلم.
_______
النوع الرابع
والعشرون- معرفة كيفية سماع الحديث.
"قوله" وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال رأيت صبيا ابن أربع سنين
وقد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر في الرأي غير انه إذا جاع يبكى انتهى.
أحسن المصنف في التعبير
عن هذه الحكاية بقوله بلغنا ولم يجزم بنقلها فقد رأيت بعض الأئمة من شيوخنا يستبعد
صحتها ويقول على تقدير وقوعها لم يكن ابن أربع سنين وإنما كان ضئيل الخلقة فيظن
صغره والذي يغلب على الظن عدم صحتها وقد رواها الخطيب بإسناده في الكفاية وفي
إسنادها أحمد بن كامل القاضي قال فيه الدارقطنى كان متساهلا ربما حدث من حفظه بما
ليس عنده في كتابه وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء أصلا وقال
صاحب الميزان كان يعتمد على حفظه فيهم.
بيان أقسام طرق نقل
الحديث وتحمله. ومجامعها ثمانية أقسام:
القسم الأول: السماع
من لفظ الشيخ: وهو ينقسم إلى إملاء وتحديث من غير إملاء وسواء كان من حفظه أو من
كتابه وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير. وفيما نرويه عن القاضي عياض بن موسى السبتي أحد المتأخرين المطلعين
قوله: لا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا
وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان قلت: في هذا نظر وينبغي فيما شاع استعماله
من هذه الألفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ على ما نبينه إن شاء الله تعالى
أن لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الإيهام والإلباس والله أعلم.
وذكر الحافظ أبو بكر
الخطيب: أن أرفع العبارات في ذلك سمعت ثم حدثنا وحدثني فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت
في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه.
وكان بعض أهل العلم
يقول فيما أجيز له حدثنا. وروي عن الحسن أنه كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتأول أنه
حدث أهل المدينة وكان الحسن إذ ذاك بها إلا أنه لم يسمع منه شيئا.
قلت: ومنهم من أثبت
له سماعا من أبي هريرة والله أعلم.
ثم يتلو ذلك قول
أخبرنا وهو كثير في الاستعمال حتى أن جماعة من أهل العلم كانوا لا يكادون يخبرون
عما سمعوه من لفظ من حدثهم إلا بقولهم أخبرنا. منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن
المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون
وعمرو بن عون ويحي بن يحيى التميمي وإسحاق بن راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات
ومحمد بن أيوب الرازيان وغيرهم. وذكر
الخطيب عن محمد بن
رافع قال: كان عبد الرزاق يقول أخبرنا حتى قدم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه
فقإلا له: قل حدثنا فكل ما سمعت مع هؤلاء قال: حدثنا وما كان قبل ذلك قال: أخبرنا
وعن محمد بن أبي
الفوارس الحافظ قال: هشيم ويزيد بن هارون وعبد الرزاق لا يقولون إلا أخبرنا فإذا
رأيت حدثنا فهو من خطأ الكاتب والله أعلم.
قلت: وكان هذا كله
قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ ثم يتلو قول أخبرنا قول أنبأنا و
نبأنا وهو قليل في إلاستعمال.
قلت: حدثنا
وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى وهي أنه ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه
الحديث وخاطبه به وفي حدثنا وأخبرنا دلالة على أنه خاطبه به ورواه له أو هو ممن
فعل به ذلك
سأل الخطيب أبو بكر
الحافظ شيخه أبا بكر البرقاني الفقيه الحافظ رحمهما الله تعالى عن السر في كونه
يقول فيما رواه عن أبي القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني إلابندوني سمعت ولا
يقول حدثنا ولا أخبرنا فذكر له: أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية
فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به
الشخص الداخل إليه. فلذلك يقول سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا لأن قصده كان
الرواية للداخل إليه وحده.
وأما قوله قال لنا
فلان أو ذكر لنا فلان فهو من قبيل قوله حدثنا فلان غير أنه لائق بما سمعه منه في
المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا.
وقد حكينا في فصل
التعليق عيب النوع الحادي عشر عن كثير من المحدثين استعمال ذلك معبرين به عما جرى
بينهم في المذاكرات والمناظرات وأوضع العبارات في ذلك أن يقول: قال فلان أو: ذكر
فلان من غير ذكر قوله لي ولنا ونحو
ذلك. وقد
قدمنا في فصل الإسناد المعنعن أن ذلك وما أشبهه من إلالفاظ محمول عندهم على السماع
إذا عرف لقاؤه له وسماعه منه على الجملة لا سيما إذا عرف من حاله أنه لا يقول قال
فلان إلا فيما سمعه منه.
وقد كان حجاج بن محمد
إلاعور يروي عن ابن جريج كتبه ويقول فيها قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا
برواياته وكان قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه.
وقد خصص الخطيب أبو
بكر الحافظ القول بحمل ذلك على السماع بمن عرف من عادته مثل ذلك والمحفوظ المعروف
ما قدمنا ذكره. والله أعلم.
القسم الثاني من
أقسام إلاخذ والتحمل: القراءة على الشيخ وأكثر المحدثين يسمونها عرضا من حيث إن
القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ وسواء كنت أنت القارئ
أو قرأ غيرك وأنت تسمع أو قرأت من كتاب أو من حفظك أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه
أو لا يحفظه لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره ولا خلاف أنها رواية صحيحة إلا ما حكي
عن بعض من لا يعتد بخلافه والله أعلم.
واختلفوا في أنها:
مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل عن أبي حنيفة و ابن أبي
ذئب وغيرهما: ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه. وروي ذلك عن مالك أيضا
وروي عن مالك وغيره:
أنهما سواء. وقد قيل: إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة و مذهب مالك
وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم
والصحيح: ترجيح
السماع من لفظ الشيخ والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية. وقد قيل: إن هذا مذهب
جمهور أهل المشرق والله أعلم.
وأما العبارة عنها
عند الرواية بها فهي على مراتب: أجودها وأسلمها أن يقول قرأت على فلان. أو قرئ على
فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا شائع من غير إشكال ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في
السماع من لفظ الشيخ مطلقة إذا أتى بها هنا مقيدة بأن يقول حدثنا فلان قراءة عليه
أو: أخبرنا قراءة عليه ونحو ذلك. وكذلك أنشدنا قراءة عليه في الشعر.
وأما إطلاق حدثنا
وأخبرنا في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا فيه على مذاهب:
فمن أهل الحديث من
منع منهما جميعا وقيل: إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل
والنسائي وغيرهم ومنهم من ذهب إلى تجويز ذلك وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز
إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا. وقد قيل: إن هذا مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وقول
الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان في آخرين من ألائمة المتقدمين
وهو مذهب البخاري صاحب الصحيح في جماعة من المحدثين.
ومن هؤلاء من أجاز
فيها أيضا أن يقول سمعت فلانا
والمذهب الثالث:
الفرق بينهما في ذلك والمنع من إطلاق حدثنا وتجويز إطلاق أخبرنا. وهو مذهب
الشافعي وأصحابه وهو منقول عن مسلم صاحب الصحيح وجمهور أهل المشرق.
وذكر صاحب كتاب
الإنصاف محمد بن الحسن التميمي الجوهري المصري: أن هذا مذهب ألأكثر من أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد وأنهم جعلوا أخبرنا
علما يقوم مقام قول قائله: أنا قرأته عليه لا أنه لفظ به لي. قال: وممن كان
يقول به من أهل زماننا أبو عبد الرحمن النسائي في جماعة مثله من محدثينا قلت: وقد
قيل: إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب بمصر
وهذا يدفعه أن ذلك
مروي عن ابن جريج والأوزاعي حكاه عنهما الخطيب أبو بكر إلا أن يعني أنه أول من فعل
ذلك بمصر والله أعلم.
قلت: الفرق بينهما
صار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف.
وخير ما يقال فيه:
إنه اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين ثم خصص النوع الأول بقول حدثنا
لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة والله أعلم.
ومن أحسن ما يحكى عمن
يذهب هذا المذهب ما حكاه الحافظ أبو بكر البرقاني عن أبي حاتم محمد بن يعقوب
الهروي أحد رؤساء أهل الحديث بخراسان: أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري صحيح
البخاري وكان يقول له في كل حديث حدثكم الفربري فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ
يذكر: أنه إنما سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه فأعاد أبو حاتم قراءة الكتاب كله
وقال له في جميعه أخبركم الفربري. والله أعلم.
تفريعات:
إلاول : إذا كان أصل
الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره وهو موثوق به مراع لما يقرأ أهل لذلك: فإن كان
الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه فهو كما لو كان أصله بيد نفسه بل أولى لتعاضد ذهني شخصين
عليه. وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه: فرأى بعض
أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح. والمختار أن ذلك صحيح وبه عمل معظم الشيوخ وأهل
الحديث.
وإذا كان الأصل بيد
القارئ وهو موثوق به دينا ومعرفة فكذلك الحكم فيه وأولى بالتصحيح
وأما إذا كان أصله
بيد من لا يوثق بإمساكه له ولا يؤمن إهماله لما يقرأ فسواء كان بيد القارئ أو بيد
غيره في أنه سماع غير معتد به إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه والله أعلم.
________
"قوله"
إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره إلى أن قال وإن كان الشيخ لا يحفظ ما
يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح
والمختار أن ذلك صحيح انتهى.
هذا الذى أبهم المصنف
ذكره هو إمام الحرمين فإنه اختار ذلك وحكى القاضى عياض أيضا أن القاضى أبا بكر
الباقلانى تردد فيه قال وأكثر ميله إلى المنع انتهى.
ووهن السلفي هذا الاختلاف
لاتفاق العلماء على العمل بخلافه فإنه ذكر ما حاصله أن الطالب إذا أراد أن يقرأ
على شيخ شيئا من سماعه هل يجب أن يريه سماعه في ذلك الجزء أم يكفي إعلام الطالب الثقة
للشيخ أن هذا الجزء سماعه على فلان فقال السلفي هما سيان على هذا عهدنا علماءنا عن
آخرهم قال ولم تزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول فتصير تلك الفروع
بعد المقابلة أصولا وهل كانت الأصول أولا إلا فروعا انتهى.
الثاني : إذا قرأ
القارئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو: قلت أخبرنا فلان أو نحو ذلك والشيخ ساكت
مصغ إليه فاهم لذلك غير منكر له فهذا كاف في ذلك واشترط بعض الظاهرية وغيرهم إقرار
الشيخ نطقا وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي و أبو الفتح سليم الرازي و أبو نصر
بن الصباغ من الفقهاء الشافعيين. قال أبو نصر: ليس له أن يقول حدثني أو أخبرني وله
أن يعمل بما قرئ عليه وإذا أراد روايته عنه قال قرأت عليه أو: قرئ عليه وهو يسمع
وفي حكاية بعض المصنفين للخلاف في ذلك: أن بعض الظاهرية شرط إقرار الشيخ عند تمام
السماع: بأن يقول القارئ للشيخ وهو كما قرأته عليك ؟ فيقول: نعم
والصحيح أن ذلك غير لازم وأن سكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه
بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن الظاهرة. وهذا مذهب الجماهير من المحدثين والفقهاء
وغيرهم والله أعلم.
الثالث : فيما نرويه
عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ رحمه الله قال: الذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر
مشايخه وأئمة عصري: أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد حدثني فلان
وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه غيره حدثنا فلان وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني
فلان وما قرئ على المحدث وهو حاضر أخبرنا فلان وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله
بن وهب صاحب مالك رضي الله عنهما. وهو حسن رائق.
فإن شك في شيء عنده أنه
من قبيل حدثنا أو: أخبرنا أو من قبيل حدثني أو: أخبرني لتردده في أنه كان عند
التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول: ليقل حدثني أو: أخبرني لأن عدم
غيره هو الأصل. ولكن ذكر علي بن عبد الله
______
"قوله"
فإن شك في شئ عنده أنه من قبيل حدثنا أو أخبرنا أو من قبيل حدثنى أو أخبرنى لتردده
في أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول ليقل حدثنى أو
أخبرنى لأن عدم غيره هو الأصل انتهى.
المديني إلامام عن
شيخه يحيى بن سعيد القطان إلامام فيما إذا شك أن الشيخ قال: حدثني فلان أو قال
حدثنا فلان أنه يقول حدثنا.
وهذا يقتضي فيما إذا
شك في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول حدثنا. وهو عندي يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة و
حدثنا أنقص مرتبة فليقتصر إذا شك على الناقص لأن عدم الزائد هو الأصل وهذا لطيف.
ثم وجدت الحافظ أحمد البيهقي رحمه الله قد اختار بعد حكايته قول القطان ما قدمته
ثم إن هذا التفصيل من
أصله مستحب وليس بواجب حكاه الخطيب الحافظ عن أهل العلم كافة. فجائز إذا سمع وحده
أن يقول حدثنا أو نحوه لجواز ذلك للواحد في كلام العرب. وجائز إذا سمع في جماعة أن
يقول حدثني لأن المحدث حدثه وحدث غيره والله أعلم.
الرابع : روينا عن
أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: اتبع لفظ الشيخ في قوله حدثنا
وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعدوه.
_________
سوى المصنف رحمه الله
بين الشك في أنه هل سمع من لفظ الشيخ وحده أو كان معه غيره يسمع وبين مسألة ما إذا
شك هل قرأ هو بنفسه على الشيخ أو سمع عليه بقراءة غيره عليه وما قاله ظاهر في
المسألة الأولى.
وأما المسألة الثانية
فإنه يتحقق فيها سماع نفسه ويشك هل قرأ بنفسه أم لا والأصل أنه لم يقرأ هذا إذا
مشينا على ما ذكره المصنف تبعا للحاكم أن القارئ يقول أخبرنى سواء سمع بقراءته معه
غيره أم لا أما إذا قلنا بما جزم به ابن دقيق العيد في الاقتراح من أن القارئ إذا
كان معه غيره يقول اخبرنا فيتجه حينئذ أن يقال الأصل عدم الزايد لكن الذى ذكره ابن
الصلاح هو الذى قاله عبد الله بن وهب وأبو عبد الله الحاكم وهو المشهور والله أعلم.
والأحسن فيما إذا شك هل
قرأ بنفسه أو سمع بقراءة غيره ما حكاه الخطيب في الكفاية عن البرقانى أنه ربما يشك
في الحديث هل قرأه هو أو قرئ وهو يسمع فيقول فيه قرأنا على فلان فإنه يسوغ إثباته
بهذه الصيغة فيما قرأه بنفسه وفيما سمعه بقراءة غيره.
قلت: ليس لك فيما
تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه:
أخبرنا ب حدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام إلاخر خلاف وتفصيل سبق
لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما. ولو وجدت من ذلك إسنادا
عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام إلاخر من باب تجويز
الرواية بالمعنى. وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه إلامتناع من إجراء مثله
في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجامع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله
تعالى.
وما ذكره الخطيب أبو
بكر في كفايته من إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحمول عندنا على ما يسمعه الطالب من
لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف والله أعلم.
الخامس : اختلف
أهل العلم في صحة سماع من ينسخ وقت القراءة فورد عن إلامام إبراهيم الحربي و أبي
أحمد بن عدي الحافظ وإلاستاذ أبي إسحاق إلاسفرائيني الفقيه إلاصولي وغيرهم نفي ذلك
وروينا عن أبي بكر
أحمد بن إسحاق الصبغي أحد أئمة الشافعيين بخراسان: أنه سئل عمن يكتب في السماع ؟
فقال: يقول حضرت ولا يقل حدثنا ولا أخبرنا وورد عن موسى بن هارون الحمال تجويز
ذلك. وعن أبي حاتم الرازي قال: كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق
وهو يقرأ. وعن عبد الله بن المبارك: أنه قرئ عليه وهو ينسخ شيئا آخر غير ما يقرأ ولا فرق بين النسخ من
السامع والنسخ من المسمع.
________
وقد سئل أحمد بن صالح
المصرى عن الرجل يسمع بقراءة غيره فأجاب بأنه لا بأس أن يقول قرأنا وقد قال
النفيلى قرأنا على مالك وإنما سمع بقراءة غيره والله أعلم.
"قوله"
ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما
قيل فيه أخبرنا بحدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف وتفصيل
سبق لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما ولو وجدت.
قلت: وخير من هذا
الإطلاق التفصيل. فنقول لا يصح السماع إذا كان النسخ بحيث يمتنع معه فهم الناسخ
لما يقرأ حتى يكون الواصل إلى سمعه كأنه صوت غفل ويصح إذا كان بحيث لا يمتنع معه
الفهم. كمثل ما رويناه عن الحافظ العالم أبي الحسن الدارقطني: أنه حضر في حداثته
مجلس إسماعيل الصفار فجلس بنسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي فقال له بعض الحاضرين:
لا يصح سماعك وأنت تنسخ. فقال: فهمي للإملاء خلاف فهمك. ثم قال: تحفظ كم
أملى الشيخ من حديث إلى الآن ؟ فقال: لا. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا
فعدت الأحاديث فوجدت كما قال. ثم قال أبو الحسن: الحديث الأول منها عن فلان عن
فلان ومتنه كذا. والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا. ولم يزل يذكر أسانيد
الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه والله
أعلم.
السادس : ما ذكرناه
في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا كان الشيخ أو السامع يتحدث أو كان القارئ
خفيف القراءة يفرط في إلاسراع. أو كان يهينم بحيث يخفي بعض الكلم أو كان السامع
بعيدا عن القارئ وما أشبه ذلك.
ثم الظاهر: أن يعفي
في كل ذلك عن القدر اليسير نحو الكلمة والكلمتين.
ويستحب للشيخ أن يجيز
لجميع السامعين رواية جميع الحزء أو الكتاب الذي سمعوه وإن جرى على كله اسم
السماع. وإذا بذل لأحد منهم خطه بذلك كتب له: سمع مني هذا الكتاب وأجزت له روايته
عني. أو نحو هذا كما كان بعض الشيوخ يفعل. وفيما نرويه عن الفقيه أبي محمد بن أبي
عبد الله بن عتاب الفقيه إلاندلسي عن أبيه رحمهما الله أنه قال: لا غنى في السماع
عن الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان القارئ ويغفل
السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة
هذا الذي ذكرناه
تحقيق حسن وقد روينا عن صالح بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما قال: قلت
لأبي: الشيخ
يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ولا يفهم عنه ترى أن يروي ذلك عنه ؟ قال: أرجو أن لا
يضيق هذا وبلغنا عن خلف بن سالم المخرمي قال سمعت ابن عيينة يقول نا عمرو بن دينار
يريد حدثنا عمرو بن دينار لكن اقتصر من حدثنا على النون والألف فإذا قيل له قل
حدثنا عمرو قال: لا أقول لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف وهي حدث لكثرة
الزحام.
_______
من ذلك إسنادا عرفت
من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية
بالمعنى وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه الامتناع من إجراء مثله في إبدال
ما وضع في الكتب المصنفة والمجاميع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وما ذكره أبو بكر
الخطيب في كفايته من إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحول عندنا على ما يسمعه الطالب من
لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف والله أعلم انتهى.
وفيه أمران أحدهما أن
ما أختاره المصنف قد ضعفه ابن دقيق العيد في الاقتراح فقال ومما وقع في اصطلاح المتأخرين
أنه إذا روى كتاب مصنف بيننا وبينه وسايط تصرفوا في اسماء الرواة وقلبوها على
أنواع إلى أن يصلوا إلى المصنف فإذا وصلوا إليه تبعوا لفظه من غير تغيير قال وهنا
بحثان فذكر الأول ثم قال البحث الثانى الذى اصطلحوا عليه من عدم التغيير للالفاظ
بعد وصولهم إلى المصنف ينبغى أن ينظر فيه هل هو على سبيل الوجوب أو هو اصطلاح على
سبيل الأولى قال وفي كلام بعضهم ما يشير الى أنه ممتنع لأنه وإن كان له الرواية
بالمعنى فليس له تغيير التصنيف قال وهذا كلام له فيه ضعف قال وأقل ما فيه إنه
يقتضى تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا فإنه ليس
فيه تغيير التصنيف المتقدم وليس هذا جاريا على الاصطلاح فإن الاصطلاح على أن لا
نغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها فيها أو نقلناها منها
انتهى.
وما ذكره من أنه
يقتضى تجويزه فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا ليس بمسلم بل
آخر كلام ابن الصلاح يشعر أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزى إليه لا يجوز فيه الإبدال
سواء نقلناه في تأليف لنا أو لفظا والله أعلم.
قلت: قد كان كثير من
أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوفا مؤلفة ويبلغهم عنهم
المستملون فيكتبون عنهم بواسطة تبليغ المستملين فأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن
المملي روينا عن إلاعمش رضي الله عنه قال: كنا نجلس إلى إبراهيم فتتسع الحلقة
فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه فيسأل بعضهم بعضا عما قال ثم يروونه وما
سمعوه منه.
وعن حماد بن زيد: أنه
سأله رجل في مثل ذلك فقال: يا أبا إسماعيل كيف قلت ؟ فقال: استفهم ممن يليك وعن بن
عيينة: أن أبا مسلم المستملي قال له: إن الناس كثير لا يسمعون قال إلا تسمع أنت؟
قال: نعم قال: فأسمعهم وأبى آخرون ذلك.
روينا عن خلف بن تميم
قال: سمعت من سفيان الثوري عشرة آلاف حديث.
_______
الأمر الثانى إن
تعليل المصنف المنع باحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بين أخبرنا
وحدثنا ليس بجيد من حيث أن الحكم لا يختلف في الجائز والممتنع بأن يكون الشيخ يرى
الجائز ممتنعا أو الممتنع جائزا وقد صرح أهل الحديث بذلك في مواضع منها أن يكون
الشيخ ممن يرى جواز إطلاق حدثنا وأنبأنا في الإجازة وأذن للطالب أن يقول ذلك إذا
روى عنه بالإجازة فإنه لا يجوز للطالب وإن أذن له الشيخ وقد صرح به المصنف كما
سيأتى.
وكذلك أيضا لم يشترطوا
في جواز الرواية بالمعنى أن لا يكون في الإسناد من يمنع ذلك كابن سيرين بل جوزوا
الرواية بالمعنى بشروط ليس منها هذا.
قوله قلت قد كان كثير
من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوافا مؤلفة ويبلغهم
عنهم المستملون فيكتبون عنهم بوساطة تبليغ المستملين وأجاز غير واحد لهم رواية ذلك
عن المملى ثم قال وأبى آخرون ذلك ثم قال قلت والأول تساهل بعيد انتهى.
______
أطلق المصنف حكاية
الخلاف من غير تقييد بكون المملى يسمع لفظ المستملى الذى يملى أم لا والصواب
التقييد بما ذكرناه فإن كان الشيخ صحيح السمع بحيث يسمع لفظ المستملى الذى يملى
عليه فالسماع صحيح ويجوز له أن يرويه عن المملى دون ذكر الواسطة كما لو سمع على الشيخ
بقراءة غيره فإن القارئ والمستملى واحد وإن كان في سمع الشيخ ثقل بحيث لا يسمع لفظ
المستملى فإنه لا يسوغ لمن لم يسمع لفظ الشيخ أن يرويه عنه إلا بواسطة المستملى أو
المبلغ له عن الشيخ أو المفهم للسامع ما لم يبلغه كما ثبت في الصحيحين من رواية
عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول:
"يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى إنه قال كلهم من
قريش" لفظ البخارى وقال مسلم ثم تكلم بكلمة خفيت على فسألت أبى ماذا قال قال
كلهم من قريش فلم يرو جابر بن سمرة الكلمة التى خفيت عليه إلا بواسطة أبيه ويمكن
أن يستدل القائلون بالجواز بما رواه مسلم في صحيحه من رواية عامر بن سعد ابن أبى
وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامى نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال فكتب إلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية
رحم الأسلمى قال: "لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر
خليفة كلهم من قريش" فلم يفصل جابر بن سمرة الكلمة التى لم يسمعها من النبي
صلى الله عليه وسلم وقد يجاب عنه بأمور:
أحدها : أنه يحتمل أن
بعض الرواة أدرجه وفصلها الجمور وهم عبد الملك بن عمير والشعبى وحصين وسماك بن حرب
ووصله عامر.
والثانى: أنه قد اتفق
الشيخان على رواية الفصل وانفرد مسلم برواية الوصل.
والثالث أن رواية
الجمهور سماع لهم من جابر بن سمرة ورواية عامر بن سعد كتابة ليست متصلة بالسماع.
والرابع: أن
الإرسال جائز خصوصا إرسال الصحابة عن بعضهم فإن الصحابة كلهم عدول ولهذا كانت
مراسيلهم حجة خلافا للاستاذ أبى إسحق الاسفرائينى لأن الصحابة قد يروون عن
التابعين والله أعلم.
أو نحوها فكنت أستفهم
جليسي فقلت لزائدة فقال لي: لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك وسمع أذنك قال:
فألقيتها.
وعن أبي نعيم: أنه
كان يرى فيما سقط عنه من الحرف الواحد وإلاسم مما سمعه من سفيان و إلاعمش واستفهمه
من أصحابه: أن يرويه عن أصحابه لا يرى غير ذلك واسعا له.
قلت: إلاول تساهل
بعيد. وقد روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ إلاصبهاني أنه قال لواحد من
أصحابه: يا فلان يكفيك من السماع شمه. وهذا إما متأول أو متروك على قائله. ثم وجدت عن عبد الغني بن سعيد
الحافظ عن حمزة بن محمد الحافظ بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث
شمه. قال عبد الغني: قال لنا حمزة: يعني إذا سئل عن أول شيء عرفه وليس يعني
التسهيل في السماع والله أعلم.
السابع : يصح السماع
ممن هو وراء حجاب إذا سمع صوته فيما إذا حدث بلفظه وإذا عرف حضوره بمسمع منه فيما إذا
قرئ عليه. وينبغي أن يجوز إلاعتماد في معرفة صوته وحضوره على خبر من يوثق به. وقد
كانوا يسمعون من عائشة رضي الله عنها وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من
وراء حجاب ويروونه عنهن اعتمادا على الصوت. واحتج عبد الغني بن سعيد الحافظ في ذلك
بقوله صلى الله عليه وسلم: "أن بلإلا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" .
وروى بإسناده عن شعبة أنه قال: إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه فلا ترو عنه فلعله
شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأخبرنا والله أعلم.
الثامن : من سمع من
شيخ حديثا ثم قال له: لا تروه عني أو: لا آذن لك في روايته عني أو قال: لست أخبرك
به أو: رجعت عن إخباري إياك به فلا تروه عني غير
مسند ذلك إلى أنه
أخطأ فيه أو شك فيه ونحو ذلك بل منعه من روايته عنه مع جزمه بأنه حديثه وروايته فذلك
غير مبطل لسماعه ولا مانع له من روايته عنه وسأل الحافظ أبو سعيد بن عليك
النيسابوري إلاستاذ أبا إسحاق إلاسفرائيني رحمها الله عن محدث خص بالسماع قوما
فجاء غيرهم وسمع منه من غير علم المحدث به هل يجوز له رواية ذلك عنه ؟ فأجاب: بأنه
يجوز. ولو قال المحدث: إني أخبركم ولا أخبر فلانا لم يضره والله أعلم.
القسم الثالث من
أقسام طرق نقل الحديث وتحمله: الإجازة وهي متنوعة أنواعا:
أولها : أن يجيز
لمعين في معين مثل أن يقول أجزت لك الكتاب الفلاني أو: ما اشتملت عليه فهرستي هذه
فهذا على أنواع الإجازة المجردة عن المناولة. وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها
ولا خالف فيها أهل الظاهر. وإنما خلافهم في غير هذا النوع. وزاد القاضي أبو الوليد
الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال: لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف
هذه إلامة وخلفها وادعى إلاجماع من غير تفصيل وحكى الخلاف في العمل بها.
قلت: هذا باطل فقد
خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء وإلاصوليين وذلك إحدى
الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه. روي عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: كان
الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث. قال الربيع: أنا أخالف الشافعي في هذا
وقد قال بإبطالها
جماعة من الشافعيين منهم: القاضيان حسين بن محمد المروروذي و أبو الحسن الماوردي
وبه قطع الماوردي في كتابه الحاوي وعزاه إلى مذهب الشافعي وقإلا جميعا: لو جازت
الإجازة لبطلت الرحلة. وروي أيضا هذا الكلام عن شعبة وغيره.
وممن أبطلها من أهل
الحديث إلامام إبراهيم بن إسحاق الحربي و أبو محمد
عبد الله بن محمد
إلاصبهاني الملقب بأبي الشيخ و الحافظ أبو نصر الوايلي السجزي. وحكى أبو نصر
فسادها عن بعض من لقيه. قال أبو نصر: وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون: قول المحدث
قد أجزت لك أن تروي عني تقديره أجزت لك ما لا يجوز في الشرع لأن الشرع لا يبيح
رواية ما لم يسمع.
قلت: ويشبه هذا ما حكاه
أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس
أحد أئمة الحنفية قال: من قال لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول
أجزت لك أن تكذب علي ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل
الحديث وغيرهم: القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها وفي إلاحتجاج لذلك غموض.
ويتجه أن يقول: إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته و قد أخبره بها جملة فهو كما لو
أخبره تفصيلا وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ
كما سبق وإنما الغرض حصول إلافهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة والله أعلم.
ثم إنه كما تجوز
الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا لمن قال من أهل الظاهر ومن تابعهم:
إنه لا يجب العمل به وإنه جار مجرى المرسل. وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح
في اتصال المنقول بها وفي الثقة به والله أعلم.
النوع الثاني: من
أنواع الإجازة: أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول: أجزت لك أو: لكم جميع
مسموعاتي أو: جميع مروياتي وما أشبه ذلك. فالخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر.
والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية بها أيضا وعلى
إيجاب العمل بما روي بها بشرطه والله أعلم.
النوع الثالث- من
أنواع الإجازة:
أن يجيز لغير معين
بوصف العموم مثل أن يقول أجزت للمسلمين أو: أجزت لكل أحد أو: أجزت لمن أدرك زماني
وما أشبه ذلك فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة واختلفوا في جوازه.
______
النوع الثالث من
أنواع الإجازة أن يجيز لغير معين بوصف العموم.
"قوله"
فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب انتهى.
تقدم أن المصنف اختار
عدم صحة الإجازة العامة وقال في هذه الصورة منها أنها أقرب إلى الجواز فلم يظهر من
كلامه في هذه الصورة المنع أو الصحة والصحيح في هذه الصورة الصحة فقد قال القاضى
عياض في كتاب الإلماع ما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت
منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان.
"قوله"
قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن
الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال
ضعفا كثيرا لا ينبغى احتماله والله أعلم انتهى.
وفيه أمور: أحدها :
أنه اعترض على المصنف بأن الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى
صحتها وأى فائدة لها غير الرواية بها انتهى.
ولا يحسن هذا الاعتراض
على المصنف فإنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن أحد أنه استعملها فروى بها ولا
يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها إما لاستغنائهم عنها بالسماع أو
احتياطا للخروج من خلاف من منع الرواية بها.
الأمر الثانى: أن ما
رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين وصححه النووى في الروضه من
زياداته فقال الأصح جوازها انتهى.
فإن كان ذلك مقيدا
بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب. وممن جوز ذلك كله الخطيب أبو بكر الحافظ.
وروينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ أنه قال: أجزت لمن قال لا إله إلا الله.
وجوز القاضي أبو الطيب الطبري أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه الخطيب الإجازة
لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة.
وأجاز أبو محمد بن
سعيد أحد الجلة من شيوخ إلاندلس: لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم. ووافقه على جواز
ذلك منهم أبو عبد الله بن عتاب رضي الله عنهم. وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من جوابه:
__________
وممن أجازها أبو
الفضح أحمد بن الحسين بن خيرون البغدادى وأبو الوليد ابن رشد من أئمة المالكية
وأبو طاهر السلفي وخلائق كثيرون جمعهم الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبى
البدر الكاتب البغدادى في جزء كبير رتب أسماءهم فيه على حروف المعجم لكثرتهم ورجحه
أيضا أبو عمرو بن الحاجب من أئمة المالكية الأصولين.
الأمر الثالث أن
المصنف ذكر أنه لم ير ولم يسمع أن أحدا ممن يقتدى به روى بها وقد أحسن من وقف
عندما انتهى إليه ومع هذا فقد روى بها بعض الأئمة المتقدمين على ابن الصلاح
كالحافظ أبى بكر محمد بن خير بن عمر الأموى بفتح الهمزة الأشبيلى خال أبى القاسم
السهيلى فروى في برنامجه المشهور بالإجازة العامة وحدث بها من الحفاظ المتأخرين
الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى بإجازته العامة من المؤيد الطوسى وسمع
بها الحفاظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن
عثمان الذهبى وأبو محمد القاسم بن محمد البرزالى على الركن الطاووسى بإجازته العامة
من أبى جعفر الصيدلانى وغيره وقرأ بها شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائى على أبى
العباس أحمد ابن نعمة بإجازته العامة من داود بن معمر بن الفاخر وبالجملة ففي
النفس من الرواية بها شئ الاحتياط ترك الرواية بها والله أعلم.
أن من أدركه من
الحفاظ نحو أبي العلاء الحافظ وغيره كانوا يميلون إلى الجواز والله أعلم.
قلت: ولم نر
ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به: أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة
المستأخرة الذين سوغوها. والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع وإلاسترسال
ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله والله أعلم.
النوع الرابع- من
أنواع الإجازة: الإجازة للمجهول أو بالمجهول.
ويتشبث بذيلها
الإجازة المعلقة بالشرط. وذلك مثل أن يقول أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي. وفي وقته
ذلك جماعة مشتركون في هذا إلاسم والنسب ثم لا يعين المجاز له منهم. أو يقول أجزت
لفلان أن يروي عني كتاب السنن وهو يروي جماعة من كتب السنن المعروفة بذلك ثم لا
يعين فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها وليس من هذا القبيل ما إذا أجاز لجماعة مسمين
معينين بأنسابهم والمجيز جاهل بأعيانهم غير عارف بهم فهذا غير قادح كما لا يقدح
عدم معرفته به إذا حضر شخصه في السماع منه والله أعلم.
وإن أجاز للمسلمين
المنتسبين في إلاستجازة ولم يعرفهم بأعيانهم ولا بأنسابهم ولم يعرف عددهم ولم
يتصفح أسماءهم واحدا فواحدا فينبغي أن يصح ذلك أيضا كما يصح سماع من حضر مجلسه للسماع
منه وإن لم يعرفهم أصلا ولم يعرف عددهم ولا تصفح أشخاصهم واحدا واحدا.
وإذا قال أجزت لمن
يشاء فلان أو نحو ذلك فهذا فيه جهالة وتعليق بشرط فالظاهر أنه لا يصح وبذلك أفتى
القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي إذ سأله الخطيب الحافظ عن ذلك وعلل بأنه إجازة
لمجهول فهو كقوله أجزت لبعض الناس من غير تعيين.
وقد يعلل ذلك أيضا
بما فيها من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق على ما عرف عند
قوم.
وحكى الخطيب عن أبي
يعلي بن الفراء الحنبلي و أبي الفضل بن عمروس المالكي أنهما أجازا ذلك وهؤلاء
الثلاثة كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك وهذه الجهالة ترتفع في ثاني الحال عند
وجود المشيئة بخلاف الجهالة الواقعة فيما إذا أجاز لبعض الناس. وإذا قال: أجزت لمن
شاء فهو كما لو قال أجزت لمن شاء فلان بل هذه أكثر جهالة وانتشارا من حيث إنها
معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف تلك. ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة
منه له.
فإن أجاز لمن شاء
الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث إن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى
مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق
________
النوع الرابع- من
أنواع الإجازة للمجهول أو بالمجهول.
"قوله" فإن أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث أن مقتضى كل
إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا
بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة
الشافعيين في البيع بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول انتهى.
ولم يبين المصنف أيضا
تصحيحا في هذه الصورة بل جعلها أولى بالجواز والصحيح فيها عدم الصحة وقياس المصنف
لهذه الصورة على تجويز بعض الأئمة قول القائل بعتك هذا بكذا إن شئت ليس بجيد
والفرق بين المسألتين أن المبتاع معين في مسألة البيع والشخص المجاز مبهم في مسألة
الإجازة وإنما وزان مسألة البيع أن يقول أجزت لك أن تروى عنى إن شئت الرواية عنى
فإن الأظهر الأقوى في هذه الصورة الجواز كما ذكره المصنف بعد ذلك وفي مسألة البيع
التى قاس عليها المصنف مسألة الإجازة وجهان حكاهما الرافعى وقال أظهرهما أنه ينعقد.
تصريحا بما يقتضيه
الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة. ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في
البيع أن يقول: بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول: قبلت.
ووجد بخط أبي الفتح
محمد بن الحسين إلازدي الموصلي الحافظ أجزت رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي ذلك
عني.
أما إذا قال أجزت
لفلان كذا و كذا إن شاء روايته عني أو: لك إن شئت أو أحببت أو أردت فإلاظهر إلاقوى
أن ذلك جائز إذ قد انتفت فيه الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته والعلم عند
الله تعالى.
النوع الخامس- من
أنواع الإجازة: الإجازة للمعدوم. ولنذكر معه الإجازة للطفل الصغير.
هذا نوع خاض فيه قوم
من المتأخرين واختلفوا في جوازه ومثاله: أن يقول: أجزت لمن يولد لفلان
فإن عطف المعدوم في
ذلك على الموجود بأن قال: أجزت لفلان ولمن يولد له أو: أجزت لك ولولدك ولعقبك ما تناسلوا كان ذلك أقرب إلى الجواز من الأول.
ولمثل ذلك أجاز أصحاب
الشافعي رضي الله عنه في الوقف القسم الثاني دون الأول.
وقد أجاز أصحاب مالك
و أبي حنيفة رضي الله عنهما أو من قال ذلك منهم في الوقف القسمين كليهما وفعل هذا
الثاني في الإجازة من المحدثين المتقدمين أبو بكر بن أبي داود السجستاني فإنا
روينا عنه أنه سئل الإجازة فقال: قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة. يعني الذين لم
يولدوا بعد.
وأما الإجازة للمعدوم
ابتداء من غير عطف على موجود: فقد أجازها الخطيب
أبو بكر الحافظ وذكر
أنه سمع أبا يعلى بن الفراء الحنبلي و أبا الفضل بن عمروس المالكي يجيزان ذلك.
وحكى جواز ذلك أيضا أبو نصر بن الصباغ الفقيه فقال: ذهب قوم إلى أنه يجوز أن يجيز لمن يخلق. قال: وهذا إنما ذهب إليه من
يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة. ثم بين بطلان هذه الإجازة وهو الذي استقر
عليه رأي شيخه القاضي أبي الطيب الطبري إلامام وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره
لأن الإجازة في حكم إلاخبار جملة بالمجاز على ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة
فكما لا يصح إلاخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم. ولو قدرنا أن الإجازة إذن فلا يصح أيضا ذلك للمعدوم كما لا يصح إلاذن
في باب الوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة لا يصح فيها المأذون فيه من المأذون له.
وهذا أيضا يوجب بطلان
الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه قال الخطيب: سألت القاضي أبا الطيب الطبري
عن الإجازة للطفل الصغير هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة
سماعه ؟ فقال: لا يعتبر ذلك. قال: فقلت له: أن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة لمن لا يصح سماعه.
فقال: قد يصح أن يجيز ذلك للغائب عنه ولا يصح السماع له.
واحتج الخطيب لصحتها
للطفل: بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز للمجاز له أن يروي عنه وإلاباحة تصح
للعاقل وغير العاقل.
قال وعلى هذا رأينا
كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال
تمييزهم. ولم نرهم أجازوا لمن يكن مولودا في الحال.
قلت: كأنهم
رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ليؤدي به بعد حصول أهليته
حرصا على توسيع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه إلامة وتقريبه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
النوع السادس- من
أنواع الإجازة:
إجازة ما لم يسمعه
المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك أخبرني من
أخبر عن القاضي عياض بن موسى من فضلاء وقته بالمغرب قال: هذا لم أر من تكلم عليه
من المشايخ ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه.
ثم حكى عن أبي الوليد
يونس بن مغيث قاضي قرطبة: أنه سئل الإجازة بجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه
بعد فامتنع من ذلك فغضب السائل. فقال له بعض أصحابه: يا هذا يعطيك ما لم يأخذه ؟
هذا محال قال عياض: وهذا هو الصحيح.
قلت: ينبغي أن يبنى
هذا على أن الإجازة في حكم إلاخبار بالمجاز جملة أو: هي إذن ؟ فإن جعلت في حكم
إلاخبار لم تصح هذه الإجازة إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه. وإن جعلت إذنا انبنى
هذا على الخلاف في تصحيح إلاذن في باب الوكالة فيما لم يملكه إلاذن الموكل بعد مثل
أن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه. وقد أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي والصحيح
بطلان هذه الإجازة. وعلى هذا يتعين على من يريد أن يروي بالإجازة عن شيخ أجاز له
جميع مسموعاته مثلا: أن يبحث حتى يعلم أن ذاك الذي يريد روايته عنه مما سمعه قبل
تاريخ هذه الإجازة. وأما إذا قال: أجزت لك ما صح ويصح عندك من مسموعاتي فهذا ليس
من هذا القبيل. وقد فعله الدارقطني وغيره. وجائز أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل الإجازة. ويجوز
ذلك وإن اقتصر على قوله: ما صح عندك ولم يقل وما يصح لأن المراد: أجزت لك
أن تروي عني ما صح عندك. فالمعتبر إذا فيه صحة ذلك عنده حالة الرواية. والله أعلم.
النوع السابع- من
أنواع الإجازة:
إجازة المجاز. مثل أن
يقول الشيخ أجزت لك مجازاتي. أو: أجزت لك رواية ما أجيز لي روايته فمنع من ذلك بعض
من لا يعتد به من المتأخرين.
والصحيح والذي عليه
العمل أن ذلك جائز ولا يشبه ذلك ما امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن الموكل. ووجدت عن
أبي عمرو السفاقسي الحافظ المغربي قال: سمعت أبا نعيم الحافظ إلاصبهاني يقول:
الإجازة على الإجازة قوية جائزة.
وحكى الخطيب الحافظ
تجويز ذلك عن الحافظ إلامام أبي الحسن الدارقطني و الحافظ أبي العباس المعروف بابن
عقدة الكوفي وغيرهما. وقد كان الفقيه الزاهد نصر بن إبراهيم المقدسي يروي بالإجازة
عن الإجازة حتى ربما والى في روايته بين إجازات ثلاث وينبغي لمن يروي بالإجازة عن
الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج
تحتها. فإذا كان مثلا صورة إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فرأى
شيئا من مسموعات شيخ شيخه فليس له أن يروي ذلك عن شيخه عنه حتى يستبين أنه مما كان
قد صح عند شيخه كونه من سماعات شيخه الذي تلك إجازته ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده
إلان عملا بلفظه وتقييده. ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره والله أعلم.
هذه أنواع الإجازة
التي تمس الحاجة إلى بيانها ويتركب منها أنواع أخر سيتعرف المتأمل حكمها مما
أمليناه إن شاء الله تعالى.
ثم إنا ننبه على أمور:
أحدها : روينا عن
أبي الحسين أحمد فارس إلاديب المصنف رحمه الله قال: معنى الإجازة في كلام العرب
مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية
والحرث يقال منه:
استجزت فلانا فأجاز لي إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك. كذلك طالب العلم: يسأل
العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه.
قلت: فللمجيز
على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو: مروياتي فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة
إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو ذلك. ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ
وإلاذن وإلاباحة وذلك هو المعروف فيقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن يقول
منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفي نظيره والله أعلم.
الثاني : إنما يستحسن
الإجازة إذا كان المجيز عالما بما يجيز والمجاز له من أهل العلم لأنها توسع وترخيص
يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها. وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطا فيها.
وحكاه أبو العباس الوليد بن بكر المالكي عن مالك رضي الله عنه.
وقال الحافظ أبو عمر:
الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة وفي شيء معين لا يشكل إسناده والله أعلم.
الثالث : ينبغي
للمجيز إذا كتب أجازته أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة كان ذلك إجازة جائزة
إذا اقترن بقصد الإجازة. غير أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ بها. وغير مستبعد
تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية التي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع
أنه لم يلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بما قرئ عليه على ما تقدم بيانه والله أعلم.
القسم الرابع من
أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه: المناولة.
وهي على نوعين:
أحدهما : المناولة
المقرونة بالإجازة وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق. ولها صور:
منها: أن يدفع
الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول هذا سماعي أو: روايتي عن فلان
فاروه عني أو: أجزت لك روايته عني ثم يملكه إياه. أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم
رده إلي أو نحو هذا.
ومنها: أن يجيء
الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ
ثم يعيده إليه ويقول له وقفت على ما فيه وهو حديثي عن فلان أو: روايتي
عن شيوخي فيه فاروه عني أو: أجزت لك روايته عني. وهذا قد سماه غير واحد من أئمة
الحديث عرضا. وقد سبقت حكايتنا في القراءة على الشيخ أنها تسمى عرضا فلنسم ذلك عرض
القراءة وهذا عرض المناولة والله أعلم.
وهذه المناولة
المقترنة بالإجازة: حالة محل السماع عند مالك وجماعة من أئمة أصحاب الحديث. وحكى
الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في عرض المناولة المذكور عن كثير من
المتقدمين: أنه سماع. وهذا مطرد في سائر ما يماثله من صور المناولة المقرونة
بالإجازة. فممن حكى الحاكم ذلك عنهم ابن شهاب الزهري و ربيعة الرأي و يحيى بن سعيد
الأنصاري و مالك بن أنس إلامام في آخرين من المدنيين و مجاهد و أبو الزبير و ابن
عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعيان والشعبي
في جماعة من الكوفيين
وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل الناجي في طائفة من البصريين وابن وهب وابن
القاسم وأشهب في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين والخراسانيين ورأى الحاكم طائفة
من مشايخه على ذلك وفي كلامه بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض
القراءة بما ورد في عرض المناولة وساق الجميع مساقا واحدا.
والصحيح: أن ذلك غير
حال محل السماع وأنه منحط عن درجة التحديث لفظا وإلاخبار قراءة.
وقد قال الحاكم في
هذا العرض: أما فقهاء إلاسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعا
وبه قال الشافعي وإلاوزاعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن
حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه. قال: وعليه عهدنا أئمتنا وإليه
ذهبوا وإليه نذهب والله أعلم.
_________
القسم الرابع من
أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه المناولة.
قوله قال الحاكم في
هذا العرض أي عرض المناولة أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم
لم يروه سماعا وبه قال الأوزاعي والشافعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة وسفيان
الثوري إلى آخر كلامه اعترض على المصنف بذكر أبى حنيفة مع المذكورين فإن من عدا
أبا حنيفة يرى صحة المناولة وأنها دون السماع وأما أبو حنيفة فلا يرى صحتها أصلا
كما ذكره صاحب القنية فقال إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع ذلك
ولم يعرفه فعند أبى حنيفة ومحمد لا يجوز روايته وعند أبى يوسف يجوز انتهى.
قلت لم يكتف صاحب القنية
في نقله عن أبى حنيفة لعدم الصحة بكونه لم ويسمعه فقط بل زاد على ذلك بقوله ولم
يعرفه فإن كان الضمير في يعرفه عائدا على المجاز وهو الظاهر لتتفق الضمائر فمقتضاه
أنه إذا عرف المجاز ما أجيز له أنه يصح بخلاف ما ذكر المعترض
ومنها: أن يناول
الشيخ الطالب كتابه ويجيز له روايته عنه ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه فهذا
يتقاعد عما سبق لعدم احتواء الطالب على ما تحمله وغيبته عنه. وجائز له رواية ذلك
عنه إذا ظفر بالكتاب أو: بما هو مقابل به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته
الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة.
ثم إن المناولة في
مثل هذا لا يكاد يظهر حصول مزية بها على الإجازة الواقعة في معين كذلك من غير
مناولة. وقد صار غير واحد من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثير لها ولا
فائدة. غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث أو من حكي ذلك عنه منهم
يرون لذلك مزية معتبرة والعلم عند الله تبارك وتعالى.
ومنها: أن يأتي
الطالب الشيخ بكتاب أو جزء فيقول هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إلى ذلك
من غير أن ينظر فيه ويتحقق روايته لجميعه فهذا لا يجوز ولا يصح.
فإن كان الطالب
موثوقا بخبره ومعرفته جاز إلاعتماد عليه في ذلك وكان ذلك
_________
أنه لا يرى صحتها
أصلا وإن كان الضمير يعود على الشيخ المجيز فقد ذكر المصنف بعد هذا أن الشيخ إذا
لم ينظر ويتحقق روايته لجميعه لا يجوز ولا يصح ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقا
بخبره فإنه يجوز الاعتماد عليه انتهى.
وهذه الصورة لا يوافق
على صحتها أبو حنيفة بل لابد أن يكون الشيخ حافظا لحديثه أو ممسكا لأصله وهو الذى
صححه إمام الحرمين كما تقدم بل أطلق الآمدي النقل عن أبى حنيفة وأبى يوسف أن
الإجازة غير صحيحة والله تعالى أعلم.
ويجوز أن يكون أبو
حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة الخالية عن المناولة فقد حكى القاضى عياض
في كتاب الإلماع عن كافة أهل النقل والآراء والتحقيق من أهل النظر القول بصحة
المناولة المقروبة بالإجازة.
إجازة جائزة كما جاز
في القراءة على الشيخ إلاعتماد على الطالب حتى يكون هو القارىء من الأصل إذا كان
موثوقا به معرفة ودينا.
قال الخطيب أبو بكر
رحمه الله: ولو قال حدث بما في هذا الكتاب عني إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط
والوهم كان ذلك جائزا حسنا والله أعلم.
الثاني : المناولة
المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره أولا ويقتصر على قوله هذا من
حديثي أو: من سماعاتي ولا يقول اروه عني أو: أجزت لك روايته عني ونحو ذلك
فهذه مناولة مختلة لا
تجوز الرواية بها وعابها غير واحد من الفقهاء وإلاصوليين على المحدثين الذين
أجازوها وسوغوا الرواية بها.
وحكى الخطيب عن طائفة
من أهل العلم: أنهم صححوها وأجازوا الرواية بها وسنذكر إن شاء الله سبحانه وتعالى
قول من أجاز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب: أن هذا الكتاب سماعه من فلان. وهذا
يزيد على ذلك ويترجح بما فيه من المناولة فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في
الرواية والله أعلم.
القول في عبارة
الراوي بطريق المناولة والإجازة:
حكي عن قوم من
المتقدمين ومن بعدهم: أنهم جوزوا إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة حكي
ذلك عن الزهري ومالك وغيرهما وهو لائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم: أنهم
جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعا. وحكي أيضا عن قوم مثل ذلك في الرواية بالإجازة.
وكان الحافظ أبو نعيم
إلاصبهاني صاحب التصانيف الكثيرة في علم الحديث يطلق أخبرنا فيما يرويه بالإجازة.
روينا عنه أنه قال: أنا إذا قلت حدثنا فهو سماعي وإذا قلت أخبرنا على الإطلاق فهو
إجازة من غير أن أذكر فيه إجازة
أو كتابة أو كتب إلي.
أو أذن لي في الرواية عنه.
وكان أبو عبيد الله
المرزباني إلاخباري صاحب التصانيف في علم الخبر يروي أكثر ما في كتبه إجازة من غير
سماع ويقول في الإجازة أخبرنا ولا يبينها وكان ذلك فيما حكاه الخطيب مما عيب به.
والصحيح والمختار
الذي عليه عمل الجمهور وإياه اختار أهل التحري والورع المنع في ذلك من إطلاق حدثنا
وأخبرنا ونحوهما من العبارات وتخصيص ذلك بعبارة تشعر به بأن يقيد هذه العبارات فيقول:
أخبرنا أو: حدثنا فلان مناولة وإجازة أو: أخبرنا إجازة أو: أخبرنا مناولة أو:
أخبرنا إذنا أو: في إذنه أو: فيما أذن لي فيه أو: فيما أطلق لي روايته عنه. أو
يقول: أجاز لي فلان أو: أجازني فلان كذا وكذا أو: ناولني فلان وما أشبه ذلك من
العبارات وخصص قوم الإجازة بعبارات لم يسلموا فيها من التدليس أو طرف منه كعبارة
من يقول في الإجازة أخبرنا مشافهة إذا كان قد شافهه بالإجازة لفظا كعبارة من يقول
أخبرنا فلان كتابة أو: فيما كتب إلي أو: في كتابه إذا كان قد أجازه بخطه. فهذا وإن
تعارفه في ذلك طائفة من المحدثين المتأخرين فلا يخلو عن طرف من التدليس لما فيه من
الاشتراك والاشتباه بما إذا كتب إليه ذلك الحديث بعينه.
وورد عن الأوزاعي أنه
خصص الإجازة بقوله خبرنا بالتشديد والقراءة عليه بقوله أخبرنا واصطلح قوم من المتأخرين
على إطلاق أنبأنا في الإجازة وهو الوليد ابن بكر صاحب الوجازة في الإجازة.
وقد كان أنبأنا عند
القوم فيما تقدم بمنزلة أخبرنا وإلى هذا نحا الحافظ المتقن
أبو بكر البيهقي إذ
كان يقول أنبأني فلان إجازة وفيه أيضا رعاية لاصطلاح المتأخرين والله أعلم.
وروينا عن الحاكم أبي
عبد الله الحافظ رحمه الله أنه قال: الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة
عصري: أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها أنبأني فلان وفيما كتب
إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإجازة كتب إلي فلان.
وروينا عن أبي عمرو
بن أبي جعفر بن حمدان النيسابوري قال: سمعت أبي يقول: كل ما قال البخاري قال لي
فلان فهو عرض ومناولة.
قلت: وورد عن
قوم من الرواة التعبير عن الإجازة بقول أخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو: أخبره.
وبلغنا ذلك عن إلامام أبي سليمان الخطابي أنه اختاره أو حكاه وهذا اصطلاح بعيد عن
إلاشعار بالإجازة وهو فيما إذا سمع منه الإسناد فحسب وأجاز له ما رواه قريب فإن
كلمة أن في قوله أخبرني فلان أن فلانا أخبره فيها إشعار بوجود أصل إلاخبار وإن
أجمل المخبر به ولم يذكره تفصيلا.
قلت: وكثيرا
ما يعبر الرواة المتأخرون عن الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ المسمع بكلمة
عن فيقول أحدهم إذا سمع على شيخ بإجازته عن شيخه قرأت على فلان عن فلان وذلك قريب
فيما إذا كان قد سمع منه بإجازته عن شيخه إن لم يكن سماعا فإنه شاك.
وحرف عن مشترك بين
السماع والإجازة صادق عليهما والله أعلم.
ثم اعلم: أن المنع من
إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة لا يزول بإباحة المجيز لذلك كما اعتاده قوم من
المشايخ من قولهم في إجازتهم لمن يجيزون له إن شاء قال
حدثنا وإن شاء قال
أخبرنا فليعلم ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى.
القسم الخامس: من
أقسام طرق نقل الحديث وتلقيه: المكاتبة:
وهي أن يكتب الشيخ
إلى الطالب وهو غائب شيئا من حديثه بخطه أو يكتب له ذلك وهو حاضر. ويلتحق بذلك ما
إذا أمر غيره بأن يكتب له ذلك عنه إليه وهذا القسم ينقسم أيضا إلى نوعين:
أحدهما: أن تتجرد
المكاتبة عن الإجازة والثاني: أن تقترن بالإجازة بأن يكتب إليه ويقول أجزت لك ما كتبته لك أو: ما
كتبت به إليك أو نحو ذلك من عبارات الإجازة.
أما إلاول: وهو ما
إذا اقتصر على المكاتبة: فقد أجاز الرواية بها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم
أيوب السختياني و منصور و الليث بن سعد وقاله غير واحد من الشافعيين وجعلها أبو المظفر
السمعاني منهم أقوى من الإجازة وإليه صار غير واحد من إلاصوليين وأبى ذلك قوم
آخرون. وإليه صار من الشافعيين القاضي الماوردي وقطع به في كتابه الحاوي والمذهب
إلاول هو الصحيح المشهور بين أهل الحديث. وكثيرا ما يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم
قولهم كتب إلي فلان قال: حدثنا فلان والمراد به هذا. وذلك معمول به عندهم معدود في
المسند الموصول. وفيها إشعار قوي بمعنى الإجازة فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظا
فقد تضمنت الإجازة معنى ثم يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب وإن لم تقم
البينة عليه ومن الناس من قال: الخط يشبه الخط فلا يجوز إلاعتماد على ذلك. وهذا
غير مرضي لأن ذلك نادر والظاهر: أن خط إلانسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه التباس.
ثم ذهب غير واحد من
علماء المحدثين وأكابرهم منهم الليث بن سعد و منصور: إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا
في الرواية بالمكاتبة والمختار: قول من يقول فيها
كتب إلي فلان قال:
حدثنا فلان بكذا وكذا وهذا هو الصحيح اللائق بمذاهب أهل التحري والنزاهة. وهكذا لو
قال أخبرني به مكاتبة أو كتابة ونحو ذلك من العبارات أما المكاتبة المقرونة بلفظ
الإجازة: فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة والله أعلم.
القسم السادس: من
أقسام الأخذ ووجوه النقل إعلام الراوي للطالب بأن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه
من فلان أو روايته. مقتصرا على ذلك من غير أن يقول اروه عني أو: أذنت لك في روايته
ونحو ذلك فهذا عند كثيرين طريق مجوز لرواية ذلك عنه ونقله.
حكي ذلك عن ابن جريج
وطوائف من المحدثين والفقهاء والأصليين والظاهريين وبه قطع أبو نصر بن الصباغ من
الشافعيين واختاره ونصره أبوالعباس الوليد بن بكر الغمري المالكي في كتاب الوجازة
في تجويز الإجازة.
وحكى القاضي أبو محمد
بن خلاد الرامهرمزي صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي عن بعض أهل الظاهر: أنه
ذهب إلى ذلك واحتج له. وزاد فقال: لو قال له هذه روايتي لكن لا تروها عني كان له
أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا ثم قال له لا تروه عني ولا أجيزه لك لم يضره
ذلك ووجه مذهب هؤلاء اعتبار ذلك بالقراءة على الشيخ فإنه إذا قرأ عليه شيئا من
حديثه وأقر بأنه روايته عن فلان بن فلان جاز له أن يرويه عنه وإن لم يسمعه من لفظه
ولم يقل له اروه عني أو: أذنت لك في روايته عني والله أعلم.
والمختار: ما ذكر عن
غير واحد من المحدثين وغيرهم من: أنه لا تجوز الرواية بذلك. وبه قطع الشيخ أبو
حامد الطوسي من الشافعيين ولم يذكر غير ذلك. وهذا لأنه قد يكون ذلك مسموعه وروايته
ثم لا يأذن له في روايته عنه لكونه لا يجوز
روايته لخلل يعرفه
فيه ولم يوجد منه التلفظ به ولا ما يتنزل منزلة تلفظه به وهو تلفظ القارئ عليه وهو
يسمع ويقر به حتى يكون قول الراوي عنه السامع ذلك حدثنا وأخبرنا صدقا وإن لم يأذن
له فيه وإنما هذا كالشاهد إذا ذكر في غير مجلس الحكم شهادته بشيء فليس لمن سمعه أن
يشهد على شهادته إذا لم يأذن له ولم يشهده على شهادته وذلك مما تساوت فيه الشهادة
والرواية لأن المعنى يجمع بينهما في ذلك وإن افترقا في غيره ثم إنه يجب عليه العمل
بما ذكره له إذا صح إسناده وإن لم تجز له روايته عنه لأن ذلك يكفي فيه صحته في
نفسه والله أعلم.
القسم السابع من
أقسام إلاخذ والتحمل: الوصية بالكتب أن يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره
لشخص.
فروي عن بعض السلف
رضي الله تعالى عنهم: أنه جوز بذلك رواية الموصى له لذلك عن الموصي الراوي. وهذا
بعيد جدا وهو إما زلة عالم أو متأول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة التي
يأتي شرحها إن شاء الله تعالى.
وقد احتج بعضهم لذلك
فشبهه بقسم إلاعلام وقسم المناولة ولا يصح ذلك فإن لقول من جوز الرواية بمجرد
إلاعلام والمناولة مستندا ذكرناه لا يتقرر مثله ولا قريب منه ههنا والله أعلم.
القسم الثامن الوجادة:
وهي مصدر ل وجد يجد
مولد غير مسموع من العرب.
روينا عن المعافي بن
زكريا النهرواني العلامة في العلوم: أن المولدين فرعوا قولهم وجادة فيما أخذ من
العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد
للتمييز بين المعاني المختلفة يعني قولهم وجد ضالته وجدنا ومطلوبه وجودا وفي الغضب
موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا.
مثال الوجادة: أن يقف
على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو: لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي
وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها.
______
القسم الثامن الوجادة
"قوله" روينا عن المعافي بن عمران أن المولدين فزعوا قولهم وجادة فيما أخذ من
العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد
للتمييز بين المعانى المختلفة يعنى قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفي
الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا انتهى.
ذكر المصنف خمسة
مصادر مسموعة لوجد باختلاف معانيه وبقى عليه ثلاثة مصادر أحدها وجده في الغضب وفي
الغنى أيضا وفي المطلوب أيضا والثانى إجدان بكسر الهمزة في الضالة وفي المطلوب أيضا
حكاها صاحب المحكم في الضالة فقط ووجد بكسر الواو في الغنى واقتصر المصنف في كل
معنى من المعانى المذكورة على مصدر واحد وقد تقدم أن للضالة مصدرا آخر وهو إجدان
وللمطلوب خمسة مصادر أخر وهى جدة كما تقدم ووجد بالفتح ووجد بالضم ووجدان وإجدان
وللغضب ثلاثة مصارد أخر وجد بالفتح ووجدة ووجدان كما تقدم وللغنى مصدران آخران وجد
بالكسر أيضا وجدة.
"قوله"
مثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم
فله أن يقول وجدت بخط
فلان أو: قرأت بخط فلان أو: في كتاب فلان بخطه: أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه
ويسوق سائر الإسناد والمتن. أو: يقول وجدت أو: قرأت بخط فلان عن فلان ويذكر الذي حدثه ومن فوقه هذا الذي استمر عليه
العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال بقوله
وجدت بخط فلان.
وربما دلس بعضهم فذكر
الذي وجد خطه وقال فيه عن فلان أو: قال فلان وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم
سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا وأخبرنا وانتقد
ذلك على فاعله وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان أو:
قال فلان: أخبرنا فلان أو: ذكر فلان عن فلان. وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال.
وهذا كله إذا وثق
بأنه خط المذكور أو كتابه فإن لم يكن كذلك فليقل بلغني عن فلان أو: وجدت عن فلان
أو: نحو ذلك من العبارات. أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول ما قاله بعض من تقدم
قرأت في كتاب فلان بخطه وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في كتاب ظننت أنه بخط
فلان أو: في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو في كتاب قيل إنه بخط فلان.
_________
يلقه أو لقيه ولكن لم
يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها إلى آخر كلامه قلت اشتراط
المصنف في الوجادة أن يكون ذلك الشيخ الذي وجد ذلك الموجود بخطه لا إجازة له منه
ليس بجيد ولذلك لم يذكره القاضي عياض في حد الوجادة في كتاب الإلماع وجرت عادة أهل
الحديث باستعمال الوجادة مع الإجازة فيقول أحدهم وجدت بخط فلان وإجازه لى وكأن
المصنف إنما أراد بيان الوجادة الخالية عن الإجازة هل هي مستند صحيح في الرواية أو
لا وحكى الخلاف فيه والله أعلم.
وإذا أراد أن ينقل من
كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال فلان كذا وكذا إلا إذا وثق بصحة النسخة بأن
قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر النوع إلاول. وإذا لم
يوجد ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا أو: وجدت في نسخة من الكتاب
الفلاني وما أشبه هذا من العبارات.
وقد يتسامح أكثر
الناس في هذه إلازمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم
كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال
فلان كذا وكذا أو: ذكر فلان كذا وكذا والصواب ما قدمناه: فإن كان المطالع عالما
فطنا بحيث لا يخفي عليه في الغالب مواضع إلاسقاط والسقط وما أحيل عن جهته إلى
غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك. وإلى هذا فيما احسب
استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس والعلم عند الله تعالى. هذا كله
كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة.
وأما جواز العمل اعتمادا
على ما يوثق به منها: فقد روينا عن بعض المالكية: أن معظم المحدثين والفقهاء من
المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك.
وحكي عن الشافعي
وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل به.
قلت: قطع بعض
المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به. وقال: لو عرض
ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه. وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في إلاعصار
المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط
الرواية فيها على ما تقدم في النوع إلاول والله أعلم.
النوع الخامس
والعشرون: في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده:اختلف الصدر إلاول رضي الله
عنهم في كتابة الحديث فمنهم من كره كتابة الحديث والعلم وأمروا بحفظه ومنهم من
أجاز ذلك وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو
سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين.
وروينا عن أبي سعيد الخدري:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن ومن كتب
عني شيئا غير القرآن فليمحه" . أخرجه مسلم في صحيحه وممن روينا عنه إباحة ذلك
أو فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة
والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ومن صحيح حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم الدال على جواز: ذلك حديث أبي شاه اليمني في التماسه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام فتح مكة وقوله
صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" .
ولعله صلى الله عليه
وسلم أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان ونهى عن الكتابة عنه من وثق بحفظه
مخافة إلاتكال على الكتاب. أو نهى عن كتابة ذلك حين خاف عليهم اختلاط ذلك بصحف
القرآن العظيم وأذن في كتابته حين أمن من ذلك.
وأخبرنا أبو الفتح بن
عبد المنعم الفراوي قراءة عليه بنيسابور جبرها الله أخبرنا أبو المعالي الفارسي:
أخبرنا الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن بشران: أخبرنا أبو عمرو بن
السماك: حدثنا حنبل بن إسحاق: حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا الوليد هو ابن مسلم
قال: كان إلاوزاعي يقول: كان هذا العلم كريما يتلقاه الرجال بينهم فلما دخل في
الكتب دخل فيه غير أهله.
ثم إنه زال ذلك
الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس في
الاعصر الآخرة والله أعلم.
ثم إن على كتبة
الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبط ما يكتبونه أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم على
الوجه الذي رووه شكلا ونقطا يؤمن معهما إلالتباس. وكثيرا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتيقظه وذلك وخيم العاقبة فإن
إلانسان معرض للنسيان وأول ناس أول الناس وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع
من أشكاله ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس. وقد أحسن
من قال: إنما يشكل ما يشكل.
وقرأت بخط صاحب كتاب
سمات الخط ورقومه علي بن إبراهيم البغدادي فيه: أن أهل العلم يكرهون إلاعجام
وإلاعراب إلا في الملتبس.
وحكى غيره عن قوم أنه
ينبغي أن يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا
يميز ما يشكل مما لا يشكل ولا صواب الإعراب من خطئه والله أعلم.
وهذا بيان أمور مفيدة
في ذلك:
إحداها: ينبغي أن
يكون اعتناؤه من بين يلتبس بضبط الملتبس من أسماء الناس أكثر فإنها لا تستدرك بالمعنى
ولا يستدل عليها بما قبل وما بعد.
الثاني : يستحب في
إلالفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية
مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من التباسها وما ضبطه في أثناء إلاسطر
ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه وتحته لا سيما عند دقة الخط وضيق إلاسطر وبهذا
جرى رسم جماعة من أهل الضبط والله أعلم.
الثالث : يكره
الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه. روينا عن حنبل بن إسحاق: قال رآني أحمد بن حنبل
وأنا أكتب خطا دقيقا فقال: لا تفعل أحوج ما تكون إليه يخونك.
وبلغنا عن بعض
المشايخ أنه كان إذا رأى خطا دقيقا قال: هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله
والعذر في ذلك هو مثل
أن لا يجد في الورق سعة أو يكون رحإلا يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه
ونحو هذا والله أعلم.
________
النوع الخامس
والعشرون- في كتابة الحديث.
"قوله"
يستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة
ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة انتهى.
اقتصر المصنف على ذكر
كتابة اللفظة المشكلة في الحاشية مفردة مضبوطة ولم يتعرض لتقطيع حروفها وهو متداول
بين أهل الضبط وفائدته ظهور شكل الحرف بكتابته مفردا كالنون والياء إذا وقعت في
أول الكلمة أو في وسطها ونقله ابن دقيق العيد في الاقتراح عن أهل الاتقان فقال ومن
عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية
ويضبطوها حرفا حرفا.
الرابع : يختار له
في خطه التحقيق دون المشق والتعليق. بلغنا عن ابن قتيبة قال: قال عمر
بن الخطاب رضي الله عنه: شر الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة وأجود الخط أبينه
والله أعلم.
الخامس : كما تضبط
الحروف المعجمة بالنقط كذلك ينبغي أن تضبط المهملات غير المعجمة بعلامة إلاهمال
لتدل على عدم إعجامها.
وسبيل الناس في ضبطها
مختلف:
فمنهم من يقلب النقط
فيجعل النقط الذي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد
والطاء والعين ونحوها من المهملات.
وذكر بعض هؤلاء أن
النقط التي تحت السن المهملة تكون مبسوطة صفا والتي فوق الشين المعجمة تكون
كإلاثافي ومن الناس من يجعل علامة إلاهمال فوق الحروف المهملة كقلامة الظفر مضطجعة
على قفاها ومنهم من يجعل تحت الحاء المهملة حاء مفردة صغيرة وكذا تحت الدال والطاء
والصاد والسين والعين وسائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك.
فهذه وجوه من علامات
إلاهمال شائعة معروفة.
وهناك من العلامات ما
هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له
______
"قوله" وسبيل الناس في ضبطها أى الحروف المهملة مختلف فمنهم من يقلب النقط
فيجعل النقط الذى فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد
والطاء والعين ونحوها من المهملات انتهى.
أطلق المصنف في هذه العلامة
قلب النقط العلوية في المعجمات إلى أسفل المهملات وتبع في ذلك القاضى عياضا ولابد
من استثناء الحاء المهملة لأنها لو نقطت من أسفل صارت جيما.
"قوله"
وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة.
الكثيرون كعلامة من
يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا وكعلامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة
والله أعلم.
السادس : لا ينبغي
أن يصطلح مع نفسه في كتابه بما لا يفهمه غيره فيوقع غيره في حيرة كفعل من يجمع في
كتابه بين روايات مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف واحد من اسمه أو حرفين وما
أشبه ذلك. فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك العلامات والرموز فلا بأس. ومع
ذلك فإلاولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل رواية اسم راويها بكماله مختصرا ولا
يقتصر على العلامة ببعضه والله أعلم.
السابع : ينبغي أن
يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز. وممن بلغنا عنه ذلك من إلائمة أبو الزناد و أحمد بن حنبل و إبراهيم بن
إسحاق الحربي و محمد بن جرير الطبري رضي الله عنهم.
واستحب الخطيب الحافظ
أن تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه
نقطة أو يخط في وسطها خطا.
قال: وقد كان بعض أهل
العلم لا يعتد من سماه إلا بما كان كذلك أو في معناه والله أعلم.
الثامن : يكره له في
مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد في آخر
________
ولا يفطن له كثيرون
كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا انتهى.
اقتصر المصنف في هذه
العلامة على جعل خط صغير فوق الحرف المهمل وترك فيه زيادة ذكرها القاضى عياض في
الإلماع فحكى عن بعض أهل المشرق أنه يعلم فوق الحرف المهمل بخط صغير يشبه النبرة
فحذف المصنف منه ذكر النبرة والمصنف إنما أخذ ضبط الحروف المهملة بهذه العلامات من
الإلماع للقاضى عياض وإذا كان كذلك فحذفه لقوله يشبه النبرة يخرج هذه العلامة عن
صفتها فإن النبرة هى الهمزة كما قال الجوهرى وصاحب المحكم ومقتضى كلام المصنف أنها
كالنصبة لا كالهمزة والله أعلم.
"قوله"
يكره له في مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد في آخر سطر والباقى
سطر والباقي في أول
السطر إلاخر. وكذلك يكره في عبد الرحمن بن فلان وفي سائر إلاسماء المشتملة على
التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر واسم الله مع سائر النسب في أول السطر
إلاخر. وهكذا يكره أن يكتب قال رسول في آخر سطر ويكتب في أول السطر الذي يليه الله
صلى الله تعالى عليه وسلم وما أشبه ذلك والله أعلم.
التاسع : ينبغي له أن
يحافظ على كتبة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذكره
ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة
الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما وقد روينا لأهل ذلك منامات صالحة وما
يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية ولا يقتصر
فيه على ما في الأصل وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو عز وجل
و تبارك وتعالى وما ضاهى ذلك. وإذا وجد شيء من ذلك قد جاءت به الرواية كانت
العناية بإثباته وضبطه أكثر.
وما وجد في خط أبي
عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من إغفال ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه
وسلم: فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في
ذلك في جميع من فوقه من الرواة.
قال الخطيب أبو بكر:
وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقا
________
في أول السطر الآخر
إلى آخر كلامه اقتصر المصنف في هذا على الكراهة والذى ذكره الخطيب في كتاب الجامع
امتناع ذلك فإنه روى فيه عن أبى عبد الله بن بطة أنه قال هذا كله غلط قبيح فيجب
على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله ويتحفظ منه قال الخطيب وهذا الذى ذكره أبو عبد الله
صحيح فيجب اجتنابه انتهى.
واقتصر ابن دقيق
العيد في الاقتراح على جعل ذلك من الآداب لا من الواجبات والله أعلم.
لا خطا. قال: وقد
خالفه غيره من إلائمة المتقدمين في ذلك وروي عن علي بن المديني و عباس بن عبد
العظيم العنبري قإلا: ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل
حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه والله أعلم.
ثم ليتجنب في إثباتها
نقصين:
أحدهما : أن يكتبها
منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك.
والثاني : أن
يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب وسلم وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين. سمعت أبا
القاسم منصور بن عبد المنعم و أم المؤيد بنت أبي القاسم بقرائتي عليهما قإلا:
سمعنا أبا البركات عبد الله بن محمد الفراوي لفظا قال: سمعت المقرئ ظريف بن محمد
يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: سمعت أبي يقول: سمعت حمزة
الكناني يقول: كنت أكتب الحديث وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه ولا أكتب
وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال لي: ما لك لا تتم الصلاة
علي؟ قال: فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت وسلم.
وقع في الأصل في شيخ
المقري ظريف عبد الله وإنما هو عبيد الله بالتصغير ومحمد بن إسحاق أبوه هو أبو عبد
الله بن منده فقوله الحافظ إذا مجرور.
قلت: ويكره أيضا
إلاقتصار على قوله عليه السلام والله أعلم.
العاشر: على الطالب
مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن كان إجازة
روينا عن عروة بن
الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام: كتبت ؟ قال: نعم قال: عرضت كتابك ؟
قال: لا قال: لم تكتب.
وروينا عن الشافعي
الإمام وعن يحيى بن أبي كثير قإلا: من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج وعن
إلاخفش قال: إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم
_______
"قوله"
وروينا عن الشافعى الإمام وعن يحيى بن كثير قالا من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء
ولم يستنج انتهى.
نسخ ولم يعارض خرج
أعجميا.
ثم إن أفضل المعارضة:
أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في حال تحديثه إياه من كتابه
لما يجمع ذلك من وجوه إلاحتياط وإلاتقان من الجانبين. وما لم تجتمع فيه هذه
إلاوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها. وما ذكرناه أولى من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي قوله:
أصدق المعارضة مع نفسك ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه
نسخة لا سيما إذا أراد النقل منها وقد روي عن يحيى بن معين: أنه سئل عمن لم ينظر
في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك ؟ فقال: أما عندي فلا يجوز ولكن عامة
الشيوخ هكذا سماعهم.
قلت: وهذا من مذاهب
أهل التشديد في الرواية وسيأتي ذكر مذهبهم إن شاء الله تعالى. والصحيح: أن ذلك لا
يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة وأنه لا يشترط أن
يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن
كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه.
_______
هكذا ذكره المصنف عن
الشافعى وإنما هو معروف عن الأوزاعى وعن يحيى بن أبى كثير وقد رواه عن الأوزاعى
أبو عمر بن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم من رواية بقية عن الأوزاعى ومن طريق
ابن عبد البر رواه القاضى عياض في كتاب الإلماع بإسناده ومنه يأخذ المصنف كثيرا
وكأنه سبق قلمه من الأوزاعى إلى الشافعى وأما قول يحيى بن أبى كثير فرواه ابن عبد
البر أيضا والخطيب في كتاب الكفاية وفي كتاب الجامع من رواية أبان بن يزيد عن يحيى
بن أبى كثير ولم أر لهذا ذكرا عن الشافعى في شئ من الكتب المصنفة في علوم الحديث
ولا في شئ من مناقب الشافعى والله أعلم.
قلت: وجائز أن تكون
مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل السماع وكذلك إذا قابل بأصل
أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ لأن الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل
سماعه وكتاب شيخه فسواء حصل ذلك بواسطة أو بغير واسطة ولا يجزئ ذلك عند من قال: لا
تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة
وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له.
وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا والله أعلم.
أما إذا لم يعارض
كتابه بالأصل أصلا: فقد سئل إلاستاذ أبو إسحاق إلاسفرائيني عن جواز روايته منه فأجاز ذلك. وأجازه
الحافظ أبو بكر الخطيب أيضا وبين شرطه. فذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من
الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض. وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل
أبا بكر إلاسماعيلي: هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله ؟ فقال:
نعم ولكن لا بد أن يبين أنه لم يعارض قال: وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاوي فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها
أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل.
قلت: ولا بد من شرط
ثالث وهو: أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط
والله أعلم.
ثم إنه ينبغي أن
يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلي من فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه من كتابه ولا
يكونن كطائفة من الطلبة: إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرؤوه عليه من أي نسخة اتفقت
والله اعلم.
الحادي عشر: المختار
في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ويسمى اللحق بفتح الحاء وهو أن يخط من موضع
سقوطه من السطر خطا صاعدا إلى فوقه ثم يعطفه بين
السطرين عطفه يسيرة
إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ويبدأ في الحاشية بكتبة اللحق مقابلا للخط
المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين. وإن كانت تلي وسط الورقة إن اتسعت له
وليكتبه صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلى أسفل.
قلت: فإذا كان
اللحق سطرين أو سطورا فلا يبتدئ بسطوره من أسفل إلى أعلى بل يبتديء بها من أعلى
إلى أسفل بحيث يكون منتهاها إلى جهة باطن الورقة إذا كان التخريج في جهة اليمين
وإذا كان في جهة الشمال وقع منتهاها إلى جهة طرف الورقة. ثم يكتب عند انتهاء اللحق
صح. ومنهم من يكتب مع صح رجع ومنهم من يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل
الكتاب في موضع التخريج ليؤذن باتصال الكلام وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من أهل
المغرب واختيار القاضي أبي محمد بن خلاد صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي من
أهل المشرق مع طائفة. وليس ذلك بمرضي إذ رب كلمة تجئ في الكلام مكررة حقيقة فهذا
التكرير يوقع بعض الناس في توهم مثل ذلك في بعضه واختار القاضي ابن خلاد أيضا في كتابه
أن يمد عطفه خط التخريج من موضعه حتى يلحقه بأول اللحق في الحاشية. وهذا
أيضا غير مرضي فإنه وإن كان فيه زيادة بيان فهو تسخيم للكتاب وتسويد له لا سيما
عند كثرة إلالحاقات والله أعلم.
وإنما اخترنا كتبة
اللحق صاعدا إلى أعلى الورقة لئلا يخرج بعده نقص آخر فلا يجد ما يقابله من الحاشية
فارغا له لو كان كتب إلاول نازلا إلى أسفل. وإذا كتب إلاول صاعدا فما يجد بعد ذلك
من نقص يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له وقلنا أيضا يخرجه في جهة اليمين لأنه لو
خرجه إلى جهة الشمال فربما ظهر من بعده في السطر نفسه نقص آخر فإن خرجه قدامه إلى
جهة الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال. وإن خرج الثاني إلى جهة اليمين التقت
عطفة تخريج جهة
الشمال وعطفة تخريج
جهة اليمين أو تقابلتا فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما بخلاف ما إذا خرج إلاول إلى
جهة اليمين: فإنه حينئذ يخرج الثاني إلى جهة الشمال فلا يلتقيان ولا يلزم إشكال
اللهم إلا أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال
لقربه منها ولا انتفاء العلة المذكورة من حيث إنا لا نخشى ظهور نقص بعده.
وإذا كان النقص في
أول السطر تأكد تخريجه إلى جهة اليمين لما ذكرناه من القرب مع ما سبق
وأما ما يخرج في
الحواشي من شرح أو تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو نحو ذلك مما ليس من
الأصل فقد ذهب القاضي الحافظ عياض رحمه الله إلى أنه لا يخرج لذلك خط تخريج لئلا
يدخل اللبس ويحسب من الأصل وأنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن ربما جعل على
الحرف المقصود بذلك التخريج علامة كالضبة أو التصحيح إيذانا به.
قلت: التخريج أولى
وأدل وفي نفس هذا المخرج ما يمنع إلالباس. ثم هذا التخريج يخالف التخريج لما هو من
نفس الأصل: في أن خط ذلك التخريج يقع بين الكلمتين اللتين بينهما سقط الساقط وخط
هذا التخريج يقع على نفس الكلمة التي من أجلها خرج المخرج في الحاشية والله اعلم.
الثاني عشر: من شأن
الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض.
أما التصحيح: فهو
كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة
للشك أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك
الوجه وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل
غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل: أن يكون غير جائز من حيث العربية
أو: يكون شاذا عند
أهلها يأباه أكثرهم
أو مصحفا أوينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك: فيمد على
ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا
وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة
الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح. وكتب
حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته وتنبيها بذلك لمن
ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له
وجها صحيحا أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له إلان. ولو غير ذلك وأصلحه
على ما عنده لكان متعرضا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر
الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه.
وأما تسمية ذلك ضبة:
فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن إلاقليلي: أن ذلك
لكون الحرف مقفلا بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها والله أعلم.
قلت: ولأنها لما كانت
على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل
ذلك غير مستنكر في باب إلاستعارات.
_______
"قوله"
قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التى تجعل على كسر أو خلل فاستعير
لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات انتهى.
قلت وفي هذا نظر وبعد
من حيث أن ضبة القدح وضعت جبرا للكسر والضبة على المكتوب ليست جابرة وإنما جعلت
علامة على المكان المغلق وجهه المستبهم أمره فهي بضبة الباب أشبه كما تقدم نقل
المصنف له عن أبى القاسم بن الاقليلى وقد حكاه أبو القاسم هذا عن شيوخه من أهل
الأدب كما وجدته في كلامه وحكاه القاضى عياض في الإلماح فقال من أهل المغرب بدل
قوله من أهل الأدب والمذكور في كلام أبى القاسم ما ذكرته والله أعلم.
"قوله"
ويسمى ذلك الشق أيضا انتهى.
ومن مواضع التضبيب:
أن يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع فمن عادتهم تضبيب موضع إلارسال وإلانقطاع وذلك
من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص ويوجد في بعض أصول الحديث
القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض علامة تشبه
الضبة فيما بين أسمائهم فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة وليست بضبة وكأنها علامة
وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن تجعل عن مكان الواو والعلم عند الله
تعالى.
ثم إن بعضهم ربما
اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب والفطنة من خير ما أوتيه
الإنسان والله أعلم.
الثالث عشر: إذا وقع
في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفي عنه بالضرب أو الحك أو المحو أو غير ذلك. والضرب
خير من الحك والمحو. روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال: قال أصحابنا
الحك تهمة. وأخبرني من أخبر عن القاضي عياض قال: سمعت شيخنا أبا بحر سفيان بن
العاص الأسدي يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول: كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس
السماع حتى لا يبشر شيء لأن ما يبشر منه ربما يصح في رواية أخرى.
وقد يسمع الكتاب مرة
أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الأخر فيحتاج إلى
إلحاقه بعد أن بشروحك وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الأخر اكتفي بعلامة الأخر
عليه بصحته.
ثم إنهم اختلفوا في
كيفية الضرب فروينا عن أبي محمد بن خلاد قال: أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه
بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ويقرأ من تحته ما خط عليه
وروينا عن القاضي
عياض ما معناه: أن اختبارات
الضابطين اختلفت في
الضرب. فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطا بالكلمات المضروب عليها ويسمى
ذلك الشق أيضا.
ومنهم من لا يخلطه
ويثبته فوقه لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره ومنهم من يستقبح هذا
ويراه تسويدا وتطليسا بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في
آخره. وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره وقد
يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع ومن إلاشياخ من يستقبح الضرب والتحويق
ويكتفي بدائرة صغير أول الزيادة وآخرها ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب وربما
كتب بعضهم عليه لا في أوله و إلى في آخره. ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في
رواية أخرى والله أعلم.
وأما الضرب على الحرف
المكرر: فقد تقدم بالكلام فيه القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي رحمه الله على
تقدمه. فروينا عنه قال: قال بعض أصحابنا
______
الشق بفتح الشين
المعجمة وتشديد القاف وهذا الاصطلاح لا يعرفه أهل المشرق ولم يذكره الخطيب في
الجامع ولا في الكفاية وهو اصطلاح لأهل المغرب وذكره القاضي عياض في الإلماح ومنه
أخذه المصنف وكأنه مأخوذ من الشق وهو الصدع أو من شق العصا وهو التفريق فكأنه فرق
بين الكلمة الزائدة وبين ما قبلها وبعدها من الصحيح الثابت بالضرب عليها والله
أعلم
ويوجد في بعض نسخ
علوم الحديث النشق بزيادة نون مفتوحة في أوله وسكون الشين فإن لم يكن تصحيفا
وتغييرا من النساخ فكأنه مأخوذ من نشق الظبي في حبالته إذا علق فيها فكأنه إبطال
لحركة الكلمة وإهمالها بجعلها في صورة وثاق يمنعها من التصرف والله أعلم.
أولاهما بأن يبطل
الثاني لأن إلاول كتب على صواب والثاني كتب على الخطأ فالخطأ أولى بإلابطال
وقال آخرون: إنما
الكتاب علامة لما يقرأ فأولى الحرفين بإلابقاء أدلهما عليه وأجودهما صورة
وجاء القاضي عياض
آخرا ففصل تفصيلا حسنا: فرأى أن تكرر الحرف إن كان في أول سطر فليضرب على الثاني
صيانة لأول السطر عن التسويد والتشويه. وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما
صيانة لآخر السطر فإن سلامة أوائل السطور وأواخرها عن ذلك أولى. فإن اتفق أحدهما
في آخر سطر ولا إلاخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر فإن أول السطر
أولى بالمراعاة. فإن كان التكرر في المضاف أو المضاف إليه أو في الصفة أو في
الموصوف أو نحو ذلك: لم نراع حينئذ أول السطر وآخره بل نراعي إلاتصال بين المضاف
والمضاف إليه ونحوهما في الخط فلا نفصل بالضرب بينهما ونضرب على الحرف المتطرف من
المتكرر دون المتوسط وأما المحو: فيقابل الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره وتتنوع
طرقه. ومن أغربها مع أنه أسلمها ما روي عن سحنون بن سعيد التنوخي إلامام المالكي: أنه كان
ربما كتب الشيء ثم لعقه. وإلى هذا يومي ما روينا عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه
أنه كان يقول: من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد والله أعلم.
الرابع عشر: ليكن
فيما تختلف فيه الروايات قائما بضبط ما تختلف فيه في كتابه جيد التمييز بينها كيلا
تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها. وسبيله: أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة. ثم ما كانت من زيادة لرواية
أخرى ألحقها. أو من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها
معينا في كل ذلك من رواه ذاكرا اسمه بتمامه. فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما
قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره كيلا يطول عهده به فينسى
أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمى وقد يدفع إلى إلاقتصار على
الرموز عند كثرة الروايات المختلفة واكتفي بعضهم في التمييز بأن خص الرواية
الملحقة بالحمرة فعل
ذلك أبو ذر الهروي من المشارقة و أبو الحسن القابسي من المغاربة مع كثير من المشايخ
وأهل التقييد فإذا كان في الرواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها
بالحمرة. وإن كان فيها نقص والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها
بالحمرة ثم على فاعل ذلك تبيين من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو
آخره على ما سبق والله أعلم.
الخامس عشر: غلب على
كتبة الحديث إلاقتصار على الرمز في قولهم حدثنا و أخبرنا غير أنه شاع ذلك وظهر حتى
لا يكاد يلتبس. أما حدثنا فيكتب منها شطرها إلاخير وهو الثاء والنون والألف. وربما
اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف. وأما أخبرنا فيكتب منها الضمير المذكور
مع إلالف أولا. وليس بحسن ما يفعله طائفة من كتابة أخبرنا بألف مع علامة حدثنا
المذكورة أولا وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله وقد يكتب في علامة أخبرنا راء بعد
إلالف وفي علامة حدثنا دال في أولها. وممن رأيت في خطه الدال في علامة حدثنا
الحافظ أبو عبد الله الحاكم و أبو عبد الرحمن السلمي و الحافظ أحمد البيهقي رضي
الله عنهم. والله أعلم.
وإذا كان للحديث
إسنادان أو أكثر: فإنهم يكتبون عند إلانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته ح وهي
حاء مفردة مهملة ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها غير أني وجدت بخط إلاستاذ
الحافظ أبي عثمان الصابوني والحافظ أبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري والفقيه
المحدث أبي سعيد الخليلي رحمهم الله تعالى في مكانها بدلا عنها صح صريحة. وهذا
يشعر بكونها رمزا إلى صح. وحسن إثبات صح ههنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط. ولئلا يركب الإسناد
الثاني على الإسناد إلاول فيجعلا إسنادا واحدا.
وحكى لي بعض من
جمعتني وإياه الرحلة بخراسان عمن وصفه بالفضل من
الإصبهانيين: أنها حاء
مهملة من التحويل أي من إسناد إلى إسناد آخر.وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل
المغرب وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث: أنها حاء مهملة إشارة إلى قولنا
الحديث فقال لي: أهل المغرب وما عرفت بينهم اختلافا يجعلونها حاء مهملة ويقول
أحدهم إذا وصل إليها الحديث وذكر لي: أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء
مهملة وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة حا ويمر.
وسألت أنا الحافظ
الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي رحمه الله عنها فذكر أنها حاء من
حائل أي تحول بين الإسنادين. قال: ولا يلفظ بشيء عند إلانتهاء في القراءة وأنكر كونها من الحديث
وغير ذلك ولم يعرف غير هذا عن أحد من مشايخه وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته.
قال المؤلف: وأختار
أنا والله الموفق أن يقول القارئ عند إلانتهاء إليها حا ويمر فإنه أحوط الوجوه
وأعدلها والعلم عند الله تعالى.
السادس عشر: ذكر
الخطيب الحافظ: أنه ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب
منه وكنيته ونسبه ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه. قال: وإذا كتب الكتاب المسموع
فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع وإن أحب كتب
ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلا قد فعله شيوخنا.
قلت: كتبة التسميع
جنب ذكره أحوط له وأحرى بأن لا يخفي على من يحتاج إليه ولا بأس بكتبته آخر الكتاب
وفي ظهره وحيث لا يخفي موضعه. وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط ولا ضير
حينئذ في أن لا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب
إذا كان موثوقا به أن
يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه فطال ما فعل الثقات ذلك.
وقد حدثني بمرو الشيخ
أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي عن أبيه عمن حدثه من إلاصبهانية: أن عبد
الرحمن بن أبي عبد الله بن منده قرأ ببغداد جزءأ على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه
ليكون حجة له. فقال له أبو أحمد: يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك
أحد وتصدق فيما تقول وتنقل وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك: ما هذا خط أبي أحمد
الفرضي ماذا تقول لهم.
ثم إن على كاتب
التسميع التحري وإلاحتياط وبيان السامع والمسموع منه بلفظ غير محتمل ومجانبة
التساهل فيمن يثبت اسمه والحذر من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد. فإن كان
مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه
فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه
ومنعه من نقل سماعه ومن نسخ الكتاب وإذا أعاره إياه فلا يبطئ به.
روينا عن الزهري أنه
قال: إياك وغلول الكتب. قيل له: وما غلول الكتب ؟ قال: حبسها عن أصحابها. وروينا عن الفضيل بن عياض
رضي الله عنه أنه قال: ليس من أفعال أهل الورع ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ سماع
رجل وكتابه فيحبسه عنه ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه.
وفي رواية: ولا من
أفعال العلماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عليه. فإن منعه إياه فقد روينا: أن
رجلا ادعى على رجل بالكوفة سماعا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث فقال
لصاحب الكتاب: أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك وما كان
بخطه أعفيناك منه.
قال ابن خلاد: سألت
أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال: لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا لأن خط
صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه. قال ابن خلاد: وقال غيره ليس بشيء.
وروى الخطيب الحافظ
أبو بكر عن إسماعيل بن إسحاق القاضي: أنه تحوكم إليه في ذلك فأطرق مليا ثم قال
للمدعى عليه: إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره وإن كان سماعه في كتابك
بخط غيرك فأنت أعلم.
قلت: حفص بن
غياث معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة و أبو عبد الله الزبيري من أئمة
أصحاب الشافعي و إسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك وإمامهم وقد تعاضدت أقوالهم في
ذلك ويرجع حاصلها إلى: أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه.
وقد كان لا يبين لي وجهه ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده فعليه أداؤها بما
حوته وإن كان فيه بذل ماله كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها وإن كان فيه بذل نفسه
بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها والعلم عند الله تعالى.
ثم إذا نسخ الكتاب
فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية. وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل
سماعا إلى شيء من النسخ أو يثبته فيها عند السماع ابتداء إلا بعد المقابلة المرضية
بالمسموع كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة إلا أن يبين مع النقل وعنده كون
النسخة غير مقابلة والله أعلم.
النوع السادس
والعشرون: في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك:وقد سبق بيان كثير منه
في ضمن النوعين قبله
شدد قوم في الرواية
فأفرطوا وتساهل فيها آخرون ففرطوا.
ومن مذاهب التشديد
مذهب من قال: لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره وذلك مروي عن مالك و أبي
حنيفة رضي الله عنهما. وذهب إليه من أصحاب الشافعي أبو بكر الصيدلاني المروزي.
ومنها مذهب من أجاز
إلاعتماد في الرواية على كتابه غير أنه لو أعار كتابه وأخرجه من يده لم ير الرواية
منه لغيبته عنه.
_______
النوع السادس
والعشرون: في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك.
"قوله" إذا سمع كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هى مقابلة
بنسخة سماعه غير أنه سمع منها على شيخه لم يجز له ذلك قطع به الإمام أبو نصر الصباغ
الفقيه فيما بلغنا عنه إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأنه ذكر في النوع الذى قبله
أن الخطيب والاسفرائينى جوزا الرواية من كتاب لم يقابل أصلا ولم ينكره الشيخ بل
أقره انتهى.
قلت الصورة التى
تقدمت هى فيما إذا نقل كتابه من الأصل فإن الخطيب شرط في ذلك أن يكون نسخته نقلت
من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وزاد ابن الصلاح على ذلك شرطا آخر وهو
أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط وأما
الصورة التى في هذا النوع فإن الراوى منها ليس على ثقة من موافقتها للأصل وقد أشار
المصنف هنا إلى التعليل بذلك فقال إذ لا يؤمن أن يكون فيها زوايد ليست في نسخة
سماعه والله أعلم.
وقد سبقت حكايتنا
لمذاهب عن أهل التساهل وإبطالها في ضمن ما تقدم من شرح وجوه إلاخذ والتحمل.
ومن أهل التساهل قوم
سمعوا كتبا مصنفة وتهاونوا حتى إذا طعنوا في السن واحتيج إليهم حملهم الجهل والشره
على أن رووها من نسخ مشتراة أو مستعارة غير مقابلة فعدهم الحاكم أبو عبد الله
الحافظ في طبقات المجروحين. قال: وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون.
قال: وهذا مما كثر في
الناس وتعاطاه قوم من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح.
قلت: ومن
المتساهلين عبد الله بن لهيعة المصري ترك إلاحتجاج بروايته مع جلالته لتساهله. ذكر
عن يحيى بن حسان: أنه رأى قوما معهم جزء سمعوه من ابن لهيعة فنظر فيه فإذا ليس فيه
حديث واحد من حديث ابن لهيعة فجاء إلى ابن لهيعة فأخبره بذلك. فقال: ما أصنع ؟
يجيئوني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم به.
ومثل هذا واقع من
شيوخ زماننا يجيء إلى أحدهم الطالب بجزء أو كتاب فيقول: هذا روايتك فيمكنه من
قراءته عليه مقلدا له من غير أن يبحث بحيث يحصل له الثقة بصحة ذلك.
والصواب: ما عليه
الجمهور وهو التوسط بين إلافراط والتفريط. فإذا قام الراوي في إلاخذ والتحمل
بالشرط الذي تقدم شرحه وقابل كتابه وضبط سماعه على الوجه الذي سبق ذكره جازت له
الرواية منه وإن أعاره وغاب عنه: إذا كان الغالب من أمره سلامته من التبديل
والتغيير لا سيما إذا كان ممن لا يخفي عليه في الغالب لو غير شيء منه وبدل تغييره وتبديله
وذلك لأن إلاعتماد في باب الرواية على غالب الظن فإذا حصل أجزأ ولم يشترط مزيد
عليه والله أعلم.
تفريعات :
أحدها : إذا كان
الراوي ضريرا ولم يحفظ حديثه من فم من حدثه واستعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه
ثم عند روايته في القراءة منه عليه واحتاط في ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن
بالسلامة من التغيير صحت روايته. غير أنه أولى بالخلاف والمنع من مثل ذلك من
البصير.
قال الخطيب الحافظ:
والسماع من البصير إلامي والضرير اللذين لم يحفظا من المحدث ما سمعاه منه لكنه كتب
لهما بمثابة واحدة وقد منع منه غير واحد من العلماء ورخص فيه بعضهم والله أعلم.
الثاني : إذا سمع
كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة بنسخة سماعه غير أنه
سمع منها على شيخه لم يجز له ذلك. قطع به إلامام أبو نصر بن الصباغ الفقيه فيما
بلغنا عنه. وكذلك لو كان فيها سماع شيخه أو روى منها ثقة عن شيخه فلا تجوز له
الرواية منها اعتمادا على مجرد ذلك إذ لا أن تكون فيها زوائد ليست في نسخة سماعه.
ثم وجدت الخطيب قد
حكى مصداق ذلك عن أكثر أهل الحديث. فذكر فيما: إذا وجد أصل المحدث ولم يكتب فيه
سماعه أو وجد نسخة كتبت عن الشيخ تسكن نفسه إلى صحتها: أن عامة أصحاب الحديث منعوا
من روايته من ذلك. وجاء عن أيوب السختياني و محمد بن بكر البرساني الترخص فيه.
قلت: اللهم إلا أن
تكون له إجازة من شيخه عامة لمروياته أو نحو ذلك فيجوز له حينئذ الرواية منها إذ
ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات بالإجازة بلفظ أخبرنا أو حدثنا من غير بيان
للإجازة فيها. وإلامر فيه ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح.
وقد حكينا فيما تقدم
أنه لا غناء في كل سماع عن الإجازة ليقع ما يسقط في السماع على وجه السهو وغيره من
كلمات أو أكثر مرويا بالإجازة وإن لم يذكر لفظها.
فإن كان الذي في
النسخة سماع شيخ شيخه أو هي مسموعة على شيخ شيخه أو مروية عن شيخ شيخه فينبغي له
حينئذ في روايته منها أن تكون له إجازة شاملة من شيخه ولشيخه إجازة شاملة من شيخه
وهذا تيسير حسن هدانا الله له وله الحمد والحاجة إليه ماسة في زماننا جدا. والله
أعلم.
الثالث : إذا وجد
الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه نظر: فإن كان إنما حفظ ذلك من كتابه فليرجع إلى ما في كتابه وإن كان حفظه
من فم المحدث فليعتمد حفظه دون ما في كتابه إذا لم يتشكك وحسن أن يذكر إلامرين في روايته
فيقول حفظي كذا وفي كتابي كذا.
هكذا فعل شعبة وغيره
وهكذا إذا خالفه فيما يحفظه بعض الحفاظ فليقل حفظي كذا وكذا وقال فيه فلان أو قال
فيه غيري: كذا وكذا أو شبه هذا من الكلام. كذلك فعل سفيان الثوري وغيره والله أعلم.
الرابع : إذا وجد
سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه ذلك فعن أبي حنيفة رحمه الله وبعض أصحاب
الشافعي رحمه الله: أنه لا تجوز له روايته, ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه و أبي يوسف و محمد: أنه يجوز له روايته.
قلت: هذا
الخلاف ينبغي أن يبنى على الخلاف السابق قريبا في جواز اعتماد الراوي على كتابه في
ضبط ما سمعه فإن ضبط أصل السماع كضبط المسموع فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل
الحديث تجويز إلاعتماد على الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما
فيه وإن كان لا يذكر أحاديثه حديثا
حديثا كذلك ليكن هذا
إذا وجد شرطه وهو: أن يكون السماع بخطه أو بخط من يثق به والكتاب مصون بحيث يغلب
على الظن سلامة ذلك من تطرق التزوير والتغيير إليه على نحو ما سبق ذكره في ذلك.
وهذا إذا لم يتشكك فيه وسكنت نفسه إلى صحته فإن تشكك فيه لم يجز الإعتماد عليه
والله أعلم.
الخامس : إذا أراد
رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالما عارفا بإلالفاظ ومقاصدها خبيرا
بما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك وعليه
أن لا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي سمعه من غير تغيير فأما إذا كان عالما
عارفا بذلك فهذا مما اختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه وإلاصول: فجوزه
أكثرهم ولم يجوزه بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء وإلاصوليين من الشافعيين وغيرهم.
ومنعه بعضهم في حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره والأصح: جواز ذلك في الجميع إذا كان عالما
بما وصفناه قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال
الصحابة والسلف إلاولين. وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ
مختلفة وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ.
ثم إن هذا الخلاف لا
نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير
لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى رخص فيها
من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب وذلك غير
موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك
تغيير تصنيف غيره والله أعلم.
السادس : ينبغي لمن
يروي حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال أو
نحو هذا أو ما أشبه
ذلك من إلالفاظ, روي ذلك من الصحابة عن ابن مسعود و أبي الدرداء و أنس رضي الله
عنهم.
قال الخطيب: والصحابة
أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل
لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر.
قلت: وإذا اشتبه على
القاريء فيما يقرؤه لفظة فقرأها على وجه يشك فيه ثم قال أو كما قال فهذا حسن وهو
الصواب في مثله لأن قوله أو كما قال يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها
عنه إذا بان ثم لا يشترط إفراد ذلك بلفظ الإجازة لما بيناه قريبا والله أعلم.
السابع : هل يجوز
اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض ؟ اختلف أهل العلم فيه:
فمنهم من منع من ذلك
مطلقا بناء على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقا ومنهم من منع من ذلك مع
تجويزه النقل بالمعنى إذا لم يكن قد رواه على التمام مرة أخرى ولم يعلم أن غيره قد
رواه على التمام ومنهم من جوز ذلك وأطلق ولم يفصل.
وقد روينا عن مجاهد
أنه قال: أنقص من الحديث ما شئت ولا تزد فيه والصحيح التفصيل وأنه يجوز ذلك من
العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق به بحيث لا يختل البيان
ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه. فهذا ينبغي أن يجوز وإن لم يجز النقل
بالمعنى لأن الذي نقله والذي تركه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا
تعلق لأحدهما بالآخر.
ثم هذا إذا كان رفيع
المنزلة بحيث لا يتطرق إليه في ذلك تهمة نقله أولا تماما ثم نقله ناقصا أو: نقله
أولا ناقصا ثم نقله تاما.
فأما إذا لم يكن
كذلك: فقد ذكر الخطيب الحافظ: أن من روى حديثا على التمام
وخاف إن رواه مرة
أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في
الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه.
وذكر إلامام أبو
الفتح سليم بن أيوب الرازي الفقيه: أن من روى بعض الخبر ثم أراد أن ينقل تمامه
وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه: كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها.
قلت: من كان هذا حاله
فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه لأنه
إذا رواه أولا ناقصا أخرج باقية عن حيز الاحتجاج به ودار: بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فيضيع
ثمرته لسقوط الحجة فيه والعلم عند الله تعالى.
وأما تقطيع المصنف
متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب: فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد وقد
فعله مالك و البخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من كراهية والله أعلم.
الثامن : ينبغي
للمحدث أن لا يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف. روينا عن النضر بن شميل أنه قال:
جاءت هذه إلاحاديث عن الأصل معربة.
وأخبرنا أبو بكر بن
أبي المعالي الفراوي قراءة عليه قال: أخبرنا إلامام أبو جدي أبو عبد الله محمد بن
الفضل الفراوي قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي قال: أخبرنا
إلامام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي قال: حدثني محمد بن معاذ قال: أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي داود السنجي قال:
سمعت إلاصمعي يقول: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو: أن يدخل في
جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار"
لأنه صلى الله عليه وسلم
لم يكن يلحن فمهما
رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه.
قلت: فحق على
طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به من شين اللحن والتحريف ومعرتهما
روينا عن شعبة قال: من طلب الحديث ولم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه برنس ليس
له رأس أو كما قال وعن حماد بن سلمة قال: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل
الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها.
وأما التصحيف: فسبيل
السلامة منه الأخذ من أفواه أهل العلم والضبط فإن من حرم ذلك وكان أخذه وتعلمه من
بطون الكتب كان من شأنه التحريف ولم يفلت من التبديل والتصحيف والله أعلم.
التاسع: إذا وقع في
روايته لحن أو تحريف فقد اختلفوا فمنهم من كان يري أنه يرويه على الخطأ كما سمعه.
وذهب إلى ذلك من التابعين محمد بن سيرين و أبو معمر عبد الله بن سخبرة. وهذا غلو
في مذهب اتباع اللفظ والمنع من الرواية بالمعني.
ومنهم من رأى تغييره
وإصلاحه وروايته على الصواب. روينا ذلك عن الأوزاعي و ابن المبارك وغيرهما وهو
مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين. والقول به في اللحن الذي لا يختلف به المعنى
وأمثاله لازم على مذهب تجويز رواية الحديث بالمعنى وقد سبق أنه قول الأكثرين.
وأما إصلاح ذلك
وتغييره في كتابه وأصله: فالصواب تركه وتقرير ما وقع في الأصل على ما هو عليه مع
التضبيب عليه وبيان الصواب خارجا في الحاشية فإن ذلك أجمع للمصلحة وأنفي للمفسدة.
وقد روينا أن بعض
أصحاب الحديث رئي في المنام وكأنه قد مر من شفته أو لسانه شيء فقيل له في ذلك فقال:
لفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم غيرتها برأيي ففعل بي
هذا.
وكثيرا ما نرى ما
يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ وربما غيروه صوابا ذا وجه صحيح وإن خفي واستغرب لا
سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية. وذلك لكثرة لغات العرب وتشعبها.
وروينا عن عبد الله
بن أحمد بن حنبل قال: كان إذا مر بأبي لحن فاحش غيره وإذا كان لحنا سهلا تركه
وقال: كذا قال الشيخ.
وأخبرني بعض أشياخنا:
عمن أخبره عن القاضي الحافظ عياض بما معناه واختصاره أن الذي استمر عليه عمل أكثر
إلاشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا يغيروها في كتبهم حتى في أحرف من
القرآن استمرت الرواية فيها في الكتب على خلاف التلاوة المجمع عليها ومن غير أن
يجيء ذلك في الشواذ. ومن ذلك ما وقع في الصحيحين و الموطأ وغيرها لكن أهل المعرفة
منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة وفي حواشي الكتب مع تقريرهم ما في
الأصول على ما بلغهم.
ومنهم من جسر على
تغيير الكتب وإصلاحها منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي فإنه لكثرة
مطالعته وافتتانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه جسر على الإصلاح كثيرا وغلط في أشياء من
ذلك. وكذلك غيره ممن سلك مسلكه والأولى سد باب التغيير والإصلاح لئلا يجسر على ذلك
من لا يحسن وهو أسلم مع التبيين فيذكر ذلك عند السماع كما وقع ثم يذكر وجه صوابه:
إما من جهة العربية وإما من جهة الرواية. وإن شاء قرأه أولا على الصواب ثم قال وقع
عند شيخنا أو: في روايتنا أو: من طريق فلان كذا وكذا. وهذا أولى من الأول كيلا
يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
وأصلح ما يعتمد عليه
في الإصلاح: أن يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في
أحاديث أخر فإن ذاكره
آمن من أن يكون منقولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل والله أعلم.
العاشر : إذا كان
الإصلاح بزيادة شيء قد سقط فإن لم يكن في ذلك مغايرة في المعنى: فإلامر
فيه على ما سبق وذلك كنحو ما روي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له: أرأيت
حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد ؟ فقال: أرجو
أن يكون خفيفا وإن كان الإصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل:
تأكد فيه الحكم بأنه يذكر ما في الأصل مقرونا بالتنبيه على ما سقط ليسلم من معرة
الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل.
حدث أبو نعيم الفضل
بن دكين عن شيخ له بحديث قال فيه عن بحينة فقال أبو نعيم: إنما هو ابن بحينة ولكنه
قال بحينة.
وإذا كان من دون موضع
الكلام الساقط معلوما أنه قد أوتي به وإنما أسقطه من بعده ففيه وجه
آخر: وهو أن
يلحق الساقط في موضعه من الكتاب مع كلمة يعني كما فعل الخطيب الحافظ إذ روى عن ابن
عمر بن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده عن عروة عن عمرة بنت عبد الرحمن تعني عن
عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله قال
الخطيب: كان في أصل ابن مهدي عن عمرة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدني إلي رأسه فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد وعلمنا أن المحاملي كذلك
رواه وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر وقلنا فيه تعني عن عائشة رضي الله عنها لأجل
أن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك.
وهكذا رأيت غير واحد
من شيوخنا يفعل في مثل هذا. ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال:
سمعت وكيعا يقول: إنا لنستعين في الحديث بيعني.
قلت: وهذا إذا كان
شيخه قد رواه له على الخطأ. فأما إذا وجد ذلك في كتابه وغلب على ظنه أن ذلك من الكتاب لا من شيخه
فيتجه ههنا إصلاح ذلك في كتابه وفي روايته عند تحديثه به معا
ذكر أبو داود أنه
قال: لأحمد بن حنبل: وجدت في كتابي حجاج عن جريج عن أبي الزبير يجوز لي أن أصلحه
ابن جريج ؟ فقال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به والله أعلم.
وهذا من قبيل ما إذا
درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف
صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه وإن كان في المحدثين من لا يستجيز
ذلك. وممن فعل ذلك نعيم بن حماد فيما روى عن يحيى بن معين عنه.
قال الخطيب الحافظ:
ولو بين ذلك في حال الرواية كان أولى وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من
كتاب غيره أو من حفظه وذلك مروي عن غير واحد من أهل الحديث منهم عاصم و أبو عوانة
و أحمد بن حنبل وكان بعضهم يبين ما ثبته فيه غيره فيقول حدثنا فلان وثبتني فلان
كما روي عن يزيد بن هارون أنه قال: أخبرنا عاصم وثبتني شعبة عن عبد الله بن سرجس
وهكذا إلامر فيما إذا
وجد في أصل كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها غير مقيدة وأشكلت عليه فجائز أن
يسأل عنها أهل العلم بها ويرويها على ما يخبرونه به.
روي مثل ذلك عن إسحاق
بن راهويه و أحمد بن حنبل وغيرهما رضي الله عنهم والله أعلم.
الحادي عشر: إذا كان
الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتهما تفاوت في الفظ والمعنى واحد كان
له أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحدي على لفظ أحدهما خاصة ويقول: أخبرنا
فلان وفلان واللفظ لفلان
أو هذا لفظ فلان قال.
أو: قإلا: أخبرنا فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات.
و لمسلم صاحب الصحيح
مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد
إلاشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد إلاحمر عن إلاعمش وساق
الحديث. فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له وأما إذا لم
يخص لفظ أحدهما بالذكر بل أخذ من لفظ هذا ومن لفظ ذاك وقال أخبرنا فلان وفلان
وتقاربا في اللفظ قإلا: أخبرنا فلان فهذا غير ممتنع على مذهب تجويز الرواية
بالمعنى وقول أبي داو د صاحب السنن حدثنا مسدد وأبو توبة المعنى قإلا: حدثنا أبو
إلاحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل أن يكون من قبيل إلاول فيكون اللفظ لمسدد
ويوافقه أبو توبة في المعنى. ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فلا يكون قد أورد لفظ
أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وهذا إلاحتمال يقرب في قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم
وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قإلا: حدثنا أبان.
وأما إذا جمع بين
جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما أروده لفظ كل واحد منهم وسكت عن البيان
لذلك فهذا مما عيب به البخاري أو غيره ولا بأس به على مقتضى مذهب تجويز الرواية
بالمعنى.
وإذا سمع كتابا مصنفا
من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول
واللفظ لفلان كما سبق: فهذا يحتمل أن يجوز كإلاول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن
ذكر أنه بلفظه ويحتمل أن لا يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية رواية إلاخرين حتى يخبر عنها
بخلاف ما سبق فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه وعلى موافقتهما من حيث
المعنى فأخبر بذلك والله أعلم.
الثاني عشر: ليس له أن
يزيد في نسب من فوق شيخه من رجال الإسناد على ما ذكره شيخه مدرجا عليه من غير فصل
مميز فإن أتى بفصل جاز مثل أن يقول هو ابن فلان الفلاني أو يعني: ابن فلان ونحو
ذلك.
وذكر الحافظ إلامام
أبو بكر البرقاني رحمه الله في كتاب اللقط له بإسناده عن علي بن المديني قال: إذا
حدثك الرجل فقال: حدثنا فلان ولم ينسبه فأحببت أن تنسبه فقل حدثنا فلان: أن فلان
بن فلان حدثه والله أعلم.
وأما إذا كان شيخه قد
ذكر نسب شيخه أو صفته في أول كتاب أو جزء عند أول حديث منه واقتصر فيما بعده من
إلاحاديث على ذكر اسم الشيخ أو بعض نسبه.
مثاله: أن أروي جزءا
عن الفراوي فأقول في أوله أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي
قال أخبرنا فلان. وأقول في باقي أحاديثه أخبرنا منصور أخبرنا منصور فهل يجوز لمن سمع
ذلك الجزء مني أن يروي عني إلاحاديث التي بعد الحديث إلاول متفرقة ويقول في كل واحد
منها أخبرنا فلان قال: أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي
قال: أخبرنا فلان وإن لم أذكر له ذلك في كل واحد منها اعتمادا على ذكري له أولا ؟
فهذا قد حكى الخطيب الحافظ عن أكثر أهل العلم: أنهم أجازوه. وعن بعضهم أن إلاولى
أن يقول يعني ابن فلان.
وروى بإسناده عن أحمد
بن حنبل رضي الله عنه: أنه كان إذا جاء اسم الرجل غير منسوب قال يعني ابن فلان.
وروي عن البرقاني بإسناده عن علي بن المديني ما قدمنا ذكره عنه.
ثم ذكر أنه هكذا رأى
أبا بكر أحمد بن علي إلاصبهاني نزيل نيسابور يفعل وكان أحد الحفاظ المجودين ومن
أهل الورع والدين وأنه سأله عن أحاديث كثيرة رواها له قال فيها أخبرنا أبو عمرو بن
حمدان: أن أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى
الموصلي أخبرهم
وأخبرنا أبو بكر بن المقري: أن إسحاق بن أحمد بن نافع حدثهم. وأخبرنا
أبو أحمد الحافظ: أن أبا يوسف محمد بن سفيان الصفار أخبرهم فذكر له أنها أحاديث
سمعها قراءة على شيوخه في جملة نسخ نسبوا الذين حدثوهم بها في أولها واقتصروا في
بقيتها على ذكر أسمائهم, قال: وكان غيره يقول في مثل هذا أخبرنا فلان قال: أخبرنا
فلان هو ابن فلان ثم يسوق نسبه إلى منتهاه
قال: وهذا الذي
أستحبه لأن قوما من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز لهم أخبرنا فلان: أن فلانا
حدثهم.
قلت: جميع هذه
الوجوه جائزة وأولاها أن يقول هو ابن فلان أو: يعني ابن فلان ثم أن يقول إن فلان
بن فلان ثم أن يذكر المذكور في أول الجزء بعينه من غير فصل والله أعلم.
الثالث عشر: جرت
العادة بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطأ ولا بد من ذكره حالة القراءة
لفظا.
ومما قد يغفل عنه من
ذلك ما إذا كان في أثناء الإسناد قرئ على فلان: أخبرك فلان فينبغي للقارئ أن يقول
فيه قيل له: أخبرك فلان. ووقع في بعض ذلك قرئ على فلان: حدثنا فلان فهذا يذكر فيه
قال فيقال قرئ على فلان قال: حدثنا فلان وقد
_________
"قوله"
جرت العادة بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطا ولابد من ذكره حال القراءة
لفظا انتهى.
هكذا قال المصنف هنا
إنه لابد من النطق بقال لفظا ومقتضاه أنه لا يصح السماع بدونها وخالف المصنف ذلك
في الفتاوى فإنه سئل فيها عن ترك القارى قال فقال هذا خطأ من فاعله والأظهر أنه لا
يبطل السماع به لأن حذف القول جائز اختصارا جاء به القرآن العظيم وكذا قال النووى
في التقريب والتيسير تركها خطأ والظاهر صحة السماع والله أعلم.
جاء هذا مصرحا به خطأ
هكذا في بعض ما رويناه. وإذا تكررت كلمة قال كما في قوله في كتاب البخاري حدثنا صالح
بن حيان قال: قال عامر الشعبي حذفوا إحداهما في الخط وعلى القارئ أن يلفظ بهما
جميعا والله أعلم.
الرابع عشر: النسخ
المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة رواية
عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها من النسخ والأجزاء. منهم من يجدد ذكر الإسناد في
أول كل حديث منها.
ويوجد هذا في كثير من
إلاصول القديمة وذلك أحوط.
ومنهم من يكتفي بذكر
الإسناد في أولها عند أول حديث منها أو: في أول كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج
الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد أو وبه وذلك هو الأغلب ألأكثر.
وإذا أراد من كان
سماعه على هذا الوجه تفريق تلك الأحاديث ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في
أولها جاز له ذلك عند الأكثرين. منهم وكيع بن الجراح و يحيى بن معين و أبو بكر
الاسماعيلى.
وهذا لأن الجميع
معطوف على الأول فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث وهو بمثابة
تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله والله أعلم.
ومن المحدثين من أبى
إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور أولا ورآه تدليسا. وسأل بعض
أهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق الإسفرائيني الفقيه الأصولي عن ذلك فقال: لا يجوز.
وعلى هذا من كان سماعه
على هذا الوجه فطريقه أن يبين ويحكي ذلك كما جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة
همام بن منبه نحو قوله: حدثنا محمد بن رافع قال:
حدثنا عبد الرزاق:
قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول
له: تمن" الحديث.
وهكذا فعل كثير من
المؤلفين والله أعلم.
الخامس عشر: إذا قدم
ذكر المتن على الإسناد أو ذكر المتن وبعض الإسناد ثم ذكر الإسناد عقيبه على
إلاتصال. مثل أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو يقول روى عمرو
بن دينار عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ثم يقول أخبرنا به
فلان قال: أخبرنا فلان ويسوق الإسناد حتى يتصل بما قدمه فهذا يلتحق بما إذا قدم
الإسناد في كونه يصير به مسندا للحديث لا مرسلا له.
فلو أراد من سمعه منه
هكذا أن يقدم الإسناد ويؤخر المتن ويلفقه كذلك: فقد ورد عن بعض من تقدم من
المحدثين أنه جوز ذلك.
قلت: ينبغي أن
يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض متن الحديث على بعض. وقد حكى الخطيب: المنع
من ذلك على القول بأن الرواية على المعنى لا تجوز والجواز على القول بأن الرواية
على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في ذلك والله أعلم.
وأما ما يفعله بعضهم
من إعادة ذكر الإسناد في آخر الكتاب أو الجزء بعد ذكره أولا فهذا لا يرفع الخلاف
الذي تقدم ذكره في إفراد كل حديث بذلك الإسناد عند روايتها لكونه لا يقع متصلا بكل
واحد منها ولكنه يفيد تأكيدا واحتياطا ويتضمن إجازة بالغة من أعلى أنواع الإجازات
والله أعلم.
السادس عشر: إذا روى
المحدث الحديث بإسناد ثم أتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه مثله فأراد الراوي عنه
أن يقتصر على الإسناد الثاني ويسوق لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول:
فالأظهر المنع من ذلك.
وروينا عن أبي بكر
الخطيب الحافظ رحمه الله قال: كان شعبة لا يجيز ذلك.
وقال بعض أهل العلم:
يجوز ذلك إذا عرف أن المحدث ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز إلالفاظ وعد الحروف فإن لم
يعرف ذلك منه لم يجز ذلك. وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد
الإسناد ويقول مثل حديث قبله متنه كذا وكذا ثم يسوقه. وكذلك إذا كان المحدث قد قال
نحوه. قال: وهذا هو الذي أختاره.
أخبرنا أبو أحمد عبد
الوهاب بن أبي منصور علي بن علي البغدادي شيخ الشيوخ بها بقراءتي عليه بها قال
أخبرنا والدي رحمه الله: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني: أخبرنا أبو
القاسم بن حبابة: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي: حدثنا عمرو بن محمد
الناقد: حدثنا وكيع قال: قال شعبة: فلان عن فلان مثله لا يجزئ. قال وكيع: وقال سفيان الثوري: يجزئ.
وأما إذا قال نحوه
فهو في ذلك عند بعضهم كما إذا قال مثله نبئنا بإسناد عن وكيع قال: قال سفيان: إذا
قال نحوه فهو حديث وقال شعبة نحوه شك وعن يحيى بن معين: أنه أجاز ما قدمنا ذكره في
قوله مثله ولم يجزه في قوله نحوه قال الخطيب: وهذا القول على مذهب من لم يجز
الرواية على المعنى. فأما على مذهب من أجازها فلان فرق بين مثله و نحوه والله أعلم.
قلت: هذا له تعلق بما
رويناه عن مسعود بن علي السجزي: أنه سمع الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: إن مما
يلزم الحديثي من الضبط وإلاتقان أن يفرق بين أن يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له
أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل أن يقول نحوه إذا كان على
مثل معانيه والله أعلم.
السابع عشر: إذا ذكر الشيخ
إسناد الحديث ولم يذكر من متنه إلا طرفا ثم قال وذكر الحديث أو قال وذكر الحديث
بطوله فأراد الراوي عنه أن يروي
عنه الحديث بكماله وبطوله
فهذا أولى بالمنع مما سبق ذكره في قوله مثله أو نحوه. فطريقه: أن يبين ذلك بأن
يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه فيقول قال: وذكر الحديث بطوله ثم يقول والحديث بطوله
هو كذا وكذا ويسوقه إلى آخره.
وسأل بعض أهل الحديث أبا
إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعي المقدم في الفقه وإلاصول عن ذلك فقال: لا يجوز
لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من إلالفاظ على التفصيل. وسأل أبو
بكر البرقاني الحافظ الفقيه أبا بكر إلاسماعيلي الحافظ الفقيه عمن قرأ إسناد حديث
على الشيخ ثم قال وذكر الحديث هل يجوز أن يحدث بجميع الحديث ؟ فقال: إذا عرف
المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجوز ذلك والبيان أولى أن يقول كما كان.
قلت: إذا جوزنا ذلك
فالتحقيق فيه: أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ لكنها إجازة أكيدة قوية من
جهات عديدة فجاز لهذا مع كون أوله سماعا إدراج الباقي عليه من غير إفراد له بلفظ الإجازة
والله أعلم.
الثامن عشر: الظاهر
أنه لا يجوز تغيير عن النبي إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن
جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف.
__________
قوله الظاهر أنه لا
يجوز تغيير عن النبى إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت
الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف انتهى.
وفيه نظر من حيث أن
المعنى لا يختلف في نسبة الحديث لقائله بأى وصف وصف من تعريفه بالنبى أو رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك فإن اختلف مدلول لفظ النبى والرسول فليس المقصود
هنا بيان وصفه إنما المراد تعريف القائل بأى وصف عرف به واشتهر وأما ما استدل به
بعض من اختصر كتاب ابن الصلاح على منع ذلك.
وثبت عن عبد الله بن أحمد
بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب النبي فقال المحدث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ضرب وكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال الخطيب أبو بكر: هذا
غير لازم وإنما استحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك. ثم
ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: يكون في الحديث قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيجعل إلانسان قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرجو أن لا
يكون به بأس.
وذكر الخطيب بسنده عن
حماد بن سلمة: أنه كان يحدث وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي صلى الله عليه
وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما حماد: أما أنتما فلا تفقهان أبدا
والله أعلم.
التاسع عشر: إذا كان
سماعه على صفة فيها بعض الوهن فعليه أن يذكرها في حالة الرواية فإن في إغفالها نوعا
من التدليس وفيما مضى لنا أمثلة لذلك. ومن أمثلته: ما إذا حدثه المحدث من حفظه في
حالة المذاكرة فليقل حدثنا فلان مذاكرة أو حدثناه في المذاكرة فقد كان غير واحد من
متقدم العلماء يفعل ذلك وكان جماعة من حفاظهم يمنعون من أن يحمل عنهم في المذاكرة
شيء منهم عبد الرحمن بن مهدي و أبو زرعة الرازي ورويناه عن ابن المبارك وغيره.
وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة مع أن الحفظ خوان ولذلك امتنع جماعة من أعلام
الحفاظ من رواية
______
من حديث البراء بن
عازب في الصحيح حين علمه صلى الله عليه وسلم ما يدعو به عند النوم من قوله
"آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الذى أرسلت" فقال البراء يستذكرهن
وبرسولك الذى أرسلت فقال صلى الله عليه وسلم "لا قل ونبيك الذى أرسلت"
فليس فيه حجة على منع ذلك في الرواية لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ
وتقدير الثواب وربما كان اللفظ سر ليس في لفظ آخر يرادفه ولعله أراد الجمع بين وصفه
بالنبوة والرسالة في موضع واحد لا حرم أن النووى قال الصواب جوازه لأنه لا يختلف
به هنا معنى والله أعلم.
ما يحفظونه إلا من
كتبهم منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
العشرون : إذا كان
الحديث عن رجلين: أحدهما مجروح مثل أن يكون عن ثابت البناني وأبان بن أبي عياش عن
أنس. فلا يستحسن إسقاط المجروح من الإسناد وإلاقتصار على ذكر الثقة خوفا من أن
يكون فيه عن المجروح شيء لم يذكره الثقة قال نحوا من ذلك أحمد بن حنبل ثم الخطيب
أبو بكر.
قال الخطيب: وكان
مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة ثم يقول وآخر
كناية عن المجروح. قال: وهذا القول لا فائدة فيه.
قلت: وهكذا ينبغي إذا
كان الحديث عن رجلين ثقتين أن لا يسقط أحدهما منه لتطرق مثل إلاحتمال المذكور إليه
وإن كان محذور إلاسقاط فيه أقل. ثم لا يمتنع ذلك في الصورتين امتناع تحريم لأن
الظاهر اتفاق الروايتين. وما ذكر من إلاحتمال نادر بعيد فإنه من إلادراج الذي لا
يجوز تعمده كما سبق في نوع المدرج والله أعلم.
الحادي والعشرون: إذا
سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه ولم يميزه وعزي الحديث جملة إليهما
مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن إلاخر بعضه فذلك جائز كما فعل الزهري في حديث إلافك
حيث رواه عن عروة وابن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن
عتبة عن عائشة رضي الله عنها. وقال: وكلهم حدثني طائفة من حديثها قالوا: قالت: الحديث
ثم إنه ما من شيء من
ذلك الحديث إلا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين على إلابهام حتى إذا
_________
"قوله" إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه ولم يميزه وعزى
الحديث جملة إليهما مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه فذلك جايز كما فعل الزهرى
في حديث الإفك فذكره ثم قال وغير جائز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد
كان أحدهما مجروحا لم
يجز إلاحتجاج بشيء من ذلك الحديث وغير جائز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد
الراويين ويروي الحديث عن الآخر وحده بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بإلافصاح بأن
بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر والله أعلم.
_________
الراويين ويروى
الحديث عن الآخر وحده إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأن البخارى أسقط ذكر أحد
شيخيه أو شيوخه في مثل هذه الصورة واقتصر على ذكر شيخ واحد فقال في كتاب الرقاق من
صحيحه في باب كيف كان عيش النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا
حدثنى أبو نعيم بنصف من هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان
يقول آلله الذى لا إله إلا هو إن كنت لاعتمد بكبدى على الأرض من الجوع الحديث
انتهى.
والجواب أن الممتنع
إنما هو إسقاط بعض شيوخه وإيراد جميع الحديث عن بعضهم لأنه حينئذ يكون قد حدث عن
المذكور ببعض ما لم يسمعه منه فأما إذا بين أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما
فعل البخارى هنا فليس بممتنع وقد بين البخاري في موضع آخر من صحيحه القدر الذي
سمعه من أبى نعيم من هذا الحديث أو بعض ما سمعه منه فقال في كتاب الاستئذان حدثنا
أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر ح وحدثنا محمد بن مقاتل أنبأنا عبد الله أنبأنا عمر بن
ذر أنبأنا مجاهد عن أبى هريرة رضي الله عنه قال "دخلت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فوجد لبنا في قدح فقال: أبا هر ألحق الصفة أهل فادعهم إلى" قال فأتيتهم
فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا انتهى.
فهذا هو بعض حديث أبى
نعيم الذي ذكره في الرقاق وأما بقية الحديث فيتحمل أن البخاري أخذه من كتاب أبى
نعيم وجادة أو إجازة له سمعه من شيخ آخر غير أبى نعيم أما محمد بن مقاتل الذي روى
عنه في الاستئذان بعضه أو غيره ولم يبين ذلك بل اقتصر على اتصال بعض الحديث من غير
بيان ولكن ما من قطعة منه إلا وهى محتملة لأنها غير متصلة بالسماع إلا القطعة التي
صرح البخاري في الاستيذان باتصالها والله أعلم.
النوع السابع
والعشرون: معرفة آداب المحدث:وقد مضى طرف منها اقتضته إلانواع التي قبله.
علم الحديث علم شريف
يناسب مكارم إلاخلاق ومحاسن الشيم وينافر مساوي إلاخلاق ومشاين الشيم وهو من علوم
إلاخرة لا من علوم الدنيا. فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه
فليقدم تصحيح النية وإخلاصها وليطهر قلبه من إلاغراض الدنيوية وأدناسها وليحذر
بلية حب الرياسة ورعوناتها.
وقد اختلف في السن
الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث وإلانتصاب لروايته. والذي نقوله: إنه
متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان. وروينا عن
القاضي الفاضل أبي محمد بن خلاد رحمه الله أنه قال: الذي يصح عندي من طريق إلاثر
والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو: أن يستوفي الخمسين لأنها
انتهاء الكهولة وفيها مجتمع إلاشد. قال سحيم بن وثيل:
أخو خمسين مجتمع أشدي
ونجذني مداورة الشؤون
قال: وليس
بمنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال نبئ رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته
ويتوفر عقله ويجود رأيه.
وأنكر القاضي عياض
ذلك على ابن خالد وقال: كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى
هذا السن ومات قبله وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى هذا عمر بن عبد العزيز
توفي ولم يكمل الأربعين و سعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين.
وكذلك إبراهيم النخعي
وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين
وقيل: ابن سبع عشرة
والناس متوافرون وشيوخه أحياء.
وكذلك محمد بن إدريس
الشافعي: قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك. والله أعلم.
قلت: ما ذكره
ابن خلاد غير مستنكر وهو محمول على أنه قاله: فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه
من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره. فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد
استيفاء السن المذكور فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده.
وأما الذين ذكرهم عياض
ممن حدث قبل ذلك: فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها
الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة
الحال.
وأما السن الذي إذا
بلغه المحدث انبغى له الإمساك عن التحديث: فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم
والخرف ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه والناس في بلوغ هذه السن
يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم. وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه
فليمسك عن الرواية وقال ابن خلاد: أعجب إلي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم فإن
كان عقله ثابتا ورأيه مجتمعا يعرف حديثه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له
خيرا ووجه ما قاله: أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب وخيف عليه إلاختلال
وإلاخلال أو أن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد
الرزاق و سعيد بن أبي عروة.
وقد حدث خلق بعد
مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة منهم: أنس بن مالك و سهل بن سعد
و عبد الله بن أبي أوفي من الصحابة و مالك
و الليث و ابن عيينة
و علي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين. وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة منهم: الحسن بن عرفة و أبو
القاسم البغوي و أبو إسحاق العجيمي و القاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم
أجمعين والله أعلم.
ثم إنه لا ينبغي
للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك. و كان إبراهيم و الشعبي إذا اجتمعا لم
يتكلم إبراهيم بشيء.
وزاد بعضهم: فكرة
الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك.
روينا عن يحيى بن
معين قال: إذا حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق.
وعنه أيضا: إن الذي
يحدث بالبلدة وفيها من هو أولى بالتحديث منه فهو أحمق.
وينبغي للمحدث إذا
التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من
وجه آخر أن يعلم الطالب به ويرشده إليه فإن الدين النصيحة.
ولا يمتنع من تحديث
أحد لكونه غير صحيح النية فيه فإنه يرجى له حصول النية من بعد روينا عن معمر قال:
كان يقال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله عز وجل
وليكن حريصا على نشره
مبتغيا جزيل أجره.
وقد كان في السلف رضي
الله عنهم من يتألف الناس على حديثه منهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما وليقتد
بمالك رضي الله عنه: فيما أخبرناه أبو القاسم الفراوي
بنيسابور أخبرنا أبو
المعالي الفارسي: أخبرنا أبو بكر البيهقي الحافظ قال: أنا أبو عبد الله الحافظ
قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني حدثنا جدي: حدثنا إسماعيل
بن أبي أويس قال: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح
لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث. فقيل له في ذلك. فقال: أحب أن أعظم حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا وكان يكره أن يحدث في
الطريق أو هو قائم أو يستعجل. وقال أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
وروي أيضا عنه أنه
كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره وقال: قال الله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ} . فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع
صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروينا أو: بلغنا عن محمد
بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال: القارئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا قام لأحد فإنه يكتب عليه خطيئة".
ويستحب له مع أهل
مجلسه ما ورد عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن
يقبل عليهم جميعا والله أعلم.
ولا يسرد الحديث سردا
يمنع السامع من إدراك بعضه.
وليفتتح مجلسه
وليختتمه بذكر ودعاء يليق بالحال. ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول: الحمد
لله رب العالمين أكمل الحمد على كل حال. والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين
كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون. اللهم صل
عليه وعلى آله وسائر
النبيين وآل كل وسائر الصالحين نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.
ويستحب للمحدث العارف
عقد مجلس لإملاء الحديث فإنه من أعلى مراتب الراوين والسماع فيه من أحسن وجوه
التحمل وأقواها وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين
المتصدين لمثل ذلك.
وممن روي عنه ذلك:
مالك و شعبة و وكيع و أبو عاصم و يزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين وليكن
ستمليه محصلا متيقظا كيلا يقع في مثل ما روينا: أن يزيد بن هارون سئل عن حديث
فقال: حدثنا به عدة فصاح به مستمليه: يا أبا خالد عدة ابن من ؟ فقال له: عدة ابن
فقدتك.
وليستمل على موضع
مرتفع من كرسي أو نحوه فإن لم يجد استملى قائما.
وعليه أن يتبع لفظ
المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف. والفائدة في استملاء المستملي: توصل من يسمع
لفظ المملي على بعد منه إلى تفهمه وتحققه بإبلاغ المستملي.
وأما من لم يسمع إلا
لفظ المستملي: فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملي مطلقا من غير بيان
الحال فيه. وفي هذا كلام قد تقدم في النوع الرابع والعشرين.
______
النوع السابع
والعشرون: معرفه آداب المحدث.
"قوله" وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملى فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك
عن المملى مطلقا من غير بيان الحال فيه وفي هذا كلام قد تقدم في النوع الرابع والعشرين
انتهى.
والذي قدمه هناك أنه
حكى هناك قولين أحدهما الجواز والثاني المنع وقال إن الأول بعيد فاقتضى كلامه هناك
رجحان الامتناع والصواب كما قدمته هناك أنه إن كان المملى
ويستحب افتتاح المجلس
بقراءة قارئ لشيء من القرآن العظيم. فإذا فرغ استنصت المستملي أهل المجلس إن كان
فيه لغط ثم يبسمل ويحمد الله تبارك وتعالى ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويتحرى الأبلغ في ذلك ثم يقبل على المحدث ويقول: من ذكرت أو ما ذكرت رحمك الله أو
غفر الله لك أو نحو ذلك وكلما انتهى إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه
وذكر الخطيب أنه يرفع صوته بذلك وإذا انتهى إلى ذكر الصحابي قال رضي الله عنه.
ويحسن بالمحدث الثناء
على شيخه في حالة الرواية عنه بما هو أهل له فقد فعل ذلك غير واحد من السلف
والعلماء كما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه كان إذا حدث عن ا بن عباس رضي الله
عنهما قال: حدثني البحر وعن وكيع أنه قال حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وأهم من ذلك الدعاء
له عند ذكره فلا يغفلن عنه.
ولا بأس بذكر من يروي
عنه بما يعرف به من لقب كغندر لقب محمد بن جعفر صاحب شعبة و لوين لقب محمد بن
سليمان المصيصي. أو نسبة إلى أم عرف بها كيعلى بن منية الصحابي وهو ابن أمية ومنية
أمه وقيل: جدته أم أبيه أو وصف بصفة
_________
يسمع لفظ المستملى
فحكم حكم القارئ وعلى الشيخ فيجوز لسامع المستملى أن يرويه عن المملى لكن لا يجوز
أن يقول سمعت ولا أخبرنى فلان املاء إنما يجوز ذلك لمن سمع لفظ المملى ويجوز أن
يقول أنبأنا فلان ويطلق ذلك على الصحيح وهل يجوز أن يقيد ذلك بقوله قراءة عليه
تحتمل أن يقال بالجواز لأن المستملى كالقارئ على الشيخ ويحمل أن لا يجوز ذلك لأن
موضوع المستملى تبليغ ألفاظ الشيخ وليس قصده القراءة على الشيخ الأول أظهر كما
تقدم هناك والله أعلم.
قوله أو نسبة إلى أم
عرف بها كيعلى بن منية الصحابى وهو ابن أمية ومنية أمه وقيل جدته أم أبيه انتهى
نقص في جسده عرف بها
كسليمان إلاعمش وعاصم إلاحول. إلا ما يكرهه من ذلك كما في إسماعيل بن إبراهيم
المعروف بابن علية وهي أمه وقيل: أم أمه. روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول
حدثنا إسماعيل بن علية فنهاه أحمد بن حنبل وقال: قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه فقال:
قد قبلنا منك يا معلم الخير.
وقد استحب للملي أن
يجمع في إملائه بين الرواية عن جماعة من شيوخه مقدما للأعلى إسنادا أو إلاولى من
وجه آخر. ويملي عن كل شيخ منهم حديثا واحدا ويختار ما علا سنده وقصر متنه فإنه
أحسن وأليق. وينتقي ما يمليه ويتحرى المستفاد منه وينبه على ما فيه من فائدة وعلو
وفضيلة. ويتجنب ما لا تحتمله عقول الحاضرين وما يخشى فيه من دخول الوهم عليهم في
فهمه.
وكان من عادة غير
واحد من المذكورين ختم إلاملاء بشيء من الحكايات والنوادر وإلانشادات بأسانيدها
وذلك حسن والله أعلم.
وإذا قصر المحدث عن
تخريج ما يمليه فاستعان ببعض حفاظ وقته فخرج له فلا بأس بذلك
قال الخطيب: كان
جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك.
وإذا نجز إلاملاء فلا
غنى عن مقابلته وإتقانه وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم
_______
رجح المصنف هنا أن
منية أم يعلى واقتصر في النوع السابع والخمسين على كونها جدته وحكاه عن الزبير بن
بكار وأنها جدته أم أبيه وما قاله الزبير هو الذى حزم به أبو نصر بن ماكولا ولكن
قال ابن عبد البر لم يصب الزبير انتهى.
والذى ذكره الطبرى
ورجحه أبو الحجاج المزى أنها أم يعلى لا جدته فما رجحه المصنف وهو الراجح والله
أعلم.
"قوله"
وإذا نجز الإملاء فلا غناء عن مقابلته واتقانه انتهى.
وطغيانه هذه عيون من
آداب المحدث اجتزأنا بها معرضين عن التطويل بما ليس من مهماتها أو هو ظاهر ليس من
مستبهماتها والله الموفق والمعين وهو أعلم.
النوع الثامن
والعشرون- معرفة آداب طالب الحديث:وقد اندرج طرف منه في ضمن ما تقدم فأول ما عليه
تحقيق الإخلاص والحذر من أن يتخذه وصلة إلى شيء من الأغراض الدنيوية روينا عن حماد
بن سلمه رضي الله عنه أنه قال: من طلب الحديث لغير الله مكر به وروينا عن سفيان
الثوري رضي الله عنه قال: ما أعلم عملا هو أفضل من طلب الحديث لمن أراد الله به.
وروينا نحوه عن ابن المبارك
رضي الله عنه. ومن أقرب الوجوه في إصلاح النية فيه: ما روينا عن أبي عمرو إسماعيل
بن نجيد: أنه سأل أبا جعفر أحمد بن حمدان وكانا عبدين صالحين فقال له: بأي نية
أكتب الحديث؟ فقال: ألستم تروون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ؟ قال: نعم. قال:
فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين.
وليسأل الله تبارك
وتعالى التيسير والتأييد والتوفيق والتسديد وليأخذ نفسه بالأخلاق
________
هكذا ذكره المصنف هنا
أنه لاغناء عن مقابلة الإملاء وتقدم في كلامه في النوع الخامس والعشرين الترخص في
الرواية من نسخة غير قابلة بشروط ثلاثة فيحتمل أن يكون كلامه هنا محمولا على ما
تقدم هناك ويحتمل أن يفرق بين النسخ من أصل السماع والنسخ من إملاء الشيخ حفظا لأن
الحفظ يخون فربما تذكر الشيخ عند المعارضة ما لعله سبق إلى لفظه والله أعلم.
"قوله"
نجز هو بكسر الجيم على المشور وبه جزم الجوهرى فقال نجز الشئ بالكسر ينجز نجزا أى
انقضى وفنى انتهى.
وهذا هو الذى قيد عن
المصنف في حاشية علوم الحديث حين قرئ عليه والذى صدر به صاحب المحكم كلامه بالفتح
فقال نجز الكلام بالفتح انقطع ونجز الوعد ينجز نجزا حضر قال وقد يقال نجز قال ابن
السكيت كأن نجز فنى وكأن نجز قضى حاجته انتهى.
الزكية والآداب
المرضية. فقد روينا عن أبي عاصم النبيل قال: من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين فيجب أن يكون خير الناس
وفي السن الذي يستحب فيه الابتداء بسماع الحديث وبكتبته اختلاف سبق بيانه في أول
النوع الرابع والعشرين وإذا أخذ فيه فليشمر عن ساق جهده واجتهاده ويبدأ بالسماع من
أسند شيوخ مصره ومن الأولى فالأولى من حيث العلم أو الشهرة أو الشرف أو غير ذلك.
وإذا فرغ من سماع
العوالي والمهمات التي ببلده فليرحل إلى غيره.
روينا عن يحيى بن
معين أنه قال: أربعة لا يؤنس منهم رشد: حارس الدرب ومنادي القاضي وابن المحدث ورجل
يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث وروينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قيل
له: أيرحل الرجل في طلب العلو ؟ فقال: بلى والله شديدا لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث عن عمر رضي
الله عنه فلا يقنعهما حتى يخرجا إلى عمر رضي الله عنه فيسمعانه منه والله أعلم.
وعن إبراهيم بن أدهم
رضي الله عنه أنه قال: إن الله تعالى يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث
ولا يحملنه الحرص والشره على التساهل في السماع والتحمل والإخلال بما يشترط عليه
في ذلك على ما تقدم شرحه.
وليستعمل ما يسمعه من
الأحاديث الواردة بالصلاة والتسبيح وغيرهما من الأعمال الصالحة فذلك زكاة الحديث
على ما روينا عن العبد الصالح بشر بن الحارث الحافي رضي الله عنه.
وروينا عنه أيضا أنه
قال: يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا الحديث اعملوا من كل مأتي حديث بخمسة أحاديث.
وروينا عن عمرو بن
قيس الملائي رضي الله عنه قال: إذا بلغك شيء من
الخير فاعمل به ولو
مرة تكن من أهله وروينا عن وكيع قال: إذا أرت أن تحفظ الحديث فاعمل به.
وليعظم شيخه ومن يسمع
منه فذلك من إجلال الحديث والعلم ولا يثقل عليه ولا يطول بحيث يضجره فإنه يخشى على
فاعل ذلك أن يحرم الانتفاع.
وقد روينا عن الزهري
أنه قال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب.
ومن ظفر من الطلبة
بسماع شيخ فكتمه غيره لينفرد به عنهم كان جديرا بأن لا ينتفع به وذلك من اللؤم
الذي يقع فيه جهلة الطلبة الوضعاء. ومن أول فائدة طلب الحديث الإفادة.
روينا عن مالك رضي
الله عنه أنه قال: من بركة الحديث إفادة بعضهم بعض.
وروينا عن إسحاق بن
إبراهيم راهويه: أنه قال لبعض من سمع منه في جماعة: انسخ من كتابهم ما قد قرأت.
فقال: إنهم لا يمكنونني. قال إذا والله لا يفلحون قد رأينا أقواما منعوا هذا
السماع فو الله ما أفلحوا ولا أنجحوا.
قلت: وقد رأينا نحن
أقواما منعوا السماع فما أفلحوا ولا أنجحوا ونسأل الله العافية والله أعلم.
ولا يكن ممن يمنعه
الحياء أو الكبر عن كثير من الطلب.
وقد روينا عن مجاهد
رضي الله عنه أنه قال: لا يتعلم مستحي ولا مستكبر.
وروينا عن عمر بن
الخطاب وابنه رضي الله عنهما أنهما قإلا: من رق وجهه رق علمه.
ولا يأنف من أن يكتب
عمن دونه ما يستفيده منه. روينا عن وكيع بن الجراح رضي الله عنه أنه قال: لا ينبل
الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه وليس بموفق
من ضيع شيئا من وقته في إلاستكثار من
الشيوخ لمجرد اسم
الكثرة وصيتها وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش
وليكتب وليسمع ما يقع إليه من كتاب أو جزء على التمام ولا ينتخب. فقد قال ابن
المبارك رضي الله عنه: ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت. وروينا عنه أنه قال: لا ينتخب على عالم إلا بذنب.
وروينا أو بلغنا عن
يحيى بن معين أنه قال: سيندم المنتخب في الحديث حين لا تنفعه الندامة
فإن ضاقت به الحال عن
إلاستيعاب وأحوج إلى إلانتقاء وإلانتخاب تولى ذلك بنفسه إن كان أهلا مميزا عارفا
بما يصلح للانتقاء وإلاختيار. وإن كان قاصرا عن ذلك استعان ببعض الحفاظ لينتخب له.
وقد كان جماعة من الحفاظ متصدين للانتقاء على الشيوخ والطلبة تسمع وتكتب بانتخابهم
منهم: إبراهيم بن أرمة إلاصبهاني و أبو عبد الله الحسين بن محمد المعروف بعبيد
العجل و أبو الحسن الدارقطني و أبو بكر الجعاني في آخرين وكانت العادة جارية برسم
الحافظ علامة في أصل الشيخ على ما ينتخبه فكان النعيمي أبو الحسن يعلم بصاد ممدودة
و أبو محمد الخلال بطاء ممدودة و أبو الفضل الفلكي بصورة همزتين وكلهم يعلم بحبر
في الحاشية اليمنى من الورقة وعلم الدارقطني في الحاشية اليسرى بخط عريض بالحمرة.
وكان أبو القاسم اللالكائي الحافظ يعلم بخط صغير بالحمرة على أول إسناد الحديث ولا
حجر في ذلك ولكل الخيار.
ثم لا ينبغي لطالب الحديث:
أن يقتصر على سماع الحديث وكتبه دون معرفته وفهمه فيكون قد أتعب نفسه من غير أن
يظفر بطائل وبغير أن يحصل في عداد أهل الحديث بل لم يزد على أن صار من المتشبهين
المنقوصين المتحلين بما هم منه عاطلون.
أنشدني أبو المظفر بن
الحافظ أبي سعد السمعاني رحمه الله لفظا بمدينة مرو قال: أنشدنا والدي لفظا أو
قراءة عليه قال: أنشدنا محمد بن ناصر ألسلامي من لفظه قال
أنشدنا الأديب الفاضل
فارس بن الحسين لنفسه: